|
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة بعنوان
درة الأكوان في ديار الخذلان
تأليف/ محمد المالكي.
بسم الله الرحمن الرحيم
همسات تسللت من بين ذلك الصمت الرهيب تشق ظلمة الليل معلنة نداء عاجلاً للقاء الحبيب وإصابة مباشرة لجسده.. بدأت في محاولة جاهدة لتحديد مكان وقوعها من جسدي وللأسف فقد عرفت بأنها وقعت في أضعف عضو لدي …!! لقد أصابت وأصابت في مقتل..أصابتني في أضعف ما يكمن بين الضلوع ..أصابتني في مضغة لا تتجاوز قبضة الكف في حجمها.. ولكنها أخطر ما يكون… حاولت محاولات مستميتة أن أصمد أمام جراحي .. ولكن هيهات هيهات … لقد كان المصاب أصعب من أن يداوى فالجرح غائر متغلغل في جوف الحشا… أيقنت حينها بأني هالك لا محالة .. وبأن تلك الهمسة كانت منتقاة بعناية .. وأنها قد أصابت هدفها بدقة.. خالجني شعور بالخوف رهيب لم يتملكني مثله طوال حياتي… لم أدري أكان ذلك الخوف نابع من كوني سأموت ؟ أم من ذلك الغريب القادم الذي اسمع خطواته آتية من بعيد …؟!! لحظات بدت وكأنها ساعات .. كان الجو مكفهراً بالرعب والفزع ومحاولة جاهدة لمعرفة المصير.. وفجأة إذا بذالك الغريب يقطع تلك اللحظات.. يا إلهي ..يالهول ما رأيت…!!! امرأة بل فتاة شابة نظرة الوجه كأنها القمر بل أن القمر لا يرتقي لأن أشبهها به… فهو المشبه وهي المشبه به.. بادرتني بابتسامة ارتسمت على ذلك المحيا فانفلجت تلك الشفاه الياقوتية عن عقد من اللؤلؤ الذي ارتص ليكوَّن مبسماً مشعاً نقياً يعكس نقاء الداخل من أحشائها.. وقفت وقد بدت علي الدهشة ..بدأت باستدراك محادثتي لنفسي لعلي أعرف ما قالته عن تلك المخلوقة الملائكية .. ولكن كان عقلي الباطن قد هام بالتفكير قبلي..تداركته مسرعاً لأكون معه في تفكيره.. ولكن للأسف فقد كان خاوياً لهول ما رأى… ولن أعاتبه في ذلك فقد رأى ما يفوق الخيال.. كانت حورية تمشي على وجه البسيطة.. يعجز العقل عن استيعاب حسنها.. قطعت علي تلك التأملات بصوت لم أسمع في حياتي بمثل تناغمه .. كان كل حرف يتجه لمقره في فؤادي وكأنه موجهٌ من قبل رامٍ بارع … كان وقع كلماتها يزيد النفس لهفة ..والروح نشوة.. جملها خامرت عقلي وتفكيري ولم يعد لي هاجس سواها .. لنبرات صوتها نغم كنغم العود ولتردده موسيقى تطرب لها الآذان… اقتربت منها هائم على وجهي ..لعلي استقي من حسن ثغرها ما يزيل الضما ويشفي الجروح.. اقتربت وليتني لم أقترب ..فقد كان المسك هو لحمها .والعنبر أديمها .. فلله درها… جثوت فسارعت في حملي وجعلت عاتقها جنباً إلى عاتقي ..ولامس خدها خدها خدي وضم كفها كفي.. انتشيت ونسيت مابي من جراح..وهدأت في جوفي الأنّات.. وبدت على محياي المسرات.. فَرِحَتْ لِفَرَحِيْ وسُرَتْ لِسُرُورِي.. لكن ما أشغلني ذلك الملمس الحريري بل الحرير يصير شوكاً بجانبه .. ما ذلك الشيء الذي يلامسه خدي .. وما ذلك النسيم العطر الذي يداعب شعري.. وما ذلك النور الذي يشع بجانبي.. ياللهول,, إلتفت لأرى وأستكشف بنفسي.. لم تكن تلك النعومة إلا من ذلك الخد والنسيم العطر آتٍ من ذلك الثغر الدري.. وذلكم النور من ذلك النحر.. بادرت بسؤالها لعلي أجد ما يزيل التساؤلات من عقلي.. قلت لها : أي دُرِيتي ..أي عشيقتي .. من تكوني.؟؟من أين أتيتِ؟ فمنذ خلقي لم أرى مثلك قط… أجابتني بذلك الصوت المعهود الذي تطرب له الآذان وتهيم لسماعه العقول وتتعلق به القلوب..وأتبعتها بتنهد زادها جمالاً وروعة قائلة : آه يا أمجد .. أنا من تغنى بها الأمراء .. ومن رثاها الشعراء…ومن مات في أحضانها الأبطال.. أنا يا أمجد من مات لي ألف ألف ولد .. ومن ترملت لأجلي النساء .. وتيتم لأجلي الأطفال,, أنا من كانت تعيش في هناء ,, واليوم هي في بؤس وشقاء,, أنا من تخلى عني الأحبة ,, وفضلوا أن يتركوني في العراء,, صمتت لبرهة وسكبت من مقلتيها بضع لآلئ تتدحرج على ذلكم الخد مواصلة طريقها نحو الأرض لترويها من دموعها,, قاطعتها .. قائلاً: ويحك ما كل هذا الهراء.. أهناك من رآكِ ولم يجن؟.. أهناك من يسمعك ولا يجيب..؟ أهناك من تخلى عنكِ بعد أن رأى هذا الوجه الصبوح..؟؟ كفي عن ذلك وأخبريني لعلي أداوي ما بكِ من جراح … قالت: ولم لا يا أمجد وأنا من تخلى عنها إخوتها ولم ينصرها حتى بنو عمها,, قَطْعَتْ حديثها ببكاء حار لتسكب المزيد من اللآلئ المتدحرجة على ذلك الخد فقد أصبحت تعرف طريقها .. وبذلك رسمت لوحة جميلة سبحان من خلقها.. تمنيت أن تستمر تلكم الدموع بالانهمار والتدحرج .. ولكنها تنبهت لمتابعتي لها مما كسا تلكم الخدين حلة حمراء من الخجل.. اقتربت منها وأرسلت كفي على وجهها عله يخفف ما بها من آلام … مسحت دموعها وجعلت أُسَيِرُ يدي على جبينها… وهي لا تزال في نحيب… وضعت رأسها على صدري علها تشعر بشيء مما يدور في فؤادي تجاهها.. فلربما هدأت وزال الحزن عنها.. وبالفعل,, فقد هدأت وتوقفت عن بكائها ,, ولكن لا تزال زفراتها المتتابعة تؤرقني وتجعلني في موقف العجز والحزن.. قلت لها : كفى يا حلوتي .. كفى فقد قطعتي نياط قلبي.. كفى فلم أعد أقوى… ماذا حل بكِ ؟؟… وما سركِ الذي تخفينه عني؟.. ردت بصوت رقيق يخالطه الحزن…: سأروي لك ما تجهله .. فأعرني سمعك لعل خلاصي يكون على يديك.. قلت: نعم..سيكون.. وأعدكِ بذلك.. قالت: سأرى ,, وكم من الشجعان قد وعدوا ولم يوفوا.. قلت: إذاً إن لم أفي بوعدي.. فاختاري لي ما تريدين من العقاب.. –أومأت لي برأسها ……. وقالت : حسناً ..والآن سأخبرك بقضيتي… قلت : هيا أسرعي فأنني في شوقٍ عظيم.. قالت: في أحد الأيام يا أمجد .. وبينما أنا ألهو وألعب.. وحولي الأطفال والرجال والنساء ,, كلٌ قد ملأ السرور وجهه.. وكلٌ في إخاء ومودة.. وفجأة إذا بصوت غريب وغبار قد ملأ الأفق آتٍ من بعيد.. شخصت له الأبصار واتسعت لهوله المآقي.. وإذا بقذيفة تسقط على قريتي وتتناثر من جرائها الأشلاء..ويعم بسببها الدمار .. وتتعالى صيحات الأرامل و الثكالى والأطفال لتعم المكان .. ولكني بقيت صامتةٍ لا أعلم ما حل بي .. ونظري شاخص لمنظر بشعٍ مرعبٍ لطفل قد تناثرت أشلاؤه ,, وحينها صرخت وبكيت .. استنجدت واستنكرت,, ولكن مامن مجيب… ولكن .. للحظة واحدة تذكرت بأن الفرج آتٍ والنصر قريب.. فلعل أيام صلاحٍ ستعود.. بدأت أنادي صلاااح ..صلاااااااااااااااااااااااح,,أين أنت ؟ أنقذني.. أين هي بطولاتك ؟ أين هي أمجادك.. أغثني فقد غرس الأعداء الصليب في جسدي ويريدونني أن أرتد عن ديني… صلاااااااااااااح أين أنت ؟ ألم تنقذني منهم قديماً ؟لم لا تفعل ذلك الآن؟ ولكن صلاح لم يُجِب.. ولم يأتي على فرسه كما كان سابقاً.. أدركت بأن الأمر لم يعد لصلاح ,,, فتوجهت بالنداء لإخوتي بنو لحمي ودمي.. لعلهم يجيبون وينصرون أختهم العذراء من جور المعتدي والمغتصب.. ولكن هيهات هيهات ,, فقد كان حالي كقول الشاعر: لو ناديت لأسمعت حياً ******** لكن لا حياة لمن تنادي…. كان هناك صبي وحيد أراه من بعيد قادم يشق صفوف الأعداء لعله يحظى بي.. وينقذني.. تهلل وجهي وأشرقت الدنيا في عينيَّ… وحل الفرح مكان أحزاني.. رأيته مستبسلاً ..قادماً مقاوماً بشراسة الأبطال.. كأنه أسد في وسط الغاب.. كاد أن يصل .. ولكن ……………. قلت : ماذا ؟ ولكن ماذا ؟ قولي لي.. قاطعت تساؤلاتي ببكائها الحار الذي يقطع القلوب … وبصوت تملأه العبرة أكملت قائلة : ولكن يد الغدر أخذته مني .. وحالت دون وصوله إلي,, بكيت وكدت أن أقدم على قتل نفسي.. ولكني تراجعت وأقسمت أن ألد شعباً بأكمله يقاوم العدو ويأخذ بثأر ذلك الفتى الشجاع..وبثأر كل من ماتوا في سبيل خلاصي.. وهكذا يا أمجد مرت الأيام ونفذت وعدي.. ولكن المعاناة زادت مع تنفيذه.. ففي كل يومٍ يقتل من أبنائي العشرات.. ويموت من الجوع المئات.. لقد حرم الأعداء أبنائي من مساكنهم.. ومن أداء فرائض دينهم التي ربيتهم عليها.. أأمجد شاهدت أبنائي الأطفال يقتلون بدم بارد ..رأيت الأعداء وقد اجتمعوا في خسة وجبن على اثنين من أبنائي العُزَل.. ولم يتوانوا في إطلاق النار عليهم من أسلحتهم الثقيلة..لتخترق الطلقات ذلك الجسدين الصغيرين.. لقد رأيت شيخاً كبيراً طاعناً في السن.. يقصف بصواريخ المروحيات للتناثر أشلاؤه أمام ناظري .. كل ذلك لأنه دافع عن أمه .. نعم عني أنا ,,,أنا ,,أنا,, :::::::::::::::: انهارت بالبكاء ,,, حتى أبكتني معها ,,وجعلت الدموع ترسم أثرها في وجهي… ظللت على تلك الحال طويلاً وهي لم تكن بمنأى عني,,, قمت إليها .. ضممتها.. عانقتها .. همست في أذنها.. قائلاً ومسلياً…: لا تخافي ولا تحزني إني هاهنا وسأحميكِ .. سأرد إليكِ مجدكِ الضائع وسأستعيد لكِ على عزتكِ المهدرة… سأسترد ما مضى ..وسأنتقم من أعدائكِ… :::::::::::::::::: ردت علي قائلة : أمجد … لن تستطيع ,,, تملكتني الدهشة!!!!!! قلت : لماذا؟! قالت: لأنك وحدك… قلت : وإن يكن ..فسأثبت لكِ استطاعتي ومقدرتي..ومدى عزمي وحزمي.. قالت : كلا , فقد كان من قبلك يريدون ذلك ولكن لم يستطيعوا .. لأنهم كانوا وحيدين… قلت: عجباً!!! ألهذا الحد وصلت قوة العدو..؟؟!! قالت : العدو أجبن من أن يكون قوياً .. ولكن الفرقة والوحدة هي ما تقويه.. لذلك سأخبرك سراً.. سراً عرفته وهو الذي سيقودك بعد الله لتحقيق هدفك… السر هو ………………………………………….. ……………………………… -::::::::::::::::- انقطع صوتها… صرخت أجيبي … ما هو السر ..؟ ولكن العدو كان قد اغتالها وسرها معها.. بدأت في محاولة جادة .. علي أن استعيدها.. وأن أبقيها على قيد الحياة.. ولكن القدر أسرع مني.. تمتمت بكلمات لم أفقه منها شيئاً… :::::::: هاهي روحها ترتفع وأنا أشاهد ذلك… نور ساطع من جسدها ارتفع نحو السماء… رويداً رويداً.. يسير في هدوء وروية ,,, صرخت كدت أن أجن .. أميرتي حلوتي ..عودي أنت حتى لم تخبريني باسمكِ ..من أنتي؟ وما هو سركِ ..؟ أرجكِ أتوسل إليكِ .. عودي وأخبريني… ألقيت بجسدي على جسدها.. ضممته إلي..بكيت بكاء حاراً..كصبيً فقد أمه.. حادثتها .. فتحت عينيها .. تقربت بأذني من صدرها لعلي أسمع النبضات.. ومن فمها لعلي أشعر بالنسمات.. ولكن لا شيء فقد ماتت ,,, نعم ماتت ومات سرها معها.. ازدادت حسرتي لعدم معرفتي ما هو ذلك السر الذي سيجعلني أستعيد أمجادها وبذلك أستعيدها هي بذاتها,, مكثت على تلك الحال طويلاً.. كنت أبتهل إلى الله بأن يرحمها.. وكانت صورتها لم تفارق ناظريَّ ..كلما التفت في ناحية أجد لها همسة أو وقفة في ذلك الموضوع.. لا زلت أسمع صدى صوتها حتى في منامي.. قمت وعزمت على معرفة ذلك السر… بحثت حولي لعلي أجد أثراً للجهة التي قدمت منها.. ولحسن الحظ .. أنني وجدت رقعة مكتوب عليها.. (( ستعرف من أنا ولكن المصاعب ستلاحقك في سبيل ذلك فتجلد بالصبر,,, وحينها ستجدني حية أرزق أمامك)) فرحت وابتهجت وملأ السرور قلبي فقد علمت أنها ستعود للحياة .. ولكن ما يعكر علي صفوي أنه يجب أن أجد ذلك السر أولاً.. بحثت وبحثت ولكن لم أجد في ذلك المكان شيئاً يفيدني.. لذلك عزمت على الرحيل وتوجهت إلى منزلي لأحزم أمتعتي .. وغادرت بعدها مسرعاً….
مررت على قرى عديدة ولكن لم أجد ضالتي.. وأخيراً وبعد أن أنهكني التعب..قررت أن آخذ قسطاً من الراحة وأن أخلد للنوم.. أغمضت جفناي.. وتمنيت بأن يكون نومي هادئاً لعلي أستريح فيه من عناء السفر,, في أثناء نومي .. رأيت أميرتي تأتي إلي وثيابها مبللة بالدماء وهي تصرخ وتقول أمجد لا تأتني وحدك … لا تأتني وحدك… قمت فزعاً من نومي.. استعذت من الشيطان .. وقمت فغسلت وجهي..وأخذت أفكر ملياً فيما قالته.. ولماذا قالت بأن لا أأتيها وحيداً.. وفي أثناء تلك التساؤلات.. أتى رجلٌ رث الثياب حزين الوجه… قد بدا على وجهه أثر السنين.. توجست منه خيفة .. ولكن ما أزال رعبي .. هو قوله مبتدئاً : السلام عليكم يا أمجد.. رددت عليه التحية بالمثل وزدتها .. وقلت له كيف عرفتني.. ؟ قال بل أنت ألم تعرفني..؟ قلت : لا يا ….. رد علي..: لا تأتي باسم من عندك…ولا تكنني.. فأنا فقط جئتك لأقول لك أمراً مهماً… ألا وهو : أن حوريتك لن تعود إليك , إلا إذا عاد إلي شبابي.. قلت : ويحك.. يا أيها الشيخ… فأنا لا أملك الأعمار… قال : نعم أنا أعرف..ولكن أنا لا أعني شبابي في العمر بل في ما حواه شبابي من أمجاد وبطولات.. قلت: أجل أجل .. فهمت ولكن من تكون؟ قال : آه يا أمجد أنا من تنكر له بنوه .. ومن سعى في قتله أهله,, ومن ركض الكثيرون في هلاكه.. أنا من كنت يوماً مضرب المثل في العز والمجد والرقي والحضارة.. أنا من جعلني الله سبباً في كسر تغطرس هرقل وقيصر… أنا من فتح الله به على الناس أبواب الجنان.. ولكن بعد ذلك وبسببك أنت يا أمجد وبسبب منهم على طريقك.. أصابني الذل والهوان.. والصغار.. لعلمك يا أمجد أن حوريتك لم تذل إلا بعد أن ذُُليت أنا … ولم يغلب على أمرها إلا من بعد ضعفي أنا.. وكل ذلك لأن أهلي وأهلها صامتون… أنا يا أمجد شامخ الرأس شديد البأس.. بعون رب الجن والناس.. ولكن لن أستطيع المقاومة والصمود وبنِيَّ هم من يقفون ضدي .. وهم من يحاولون هدمي… هاهي حوريتك قتلت والسبب في ذلك أنتم ..نعم أنتم.. صرخت فيه قائلاً.: أيه الشيخ ماذا تعني بتوجيه تهمك إلي..؟ ماذا عساني أن أفعل..؟! بل ماذا فعلت؟ فأنا لا أعرفك بل حتى إنني لا أعرف تلك الشابة.. فكيف لي أن أضركما؟ قال: لا .. بل أنت تعرفنا وتعرفنا جيداً.. وآباءك وأجدادك وجميعكم تعرفون من نحن… ولكنكم تتجاهلون الحقيقة.. لأن الهوان قد طبع عليكم.. رددت عليه مجادلاً : أيه الشيخ… لقد جادلت فأكثرت ..فأخبرني من تكون عليِّ أستطيع التفاهم معك.. قال : حسناً.. سأروي لك.. قصتي.. أنا يا بني بعثني الله على يد نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.. لأكون سبباً في نجاتكم من عذاب الله.. وسبباً في فوزكم برضوان الله وجنته.. أنا يا بني حملوني الرجال على أعناقهم.. وقدموا أعناقهم دون عنقي.. واستبسلوا في الدفاع عني. وقدموا أرواحهم رخيصة لأجلي.. أنا من كان الأطفال يضعونني بداخل صدورهم ولا يخرجونني حتى تفيض أرواحهم…. ليحملوني معهم لجنة الخلد..بإذن ربهم.. أنا من تهاوت الأجساد وبترت الأطراف وقطعت الرؤوس لأبقى شامخاً.. ولكن للأسف بعد ذلك المجد ها أنا ذا أرى الذل يكسي أبناء من عشت بداخلهم ,, ها أنى أرى الهوان على كل من حملني إلا من رحم ربي.. ها أنا ذا تقدم الأموال في سبيل قتلي .. وممن ..؟ من أبناء أولئك الأبطال.. للأسف أنني أرى أبناء أولئك الرجال منحطين في الشهوات.. للأسف أنني أرى أبناء أولئك الرجال متخبطين في الملذات.. للأسف أنني أرى أبناء أولئك الرجال متناسين لإسلامهم وعروبتهم.. أنا يا أمجد أنا الإسلام نعم أنا الإسلام أنا لإسلام الذي في صدوركم تتفاخرون به أنا الإسلام الذي تجعلونه دستوراً لكم ولكنكم كاذبون في ذلك كله.. نعم أنتم تكذبون …تكذبون… -:::::::::- انهرت تهاويت سقطت مكاني.. أغشي علي من هول ما سمعت..ورأيت.. كان حديثا مؤلماً ..حديثاً ذو شجون… لم أتمالك نفسي بكيت بعد أن رأيت حاله.. قاطع بكائي..قائلاً: لا تبك علي… لا تبك علي.. وابك على فرقة أمتك وشتاتها.. ابك على ما وصلت إليه .. ابك على حالها.. إلطم الخدود وشق الجيوب كالنساء لأنكم لم تستطيعوا أن تحافظوا على مجدكم.. ما فائدة العويل..؟؟ قلي بربك..ما فائدته..؟؟ كم قد بكيتم.. ! كم قد سكبتم الدموع..! وحالكم كما هو ,,, الفرقة و الابتعاد عن تعاليمي .. تعاليم الإسلام هي السبب في ذلك يا أمجد… نعم هي السبب فلو أنكم التزمتم بتعاليم الإسلام لم يكن هناك شتات .. و لم تكن هناك فرقه..و لم يتجرأ أحدهم على النيل منكم..والآن سأغادر …. سأرحل .. ولكن أملي أن يصلح حالكم.. وأريدك..أن تعرف بأن حوريتك لن تعود إلا إذا عدت أنا… -:::::::::::::- اختفى الشيخ ولا زالت الدموع تنسكب من عيني.. ماذا أفعل ؟ وما هي السبيل لإعادته إلا مجده؟… وبينما أنا على تلك الحال.. إذا بي أتذكر قصة الثيران الثلاثة.. والمقولة الشهيرة.. ((أكلت يوم أكل الثور الأبيض)) نعم ..ربطت بينها وبين مقولة الشيخ.. وعرفت أن الذل والهوان نتيجة للتفرق والشتات بين أمتي.. وأن حال الأمة قد آل إلى الدمار منذ أن تعاونت أمتي مع أعدائها على بعضها البعض.. وبهذا عرفت أن مهمتي صعبة ,, بل ومستحيلة .. شعرت بالعجز.. لأن تأليف قلوب أمة بأكملها وخصوصاً العربية منها ..يعد مستحيلاً.. فهم قوم جعلوا من هذا النص..(( اتفق العرب ألا يتفقوا )) شعارً ودستوراً لهم.. وبأن هذه الآية تنطبق عليهم (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون) ولكن سرعان ما تراجعت عن أفكاري العاجزة..وتذكرت كيف أن الإسلام جعل أشد الأعداء ..ولياً مطيعاً.. هيه إنه إسلام عظيم ولكن نحن من تخاذلنا في الدفاع عنه.. قطعت على نفسي أفكارها وعزمت أن أبدأ بدعوة أمتي للتوحيد .. مرت السنين .. وعلى مدى 60 عاماً ..أمتي لم يزدهم دعائي إلا نفوراً.. وبذالك توالت النكبات من الأعداء اللذين قتلوا حوريتي.. وبدلاً من أن تكون المصيبة واحدة .. أصبحت ثلاث مصائب. فأنا الآن لم أستطع أن أستعيد حوريتي التي عرفت مع مرور الأيام بأنها فلسطين.. وأيضاً لم أستطع أن أحافظ على حوريتي الثانية أفغانستان.. وكذالك لم أستطع أن أحافظ على حوريتي الأخرى العراق.. وهكذا أصبح حلمي في مهب الرياح ..تتلاعب به كيف شاءت.. وحوريتي لا يزال صراخها في مسمعي.. ولا زالت صورتها معلقة في ذهني.. هيه لن أنساك ما حييت ولن أكل أو أمل في ذكرك.. وأتأسف لكِ بأني لم أستطع مساعدتكِ .. لأن أمتي تخاذلت عن ذالك.. وأنا واحد ولا أستطيع… نعم سأقولها وبكل عجز .. وبكل ذلة وصغار.. (( أنا لن أستطيع الدفاع عنكي واسترجاعكِ..)) فاكتبي في مذكراتكِ تحت عنوان (( درة الأكوان في ديار الخذلان)) سامحيني.. فأنا لست كعمر أو صلاح.. إنما أنا عربي ,, أنتمي لأمة جعلت من شتاتها دستوراً لها .. ومن هوانها معرفاً تعرف به بين الأمم.. ولكني أعدكِ يا أميرتي بأنه سيأتي اليوم الذي سيعود إليك فيه مجدك.. إن لم يكن مني فمن أبنائي.. وإن لم يكن فمن أحفادي .. –:::::::::::::::::– قطعت تلك الاعترافات الملتهبة .. صفعة قوية على وجهي.. ألتفت لأنظر من وجهها إلي.. لأرى حوريتي واقفة أمامي .. والدم يغطي ثيابها ..حتى كساها حلة حمراء… قمت إليها لأحضنها .. لأضمها إلى صدري ..فأنا لا أصدق بأنها عادت إلي.. ولكنها وجهت إلي ركلة وثنت عليها بلطمة .. أقعدتني في مكاني.. وقالت : يا لخسارتي فيك يا أمجد.. يا لخسارتي فيك.. ظننتك أنت المنقذ .. ولكن للأسف فأنت ظهرت على حقيقتك المرَّه.. ..أنت مثل أولئك المتخاذلين.. أين وعودك..؟ ألم أقل لك بأنك لن تستطيع وأن غيرك قد خذلني؟ لماذا أبديت لي الشجاعة ..؟ لماذا أبديت لي القدرة على الانتصار ..؟ وفي الأصل أنت سبب الفشل.. لم جعلتني أنتظر الخلاص؟ لم جعلتني أرسم الأحلام والأمنيات..؟
قاطعتها بصوتٍ عال…: حوريتي أتأسف لك.. ولكنني عربـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــي نعم أنااااااااااااااااااااااااااااا عربـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــي |
|