عشنا لحظات إيمانية طيبة في شهر رمضان، و ارتقت أرواحنا وارتفعت همتنا، وشعرنا بلذة العبادة، وذقنا حلاوة الإيمان، وشعرنا طعم ولذة المواظبة على الطاعة.
فبعد الإكثار من قراءة القرآن الكريم والحرص على ختمه خلال شهر رمضان، والإخلاص لله تعالى في الصيام، وبعد المواظبة على صلاة الجماعة، و مع التسابق لشهود صلاة التراويح، والمواظبة على النوافل، والتنافس في الصدقات، والحرص على الاعتكاف والاجتهاد في التهجد في العشر الأواخر من رمضان لتحري ليلة القدر، ومع التقليل من الجلوس على الإنترنت، وتقليل ساعات مشاهدة التلفاز، وجد بعض الناس ـ بعد انقضاء رمضان ـ فتورا في أداء العبادات، وتكاسلا في حضور الجماعات، وزيادة التعلق بالإنترنت، وقضاء أوقات طويلة أمام شاشات التلفاز، وفقد بعضهم الشعور بلذة العبادات التي وجدها في رمضان ويقول بعضهم: لا أجد في نفسي الحرص على حضور الجماعات، أو لم أجد الحرص على أداء النوافل كما كنا في رمضان، أو لم أشعر بالخشوع في العبادات.
فما الحل لهذه المشكلة؟ وكيف نواظب على الطاعات بعد رمضان؟ وما وسائل الثبات على الأعمال الصالحة بعد رمضان؟ أو ما وسائل المداومة والمواظبة على فعل الخيرات والتنافس في الطاعات بعد رمضان؟
أولا: علينا التوجه إلى الله تعالى بالدعاء، و طلب العون باستمرار من المولى سبحانه و تعالى، ونسأل الله عز وجل بصدق ونتوجه إليه بإخلاص و نطلب الإعانة منه سبحانه وتعالى، ونسأله الثبات على الهداية والاستمرار في الطاعة بعد رمضان، وقد أثنى الله على دعاء الراسخين في العلم: "رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"سورة آل عمران.
والذي دفعنا للتنافس في الطاعات هو أننا علمنا الثواب الجزيل والأجر العظيم المترتب على الصيام والقيام وقراءة القرآن في شهر رمضان، وعرفنا الثواب الكبير المترتب على فعل بقية الطاعات من ذكر ودعاء وخشوع ومواظبة على أداء الصلوات والنوافل، والتسابق إلى الخيرات والتنافس في الطاعات، فإذا كان الثواب دافعا للتسابق والاجتهاد في الطاعات فهل الثواب انقطع بعد رمضان؟ كلا بل صيام التطوع مشروع بعد رمضان، ويترتب عليه الثواب الجزيل والأجر الكبير ففي الحديث عن أبى أيوب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر" رواه الجماعة إلا البخاري.
وأيضا الثواب الكبير المترتب على قيام الليل يستمر بعد رمضان(1)، ونحرص على قراءة القرآن بعد رمضان حتى نحصل على الأجر العظيم والثواب الجزيل، والذي يستمر بعد شهر القرآن، وحتى لا نكتب ممن يهجر كتاب الله تعالى (2).
ثالثا: الالتفاف بالعناصر المثبتة على طريق الهداية، والتي تكون سببا في زيادة الإيمان، وذلك بالإكثار من مُجالسة العلماء والصالحين، والحرص على مجالس الذكر العامة وحضور المحاضرات الخاصة والنافعة، والحرص على مصاحبة الأخيار وزيارة الصالحين، وملازمة مجالس العلماء.
رابعا: الحرص على علو الهمة وذلك بالقراءة المستمرة لأصحاب الهمم العالية في كتب السيرة و السير والتراجم، أو الاستماع للأشرطة عن تراجم العلماء والمصلحين، مع التعرف باستمرار على سير الناجحين والمتفوقين والمتميزين و الصالحين من خلال القراءة أو السماع، مع الاهتمام بسير الصحابة رضي الله عنهم فإنها تبعث في النفس علو الهمة، وتقوي العزيمة.
خامسا: الحرص على الأعمال الصالحة(3) ولو القليل المستمر المُحبب للنفس وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم. "أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"متفق عليه.