التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

الغيرة التنويرية لساب الرسول صلى الله عليه وسلم السنة النبوية

[BACKGROUND="90 #000000"]


الغيرة التنويرية لساب الرسول صلى الله عليه وسلم



بسم الله الرحمن الرحيم


دفاعاً في وجه تجديف الزنادقة وعدوانهم على دين الله كان المسلمون يمارسون عملية احتسابية متواضعة بالفتاوى والبيانات والكتابات، ونفحات من الغيرة لله ولدينه، يعذرون بها إلى ربهم وهم يعيشون هذا الزمن الذي عزّ فيه حاكم مسلم ينتصر لله ولكتابه ممن يجدف بحقهما ويأخذ على أيدي الزنادقة ويكف شرهم عن المسلمين.

هذه العمليات الاحتسابية التي هي (الإيمان الضعيف) و (الحيلة التي باليد) لم تكن لتشفي صدور قوم مؤمنين، فرغم ما تبشر به من خير إلا أن آثار العدوان على دين الله -الذي يمر غالبا دون عقوبة- مؤذية لنفوس المؤمنين بالله ورسوله لا تغادرها إلا وقد أفعمتها بالكمد والحزن.

وإن من علامات أهل النفاق والإيمان الضعيف عدم مبالاتهم بالعدوان على دين الله، فهذا العدوان إذا لم يعني لهم حرية تعبير وعلامة تطور وسعة أفق فلن يعني لهم بأي حال أنه عدوان على مكون رئيس وقيمة حقيقية يستشعرونها، وفاقد الشيء لا يعطيه، ولن تجد غيرة على الدين عند من ليس من أهله من المذبذبين.

ومن أبرز مظاهر التذبذب التي يشاهدها المسلمون في الوقت المعاصر ما يسمى بالتنوير الإسلامي الذي اتخذ سبيلا وسطا بين الإسلام وأهله وبين أعدائه من اللادينيين، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والواقع أن هذا الصنف من الناس كان لا يدخر جهداً في معاكسة كل نفحة احتسابية إسلامية يتحرك فيها عباد الله ضد العدوان على دين الله، في شذوذ وربقة عن جماعة المسلمين وانعكاس لأزمتهم الحقيقية مع الصف الإسلامي وأهله.

نافح أحدهم عن الجابري في قوله بتحريف القرآن، ثم نافح أحدهم ضد أستاذ العقيدة العلامة البراك لما أفتى في زندقات لخالص جلبي، ثم نافحوا مرة أخرى ضد أسد الحسبة الشيخ يوسف الأحمد لما تكلم في النصراني عزمي بشارة وموقفه من الثورة السورية، ثم نافح مخذول عن زنديق يحرف مفهوم التوحيد ويناقض القرآن بلغ الحد بزندقته أن صدر أمر بإيقافه عن الكتابة – على خلاف العادة – ولا زالت المنافحات تزداد كلما زادت الزندقات وكلما زاد احتساب المسلمين، فهذه الأيام التي ضام فيها أهل الإسلام عدوان زنديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ينبري تنويري مخذول ليدافع عن هذا الزنديق، وهذا موقف لا يتحمل إلا أقدام آبق عن جماعة المسلمين نسأل الله السلامة والعافية.

ماذا يقول هذا المخذول في دفاعه عن ساب الرسول صلوات الله وسلامه عليه؟


لقد ذهب يسفسط مفرقاً بين السب وبين عدم الإيمان، وهذا التفريق الغبي مفاده: أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (كذاب أشر) سب قبيح وجريمة، أما تدبيج الكلام المطول في أنه لم يكن نبياً ولا رسولاً فهذا يندرج تحت (عدم الإيمان) مما لا يصح أن يوصف بأنه سب، مع أن كلا الأمرين في درجة واحدة من حيث المعنى المعقول منهما ومخالفته للشريعة والحقيقة، فلا يجد المرء تفسيراً لهذا التفريق غير المعقول إلا خذلان هذا الغيور لساب الرسول صلى الله عليه وسلم وضعف عقله عوضاً عن ضعف دينه.

النتيجة التي يصل إليها هذا التنويري: تجريم لأسلوب المخالفة، وليس تجريماً للمخالفة ذاتها، فمن ينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فليس لائقاً أن يتهمه بالكذب ويكتفي بذلك (لأن هذا سب يعاقب عليه القانون) بل عليه أن يطبع بحثاً مترعاً بالشبهات التي توصل إلى نتيجة أنه كاذب في نبوته، ولا ضير عليه بعد ذلك بل حريته مكفولة وعمله قانوني محترم!

إن هذا التنويري لا يجرم سب الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل كونه رسولاً، وإلا لجرم عدم الإيمان بكونه رسول، وإنما يجرم (لفظة نابية) تصادم شعور مجتمع من الناس عبر توجهها إلى مقدس ذلك المجتمع سواء كان الله تعالى، أو بقرة الهندوس، أو شيطان عبدة الشيطان، وهذا ليس تقولاً عليه، بل قد شرح رؤيته تلك ونص في شرحه على مثال (بقرة الهندوس) في مناسبة سابقة.

هذا الموقف من تجريم الإساءة للمقدس والذي لا يمكن أن يكون موقفاً محموداً كونه ينطوي على معنى فاسد للمقدس (ما قدسه الناس أقلية كانوا أم أكثرية) لا المعنى الصحيح الإسلامي (ما هو مقدس في حقيقة الأمر وفي دين الإسلام).

وكيف يطمئن مسلم إلى هذه الرؤية التنويرية وهو يقرأ في كتاب الله قصة إبراهيم عليه السلام حينما حطم أصنام قومه [فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ] {الأنبياء:58} ؟

وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، إذ طفق يكسر الأصنام التي كانت قريش تقدسها وتنصبها حول الكعبة، وهو يقرأ قول الله تعالى : [وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا] {الإسراء:81} فلا عبرة بمقدسات باطلة تستمد قدسيتها من أهواء الناس و وضعياتهم الكاذبة، بل إن التقديس الوضعي باطل ومنكر، يمتهن ويبطل، لا أنه يعترف به أو يحترم، فضلاً عن أن يساوى بما هو مقدس شرعاً كالذات الإلهية أو جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إن دعوى احترام ما يسمى بالبحث المعرفي حتى ولو عارض العقيدة القرآنية، لا يمكن فهمها حينما تصدر من مسلم، وإنما تأتي متسقة حينما يصدرها من لا يدين بدين الحق، ولا يؤمن بالحقائق والقواطع القرآنية، فهذا الأخير يتناول التشكيك في المقدسات على أنه بحث معرفي لأنه لا يعترف بكونها مقدسات، بل هي قابلة للبطلان والتكذيب عنده، أما من حسم موقفه وآمن بالله وشريعته وقطع بكونها الحق، فكيف يسمي معارضة هذا الحق الواضح بالأهواء التي يقطع أنها باطلة ومنحرفة (بحثاً معرفياً) ؟!

لقد تجاهل التنويري في رؤيته الزائغة كل المعاني الشرعية المعتبرة، وذهب عابثاً يعتبر معنى واحداً هو شعور المجتمع، وذوق الرأي العام، فبناء عليه جرم السب والتعدي بعد أن قرر أن تدبيج الكلام في التشكيك في الله ورسوله وفي القرآن ليس سباً، وإنما هو بحث معرفي وشأن خاص!! ولا شك أنه ما شيد تصوره ذلك إلا على أنقاض التصور الإسلامي الذي تقرر فيه حتى وصل لمرتبة القطعيات والمعلوم من الدين بالضرورة عقوبة المخالف لشريعة الله الطاعن فيها، وأن هذا الطعن ليس في صورته الساذجة مقصوراً على الألفاظ النابية، وإنما هو يشمل التكذيب والتشكيك ومناوئة دين الإسلام وتصوير المسلمين أنهم ليسوا على شيء، إذ كل ذلك في معنى واحد، بل إن التمويه بالضلال والتكذيب أشد جرماً وأكبر خطراً من مجرد الألفاظ النابية.

وإذا كانت مشكلة هذا التنويري المتذبذب هي مع الألفاظ النابية فحسب، فإنه سيكون المعقول من العقوبة على ضوء تصوره ( الغرامة المالية ) على ساب الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن تكذيبه أصلاً ومخالفة دينه لا عقوبة عليه، وإنما العقوبة على مجرد اللفظ النابي، فأين هذا من إجماع المسلمين؟ فلقد نص الأئمة على قتل من سب الرسول صلى الله عليه وسلم و لو تاب، بل لم يتوقفوا عند حدود صدور ذلك من مسلم فحسب، فمما عدوه من نواقض العهد مع الكفار وأهل الذمة طعنهم في الدين وهو الطعن الذي يستوجب حربهم وقتالهم، استناداً إلى قول الله تعالى: [وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ] {التوبة:12} فلقد عد الله عز وجل الطعن في الدين تصرف يستوجب القتال ويساوي إعلان الحرب العسكرية، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (وإظهار الطعن في الدين لا يجوز للإمام أن يعاهدهم مع وجوده منهم؛ أعني مع كونهم ممكَّنين من فِعلِه إذا أرادوا. وهذا مما أجمع المسلمون عليه؛ ولهذا بعضهم يعاقِبون على فعله بالتعزير. وأكثرهم يعاقِبون عليه بالقتل. وهو مما لا يشك فيه مسلم؛ ومن شك فيه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) وأجلى ما يكون الطعن في الدين سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل كان لشيخ الإسلام أن يتحدث عن انخلاع الشاك في العقوبة من دين الإسلام، لولا أن هذه العقوبة من قطعيات الدين ومما تجذر وتأكد في تصورات المسلمين؟

لقد محا هذا التنويري بزيغته كل ما يميز الجناب النبوي عن سائر الناس، إذ اللفظة النابية مجرمة لو توجهت إلى أي إنسان، وإنما كانت جريمة عظمى تستوجب القتل حين مساسها بالجناب النبوي اعتماداً على جرمها المضاعف في تكذيب الرسالة وامتهانها، ذلك التكذيب الذي جعله التنويري شأناً خاصاً وحرية مكفولة تحت دعوى (عدم الإيمان) .

لقد كان من مغبة هذا التصور التنويري الرديء أن جعل من الكتاب التنويريين لا قعدة عن الاحتساب في وجه الملحدين والمجدفين فحسب، بل سيوفاً مصلتة على من يحتسب بدعوى حرية الرأي وحقوق التعبير، ودعاوى أخرى ما فتئ الشيطان يوسوس لهم بها وتلوكها نفوسهم الأمارة بالسوء .

وأختم هذا التعليق بنقل عن مختصر الصارم المسلول لشيخ الإسلام يوضح معنى سب الرسول صلى الله عليه وسلم :


( السب نوعان: دعاء وخبر، أما الدعاء فمثل أن يقول القائل لغيره من الناس: لعنه الله قبحه الله أخزاه الله لا رحمه الله لا رضي الله عنه قطع الله دابره، فهذا سب للأنبياء وغيرهم، وكذلك لو قال عن نبي: لا صلى الله عليه ولا سلم … فهذا كله إذا صدر من مسلم أومن معاهد فهو سب فيقتل المسلم بكل حال والذمي يقتل بذلك إذا أظهره …

النوع الثاني: الخبر، فكل ما عده الناس شتماً وسباً وتنقصاً فإنه يجب به القتل كما تقدم … وإذا قال : (لم يكن رسولاً ولا هو نبي) فهو تكذيب صريح وكل تكذيب فقد تضمن نسبته إلى الكذب ووصفه بأنه كذاب).


[/BACKGROUND]

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

المُهْرَةُ خُلاصةٌ مُستخلَصَة من المقامة الكُبرى إدامة النُّضْرَة – سنة النبي

المُهْرَةُ
[ خُلاصةٌ مُستخلَصَة من المقامة الكُبرى " إدامة النُّضْرَة " ]

حبَّرَها : عبدُ الله بنُ سُليمان العُتَيِّق


بسم الله الرحمن الرحيم


حدَّثنا أبو الطيِّب الوائليُّ ، قال : : سَرَت بي أيام الزمان ، إلى أشرف الأوطان ، فلقيتُ قوماً نجباء ، أعزةً شرفاء ، نالوا من الخيرِ أجمعه ، و أعرضوا عن الشر أكتعه ، أكتنفوا خِصال الأُخُوَّة ، و هاموا بحب ذي النبوَّة ، بَدَت على وجوههم سيماءُ الصلاح ، و بانت أعلام الفلاح ، و ارتشفوا من معينِ الهدى ، و جانبوا مسلَك الردى ، فإليهم اطمأنت نفسي ، و بهم نسيتُ غُثُوْثَة أمسي .

فبينا أنا كذلك سارحٌ ، هتفَ بي صوتٌ ناصحٌ ، أسعد الله يومك ، و حلَلْتَ عند قومك ، مَن القادمُ علينا ، و من القاصد إلينا ؟ ، فأنت لست من أهل الديار ، و لا بِذي درهم و لا دينار ، فاكشف لنا عن حالك ، أرشدك ربي أسنى المسالك .
فقلتُ : أنا جوَّابُ بلاد ، و مختلفٌ على العباد ، أقتطفُ من أطايبهم أجودها ، و أنال من نعمهم أرغدها ، فأنزلتني المَسِيْرةُ في هذه الأرض ، المُكَرَّمةِ بالطول و العرض ، و رأيتُ منكم ما سَرَّني ، و من خصالكم ما سحرني ، فرغبتُ في استكشاف الحال ، و معرفة جميل الخصال ، فهل أجد لديكم البُغية ، فأتخذ منها خير حِلية ؟ .
فأفاد بالقبول ، و ضمن المأمول ، و نادى في القوم ، و درأ اللوم ، أن أكرموا المثوى ، و أجملوا القِرى ، فاهتبلَ الفرصةَ الرجال ، و أظهروا جميل الفعال ، و سمرتُ في الكلام ، على ضوءِ قمر الظلام ، و أخذتنا أحاديثُ السمر ، حتى داهمنا السَّحر .
فكان سَمَرُنا في الأكارم ، و رأسهم أبي القاسم ، عليه صلى الله ، و حفَّه سلامُ الإله ، و ما كان مِن بَدْءِ أمره ، و بُدُوِّ سِرِّه ، و شُنِّفَتْ الآذان بِحُسن المسموع ، و طُيِّبَتْ الألسنُ بالمديحِ المرفوع ، و أبِيْنَتْ فضائلُه ، و أُظهرتْ شمائلُه ، و طَرِبَ القلبُ للمحبوب ، و انجفلَ عنا المرهوب .

و حدا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، منشداً بِطِيْبِ الأنفاس ، ما قالَه ابنُ سيِّد الناس ، مِن قولٍ وَضَح ، في طليعةِ " المِنَح " (1) :

يَسمو بهِ المُدَّاحُ إذْ هوَ مَدْحُها *** و كذاك منشيها و مُنشدها سَما
و بهِ تحقَّقَ مَنْ نماه أجرما *** وافى له و العفوُ لمَّا أجرما
و بِمدحِهِ مَن كان مُغرىً مُغْرَما *** يَغْنى بِدارَيْهِ و يأْمَنُ مَغْرَما
فَرْضُ الصلاة عليهِ منَّا واجبٌ *** و الله قد صلى عليه و سلَّما

و تعلَّقَ القلبُ بالسَّماع ، على تعدُّدِ الأجناسِ منه و الأنواع ، كما قيلَ : " سَماعُ الأصواتِ المُطرِبَة ، بالإنشادات بالصفاتِ النبويَّةِ المُعْرَِبة " (2) ، مُقَوٍّ لمحبةِ المحبوب ، و مُنَمٍّ لتعلُّقِ القلوب ، و ذا مشروطٌ بموافقةِ الحال ، ليَحظى الفؤادُ بحسن الجمال .

أتاني هواها قبلَ أن أعرِفَ الهوى *** فصادَفَ قلباً خالياً فَتَمَكَّنا

ثُم تحدَّثَ أمثلُنا طريقة ، متفوِّها بقولِ الحقيقة ، أخذتنا تنقلاتُ الرجال ، في السفر و الترحال ، إلى مواطنِ الأمجاد ، و مفاخر النُّخْبَةِ الأجداد ، نقتبسُ علومَ الزمان الغابر ، ما يقيمَ الأوان الحاضر ، و قد خصَّني اللهُ بِصٌحبَةٍ ، أُراهم خيرَ نُخْبَةٍ ، و مما نمى إلى الأسماع ، و حالفَ ذيَّاك الاجتماع ، حديثُ رجلٍ أخباري ، و خبَرُ آثاري ، فنقلَ لمجلسنا ما زيَّنه ، و درأَ به ما شيَّنه ، ثم ذكرَ خبراً مؤسفاً ، و للقلبِ مُتلفاً ، أبان فيه عن خبيئة فِسْق ، و تطاولِ ذي مَحْق ، أشار لسطوة أهل الخميس ، و صنيعة الخسيس ، حيثُ تجرأوا بقبحٍ ، و استطالوا بقدحٍ ، على مقام النبُوَّة ، مُستعظمينَ بِفُتُوَّة ، فأطلقوا عنان اليراع ، بلا نهيٍ و امتناع ، لتَخُطَّ مرسوماً ، و تكتب مرقوماً ، يشير بالسُّبَّةِ و النقيصة ، إشارتها لذواتهم الرخيصة ، فأثار فينا الغضبَ ، و استجلبَ لنا الكرب .
فقلنا له بِشَوق ، و نطقنا بأحرف تَوقٍ ، فما كان موقفُ أهل الملة ، المنوَّرين كالأهلة ، أكان جوابُهم الصمت ، فيحقَ بهم المقت ، أم أقاموا دنياهم غضباً ، فأوردوا الضالين عَطَباً ؟ .

فأخذتني الغيرةُ الوائلية ، و اعترتني الغضبةُ الإسلامية ، فغداَ قلمي كاتباً ، و قلبي مراقباً ، قاصداً تحبيرَ مقامةٍ ، أحسبها تفي بالكرامة ، ناصراً بها زين البشر ، منافحاً عنه بلسانٍ كالحَجَرِ ، و إن كنتُ لستُ بذاك ، و إنما أرجو ما هناك ، فهيَ أقلُ ما وَجَبُ ، و أجزأُ ما الحالُ رَغِب ، فاعتليتُ منبراً مُتخيَّلاً ، و عن جهالتي لستُ متزيِّلاً ، فقلتُ لناقل الخبر ، كُفِيْتَ كلَّ الشر ، اسمع مني ما أقول ، فبمولاي الإله أصول :
إن أجودَ ما ينبغي ، و ما إياه الكريمُ ينتغي ، أن يُسعى للذبِّ عن ذي المفاخر ، و النفحِ عن جنابه الطاهر ، فليسَ هيِّنا يتطاوله الحقير ، و ليس مبتوراً يسبُّه الصغير ، فإن أنصاره على مرِّ الأزمان ، و أعوانه في سائر الأوطان ، يأخذون حقَّه كلّه ، و ينصرون دينَه فرعَه و أصلَه .

و حَدَا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، مُنْشِداً ما قال ابنُ عُجرة (3) ، متفاخراً بالنُّصرة :

نَصَرْنا رسولَ اللهِ مِن غَضَبٍ لَهُ *** بأَلْفِ كَمِيٍ لا تُعَدُّ حواسِرُه
دعانا فسمَّانا الشِّعارَ مُقَدَّماً *** و كُنا له عونا على مَن يُناكِرُه
و كُنا له دون الجنودِ بِطانةً *** يُشاورنا في أمرِهِ و نشاورُه

و اسمعوا مني ذِيْ المقالة ، مُعظِّماً فيها صاحبَ الجلالةِ ، و أنشرُ في طيِّها بياناً ، يُدركه العَميُّ عياناً ، و يعلمُ بها مَن بعِلْمِه قد أشَرَق ، و مَن بجهله أرغد و أبرقَ ، و لستُ فيها مجانباً ، و لا للحقِّ مغالباً ، و إنما أذكرُ ما هو جوهري ، و في ديننا ضروريٌ ، فيُنصَرَ في بواطن الأتباع ، بيقظةِ الاقتداء و الاتباع ، محبِّراً في ذلك ركائزَ النُّصْرَة ، و محرِّراً معاقدَ النَّفرة ، مُحتواةٌ في خَمسٍ ، تعتزُّ بها كلُّ نفسٍ :

فأولها و أعلاها ، و أصلها و أسناها : تحقيقُ الإيمان الصادق ، السالمِ من المخارق ، حيثُ هو الدعامة الثانية (4) ، و الركيزة السامية ، و به أمرَ ربنا العَلي ، فقال : { فآمنوا باللهِ و رسولِه النبيِّ الأُمِّي } ، و ذكرَ صاحبُ " الشفا " (5) ، حقيقةَ الإيمان بلا خفا ، فقال و هو المحقِّقُ ، و في قوله مُصَدَّق ، " و الإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديقُ نبوته و رسالة الله له ، و تصديقُه في جميع ما جاءَ به و ما قالَه ، و مطابقةُ تصديق القلبِ بذلك شهادةَ اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا اجتمع التصديقُ به بالقلبِ و النطقُ به بالشهادةِ بذلك باللسان تمَّ الإيمان به و التصديق له " .
و المرءُ بهذا العَقْد ، يكون ناظراً إلى الحبيب الأمجد ، على أنَّه إنسانُ الكمالِ المُقتدى به في أحواله ، و الذي تُقْتفى آثاره و خِصاله ، و يكون طُلْعةَ الفؤاد و السريرة ، و محلَّ النظرةِ من البصيرة ، فيَكتَسي القلبُ من أنوار الفضل الكامل ، و يقتبسُ القالَبُ من الحُسْنِ الماثل ، في ذلك الشخص الشريف ، و هذا من دقائقِ هذا الأصل المنيف .

و ثاني المقامات الرفيعة ، في الإيمان بصاحب الشريعة ، كونه برسالته التامة ، مبعوثاً إلى الناس عامة ، مندرجاً في ذلك الثقلان ، الإنس و الجان ، فبه جاءَ النصُّ قاطعاً منيعا ، { قُلْ : يا أيها الناسُ إنَّي رسولُ الله إليكم جميعاً } ، و تنصيصُ أزكى الخلقِ نفساً ، في قوله : " أُعطيتُ خمساً " ، و كذا في القول البَتِّ ، " فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بِسِتٍّ " .

فحَدَا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، بقولِ جُهَيش بن أويس النَّخَعي (6) ، منشداً بقريضٍ نفيس ألْمَعي :

ألا يا رسول الله إنك صادقٌ *** فَبُوْرِكْتَ مهدياً و بُوْرِكْتَ هاديا
شرعتَ لنا دين الحنيفةَ بعد ما *** عبدنا ، كأمثال الحمير ، طواغيا
فيا خيرَ مدعوٍ و يا خيرَ مُرْسَلٍ *** من الإنسِ و الجان ، لبيك داعيا
أتيتَ ببرهانٍ من الأمر واضحٍ *** فأصبحتَ فينا صادق الوعد زاكيا

و تمامُ الركيزة ، ذات المنزلة العزيزة ، صيانتها من الخوارق ، و حفظها من البوائق ، ليسلَمَ الإيمان من الفَتقِ ، و يتمَّ بها الرتق ، وعَوْدُها إلى الطعن المشين ، الوارد على شخصه المُبين ، أو المقصود به خبره ، المنقول عن الله بأثره ، فذاك موجبٌ قطع الإسلام ، و الحكم عليه بالإحكام ، في كونه كافراً خبيثاً ، حدُّه القتلُ أصلاً أثيثاً ، منقولاً بأصل الاتفاق ، بين أئمة الآفاق ، لم يُغرِب عنه فحلٌ ، و لم يَنفِه إلا ذو جهل .
و ثاني هاتيك الدعائم ، معرفةُ الخصائص العظائم ، فهو المُكرَّمُ بأشرفِ المناقبِ ، المخصوصُ بأسمى و أعلى المراتب ، و خُصَّ بها تعظيماً لحاله ، و تبيانا لعظيم خصاله ، و كونه ذا الكمال من البَشَر ، و صاحب الجلالِ عند أهل النظر .
و بناؤها على قاعدةِ التأصيل ، المستلزمةِ لمقامه بالتأهيل ، فيما تبناه ابنُ دِحية ، أناله الله كلَّ بُغْيَة ، مسطراً ذاك في " نهايته " (7) ، القاضيةِ بسابقة فضيلته ، فقال مقرراً ، و للحقِّ محرراً ، " لا يجوزُ على خصائصِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم و فضائلِه النسخُ و الاستثناء ، و لا التخصيص و لا النقص ، فإنها لم تزل فضائله صلى الله عليه وسلم تتزايد حتى مات " ، و هذا غايةُ القول بالإثبات .
فيا فلاحَ من لامستْ شغافَ قلبه ، و هنأ بالشوقِ و حبه ، معرفةُ تلك المنائح ، ذات المسك الفائح ، و اهناءة فؤاد المحب ، إذ بالحبيب يَطرب .

و حدا بنا الحادي ، و شدا فينا الشادي ، بعيون الشِّعْر الفريد ، و مليحِ لفظِ القَصِيْد ، مأخوذاً عَن الحِلِّي ، البليغِ المِلِّي :

شرحَ الإله الصَّدْرَ منك لأربعٍ *** فرأى الملائكَ حولك الإخوانُ
و حُبِيْتَ في خَمسٍ بِظلِّ غمامةٍ *** لك في الهواجِرِ جِرْمها صيوانُ
و مرَرْت في سَبعٍ بِدَيْرٍ فانْحَنى *** منه الجدارُ و أسلم المِطرانُ
و كذا في خمسٍ و عشرين انْثَنى *** نَسْطورُ منكَ و قلبُه ملآنُ
حتى كملتَ الأربعينَ و أشْرَقَت *** شمسُ النبوةِ و انْجلى التبيانُ
فَرَمَتْ رُجومَ النيِّراتِ رجيْمَها *** و تساقطتْ من خوفِك الأوثانُ
و الأرضُ فاحتْ بالسلامِ عليكَ و الـ *** ـأشجارُ و الأحجارُ و الكُثْبانُ
و أَتَتْ مفاتيحُ الكُنُوْزِ بأسْرِها *** فنهاكَ عنها الزُّهْدُ و العِرفانُ
و نظرْتَ خلْفَك كالإمامِ بخاتَمٍ *** أضحى لديهِ الشكُّ و هو عِيانُ
و غَدَتْ لك الأرْضُ البسيطةُ مسجداً *** فالكلُّ منها للصلاة مكانُ
و نُصِرْتَ بالرُّعْبِ الشديد على العِدى *** و لك الملائكُ في الوغى أعوانُ
و سعى إليك فتى سلامَ مُسلِّماً *** طَوعاً و جاءَ مُسلِّماً سلمانُ
و غَدَتْ تُكلِّمُك الأباعرُ و الظِّبا *** و الضَّبُّ و الثُّعبانُ و السرحانُ
و الجِذْعُ حنَّ إلى عُلاك مُسلِّماً *** و بِبَطْنِ كفِّكَ سبَّح الصَّوّانُ
و هوى إليكَ العِذْقُ ثُمَّ رَدَدْتَهُ *** في نخلةٍ تُزهى به و تُزانُ
و الدوحتانِ وَقْد دعوتَ فأقبلا *** حتى تلاقتْ منهما الأغصانُ
و شَكى إليك الجيشُ مِنْ ظمأٍ بِهِ *** فتفجَّرَتْ بالماءِ منكَ بَنانُ
و رَدَدْتَ عين قتادةَ مِن بعد ما *** ذهبتْ فلم ينظرْ بها إنسانُ
و حكى ذراعُ الشاةِ مُوْدَعَ سُمِّهِ *** حتى كأنَّ العُضْوَ مِنه لسان
و عَرَجْتَ في ظهرِ البُراقِ مجاوز الـ *** ـسبعَ الطباقَ كما يشا الرحمنُ
و البدرُ شُقَّ و أشْرَقَتْ شمسُ الضُّحى *** بَعد الغُرُوْبِ و ما بِها نُقصانُ
و فضيلةٌ شهِد الأنام بحقِّها *** لا يستطيعُ جُحُوْدَها إنسانُ
في الأرضِ ظلَّ اللهِ كُنْتَ و لَمْ يَلُحْ *** في الشمسِ ظِلُّكَ إن حواكَ مكانُ
نُسِخَتْ بِمَظْهَرِكَ المظاهِرُ بعد ما *** نُسِخَتْ بِمِلَّةِ دينِك الأديانُ
و على نُبُوَّتِك المُعَظَّمِ قَدْرُها *** قام الدليلُ و أُوْضِحَ البُرْهانُ
و لو أنني وَفَّيْتَ وَصْفَك حقَّهُ *** فَنِيَ الكلامُ و ضاقتْ الأوزانُ
فعليكَ مِن ربِّ السلامِ سلامُهُ *** و الفضلُ و البركاتُ و الرِّضْوانُ

و الركيزة الثالثة ، التي للشر نافثة ، درايةُ ما له من سيرة ، مما تطيبُ بها السريرة ، حيثُ هي قانونُ أهل المحبة ، و نبراسُ ذوي القُرْبة ، الحاويةُ لجلائل الأسرار ، الباعثةُ حقائق الأنوار ، الجامعةُ لكمال الهدى ، الدافعةُ عن درْب الردى ، المُوَرِّثَةُ العلوم الدقائق ، الشاملةُ لدقيق الحقائق ، الواهبةُِ حُسْنَ التخلُق ، الموصلةُِ لجنان التحقُّق ، فبها يأنسُ المحبون ، و بنورها يستضيءُ السالكون ، جمعتْ كمالاً في جمال ، و حوتْ أقوالاً تتبعها فِعال ، لا يعتريها نقصُ بني آدم ، و الله له خيرُ عاصم ، أنوار جلالها ظاهرة ، و نجومُ سمائها زاهرة ، فهو سيدُ الهداة ، و تاجُ مَن للخير دُعاة ، المُختارُ من الرحمن بحكمته ، المصطفى من الديان برحمته .

و رابعةُ الركائز ، كونه لشميلة الحسن حائز ، و ما حُبِيَ من أخلاقٍ حسان ، مُهذَّبَةٍ بالقرآن ، و صفاتٍ كاملة ، و نعوتٍ فاضلة ، بها استنارتْ أفئدةُ قومٍ فأسلموا ، و استضاءت قلوب مؤمنين فأُنعموا ، إذ " أولى ما صُرِفَتْ إليه العنايةُ ، و جرى المتسابقون في ميدانه إلى أفضلِ غاية ، فنُّ الشمائلِ المحمديَّة ، المشتملُ على صفاته السَّنِيَّة ، و نعوتِه البهيَّة ، و أخلاقه الزَّكية ، التي هيَ وسيلةٌ إلى امتلاءِ القلبِ بتعظيمه و محبَّتِه ، و ذلك سببٌ لاتِّباعِ هديه و سُنَّتِه ، و وسيلةٌ إلى تعظيم شِرعته و ملته " (8)، لأنه المبعوثُ إلى الأفاق ، ليُتَمِّمَ مكارِمَ الأخلاقِ ، فأخلاقه " أخلاقٌ نبويةٌ ربانيةٌ ، تخلَّقَ إذْ أُمِرَ بالتخلُّق بها من اللهِ تعالى نبيُّه سيدُ البريةِ ، فطوبى لِمن بها من العبادِ تخلَّقَ ، و هنيئاً لمن بأذواقِ معالي معانيها تحقَّق " (9).

و ما أحلا ما خطَّه الفقيه المُحِب ، في أجود ما كُتِب ، في " المنح المكية " ، الكاشفة للغراءِ " الهَمزيَّة " ، حيثُ قال بصدق ، و نطق بحق ، " لَمَّا اجتمعَ فيه صلى الله عليه وسلم من خصال الكمالِ ، و صفاتِ الجلالِ و الجمالِ ما لا يحصرُه أحدٌ ، و لا يُحيطُ به عد أثنى الله عليه في كتابه الكريم فقال الله تعالى { و إنك لعلى خُلُقٍ عظيم } ، فوصفه بالعظيم ، و زاد في المدحةِ بإتيانه بـ ( على ) المُشْعِرَةِ بأنه صلى الله عليه وسلم استعلى في ذلك على معالي الأخلاق ، و استولى عليها ، فلم يَصِلْ إليها مخلوقٌ غيرُه ، وَ وُصِفَ بالعِظَمِ دون الكرم الغالبِ وصفُه به ، لأن كرمَه يُرادُ به السماحةُ و الدماثة "(10) .

و " إذا كانت العقلاء تطمحُ إلى معرفةِ عظماء العالم و كبرائه ، فإنَّ أحقَّ ما يجبُ أن تطمحَ إليه و تطمعَ فيه هو التعرُّفُ إلى سيِّد السادات ، و فخرِ الكائنات ، الذي رفعه اللهُ تعالى أعلى الدرجات ، و رقَّاه فوقَ جميع أهل المراتب و المقامات " .

وَ معرفةُ الأوصاف العظيمة ، و الشمائلِ الكريمة ، يعطي صورةً تنطبعُ في القلب ، و ترتسمُ في مخيَّلَة المُحِب ، كأنه قد رأى محبوبَه ، و نال مطلوبَه ، و بها تحيا القلوبُ و تجول ، و تطربُ الأرواحُ و العقولُ ، و يزدادُ الشوقُ ، و يتحرَّكُ التَّوْقُ ، و كينونةُ ذاك بالتعلُّقِ (11) ، ليَكْتَمِلَ أصلُ التخلُّقِ ، و يُلْهَم القلبُ حُسْنَ التدقيقِ ، في المحبةِ على التَّحْقِيْق .

و حدا بنا الحادي ، و شدا بصوته الشادي ، مُنَغِّماً لأبي مَدْيَن ، ما تقرُّ به الأعيُن :

و نحيا بذكركمُ و إن لم نركم *** ألا إنَّ تذكارَ الأحبةِ يُنعشُنا
فلولا معانيكم تراها قلوبنا *** إذا نحنُ أيقاظٌ و في النَّومِ إنْ غِبنا
لمتنا أسىً من بُعدكم و صبابةً *** و لكنَّ في المعنى معانيكمُ معنى
يُحرِّكنا ذكرُ الحديث عنكمُ *** و لولا هواكم في الحشا ما تحرَّكْنا

و كلُّ هذا المديح ، للسيد المليح ، لأن " اللهُ جلَّ و علا كساهُ من نورِ الجلال ، حُلَّةَ المحبَّةِ و الجمالِ ، فكان ما نظرَ إليهِ أحدٌ من الموحدين إلا أفلحَ كلَّ الفلاح ، و ظهر عليه نورُ الحقيقةِ و لاح ، و أُخِذَتْ عنه بعد الجهلِ دقائقُ العلوم ، و صارَ خليفةً أو أميراً في طَيْلَسانِ الأمرِ و النهي المعلوم " (12).
و قد أوسَع الله فيه المِدحَةَ ، و أولاه المِنْحَةَ ، فأشادَ بأعضائه ، و أعظمَ بِحُسْنِ ثنائه ، و في مدحها إشارةٌ لكمالِه ، و تمامِ جمالِه و جلالِه ، فلهذه يكون مدحُ المُدَّاحِ ، فادْرِ هُدِيْتَ يا صاحْ .

فحَدَا فينا الحادي ، و سبانا بصوته الشادي ، مُظْهِراً مقام المدح ، و ما فيه مِن المَنْح :

جُحُوْدُ فَضِيْلَةِ الشُعراءِ غَيُّ *** و إكْرامُ المَدِيْحِ مِن الرَّشادِ
مَحَتْ " بانتْ سُعادُ " ذُنُوْبَ كَعْبٍ *** و أَعْلَتْ كَعْبَه في كُلِّ نادِ
و ما افتقرَ النبيُّ إلى قَصِيْدٍ *** مُشَبِّبَةً بِبَيْنٍ مِن سُعادِ
و لَكِنْ سُنَّ إسدادُ الأيادي *** فكان إلى المكارِمِ خيرَ هادي

ثُمَّ ساقَنا بِإنشادِه ، أكْرَمَه اللهُ بِحُسْنِ إيفادِه :

حَاوَلْتُ أَنْ أصِفَ الحبيبَ بِبَعْضِ ما *** فَهِمَ الفُؤادُ مِن الثنا القُرآني
فَوَجَدْتُ قَولي لا يَفِيءُ بِذَرَّةٍ *** مِنْ عُشْرِ مِعْشارِ العَطا الرَّباني
مِن أينَ يُعْرِبُ مِقْوَلِي عن حَضْرَةٍ *** عَن مَدْحِها قَدْ كلَّ كُلُّ لِسانِ
مِنْ بَعْدِ ما جاءَ الكتابُ بِهِ فَمَا *** مِقْدارُ مَدْحِ العالَم الإنساني
فسألْتُ مِن ربي الثباتَ على الذي *** قَدْ خَصَّني و الصِدْقَ في إيماني
و كَما أفادَ القلْبَ سِرَّ تَعَلُّقٍ *** بِحَبِيْبِهِ يُملي بذاكَ جَناني
فأعِيْشُ في ذكرِ الحبيبِ مُنَعَّماً *** بالذكرِ مُنْبَسِطاً جميعَ زماني
و أَفوزُ بِالعُقْبَى برؤيةِ وَجْهِهِ *** و رِضاهُ عني في أجلِّ مكانِ

و خَتمُ الركائز الخَمس ، درايةُ أسماء زَكِيِّ النَّفْس ، و ما وُهِبَ من جميل الأوصاف ، الممنوحة من ذي الألطاف ، فإنه المخصوص بِحُسْنِ مبانيها ، و الموهوبُ بكُنْهِ معانيها ، مُتضَمِّنَةً صِفاتِ الكمال ، مُسْتَلْزِمَةً حقائق الجمال ، و لاختصاص مقامه عند مولاه ، ما من نعمه عليه أضفاه ، فقرَنَ اسم حبيبه باسمه ، ليَبِيْنَ للناسِ كمالُ وَصْفِه وَوَسْمِه ، و أنشد حسَّان الرسالة ، بإقرارِ ذي الجلالة :

وَ شَقَّ لَهُ مِن اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ *** فَذُوْ العَرْشِ محمودٌ وَ هذا مُحَمَّدُ

و كثَّرَ فيه صفات الكمال لِيَعْظُمَ في النفوس ، و يُدرى مقامه لدى الملك القُدُّوْس ، و أخذ المحبون من أوصاف الحُسْنِ ، أسماءَ تُذهبُ الحُزْن ، لمَّا كانت عوائد العَرب ، تكثيرُ أسماءِ ذوي الرُّتَب ، كما الصنيعُ معَ الأُسْد ، و سيفِ الِهند ، و الخيولِ الأصيلة ، و المنائح الجليلة .
فخذْ المعلومَ بقوَّةٍ ، عن وَسمِ ذي النبوَّةِ ، تكون حاظياً بِفقهٍ دقيق ، بالغاً مقام التحقيق ، و تخلَّقْ بمحاسنِ الأفعال ، تُدرك ذُرى الكمال ، فهذا يا نَقَلَةُ الأخبارِ ما بهِ فُهْتُ ، و لأجله في مقامي قُمتُ ، فأبلغوا أهل الديانة ، بواجب الصيانة ، و الحمايةِ الأكيدة ، لِعرْض ذي الخصال الحميدة ، فلا خيرَ فيهم إذا هنئوا بعيش ، و أسلموا أرواحهم لشرِّ طيش ، و رسول الله مُهانٌ ، في عِرْضه لا يُصان ، فالذبُّ عنه أوجبُ وظيفة ، و لِتُثارَ لأجله حفيظة ، و عذراً لمقامكم أيها الكرام ، فقد تجرأتُ على جنابكم في ذا المقام ، و لكنَّها غَضْبَةٌ بَدَتْ مِنِّي ، و وقفةٌ نأت عنِّي ، و أنتم أهل الصفحْ و المعذرة ، و أرجو من الله المغفرة ،
و ختمُ المقامة ، الصلاةُ لذي الكرامة ، و المديحُ الباهر ، من القريضِ الطاهر ، فاعذروني إذ أطلْتُ ، فلا عُذرَ لي إن أقصرْتُ :

صلاةٌ و تسليمٌ و أزكى تحيةٍ *** على مُشْبِع الجَمِّ الغفيرِ من القُرْصِ
صبورٌ شكورٌ مُؤْثِرٌ في خصاصةٍ *** يَبِتْ و يُضْحي ثم يَطوي على خُمْصِ
صفوحٌ حليمٌ لا يؤاخِذُ مَن أسا *** و لا هو مِن جانٍ عليه بِمُقْتَصِّ
صدوقٌ فلمْ ينطقْ مدى الدهرِ عن هوى *** كذلك قال الله في مُحْكم النَّصِّ
صَؤُوْن عن الدنيا مُنيبٌ لربِّهِ *** على كُلِّ ما يُرضي المهيمنَ ذو حِرْصِ
صُنوفُ صفات الرُّسْل حِيْزَت لأحمدٍ *** بتكليمه في حضرةِ القُدسِ بِمُخْتَصِّ
صحيحٌ بأن الفضلَ فيهِ مُجَمَّعٌ *** و مِن عجبٍ أن يُجمع الفضلُ في شخصِ
صدَقْتُ لقد حاز الحبيبُ مناقباً *** تَقاصَر عَن إحصائها كُلُّ مُسْتَقْصِ
صحابتُه لَم تُحْصِ ما خصَّه الله بِهِ *** إلهُ البرايا يا ليت شِعري مَن يُحصِ
صباحٌ و مصباحٌ و نورٌ بدا لنا *** يقُصُّ جناح الكفرِ قصَّاً على قَصِّ
صُفوفاً لديه الخلْقُ تُوْقَفُ في غَدٍ *** فطوبى لِمن يُدني و ويلٌ لِمن يُقْصِ
صِلِي و انقُلي يا نفحةَ الحي و احملي *** سلامي إلى الهادي و أشواقَنا نصِّي
صدوراً طبعناها عليه محبةً *** فجاءت كنقشٍ للخواتم في فَصِّ
صَبا للصِبا صَبٌّ لأحمد قد صَبا *** نسيمَ الصِّبا قُصِّي صبابته قُصِّي


و أثني بالمديح الفصيح ، من الشعر المليح ، و أنتقي ما فاضت به القريحة ، لذي النفس المليحة ، أعني به المُبْدِعَ الصَّفي (13) ، حالفه اللطف الخفي :

فَيْرُوْزَجُ الصُّبْحِ أم ياقوتةُ الشَّفَقِ *** بَدَتْ فهيَّجَتْ الوَرْقاءَ في الوَرَقِ
أم صارمُ الشرْقِ لمَّا لاح مُخْتَضِباً *** كما بدا السيفُ مُحْمَرَّاً مِن العلَقِ
و مالت القُضْبُ إذْ مرَّ النسيمُ بها *** سَكْرى كما نُبِّهَ الوَسْنانُ مِن أرَقِ
و الغيمُ قَد نُشِرَتْ في الجوِّ بُرْدَتُهُ *** سِتراً تُمَدُّ حواشيهِ على الأفُقِ
و السُّحْبُ تبكي و ثَغْرُ البَرِّ مُبْتَسِمٌ *** و الطيرُ تسجَعُ مِن تِيْهٍ و مِن شَبَقِ
فالطيرُ في طَرَبٍ و السُّحْبُ في حَرَبٍ *** و الماءُ في هربٍ و الغُصْنُ في قلقِ
و عارضُ الأرضِ بالأنوارِ مُكْتَمِلٌ *** قد ضلَّ يشكرُ صَوبَ العارضِ الغَدِقِ
و كلَّلَ الطَلُّ أوراقَ الغُصُوْنِ ضُحى *** كما تكلَّلَ خَدُّ الخَوْدِ بالعَرَقِ
و أطلق الطيرُ فيها سَجْعَ مَنْطِقِهِ *** ما بين مُخْتَلِفٍ منه و مُتَّفِقِ
و الظلُّ يسرُقُ بين الدَّوْحِ خُطوَتَه *** و للمياهِ دبيبٌ غيرُ مُسْتَرَقِ
و قد بدا الورْدُ مُفْتَرَّاً مباسِمُه *** و النَّرْجِسُ الغَضُّ فيها شاخصُ الحَدَقِ
مِن أحمرٍ ساطعٍ أو أخضرٍ نَضِرٍ *** أو أصفرٍ فاقعٍ أو أبيضٍ يَقَقِ
و فاحَ مِن أرَجِ الأزهارِ مُنتشِراً *** نَشْرٌ تعطَّرَ منهُ كلُّ مُنْتَشِقِ
كأنَّ ذكرَ رسول اللهِ مرَّ بِها *** فأكْسِبَتْ أرَجاً مِن نشرِه العَبِقِ
محمدُ المُصطفى الهادي الذي اعتصمتْ *** به الورى فهداهم أوضح الطُرُقِ
و مَن له أخذ اللهُ العُهودَ على *** كلِّ النبيِّيْنَ مِن بادٍ و مُلْتَحِقِ
و مَن رقى في الطِّباقِ السبعِ مَنْزِلَةً *** ما كان قطُّ إليها قبل ذاك رقي
و مَن دنى فتدلَّى نحوَ خالقِهِ *** كقاب قوسين أو أدنى إلى العُنُقِ
و مَن يُقَصِّرُ مَدْحَ المادحينَ لهُ *** عجزاً و يَخْرَسُ ربُّ المنطقِ الذَّلَقِ
و يُعْوِزُ الفِكْرُ فيهِ إن أريدَ له *** وصفٌ و يفضلُ مرآهُ على الحَدَقِ
عُلاً مدَحَ اللهُ العَليُّ بها *** فقال : إنك في كلٍّ على خُلُقِ
يا خاتم الرُّسْلِ بَعثاً و هو أولُها *** فضلاً و فائزها بالسَّبْقِ و السَّبَقِ
جمعتَ كلَّ نفيسٍ مِن فضائلهم *** مِن كلِّ مُجتَمِعٍ منها و مُفْتَرِقِ
و جاءَ في مُحْكَم التوراةِ ذِكرُكَ و الـ *** ـإ نجيلِ و الصُّحُفِ الأُولى لى نَسَقِ
و خصَّك اللهُ بالفضلِ الذي شَهِدَتْ *** به لَعَمْرُك في الفُرقان من طُرُقِ
فالخَلْقُ تُقْسِمُ باسم اللهِ مُخلِصَةً *** و باسمكَ أقسَمَ ربُّ العَرْشِ للصَّدَقِ
لو آمنتْ بك كلُّ الناسِ مُخْلِصَةً *** لم يُخْشَ في البعثِ مِن بَخْسٍ و لا رَهَقِ
لو أن عبداً أطاع الله ثُم أتى *** بِبُغْضِكم كان عند الله غير تقي
لو خالفَتْكَ كُماةُ الجِنِّ عاصيةً *** أرْكَبْتَهم طبقاً في الأرضِ عن طبقِ
لو تُوْدَعُ البِيْضُ عَزْماً تستضيءُ بِهِ *** لَم يُغْنِ منها صِلابُ البيضِ و الدَّرَقِ
لو تجعلُ النَّقْعَ يوم الحَرْبِ مُتَّصِلاً *** بالليلِ ما كشَفَتْهُ غُرَّةُ الفَلَقِ
مهَّدْتَ أقطارَ أرضِ اللهِ مُنْفَتِحاً *** بالبِيْضِ و السُّمْرِ منها كلَّ مُنْغَلِقِ
فالحرْبُ في لُذَذٍ و الشِّرْكُ في عَوَذٍ *** و الدِّيْنُ في نَشَزٍ و الكُفْرُ في نَفَقِ
فضلٌ بِهِ زِيْنةُ الدُّنيا فكان لها *** كالتاجِ للرأسِ أو كالطوْقِ للعُنُقِ
صلى عليك إلهُ العَرْشِ ما طلعتْ *** شمسُ النهارِ ولاحَتْ أنْجُمُ الغَسَقِ
و آلِك الغُرَرِ اللاتي بها عُرِفَتْ *** سُبْلُ الرشادِ فكانت مُهْتدى الغَرَقِ
و صحْبِك النُّجُبِ الصِّيْد الذين جَروا *** إلى المناقِبِ مِن تالٍ و مُسْتَبِقِ
قومٌ متى أضمرتْ نفسُ امريءٍ طرَفاً *** مِن بُغْضِهم كان مِن بعد النَّعيم شَقي
ماذا تقول إذا رُمنا المديحَ وَ قدْ *** شرَّفْتنا بمديحٍ منك مُتَّفَقِ
إن قلتَ في الشعرِ حِكمٌ و البيانُ به *** سحرٌ فرغَّبْتَ فيه كُلَّ ذي فَرَقِ
فكُنتَ بالمدحِ و الإنعامِ مُبْتَدِئاً *** فلو أردْنا جزاءَ البَعْضِ لَم نُطِقِ
فلا أخُلُّ بِعُذْرٍ عن مديحكمُ *** ما دام فِكْرِي لَم يُرْتَ و لَم يُعَقِ
فسوفَ أصفيك مَحْضَ المدح مُجتهداً *** فالخلْقُ تفنى و هذا إن فَنِيْتُ بَقِي

فانبرى لي من صُلحاءِ القوم ، دافعاً عني اللوم ، قائلاً بفصيح ، بلفظ مليح ، مَهلاً هُدِيْتَ الرَّشَد ، و أكرمتَ بالرَّغَد ، فما فاه به لسانك ، قد رُفِعَ به شانك ، فأَبَنْتَ سِرَّ النُّصْرَة ، مُنِحْتَ التحجيلَ و الغُرَّة ، إذ كلٌّ عنه غافل ، و لم يَحظَ منَّا بنائل ، فلا مسلكَ يُنتَهَج ، و لا يُصَوَّبُ المُنْعَرِج ، إلا إذا أقمنا في البواطن ، ميثاقَ النُّصرَةِ الكامن ، و منه يسري إلى الظهور ، تمامُ البُدُوِّ و النشور ، و حين فُقِدْناهُ في السرائر ، أضحى الدين غير ظاهر ، و أهله أصابتهم المَسْكنة ، و أمجادهم لديهم مُمْكِنَة ، فلك الله يجزيك أفضاله ، و يُغدقُ عليك نواله ، و سعدتْ أيامك أُنْسِك ، و صيَّرَ يومك أرفع من أمسك ، و لا أراك مكروهاً ، و لا أوردك مشبوهاً ، و دامت عليك منائحُ العافية ، و لك قطوف الجنة دانية ، و قولك ليس بالإفك ، و كان ختامها مِسك .

فأمليتُ عليه حرفي ، مراعياً حالي و ظرفي ، بأنَّ حالنا في أسى ، لغياب مَن بِهِ يُؤْتَسى ، و ليس لنا في القوم منزلة ، و صِرنا للدنيءِ مَهزلة ، و إننا لنستوجبُ بالنُّصْرَة الظُّهُوْر ، و نستجلِبُ بالذبِّ شاراتِ السُّرُوْر ، و أنهيتُ المقامة باليراع ، حين غروب شمس الإمتاع ، من عاشوراءِ المُعَظَّم ، المنصورِ فيه مُوسى المُكلَّم ، الموافي يَوم الاثنين ، الفضيلِ بِلا مَيْن ، فهذه " مُهْرةٌ " خَيلاءُ ، و تَسُرُّ العيونَ الحوراء ، فتستجلِبَ " إدامةَ النُّضْرَة " ، بأفياءِ " مقامة النُّصْرَة "، بِما جادَ بِهِ عَفْوُ الخاطرِ ، فِي نُصْرَةِ الرسولِ الطاهرِ ، مُتَفَوِّهاً بِها ارْتِجَالاً ، مُخْتَزِلاً لفظها اخْتِزَالاً ، و قَد كان سببُ رَقْمِها ، و باعثُ رَسْمها ، دَمعةٌ حرَّى مِن لُبِّ البصيرةِ ، مُشتاقةً لأنوارِ كواكبَ مُنيرة ، فأنعم بدمعةٍ أفْضَتْ إلى مقامة ، و مقامةٍ تُفضي إلى دار المُقامة .

سائلاً لها القبول ، و الحَظْوَةَ بالمأمول ، و الرعايةَ مِن الذَمِّ ، و الصيانةَ مِنْ سُوءِ الفَهْم ، و الحمدُ لربنا على التَّتِمَّة ، و أسألُه كشْفَ المُلِمَّة ، و الصلواتُ الفاضلة ، على الرحمةِ النازلة .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

من حياة الصحابة عمير بن سعد السنة النبوية

لا تنتهي مواقف زهده هذا الصحابي الجليل "عمير بن سعد" ؛ فبعد أن أذن له أمير المؤمنين بالمكوث في قريته بين أهله ، أرسل إليه واحدا من ثقاته يدعى الحارث و طلب منه أن ينزل ضيفا عند عمير فإن رأى عليه آثار نعمة فليرجع كما ذهب ، و إن وجد حاله شديدة فليعطه مائة دينار.
و بالفعل انطلق الحارث حتى وصل إلى بيت عمير وأقام في ضيافته ثلاث ليالٍ ، فكان يُخرج له كل ليلة قرصا من الشعير .
فلما كان اليوم الثالث ، قال رجل من قوم عمير للحارث:
لقد أجهدت عميرا و أهله ؛ فليس لهم إلا هذا القرص الذي يؤثرونك به على أنفسهم ، و قد أضر بهم الجوع و الجهد ، فإن رأيت أن تتحول عنهم إليَّ فافعل…
عند ذلك أخرج الحارث الدنانير ، و دفعها إلى عمير .
فقال عمير : ما هذه؟
قال الحارث: بعث بها إليك أمير المؤمنين.
فقال : ردها إليه ، و اقرأ عليه السلام ، وقل له : لا حاجة لعمير بها .
فصاحت امرأته – و كانت تسمع ما يدور بين زوجهاو الحارث – و قالت:
خذها يا عمير فإن احتجت إليها أنفقتها ، و إلا وضعتها في مواضعها ، فالمحتاجون هنا كثير.
فلما سمع الحارث قولها ؛ ألقى الدنانير بين يدي عمير و انصرف ، فأخذها عمير و جعلها في صرر صغيرة و لم يبت ليلته إلا بعد أن وزعها بين ذوي الحاجات ، و خص منهم أبناء الشهداء.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

الجانب العاطفي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم – سنة النبي

إن الناظر إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أن رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم كان يقدر المرأة (الزوجة) ويوليها عناية فائقة…ومحبة لائقة. ولقد ضرب أمثلة رائعة من خلال حياته اليومية .. فتجده أول من يواسيها..يكفكف دموعها …يقدر مشاعرها…لايهزأ بكلماتها…يسمع شكواها… ويخفف أحزانها … ولعل الكثير يتفقون معي ان كثيراً من الكتب الأجنبية الحديثة التي تعنى بالحياة الزوجية , تخلو من الأمثلة الحقيقية , ولا تعدو ان تكون شعارات على الورق!! وتعجز أكثر الكتب مبيعاً في هذا الشأن أن تبلغ ما بلغه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ، فهاك شيئاً من هذه الدرارى:
• الشرب والأكل في موضع واحد:
لحديث عائشة : كنت أشرب فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ, وأتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيّ . رواه مسلم
• الاتكاء على الزوجة:
لقول عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض. رواه مسلم

• التنزه مع الزوجة ليلاً:
كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث . رواه البخارى

• مساعدتها في أعباء المنزل:
سئلت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله . رواه البخارى

• يهدي لأحبتها:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذبح شاة يقول : أرسلوا بـها الى أصدقاء خديجة . رواه مسلم.

• يمتدحها :
لقوله : ان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام . رواه مسلم • يسرّ اذا اجتمعت بصو يحباتها:قالت عائشة :كانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن (يتغيبن) من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يُسربـهن إلى(يرسلهن الى ) . رواه مسلم

• يعلن حبها :
قوله صلى الله عليه وسلم عن خديجة "أنى رزقت حُبها ". رواه مسلم • ينظر الى محاسنها: لقوله صلى الله عليه وسلم "لايفرك مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا رضي منها آخر . رواه مسلم

• اذا رأى امرأة يأت أهله ليرد ما في نفسه:
لقوله " اذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فان ذلك يرد ما في نفسه" رواه مسلم

• لا ينشر خصوصياتها:
قال صلى الله عليه وسلم: ان من أشر الناس عند الله منزله يوم القيامة الرجل يفضى الى امرأته وتفضي اليه ثم ينشر سرها . رواه مسلم

• التطيب في كل حال :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كأني انظر الى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم . رواه مسلم

• يعرف مشاعرها:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : أنى لأعلم اذا كنت عنى راضية واذا كنت عنى غضبى ..أما اذا كنت عنى راضية فانك تقولين لا ورب محمد ., واذا كنت عنى غضبى قلت : لا ورب ابراهيم؟؟ رواه مسلم

• يحتمل صدودها :
عن عمر بن الخطاب قال : صخبت علىّ امرأتي فراجعتني , فأنكرت ان تراجعني! قالت : ولم تنكر ان أراجعك؟ فوا لله ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه, وان أحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. رواه البخارى

• لايضربها:
قالت عائشة رضي الله عنها : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له قط" رواه النسائي

• يواسيها عند بكائها:
كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , وكان ذلك يومها, فأبطت في المسير , فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تبكى, وتقول حملتني على بعير بطيء, فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها , ويسكتها,.."رواه النسائي

• يرفع اللقمة الى فمها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انك لن تنفق نفقة الا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها الى في امرأتك" رواه البخارى

• إحضار متطلباتها :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أطعم اذا طعمت وأكس اذا اكتسيت" رواه الحاكم وصححه الألباني

• الثقة بها:
نـهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يطرق الرجل أهله ليلاً , ان يخونـهم , أو يلتمس عثراتـهم. رواه مسلم

• المبالغة في حديث المشاعر:
للحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرخص في شيء من الكذب الا في ثلاث منها:الرجل يحدث امرأته, والمرأة تحدث زوجها. رواه النسائي

• العدل مع نساءه :
من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى , جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل" رواه الترمذي وصححه الألباني

• يتفقد الزوجة في كل حين:
عن أنس رضي الله عنه قال " كان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار. رواه البخارى

• لايهجر زوجته أثناء الحيض:
عن ميمونة رضي الله عنها قالت: يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيّضٌ. رواه البخارى

• يصطحب زوجته في السفر:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أراد سفراً أقرع بين نسائه, فآيتهن خرج سهمها خرج بـها. متفق عليه

• مسابقته لزوجه:
عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لى : تعالى أسابقك, فسابقته, فسبقته على رجلي " وسابقني بعد ان حملت اللحم وبدنت فسبقني وجعل يضحك وقال هذه بتلك! رواه ابو داود

• تكنيته لها:
عن عائشة قالت يارسول الله صلى الله عليه وسلم كل نسائك لها كنية غيري فكناها "أم عبد الله" رواه احمد •

• يشاركها المناسبات السعيدة :
قالت عائشة – رضي الله عنها " مررت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم من الحبشة يلعبون بالحراب، فوقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينظر إليهم، ووقفت خلفه فكنت إذا أعييت جلست، . أخرجه البخاري
• لايستخدم الألفاظ الجارحة:
وقال أنس رضي الله عنه خدمت رسول الله عشر سنوات ، فما قال لي لشئ فعلته ، لمَ فعلته .رواه الدارمى

• احترام هواياتها وعدم التقليل من شأنها:
عن عائشة رضي الله عنها -" كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسر بـهن فيلعبن معي " الأدب المفرد

• إضفاء روح المرح في جو الأسرة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: زارتنا سودة يومًا فجلس رسول الله بيني وبينها , إحدى رجليه في حجري , والأخرى في حجرها , فعملت لها حريرة فقلت : كلى ! فأبت فقلت : لتأكلي , أو لألطخن وجهك, فأبت فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها , فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها لتستقيد منى , فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي , ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك. رواه النسائي

• لا ينتقصها أثناء المشكلة:
عن عائشة رضي الله عنها تحكى عن حادثة الأفك قالت: إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي ، كنت إذا اشتكيت رحمني ، ولطف بي ، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك فأنكرت ذلك منه كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال: كيف تيكم ! لا يزيد على ذلك .رواه البخارى ي

• يرقيها في حال مرضها :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم اذا مرض أحدٌ من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات . رواه مسلم

• يمتدح من يحسن لأهله:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :خياركم خيارُكم لنسائهم. رواه الترمذي وصححه الألباني

• يمهلها حتى تتزين له:
عن جابر قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فلما رجعنا ذهبنا لندخل, فقال : " أمهلوا حتى ندخل ليلا اى : عشاء" حتى تمتشط الشعثة , وتستحد المغيبة" رواه النسائي.



موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

بعض فضائل أبى بكر الصديق – سنة النبي

فضائل أبي بكر

لما بايع الرسول أهل العقبة أمر الصحابة بالهجرة إلى المدينة، فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأنهم سيمنعونه، فأعملت الآراء في استخراج الحيل، فمنهم من رأى الحبس، ومنهم من رأى النفي‏.‏ ثم اجتمع رأيهم على القتل، فجاء البريد بالخبر من السماء وأمره أن يفارق المضجع، فبات على مكانه ونهض الصِّدِّيق لرفقة السفر‏.‏ فلما فارقا بيوت مكة اشتد الحذر بالصديق فجعل يذكر الرصد فيسير أمامه، وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه ‏ ، وتارة عن يمينه وتارة عن شماله إلى أن انتهيا إلى الغار، فبدأ الصديق بدخوله ليكون وقاية له إن كان ثَمَّ مؤذ‏.‏ وأنبت الله شجرة لم تكن قبل، فأظلت المطلوب وأضلت الطالب، وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها على منوال الستر، فأحكمت الشقة حتى عمي على القائف ‏‏ المطلب، وأرسل ‏ «‏ الله ‏» ‏ حمامتين فاتخذتا هناك عشا جعل على أبصار الطالبين غشاوة، وهذا أبلغ في الإعجاز من مقاومة القوم بالجنود‏.‏
فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلامهم بسمع الرسول والصديق، قال الصديق وقد اشتد به القلق‏:‏ يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه‏.‏ فقال رسول الله ‏:‏ ‏ « ‏يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما‏؟» ‏ لما رأى الرسول حزنه قد اشتد، لكن لا على نفسه، قوى قلبه بشارة ‏ « ‏لا تحزن إن الله معنا» ‏ ‏‏سورة التوبة‏:‏ الآية 40‏‏
فظهر سر هذا الاقتران في المعية لفظاً، كما ظهر حكما ومعنى، إذ يقال رسول الله وصاحب رسول الله، فلما مات قيل خليفة رسول الله، ثم انقطعت إضافة الخلافة بموته فقيل أمير المؤمنين‏.‏
فأقاما في الغار ثلاثاً ثم خرجا منه ولسان القدر يقول‏:‏ لتدخلنها دخولاً لم يدخله أحد قبلك ولا ينبغي لأحد من بعدك‏.‏ فلما استقلا على البيداء لحقهما سراقة بن مالك، فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول سهما من سهام الدعاء، فساخت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنها، فلما علما أنه لا سبيل له عليهما أخذ يعرض المال على من قد رد مفاتيح الكنوز ويقدم الزاد إلى شبعان، ‏ «‏أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني‏» ‏ ‏ كانت تحفة ثاني اثنين مدخرة للصديق، دون الجميع، فهو الثاني في الإسلام وفي بذل النفس وفي الزهد وفي الصحبة وفي الخلافة وفي العمر،
أسلم على يديه من العشرة‏:‏ عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص‏.‏ وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم فأنفقهما أحوج ما كان الإسلام إليها، فلهذا جلبت نفقته عليه ‏ «‏ما نفعني مال، ما نفعني مال أبي بكر‏» ‏‏.‏ فهو خير من مؤمن آل فرعون؛ لأن ذلك كان يكتم إيمانه والصديق أعلن به‏.‏ وخير من مؤمن آل ياسين؛ لأن ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سنين‏.‏ عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار ويصيح‏:‏ ‏ «‏من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً» ‏سورة البقرة، الآية 245‏‏
فألقى له حب المال على روض الرضا واستلقى على فراش الفقر، فنقل الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد بفنون المدح، ثم قال في محاريب الإسلام يتلو‏:‏ ‏ «‏وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى» ‏الليل‏:‏ 17-18.
نطقت بفضله الآيات والأخبار، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار، كلما تليت فضائله على الصغار، أترى لم يسمع الروافض الكفار‏:‏ ‏ «‏ثاني اثنين إذ هما في الغار» ‏التوبة‏:‏ 40‏‏‏؟‏ دعي إلى الإسلام فما تلعثم ولا أبى، وسار على المحجة فما زل ولا كبا، وصبر في مدته من مدى العدى على وقع الشبا، وأكثر في الإنفاق فما قلل حتى تخلل بالعبا‏.‏
تالله لقد زاد على السبك في كل دينار دينار ‏ «‏ثاني اثنين إذ هما في الغار» ‏‏.‏ من كان قرين النبي في شبابه‏؟‏ من ذا الذي سبق إلى الإيمان من أصحابه‏؟‏ من الذي أفتى بحضرته سريعاً في جوابه‏؟‏ من أول من صلى معه‏؟‏ من آخر من صلى به‏؟‏ من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه‏؟‏ فاعرفوا حق الجار‏.‏
نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ، وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الألحاظ‏.‏ فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ‏.‏ حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره، ولكن أين الفرار‏؟‏‏.‏
كم وقى الرسول بالمال والنفس، وكان أخص به في حياته وهو ضجيعه في الرمس‏‏‏.‏ فضائله جلية وهي خلية عن اللبس‏.‏
يا عجبا‏!‏ من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النهار، لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث، فاستوحش الصديق من خوف الحادث‏.‏ فقال الرسول‏:‏ ما ظنك باثنين والله الثالث‏.‏ فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث، فزال القلق وطاب عيش الماكث، فقام مؤذن النصر ينادي على رءوس منائر الأمصار ‏ «ثاني اثنين إذ هما في الغار» ‏‏.‏
حبه والله رأس الحنيفية، وبغضه يدل على خبث الطوية‏.‏ فهو خير الصحابة والقرابة والحجة على ذلك قوية‏.‏ لولا صحة إمامته ما قيل ابن الحنفية‏.‏ مهلا مهلا، فإن دم الروافض قد فار‏.‏
والله ما أحببناه لهوانا، ولا نعتقد في غيره هوانا، ولكن أخذنا بقول علي وكفانا‏:‏ ‏ «‏رضيك رسول الله لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا‏» ‏‏.‏ تالله لقد أخذت من الروافض بالثأر‏‏‏.‏ تالله لقد وجب حب الصديق علينا، فنحن نقضي بمدائحه ونقر بما نقر به من السنا ‏ عينا، فمن كان رافضيًّا فلا يعد إلينا وليقل لي أعذار‏.‏

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

نسب النبي صلى الله عليه و سلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نسبُ النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم:
هوُ َمحُمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارَ بْنِ مَعَدَّ بْنِ عَدْنَانَ. إلى هنا هو النسب الصحيح الذي لا اختلاف فيه بين العلماء بالأنساب. وإلى عدنان كان يعدُّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
وروى ابن الكلبيِّ، عن ابن صالح، عن ابن عباس، قال: كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام، إذا انتهى في النسب إلى عدنان أمسك، ثم يقول: "كذب النسابون". وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا ما وراء قحطان إلا تخرُّصًا". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما ننتسب إلى عدنان، وما بعد ذلك لا أدري ما هو". وقال ابن جريح عن القاسم بن أبي بزَّة عن عكرمة: "أضلَّت نزار نسبتها من عدنان".
وقال محمد بن أحمد بن حميد القرشي العدوي: لا أعلم أحد من الشعراء بلغ في شعره عدنان إلا لبيد بن ربيعة، وعباس بن مرداس السلمَّي. قال لبيد:
فإنْ لم تجدْ من دونِ عدنانَ والدًا ودون
مَعَدٍّ
فلتَرُعْكَ
القبائلُ
وقال عباس بن مرداس:
وعَكُّ
بنُ
عدنانَ
الذين
تَلعَّبوا بغسَّانَ حتَّى "طُرِّدُوا" كلَّ مَطْرَدِ
وقال أبو الأسود يتيم عروة: "سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وكان أعلم قريش بأشعارهم وأنسابهم، يقول: ما وجدنا أحدا يعلم ما وراء معدِّ بن عدنان في شعر شاعر ولا علم عالم". وروى ابن لهيعة، عن أبي الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يقول: "ما وجدنا أحدًا يعرف ما وراء معدِّ بن عدنان".
قال أبو العباس محمد بن إبراهيم السرَّاج: حدثنا عبيد الله بن سعد الزُّبيريُّ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد، قال: سمعت الشافعيَّ يقول: اسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف، وعبد مناف اسمه المغيرة بن قصيٍّ، وقصيٌّ اسمه زيد بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي. وقال الشافعيُّ: أبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب.
وإليك تفصيل هذا النسب المبارك:

عبد مناف بن قصي:
ويكنى أبا عبد شمس، فولد عبد مناف هاشمًا، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس؛ وأمُّهم ــ ما عدا نوفلًا ــ عاتكة بنت مرَّة ابن هلال بن فالح بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة. وأمُّ نوفل وافدة بنت عمرو المازنيَّة، من مازن بن منصور بن عكرمة؛ فأما هاشم فلم يعقب من ولده غير عبد المطلب. وليس في الأرض هاشميٌّ إلا من ولد عبد المطلب، ويأتي ذكره بعد هذا. وقال شاعر من قريش، أو من بعض العرب يمدح هاشمًا:
عَمرُو الذي هَشَم الثَّريدَ لقومهِ قومٍ
بمكةَ
مُسْنِتينَ
عِجافِ
سُنَّتْ
إليهِ
الرِّحلتانِ
كلاهُما سَفَرُ الشتاءِ
ورِحلةُ الأصيافِ
وهلك هاشم بغزَّة من أرض الشام تاجرًا. والمقدَّم من قريش "بنو هاشم" وهي فصيلة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وعشيرته الأقربون، وآله الذين تحرم عليهم الصدقة. قال أهل العلم في تأويل قول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لا تحلُّ الصدقة لمحمد ولا لآل محمد" قالوا: هم بنو هاشم؛ آل العباس، وآل أبي طالب، وبنو أبي لهب، وبنو الحارث بن عبد المطلب، وآل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر.
وقيل: بنو عبد المطَّلب فصيلته، وبنو هاشم فخذه، وعبد مناف بطنه، وقريش عمارته، وبنو كنانة قبيلته، ومضر شعبه. وروى الأوزاعيُّ، عن أبي عمَّار، عن واثلة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أهل بيتي مثل سفينة نوح؛ من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف هلك".
وعن سفيان الثوريِّ؛ رفعه إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الخلق، فجعلني في خير خلقه، وجعلهم أفراقًا، فجعلني من خير فرقة، وجعلهم قبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتًا، فجعلني في خير بيت، فأنا خيركم بيتًا وخيركم نسبًا". وقال صَلَّى الله عليه وسلم: "كلُّ سبب نسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي".
وأما المطَّلب بن عبد مناف فكان يقال له: "الفيض"؛ لسماحه. وفيه قيل: "والفيض مطَّلب أبي الأضياف". وهلك المطلب بـ "ردمان" من اليمن فقال رجل من العرب يبكيه:
قَد ظَمئ الحجيجُ بعدَ المطَّلبْ بعدَ الجِفانِ والشرابِ المُنْثِعِبْ
ليتَ قُريشًا بعدَهُ على نُصُبْ
ومن ولده: عبيدة، والطفيل، والحصين. بنو الحارث بن المطَّلب شهدوا بدرًا، وهم من المهاجرين الأولين، واستشهد عبيدة يوم بدر، قطع رجله عتبة بن ربيعة، فمات بالصَّفراء.
ومن ولده مسطح بن أثاثة، واسمه عوف بن أثاثة بن عبَّاد بن المطلب. ومسطح مهاجري بدري، وهو من أصحاب الإفك. وأمه: بنت خالة أبي بكر الصديق، وأبوها أبو رهم بن المطَّلب. وأمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعيد بن تيم، أخت أمِّ الخير أمِّ أبي بكر رضي الله عنه.
ومنهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وكان من أشدَّاء قريش، وخبره حين صرعه النبي صَلَّى الله عليه وسلم بمكة في بعض شعابها مشهور، وذلك قبل الهجرة، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان إسلامه قبل فتح خيبر، وقسم له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من أموال الكتيبة من خيبر خمسين وسقًا، وروى عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام.
وكان لركانة ابنان: يزيد وطلحة؛ فأما يزيد فكانت له صحبة ورواية، وروى عنه أبو جعفر محمد بن علي، وأما طلحة فولد زيد بن طلحة. وأخو ركانة عُجَير بن عبد يزيد؛ كان مِمَّن بعثه عمر فيمن أقام أعلام الحرم، وكان من مشايخ قريش وجلَّتهم، وقسم له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من الكتيبة من خيبر ثلاثين وسقًا.
وابن أخيه السائب بن عبيد بن عبد يزيد أسر يوم بدر فافتدى، ثم أسلم فقيل له: "هلَّا أسلمت قبل أن تفتدي؟ فقال: ما كنت لأحرم المؤمنين طمعا لهم فيَّ".
وابنه شافع بن السائب: وإليه ينتسب الشافعي الإمام؛ فيقال فيه: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع.
وجدُّ السائب عبد يزيد بن هاشم بن المطلب: وهو أبو ركانة؛ كان يقال له: "المحض لا قذى فيه"؛ لأنه ولد هاشمًا؛ وهاشم بن المطلب أبوه، وهاشم بن عبد مناف أبو أمِّه، واسمها "الشفاء". فالشافعي صريح المجد لأب وأم، وولد سنة خمسين ومائة.
ومن بني المطلب بن عبد مناف أيضًا قيس بن مخرمة بن المطلب: أبو محمد، ويقال: أبو السائب، ولد هو ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عام الفيل، وروي عنه أنه قال: كنت أنا ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لدة، وكان أحد المؤلَّفة قلوبهم، وممَّن حسن إسلامه منهم، ولم يبلِّغه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مائة من الإبل من غنائم حنين.
وكانت لقيس بن مخرمة بن المطلب بنت تسمى: زينب، قد صلَّت القبلتين جميعًا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهي مولاة السُّدِّي المفسِّر، أعتقت أباه.
وأما نوفل بن عبد مناف فمن ولده: مطعم بن عديِّ بن نوفل؛ وهو الذي أجار النبي عليه الصلاة والسلام حين رجع من الطائف من دعاء ثقيف بعد موت أبي طالب. وابنه جُبيرُ بنُ مُطعِم: من مسلمة الفتح، وحسن إسلامه.
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف:
هو جدّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان لعبد المطَّلب من الولد لصُلبه عشرة من الذكور، ومن الإناث ست بنات. الذكور: عبد الله بن عبد المطلب أبو النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، والزبير، وأبو طالب؛ واسمه عبد مناف، وحمزة، والعباس، وضرار، والمُقوَّم، وأبو لهب؛ واسمه عبد العزى، والغيداق؛ واسمه حَجْل، وسُمَّي غيداقًا؛ لكثرة سماحه وخيره، والحارث؛ وهو أكبر ولد عبد المطلب، وبه كان يُكنى.
والإناث: عاتكة بنت عبد المطلب، وأُميمة، والبيضاء؛ وهي أُمُّ حكيم، وبَرَّة، وصفيَّة، وأروى.
وأمُّ عبد المطلب: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن عديِّ بن النجّار. واسم النجّار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أخي الأوس. والأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مُزَيقِيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن ثَبِت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يعرب بن يَشجُب بن قحطان.
وأمُّ الأوس والخزرج: عُذرية، واسمها: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سُود بن أسلُم بن الحاف بن قُضاعة. ولذلك قيل للأوس والخزرج: بنو قَليَة. قال النعمان بن بشر الأنصاريُّ يمدح الأوس والخزرج:
بَهاليلُ من أبناءِ قَيلةَ
لم
يجدْ عليهم خليطٌ
في مُخالطةٍ
عَتْبا
مساميحُ أبطالٌ
يُراحون للنَّدى يَرَون
عليهمْ
فعلَ آبائهمْ
نَحْبا
وأمُّ سلمى؛ أُمِّ عبد المطلب: عُميرة بنت صخر بن الحرث بن ثعلبة بن مازن بن النجار.
وكان لعبد المطلب من الأخوة لأبيه: أسد بن هاشم؛ وهو أبو فاطمة أمُّ عليَّ رضي الله عنه، وأبو صيفي بن هاشم، وفَضلة بن هاشم. ومن الأخوات لأبيه: الشِّفاء، وخالدة، وضعيفة، وحيَّة.
فأما الشفاء منهنَّ فتزوَّجها عبد المطلب بن عبد مناف فولدت له عبد يزيد الذي كان يُقال له: المَحْضُ لا قذى فيه. وهو أبو رُكانة الشديد، وقد تقدَّم ذكر ركانة وأبيه.
وتزوج هاشم سلمى بنت عمرو ببلدها يثرب، فولدت له عبد المطلب ورقيَّة، وكانت قبل هاشم عند أُحَيْحَة بن الجُلاح، فولدت له عمرو بن أحيحة؛ فهو أخو عبد المطلب لأمِّه، وهلك هاشم بالشام، وعبد المطلب صبي صغير عند أمه بالمدينة، فلما شبَّ جاء المطلب لأمه، وأراد أخذَهُ منها ليحمله إلى مكة، فمنعته من حمله، فلم يزل بها المطلب حتى دفعته إليه فذهب به، وأردفه خلفه، وحمله إلى مكة، فلما دخل مكة قالت قريش: هذا عبد المطلب. فقال المطلب: وَيْحَكُم؛ إنه ابن هاشم أخي، قدِمتُ به من يثرب. فلزمه هذا الاسم، واسمه شَيبَةُ.
أمهات بني عبد المطلب وبناته:
ـــ أمُّ عبد الله والد النبي عليه الصلاة والسلام، وأبي طالب، وجميع النساء غير صفية هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم بن يَقَظَة بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
ـــ وأمُّ حمزة والمُقوَّم والحَجْل وصفية: هالة بنت أُهَيب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي.
ـــ وأُمَُ العباس وضرار: نُتَيلة بنت جَناب بن كُليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النَّمِر بن قاسط بن هِنْب بن أفضى بن دُعميِّ بن جديلة بن أسيد بن ربيعة بن نزار، هكذا نسبها ابن إسحاق، ونسبها أبو عبيدة كما يأتي بعد.
ـــ وأمُّ الحارث بن عبد المطلب: سمراء بنت جُندب بن جُحير بن رئاب بن سُواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة.
ـــ وأُمُّ أبي لهب: ُلبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حُبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي.
ذكر عمومة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
أما أعمام النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقد أسلم من أعمامه اثنان:
ـــ حمزة بن عبد المطلب: وكانت له كُنيتان: أبو يعلى، وأبو عُمارة، وأم عُمارة امرأة من بني النجار من الأنصار. ولم يُعقب، وكان له من البنات: أمُّ أبيها واسمها أُمامة، وأُمُّ الفضل؛ فأمَّا أُمُّ أبيها فأُمُّها زينب بنت عُميس الخثعمية، وكانت تحت عمر بن أبي سلمة المخزوميِّ ربيب النبي عليه الصلاة والسلام.
ـــ والعباس بن عبد المطلب: وولد العباسُ: الفضلَ الرَّدْفَ؛ وبه كان يُكنى، وعبد الله الحَبْر، وعُبيد الله الجواد، وقُثَم الشهيد بسمرقند، وعبد الرحمن، ومعبدا؛ وأُمُّهُم أمُّ الفضل لُبابة الكبرى الهلالية من بني عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة؛ كُنيت بالفضل ابنها؛ وهي لُبابة بنت الحارث بن حَزْن أخت ميمونة زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم لأبيها وأمِّها، ويقال: أنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة؛ فكان النبي عليه الصلاة والسلام يزورها، ويقيل عنها، وروت عنه أحاديث كثيرة، وكانت من المُنجِبات، ولدت للعباس ستة رجالًا لم تلد امرأة مثلهم.
وفي أم الفضل هذه يقول عبد الله بن يزيد الهلالي:
ما ولدتْ نجيبةٌ
من فحلِ بجَبلٍ نعلمُهُ
وسهلِ
كَستَّةٍ
من بطن أمِّ
الفضلِ أكرِمْ بها من كهلةٍ وكهلِ
عمِّ النبيِّ المصطفى ذي الفضلِ وخاتمِ الرُّسْلِ وخَيرِ الرسْلِ
ـــ ثم عمه الثالث: ضرار بن عبد المطلب: مات ضرار قبل الإسلام، ولا عقب له، وكان يقول الشعر.
ـــ المقوَّم بن عبد المطلب: ولم يدرك الإسلام، ولا عقب له.
ـــ أبو لهب: عبد العزَّى بن عبد المطلب، ويكنى أبا عتبة: وولد له: عتبة وعتيبة ومعتِّب، وبناتٍ؛ أمُّهم أمُّ جميل بنت حرب بن أمية، حمالة الحطب؛ وهي أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية.
ـــ الغيداق بن عبد المطلب: وهو حجل، ولا عقب له.
ـــ الحارث بن عبد المطلب: هو أكبر ولد عبد المطلب، وشهد معه حفر زمزم، وبه كان يكنى. وولد له أبو سفيان بن الحارث، ونوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وعبد شمس بن الحارث، وأروى بنت الحارث.
عمَّاتُهُ صَلَّى الله عليه وسلم:
أما عمات النبي صَلَّى الله عليه وسلم فبيان أمرهن كما يلي:
ـــ أما عاتكة بنت عبد المطلب: فكانت عند أبي أميَّة بن المغيرة المخزوميّ، فولدت له عبد الله بن أبي أميَّة، وزهيرًا، والمهاجَر، وهم إخوة أمّ سلمة لأبيها.
ـــ وأما أميمة بنت عبد المطلب: فكانت عند جحش بن رئاب الأسديِّ، وهي أمُّ زينب بنت جحش وأمُّ إخوتها: عبد الله، وأبي أحمد الأعمى، وعبيد الله المتنصِّر بأرض الحبشة.
ـــ وأما البيضاء بنت عبد المطلب: فكانت عند كُريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، فولدت له أروى؛ وهي أمُّ عثمان بن عفان، وأمُّ الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط. وكانت البيضاء تُكنّى أمَّ حكيم، وكان يقال لها: قبة الديباج؛ لجمالها.
ـــ وأما برَّة بنت عبد المطلب: فكانت عند عبد الأسد بن هلال المخزوميَّ، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد الذي كانت أمُّ سلمة عنده قبل أن تكون عند النبيِّ صَلَّى الله عليه وسلم، ثم خلف على برَّة أبو رُهم بن عبد العُزّى من بني عامر بن لؤي؛ فولدت له أبا سَبرة بن أبي رُهم.
ـــ أما صفية بنت عبد المطلب: فكانت عند الحارث بن حرب بن أميَّة، ثم خلف عليها العوَّام بن خويلد، وهي أمُّ الزُّبير، وأسلمت صفيّة، وتوفيت في خلافة عمر سنة عشرين، ولها ثلاث وسبعون سنة، ودُفنت بالبقيع.
ـــ أما أروى بنت عبد المطلب: فهي أمُّ طُليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد بن قصيٍّ. كانت تحت عُمير بن وهب، فولدت له طُليبا. واختُلف في أروى؛ فذكر بعضهم أنها أسلمت، وكذلك ذُكر عن عاتكة أنها أسلمت، وقيل: لم تُسلم. وعاتكة هي صاحبة الرؤيا في شأن بدر. قالت: رأيت راكبًا أخذ صخرة من أبي قُبيس، فرمى بها الرُّكن، فتفلَّقت الصخرة، فما بقيت دار من قريش إلا دخلتها منها كسرة، غير دور بني زهرة. ولم يُختلف في إسلام صفية. وقال ابن إسحاق وطائفة معه: ولم يُسلم من عمات النبي صَلَّى الله عليه وسلم غير صفية.
أبو النبي صَلَّى الله عليه وسلم:
وعبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ولم يكن له ولد غير رسول الله ذكر ولا أنثى.
أم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم:
أما أمُّه فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وأمُّ آمنة: برة بنت عبد العُزَّى بن عثمان عبد الدار بن قصي. وأمُّ برة: أمُّ حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي. وأمُّ أمِّ حبيب بنت أسد بن عبد العزَّى بن قُصي: برةُ بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عديِّ بن كعب بن لؤي.
وأما أمُّ وهب جدِّ النبيِّ فهي عاتكة بنت الأوقص بن مُرة بن هلال بن فالج بن ذكوانّ بن ثعلبة بن بُهثة بن سُليم بن منصور ابن عكرمة.
تزوَّج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة عند الفراغ من فدائه بالإبل لنذر أبيه الذي كان نذر حين نازعته قريش في حفر زمزم؛ ولذلك قال صَلَّى الله عليه وسلم: "أنا ابن الذَّبيحين". وهذه حجة من جعل الذبيح إسماعيل. وقال أسد بن الفرات قاضي أفريقية في إمرة إبراهيم بن الأغلب: سمعت محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة يقول: اختلف أهل التفسير، فقال بعضهم: إسحاق هو الذي أُمر إبراهيم بذبحه. وقال بعضهم: إسماعيل هو، فكان أصحَّ القولين عندنا أنه إسماعيل، لأن الله يقول في كتابه: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]. فكيف يختبر في ذبحه، وقد أعلمه أنه سيولد لإسحاق يعقوب؟ وإنما الاختبار فيما لم يعلم غافية أمره.
فرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبًا، وأفضلهم نسبًا من قبل أبيه وأمِّه صَلَّى الله عليه وآله وسلم.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

منهج كعب بن مالك رضي الله عنه في الفتنة التي تعرض لها

منهج كعب بن مالك رضي الله عنه في الفتنة التي تعرض لها



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدلله حمدا دائما أبدا والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد
فكعب بن مالك الإنصاري رضي الله عنه من كبار الصحابة وحكمائهم .
كان مؤمنا صادقا وصحابيا جليلا تعرض لفتنة عظيمة وموقف صعب بتخلفه عن غزوة تبوك .
وفيما تعرض له رضي الله عنه تنبيها بأن الرجل وإن علا قدره وصدق إيمانه قد يتعرض لفتنة عظيمة وخطر جسيم.
وحديث كعب بن مالك عن غزوة تبوك متفق عليه وذكر الله توبته عليه في آيات من القرآن وتفاصيل بعض ما مر به وصاحبيه في هذا الخطب الجلل .
فقصة كعب مشهورة معروفة وإنما حديثي عن الركائز الأساسية والنقاط الجوهرية التي سار عليها كعب خلال هذه الفتنة التي استمرت وقتا ليس بالقليل .
وهذا الأمور التي سنوردها عن كعب رضي الله عنه هي في الحقيقة منهج متكامل لمن تأملها في التعامل مع ما قد يعرض للمؤمن من فتنة في خاصة نفسه .

وهي كالتالي :

أولاً / الاعتراف بالخطأ وعدم محاولة تبرير الأخطاء :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة والله ما جمعت راحلتين قط حتى جمعتها في تلك الغزوة ).

ثانيا / الصدق ومراقبة الله والنظر في العواقب :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 يا رسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرجه من سخطه بعذر لقد أُعطيت جدلا ؛ ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لا أرجو فيه عقبى الله عز وجل والله ما كان لي من عذر ).

ثالثا / التأسي بالصالحين :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 فذكّروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة ؛ فمضيت حين ذكروهما لي ).

رابعا / الاستمرار على الأعمال الصالحة والصبر ومواصلة العطاء :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ).

خامسا / لا تغرك مساعدة أهل الباطل وتخلص من كل شيء يدعوك للباطل ولا تبقيه لديك :
قد يمد أهل الباطل أيديهم إليك ليساعدوك من الخروج من مأزقك ولكن بخسارة أكبر من جهة أخرى فلا تستجب لدعوتهم .
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 فدفع لي كتابا من ملك غسان وكنت كاتبا فقرأته فإذا فيه : أما بعد قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بِنَا نواسك ، فقلت حين قرآتها : وهذه أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها ).

سادسا / طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن شق عليك ذلك :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 إذا رسول الله يأتيني ؛ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ؛ فقلت :أُطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : لا بل اعتزلها فلا تقربنها ؛ فقلت لأمراتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ).

سابعا / الفرح بالنجاة من الفتنة وإكرام من يبشرك بالخير:
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته والله ما أملك غيرهما يومئذ ).

ثامنا/ حفظ مواقف أهل المواقف الذين تألموا لألمك وفرحوا لفرحك :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه :(فقام طلحة بين عبيدالله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام رجل من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها لطلحة).

تاسعا / الثبات على منهجك الحق وطريقك الواضح والحرص عليه أكثر وأكثر :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه :(والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي ).

عاشرا / الاعتراف بفضل الله والإكثار من شكره :
وفي هذا قال كعب بن مالك رضي الله عنه 🙁 والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا ).

تلك عشرة كاملة استلهمناها من حكمة الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه وهي منهج حق وطريق صدق لمن وقع في بلاء وإن كان قوي الإيمان صادق اليقين .

نسأل الله أن ينفع بها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

السيرة النبوية للشيخ نبيل العوضي – سنة النبي

..
..

بسم الله الرحمن الرحيم

سأقوم بطرح فيديوهات للسيرة النبوية الشريفة
على لسان
الشيخ نبيل العوضي
بواقع 30 حلقة .. قمت برفعها سابقاً على حسابي في يوتيوب

الحلقة الأولى
[youtube]

 زيارات الملف الشخصي : 2051
إحصائية مشاركات » أح ــــمد™
 المواضيـع الــــــردود
[+] [+]
 بمـــعــدل : 8.16 يوميا

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ – في الاسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف كان النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتوضأ؟
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله[·]

• قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَن توضأ نَحوَ وضوئي هذا، ثم صَلَّى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسَه، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه)[1]، وإليكم الآن تلخيص صفة وضوء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مُرَتّبَة، بأسلوب بسيط، مع ذِكر بعض الملاحظات الهامّة:

1- يَنوي الوضوءَ (بقلبه)، ثم يبدأ بالسِّواك، وقد قالَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم- في فضل السواك-: (السواكُ مَطهَرَة للفم، مَرضَاة للرَب) [2]، واعلم أنَّ استخدامُ فرشاة الأسنان قبل الوضوء يُعتبَر تسوُّكًا.

2- التسمِيَة عند البَدْء بالوضوء وذلك بأنْ يقول: "بسم الله".

3- غَسْل الكَفَّيْن (ثلاث مرات)، على أنْ يبدأ بكَفِّهِ الأيمَن قبل الأيسَر، ويُلاحَظ أنه لا يَزيد في غَسل الأعضاء عن ثلاث مرات؛ لأنَّه أكثر ما وردَتْ به الرِّوايات في صِفَة وضوء النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكنْ يُلاحَظ أنه يَجُوز لمن احتاجَ أنْ يغسل أنفه فوق الثلاث مرات (لِرَشحٍ أو غير ذلك) أنْ يزيد على الثلاث، وذلك لعموم قوْل النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (وبالِغ في الاستنشاق إلا أنْ تكونَ صائماً)[3]، أما إذا كان على وجهه أو يَدَيْهِ تراب (مثلاً) فالأفضل أنْ يغسل وجهه أو يَدَيْهِ من التراب أولاً قبل أنْ يتوضأ، ثم بعد ذلك يتوضأ، وذلك حتى لا يزيد على الثلاث أثناء وضوئه فيُخالف السُنَّة.

• واعلمْ أنه يَجُوز أنْ يتوضَّأ مَرَّة مَرَّة (يعني يَغسِل كل عُضو مرة واحدة فقط)، ومَرتَيْن مرتين (يعني يَغسِل كل عُضو مرتين) (باستثناء الأذن والرأس فيتم مسحهما مرة واحدة في جميع الحالات على الأرجَح)، فقد توضَّأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَرَّة مَرَّة وتوضأ مرَّتَين مرتين.

• واعلمْ أيضاً أنه يُستحَبّ تدليك الأعضاء أثناء الوضوء، وكذلك يستحب التخليل بين الأصابع، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن توضأ فأحسنَ الوضوء خرجَتْ خطاياهُ مِن جَسَدِهِ حتى تخرجَ مِن تحت أظفاره))[4]، ولذلك ينبغي للعبد أنْ يستشعر- وهو يتوضأ- أنه نادِمٌ على ما فعَلَتْهُ هذه الأعضاء في حق الله تعالى- حتى تَخرُجَ ذنوبُهُ مِن جَسَدِه حتى يَطْهُرَ قلبُه.

4- المضمضة والاستنشاق (ثلاث مَرَّات بثلاث غَرَفات) في كلِّ غَرْفة يتمضمض ويستنشق (على الأصَحّ)، (ويَجُوز أنْ يتمضمض ثلاث مرات، ثم يستنشق ثلاث مرات)، واعلم أنَّ معنى المضمضة: أنْ يَجْعل الماء في فَمِه، ثم يُدِيره فيه، ثم يَمُجُّه، وأما الاستنشاق فهو: جَذْب الماء في الأَنْف، فإذا أخرجه بعد ذلك فإنه يُسَمَّي استنثارًا.

5- غَسْل الوجه (ثلاث مرات)، وَاعلم أنَّ حُدود الوَجه هي: ما بين مَنْبَت الشَّعر المعتاد إلى مُنتهَى الذَّقن (طُولاً)، وما بين شحْمَتَيِ الأذُن (عَرْضًا)، ويدخل في ذلك ظاهِرُ اللِّحية الكثيفة (وهي التي لا يظهر الجلد من تحتها)، وأمَّا اللِّحية الخفيفة (التي يظهر الجلد من تحتها)، فإنَّه يجب غسلها حتى يصل الماء إلى الجِلْد من تحتها (ويُلاحَظ أنه يُستَحَبُّ غسل شيئ مِن مقدمة الرأس مع الوجه حتى يأتي هذا الجُزء يوم القيامة وعليه نُور)، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- حينما سأله أصحابه: (كيف تعرف مَن لم يأتِ بَعدُ مِن أُمَّتِك يا رسول الله؟)- قال: (يأتونَ غُرًّا مُحَجَّلين مِن الوضوء)[5].

6- غسْل اليدَيْن بدءًا من رؤوس الأصابع إلى المرفقين (ثلاث مرات) على أنْ يبدأ بيده اليُمنَى قبل اليُسرَى، (واعلم أنَّ المِرفق هو المِفصَل الذي بين العَضُد والسَاعِد) (وهو الذي يُعرَف عندَ كثير من الناس بـ :(الكُوع)، وهذا خطأ، والصواب أن اسمه: (المِرْفق)، (واعلم أيضاً أنه يُستَحَبُّ غَسل شيئ مِمَّا فوق المِرفقيْن حتى يأتي هذا الجُزء يوم القيامة وعليه نُور).

7- مَسْح الرأس (مرة واحدة فقط) وهذا هو الراجح من أقوال العلماء، ويُلاحَظ أنه يَجُوز مَسْح جَميع الرأس، كما يَجُوز مَسْح بعضها فقط، والأرجح ألاّ يقتصر على مَسْح بعض الرأس إلاَّ إنْ كان سَيُكمِل المَسْح على العِِمامة، واعلم أنَّ طريقة المسح الثابتة عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يضع يَدَيْهِ عند مُقدِّمة رأسه، ثُمَّ يَرجع بِهما إلى قفاه، ثُم يَرُدُّهُما مِن حَيثُ بَدأ، واعلم أيضاً أنه يجوز له أنْ يمرر يَدَيْهِ في نفس اتجاه الشعر.

8- مَسْح الأذنَيْن من الداخل والخارج مرَّة واحدة (فمن الداخل بالسَبّابتيْن، ومن الخارج بالإبهامَيْن) (ويُلاحَظ أنه لا يُشترَط لِمَسحِ الأذنَيْن ماءٌ جديد، بل يَكفي مَسْحُهما بنفس الماء الذي مَسحَ به الرأس).

9- غسْل رِجلَيْه إلى الكَعبيْن (ثلاث مرات) على أنْ يبدأ برجله اليُمنَى، وقد ثبَتَ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الأَمْرُ بغَسْلِ الرِّجلَيْن، بل إنَّه عنَّف الذين اكتَفَوا بالمَسح عليهما؛ فقال لهم: ((ويْلٌ للأعقاب من النار))[6]، والأعقاب: جَمْع عَقِب، (والعقب هو مُؤخَّر القدم، وهو الذي يُعرَف عند كثير من الناس بـ (الكعب) وهذا خطأ، والصواب أنَّ الكعبان هما العظمتان البارزتان على جانِبَي الرِّجل عند التقاء كَف القدم بالساق)، (ويُلاحَظ أنه يُستَحَبُّ غَسل شيئ مِمَّا فوق الكعبيْن حتى يأتي هذا الجُزء يوم القيامة وعليه نُور).

10- يقول بعد فراغه من الوضوء: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله اللَّهم اجعلْنِي من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين"، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما منكم من أحدٍ يتوضَّأ فيُسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أنْ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله- زاد التِرمِذِي في روايةٍ: ((اللَّهم اجعلْنِي من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين)-، إلاَّ فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة الثمانية، يَدْخلُ من أيِّها شاء))[7].

• وكذلك يقول: (سبحانك اللَّهم وَبِِحَمْدِك، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك). فقد قال النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَنْ توضَّأ فقال: سبحانك اللَّهم وَبِِحَمْدِك، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك، كُتِب له في رَقّ- (يعني في صحيفة)-، ثم جُعِلَ في طابع، فلم يُكْسَر إلى يوم القيامة)[8].

ملاحظات هامَّة جداً على الوضوء:

1- يَجُوز الكلام أثناء الوضوء؛ إذ لا دليل يَمْنع من ذلك.

2- ليس هناك أذكارٌ تُقال أثناء الوضوء، والحديث الذي وَرَدَ في ذلك ضعيفٌ لا يَصِحُّ.

3- إذا قصَّ أظفاره أو حلَق شعره بعد الوضوء، فإنه لا يلزمه غسل ما ظَهَر من الأظفار بعد تقليمها، وكذلك الشعر.

4- ليس هناك دليلٌ على وضع أُصْبعِه في فمه عند المضمضة، وإنَّما يَكفِي تحريك الماء بِحَركة الفم، ثم مَجِّه.

5- لو كان شعره كثيفًا ومَسَحَ عليه، ولم يَصِل إلى بشرته (يعني لم يصل الماء إلى جلد الرأس)، فالوضوء صحيح ولا يضرُّ ذلك، لكنه لا يَمْسح على المُستَرْسَل منه فقط، بل لا بدَّ أنْ يَمسح ما فوق الرأس.

6- يَجُوز أنْ يلبس العمامة متعمِّدًا عند الوضوء من أَجْل المسح عليها، ويُلاحَظ أنه لا يُشترَط في المَسْح عليها أنْ تكون لُبِسَت على طهارة، وكذلك لا يُقيَّد المَسح عليها بوقت كما هو الحال بالنِّسبة للمَسح على الخُفَّيْن، ويُلاحَظ أيضاً أنه يَجُوز للمرأة أنْ تَمسح على الخمار.

7- إذا كان على أعضاء الوضوء مادة عازلة تَمْنع وُصول الماء إلى البشرة كالشمع والدهانات والجمالَكّا- (وهو دِهَان يُدهَن به الخشب)- والمونيكير وغير ذلك، فالواجب إزالة هذه المواد، وإلاَّ فالوضوء غير صحيح.

8- أمَّا إذا كانت هناك أصباغ كالحِنّاء وصبغة اليُود- (مثل الميكروكروم) – ونحو ذلك مما ليس له كثافة، ولكنه يصبغ الجلد فقط، فهذا لا يؤثِّر في صِحَّة الوضوء (لأنها ليست مواد عازلة).

9- اعلم أنَّه لا يُشرَع في الوضوء مَسْحُ الرَّقبة، بل مَسحُها يُعَدُّ بدعة.

10- يَجُوز الوضوء في الحمَّام، وله أنْ يُسمِّي سرًّا.

11- إذا كان مقطوع اليدَيْن، فإنْ وجد مَن يُوضِّئه ولو بالأجرة فبِها، وإنْ لم يجد مَن يُوضِّئه.. سقطَ عنه الوضوء وصلَّى على حالِهِ ولا إعادة عليه.

12- إذا نسي عُضوًا أثناء الوضوء: فإنْ تذكَّر قبل أنْ يَطول الفصل- (يعني قبل أنْ يجف العضو الذي يسبق هذا العُضو المَنسِي) – فإنه يعود إلى العُضو المَنسِي ويغَسله، ثُم يتَمَّ بقيَّة أعضائه على الترتيب، أما إنُ طال الفَصْل (وذلك بأنْ يجف العضو الذي يسبق هذا العُضو المَنسِي) أعادَ الوضوء من أوَّلِه؛ لأنه بذلك يكون فقدَ المُوَالاة.

13- إذا صلَّى مُحْدِثًا بغير وضوء لا تصحُّ صلاتُه، سواء كان عالمًا بِحَدَثِه أو جاهلاً أو ناسيًا، إلاَّ أن الناسي والجاهل لا يأْثَمان، وعليهما الإعادة، وأما المتعمد فقد ارتكَب معصية عظيمة، فعليه التوبة والنَّدم، وعليه الإعادة.

14- لا يَلزَم خلع الأسنان المُركَّبَة عند المضمضة؛ لِما في ذلك من المَشقَّة، وأما تَحْريك الخاتم في الأصبع فمحَلُّ خلاف بين العلماء، والحديث الوارد بأن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُحرِّك خاتَمَه حديث ضعيف.

15- الصحيح أن لَمْس المرأة لا يَنقُضُ الوضوء، سواء كانت من ذوات المَحارم، أو أجنبيَّة، ولكنْ هناكَ تنبيهٌ هامٌّ وهو أن القوْل بعدم نَقْضِ الوضوء مِن لَمْسِ المرأة، لا يَعْنِي جَوازَ مُصافحة الرَّجُل للمرأة الأجنبيَّة، فمصافَحتُها حرام؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لأَنْ يُطعَنَ في رأس أحَدِكم بِمِخيَطٍ مِن حديد خيرٌ له مِن أنْ يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له)) (انظر السلسلة الصحيحة حديث رقم: (226).

16- إذا خرَجَ البَول أو الغائط مِن غير (القبُل والدّبُر) (مثل ما يعرف بالقسطرة التي توضع للمريض)، وَجَبَ فيهما الوضوء على الرَّاجح.

17- الدَّم لا يَنقُضُ الوضوء، سواء كان قليلاً أم كثيرًا، وكذلك القيْء لا يَنقُض الوضوء.

18- القهقهة لا توجب الوضوء، سواء كانت القهقهة في الصَّلاة، أو خارجها- علمًا بأنَّها تُبْطِل الصلاة- والقهقهة مذمومة، وهي في الصلاة أشدُّ وأقبح؛ لِما في ذلك من سوء الأدب، وعدم التعظيم لشعائر الله.

19- إذا شكَّ أو خُيِّل إليه أنه خرَجَ منه شيءٌ- بِمَعنى أنه شكَّ هل أَحْدَثَ، أمْ لا؟- فلا يَضرُّه ذلك، ولا يُنتقَضُ وضوءه إلاَّ إذا تَيَقنَ أنه أحْدَث كأنْ يَسمعَ صَوتًا، أو يشم ريحًا.

20- إذا تَيَقنَ أنه توضأ، ثم شكَّ هل أحْدَثَ أم لا؟ بنَى على أنَّه متطهِّر ولا يلزمه الوضوء، أما إذا تَيَقنَ أنه أحْدَثَ، ثم شكَّ هل توضأ أم لا؟ فهو مُحْدِث ويلزمه الوضوء (يعني يبني في الحالتَيْن على ما تَيَقنَ عنده).

21- إذا أكل أو شرب فلا يجب عليه الوضوء، وإنَّما يَكْفيه أنْ يتمضمض إذا كان الطَّعام دَسِمًا، وذلك على سبيل الاستحباب، بحيث إنه إذا لم يتمضمض فالصلاة صحيحة.

22- لَمْس فرج الصَّغير لا يَنقُضُ الوضوء – على الراجح – وعلى هذا فإنَّ مَن يقومون بتنظيف الأطفال، وَمَسُّوا فروجَهم فإنَّ وضوءهم لا يُنتقَضُ.

23- اعلم أنَّ سقوط النَّجاسة على بدن الإنسان لا يَنقُضُ الوضوء، وإنَّما عليه فقط أنْ يُزيل هذه النجاسة، وهو على حاله إنْ كان متوضِّئًا.

منقول — أتمنى أن يكون فيه الخير للجميع

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة من السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


السؤال: هل يعتبر فعل و قول الرسول صلى الله عليه و سلم قبل البعثة سنة مثلا زواجه من خديجة رضي الله عنها ؟
الجواب :
الحمد لله :
الأصل في أفعال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة أنها خارجة عن السنة التشريعية ، وأنه لا يلزمنا متابعته والائتساء به فيها ، إلا ما جاء به شرعه ـ بعد البعثة ـ بمشروعيتها ، إما على جهة الوجوب أو الاستحباب ، من نحو ( الوفاء بالوعد ، وإعانة الملهوف ، وإكرام الضيف، والإعانة على نوائب الحق ، ونحو ذلك ) فيلزمنا الاقتداء به فيه ؛ لأنه صار شريعة لنا بعد نبوته، لا لمجرد أنه عليه الصلاة والسلام فعله قبل النبوة ، وعلى هذا فيوجد في أفعاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل البعثة ما لا يلزم اتباعه فيه ، إما لأنه لم يثبت في حقنا تشريعه ، وإما لورود ما ينسخه ويعارضه بعد البعثة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والأمور التي جرت قبل النبوة لا تذكر للأخذ والتشريع كفعله بعد النبوة , لأن المسلمين أجمعوا على أن الذي فرض على العباد من الإيمان به صلى الله عليه وسلم ، والعمل بما جاء به ، إنما ذلك لما كان بعد النبوة .
ولهذا كان عندهم : من ترك الجمعة والجماعة ، وتخلى في الغيران والكهوف والجبال ، حيث لا جمعة ولا جماعة ، وزعم أنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه لكونه كان متحنثا في غار حراء قبل النبوة ، فترك ما شرع له من العبادات الشرعية التي أمر الله بها ورسوله ، واقتدى بما كان يفعل قبل النبوة ـ كان مخطئا ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكرمه الله بالنبوة ، لم يكن يفعل ما فعله قبل ذلك ، من حيث التحنث في غار حراء أو نحو ذلك .
ولم يكن أحد من أصحابه صلوات الله عليه من بعده ، يأتي لغار حراء، ولا يتخلفون عن الجمعة والجماعة في الأماكن المنقطعة ، ولا عمل أحد منهم خلوة أربعينية ، كما يفعله بعض المتأخرين ، بل كانوا يعبدون الله بالعبادات الشرعية التي شرعها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ا.هـ من مجموع الفتاوى ( 18 / 10 ) .
وأما المحدِّثون فإنهم يعتنون بذكر ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في كل وقت ، ولو كان قبل البعثة ، فهي تدخل في السنة على تعريف المحدثين ، الذين يعتبرون كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ، فيروونه في كتبهم بناء على ذلك .
انظر : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام ، للدكتور محمد العروسي ( 149 ) .
والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده