التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

نوح عليه السلام اسلاميات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نسبه عليه السلام

هو نوح، بن لامك، بن متوشلخ، بن خنوخ – وهو إدريس – بن يرد، بن مهلاييل، بن قينن، بن أنوش، بن شيث، بن آدم أبي البشر عليه السلام.
كان مولده بعد وفاة آدم، بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره.
عن زيد بن سلام،قال سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة،قال
أن رجلاً قال يا رسول الله: أنبي كان آدم؟
قال: نعم مكلم.
قال: فكم كان بينه وبين نوح؟
قال: عشرة قرون.
وفي صحيح البخاري، عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح، عشرة قرون كلهم على الإسلام
فإن كان المراد بالقرن مائة سنة – كما هو المتبادر عند كثير من الناس – فبينهما ألف سنة .
وإن كان المراد بالقرن، الجيل من الناس، كما في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ}
فقد كان الجيل قبل نوح، يعمرون الدهر الطويلة، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح، ألوف من السنين، والله أعلم

بعثته عليه السلام

فنوح عليه السلام، إنما بعثه الله تعالى، لما عبدت الأصنام والطواغيت، وشرع الناس في الضلالة والكفر، فبعثه الله رحمة للعباد، فكان أول رسول، بعث إلى أهل الأرض، كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة. وكان قومه يقال لهم بنو راسب، فيما ذكره ابن جبير، وغيره.
وقد ذكر الله قصته، وما كان من قومه، وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان، وكيف أنجاه وأصحاب السفينة في غير ما موضع من كتابه العزيز.
قال تعالى في سورة هود:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ {

قصته عليه السلام

وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذاً من الكتاب، والسنة، والآثار فقد ذكرنا عن ابن عباس أنه كان بين آدم، ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. رواه البخاري.
وذكرنا أن المراد بالقرن: الجيل، أو المدة على ما سلف، ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت أن آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}
فمن هم " ود و يغوث و سواع و يعوق و نسر"؟

قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تُـعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عُبدت.
و قال ابن جرير في (تفسيره):
كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا
قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم
فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم.
عن عروة بن الزبير أنه قال: ود، ويغوث، ويعوق، وسواع، ونسر: أولاد آدم. وكان ود أكبرهم، وأبرهم به.
وعن أبي جعفرقال: ذكر وداً رجلاً صالحاً، وكان محبوباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل، وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان.
ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه؟
قالوا: نعم.
فصور لهم مثله.
ووضعوه في ناديهم، وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره.
قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟
قالوا: نعم.
فمثَّل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به.
وأدرك أبناؤهم، فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أثر ذكرهم إياه، حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله، أولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير الله (ود) الصنم، الذي سموه وداً.
ومقتضى هذا السياق: أن كل صنم من هذه، عبده طائفة من الناس.
وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لهم، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل.
وقد ثبت في (الصحيحين) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكرت عنده أم سلمة، وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، يقال لها: مارية، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، قال:
((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل)).

والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض، وعم البلاد بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وينهى عن عبادة ما سواه. فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، كما ثبت عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال:
((فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟
فيقول: ربي قد غضب غضباً شديداً، لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ونهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عز وجل؟
فيقول: ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، نفسي نفسي…)).

فلما بعث الله نوحاً عليه السلام، دعاهم إلى إفراد العبادة لله وحده، لا شريك له، وأن لا يعبدوا معه صنماً، ولا تمثالاً، ولا طاغوتاً، وأن يعترفوا بوحدانيته، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل، الذين هم كلهم من ذريته.
كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَتَهُ هُمُ البَاقِيْن}
وقال فيه، وفي إبراهيم: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}
أي: كل نبي من بعد نوح، فمن ذريته وكذلك إبراهيم.

ولهذا قال نوح لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}

وقال: { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً}

فذكر أنه دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل، والنهار، والسر، والإجهار، بالترغيب تارة، والترهيب أخرى. وكل هذا فلم ينجح فيهم بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان، وعبادة الأصنام والأوثان، ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به، وتوعدوهم بالرجم والإخراج، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم.
{قَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِهِ} أي: السادة الكبراء منهم:

{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

أي: لست كما تزعمون من أني ضال، بل على الهدى المستقيم، رسول من رب العالمين أي: الذي يقول للشيء كن فيكون.
{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

وهذا شأن الرسول أن يكون بليغاً أي فصيحاً ناصحاً، أعلم الناس بالله عز وجل.

وقالوا له فيما قالوا: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}

تعجبوا أن يكون بشراً رسولاً، وتنقصوا بمن اتبعه، ورأوهم أراذلهم.
وقد قيل: إنهم كانوا من أقياد الناس، وهم ضعفاؤهم كما قال هرقل وهم أتباع الرسل، وما ذاك إلا لأنه لا مانع لهم من اتباع الحق.
وقولهم: ((بادي الرأي)) أي: بمجرد ما دعوتهم استجابوا لك من غير نظر ولا روية، وهذا الذي رموهم به هو عين ما يمدحون بسببه رضي الله عنهم، فإن الحق الظاهر لا يحتاج إلى روية، ولا فكر، ولا نظر، بل يجب اتباعه والانقياد له متى ظهر.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مادحاً للصديق:
((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم))

وقال كفرة قوم نوح له ولمن آمن به: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ}
أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالإيمان، ولا مزية علينا

{بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}

وهذا تلطف في الخطاب معهم، وترفق بهم في الدعوة إلى الحق، كما قال تعالى:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}

وهذا منه يقول لهم: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ}
أي: النبوة والرسالة.
{فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ} أي: فلم تفهموها، ولم تهتدوا إليها.
{أَنُلْزِمُكُمُوهَا} أي: أنغصبكم بها، ونجبركم عليها.
{وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} أي: ليس لي فيكم حيلة، والحالة هذه.
{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ } أي: لست أريد منكم أجرة على إبلاغي إياكم، ما ينفعكم في دنياكم، وأخراكم، إن أطلب ذلك إلا من الله، الذي ثوابه خير لي، وأبقى مما تعطونني أنتم.

وقوله: { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً}
كأنهم طلبوا منه أن يبعد هؤلاء عنه، ووعدوه أن يجتمعوا به إذا هو فعل ذلك، فأبى عليهم ذلك.
وقال: {إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}أي: فأخاف إن طردتهم أن يشكوني إلى الله عز وجل.
ولهذا قال: {وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ }

{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ}

أي: بل أنا عبد رسول، لا أعلم من علم الله، إلا ما أعلمني به، ولا أقدر إلا على ما أقدرني عليه، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله.
{وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} يعني من أتباعه.
{لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}

أي: لا أشهد عليهم بأنهم لا خير لهم، عند الله يوم القيامة، الله أعلم بهم، وسيجازيهم على ما في نفوسهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

وقد تطاول الزمان، والمجادلة بينه وبينهم، كما قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}.
أي: ومع هذه المدة الطويلة، فما آمن به إلا القليل منهم، وكان كل ما انقرض جيل، وصُّوا من بعدهم بعدم الإيمان به، ومحاربته، ومخالفته.

وكان الوالد إذا بلغ ولده، وعقل عنه كلامه، وصَّاه فيما بينه وبينه، أن لا يؤمن بنوح أبداً، ما عاش، ودائماً ما بقي، وكانت سجاياهم تأبى الإيمان، واتباع الحق، ولهذا قال: {وَلَا يَلِدُوْا إِلَّا فَاجِرَاً كَفَّارَاً}.

ولهذا قالوا: {قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.
أي: إنما يقدر على ذلك الله عز وجل، فإنه الذي لا يعجزه شيء، ولا يكترثه أمر، بل هو الذي يقول للشيء كن فيكون.

{وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

أي: من يرد الله فتنته، فلن يملك أحد هدايته، هو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الفعال لما يريد، وهو العزيز الحكيم العليم، بمن يستحق الهداية، ومن يستحق الغواية. وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة.

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

وهذه تعزية لنوح عليه السلام، في قومه أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن أي لا يسوأنك ما جرى؛ فإن النصر قريب والنبأ عجيب.

صنع السفينة و الطوفان

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}

وذلك أن نوحاً عليه السلام، لما يئس من صلاحهم، وفلاحهم، ورأى أنهم لا خير فيهم، وتوصلوا إلى أذيته ومخالفته، وتكذيبه، بكل طريق من فعال، ومقال، دعا عليهم دعوة غضب، فلبى الله دعوته، وأجاب طلبته، قال الله تعالى:

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}.

وقال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}

فاجتمع عليهم خطاياهم من كفرهم، وفجورهم، ودعوة نبيهم عليهم، فعند ذلك أمره الله تعالى أن يصنع الفلك؛ وهي السفينة العظيمة التي لم يكن لها نظير قبلها، ولا يكون بعدها مثلها.
وقدم الله تعالى إليه أنه: إذا جاء أمره، وحلَّ بهم بأسه، الذي لا يرد عن القوم المجرمين، أنه لا يعاوده فيهم، ولا يراجعه، فإنه لعله قد تدركه رقة على قومه عند معاينة العذاب النازل بهم، فإنه ليس الخبر كالمعاينة،

ولهذا قال: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}.

أي: يستهزئون به استبعاد الوقوع ما توعدهم به.

{قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}.

أي: نحن الذين نسخر منكم، ونتعجب منكم، في استمراركم على كفركم، وعنادكم، الذي يقتضي وقوع العذاب بكم، وحلوله عليكم.
{فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم}

وقد كانت سجاياهم: الكفر الغليظ، والعناد البالغ في الدنيا. وهكذا في الآخرة، فإنهم يجحدون أيضاً، أن يكون جاءهم رسول.

عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يجيء نوح عليه السلام وأمته،
فيقول الله عز وجل: هل بلغت؟
فيقول: نعم أي رب.
فيقول لأمته: هل بلغكم؟
فيقولون: لا ما جاءنا من نبي.
فيقول لنوح: من يشهد لك؟
فيقول: محمد وأمته، فتشهد أنه قد بلغ))

وهو قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}

وقد قال بعض علماء السلف:
لما استجاب الله لنوح أمره، أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة، فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائة أخرى، وقيل: في أربعين سنة، فالله أعلم.

قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً، وعرضها خمسين ذراعاَ، وأن يطلى ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء.
وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع، في عرض خمسين ذراعاً، وهذا الذي في التوراة
وقال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة.
وعن ابن عباس: ألف ومائتا ذراع، في عرض ستمائة ذراع.
وقيل: كان طولها ألفي ذراع، وعرضها مائة ذراع.
وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات، كل واحدة عشر أذرع؛ فالسفلى: للدواب، والوحوش
والوسطى: للناس،
والعليا: للطيور.
وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها، مطبق عليها.

قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}.

أي: بأمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك لنرشدك إلى الصواب في صنعتها.

{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.

فتقدم إليه بأمره العظيم العالي، أنه إذا جاء أمره، وحلَّ بأسه، أن يحمل في هذه السفينة، من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها، لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي أهل بيته إلا من سبق عليه القول منهم: أي إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد، وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعاينه من العذاب العظيم، الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد .
والمراد بالتنور عند الجمهور: وجه الأرض أي نبعت الأرض من سائر أرجائها، حتى نبعت التنانير التي هي محال النار.

وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}.

هذا أمر بأن عند حلول النقمة بهم، أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.

وقوله {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أي: من استجيبت فيهم الدعوة النافذة، ممن كفر، فكان منهم ابنه يام الذي غرق، كما سيأتي بيانه.
{وَمَنْ آمَنَ}أي: واحمل فيها من آمن بك من أمتك.
قال الله تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة، ليلاً ونهاراً بضروب المقال، وفنون التلطفات، والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة؛ فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم.
وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفساً.
وقيل: كانوا عشرة.
وأما امرأة نوح، قيل: إنها غرقت مع من غرق، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها
وهي أم أولاده كلهم وهم: حام، وسام، ويافث، ويام، وتسميه أهل الكتاب: كنعان، وهو الذي قد غرق، وعابر .

قال الله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}

أمره أن يحمد ربه، على ما سخر له من هذه السفينة، فنجاه بها، وفتح بينه وبين قومه، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه،
كما قال تعالى: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ}.
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور، أن يكون على الخير والبركة، وأن تكون عاقبتها محمودة،

وقد امتثل نوح عليه السلام هذه الوصية {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
أي: على اسم الله ابتداء سيرها، وانتهاؤه.

قال الله تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} وذلك أن الله تعالى أرسل من السماء مطراً، لم تعهده الأرض قبله، ولا تمطره بعده، كان كأفواه القرب، وأمر الأرض فنبعت من جميع فجاجها، وسائر أرجائها، كما قال تعالى: { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}
والدسر: يعنى السائر
و تجري بأعيننا، أي: بحفظنا، وكلاءتنا، وحراستنا، ومشاهدتنا لها جزاء لمن كان كفر.
وقد ذكر ابن جرير، وغيره، أن الطوفان كان في ثالث عشر، شهر آب، في حساب القبط.

وقال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} أي: السفينة.
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.

قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض، خمسة عشر ذراعاً، وهو الذي عند أهل الكتاب.
وقيل: ثمانين ذراعاً، وعمَّ جميع الأرض طولها والعرض، سهلها، وحزنها، وجبالها، وقفارها، ورمالها، ولم يبق على وجه الأرض، ممن كان بها من الأحياء، عين تطرف، ولا صغير، ولا كبير.
قال الإمام مالك، عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان، قد ملؤوا السهل، والجبل و لم تكن بقعة في الأرض، إلا ولها مالك، وحائز.

{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}
وهذا الابن هو: يام أخو سام، وقيل اسمه كنعان.
وكان كافراً عمل عملاً غير صالح، فخالف أباه في دينه ومذهبه، فهلك مع من هلك.
هذا وقد نجا مع أبيه، الأجانب في النسب، لما كانوا موافقين في الدين والمذهب.

{وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

أي: لما فرغ من أهل الأرض، ولم يبق منها أحد ممن عبد غير الله عز وجل، أمر الله الأرض أن تبلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع أي تمسك عن المطر.

وقال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}.

ثم قال تعالى: {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
هذا أمر لنوح عليه السلام، لما نضب الماء عن وجه الأرض، وأمكن السعي فيها، والاستقرار عليها، أن يهبط من السفينة التي كانت قد استقرت بعد سيرها العظيم، على ظهر جبل الجودي، وهو جبل بأرض الجزيرة مشهور.

{بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ}أي: اهبط سالماً مباركاً عليك، وعلى أمم ممن سيولد بعد، أي من أولادك، فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلاً ولا عقباً سوى نوح عليه السلام.
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} فكل من على وجه الأرض اليوم، من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة، وهم: سام، وحام، ويافث.

روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم)). ورواه الترمذي
عن ابن عباس، قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً، وإن الله وجَّه السفينة إلى مكة، فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجَّهها إلى الجودي فاستقرت عليه.
فبعث نوح عليه السلام الغراب، ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع علىالجيف فأبطأ عليه.
فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون، ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجودي، فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصحبوا ذات يوم، وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربي، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.

وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوماً، واستقرت بهم على الجودي شهراً. وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم.

عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال:
((ما هذا الصوم؟))
فقالوا: هذا اليوم الذي نجا الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم، فأمن أصحابه بالصوم
وقال لأصحابه: من كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان منكم قد أصاب من غد أهله، فليتم بقية يومه)).
وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من وجه آخر، المستغرب ذكر نوح أيضاً، والله أعلم.

ذكر شيء من أخبار نوح نفسه عليه السلام و عبادته

قال الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}.
قيل: أنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها".

ذكر صومه عليه السلام

عن عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر".
ذكرحجه عليه السلام

عن ابن عباس قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أتى وادي عسفان قال: "يا أبا بكر أي واد هذا؟"
قال هذا وادي عسفان.
قال: "لقد مرّ بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكران لهم حمر خطمهم الليف، أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق". فيه غرابة.‏

ذكر وصيته لولده عليه السلام

عن عبد الله بن عمرو قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيحان مزرورة بالديباج فقال: "ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس "
أو قال: يريد أن يضع كل فارس ابن فارس، ورفع كل راع ابن راع".
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: "ألا أرى عليك لباس من لا يعقل!"
ثم قال: "أن نبي الله نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك وصية؛ آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله. ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة ضمتهن لا إله إلا الله، وبسبحان الله وبحمده. فإن بها صلات كل شيء، وبها يرزق الخلق. وأنهاك عن الشرك والكبر"

والقرآن يقتضي أن نوحاً مكث في قومه بعد البعثة وقبل الطوفان ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون. ثم الله أعلم كم عاش بعد ذلك؟

وأما قبره عليه السلام: فروى ابن جرير والأزرقي عن عبد الرحمن بن سابط أو غيره من التابعين مرسلاً، أن قبر نوح عليه السلام بالمسجد الحرام.
وهذا أقوى وأثبت من الذي يذكره كثير من المتأخرين، من أنه ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح، وهناك جامع قد بني بسبب ذلك فيما ذكر. والله أعلم.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

جان أم ثعبان؟ – شريعة اسلامية

س : تعبان أم جان:-

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا (رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ )وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ

إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ {27/10}النمل.

تناقضها سور الأعراف .


فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا (هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ) {7/107}الاعراف.


والاغرب من ذلك عندما اطرح هذا السؤال على مسمع بعض المسلمين يقولون:أن العصى تحولت الى تعبان كشبه جان؟ اي ان العصى تحولت الى الحيه ثم تشبهت في الجان!!! وقذا تناقض ايضاً.













تعقيبى أنا عاشق الكلمات



هذا سؤال أتى الى من شخص نصرانى الذين يملأون الانترنت


يسرقون الايملات ويرسلون لها


وصلنى على الايميل


لكن هل لو أنا أجبت هؤلاء الجهلاء يصدقون كلامهم لانهم ليس لديهم قلوب يفقهون بها



لكن احببت أجيب على السؤال فى المدونة تعب قلبى حتى يكون اجابة للجميع
وهو اجتهاد شخصى من عندى



لم اقرأ أى تفسير ولم ابحث عن اجابة لكن الاسلام دين واضح لا يحتاج الى


بحث لانه ليس غامض



سوف أجيب بما فى قلبى ومما يذكرنى ربى فهؤلاء القوم لايؤمنون بالاسلام



ولا رسول الاسلام ولا رب الاسلام فكيف اجيب عليهم بأيات من القرأن وهم يقولون انه من وضع بشر



وكيف اجيب من السنة وأحاديث وهم ينكرون رسالة صحابها عليه الصلاة والسلام



أما جوابى على هذا السؤال الغبى الذى يقولون انه تناقض وسوف اجيب بالعقل والمنطق



 


نرجع الى اساس وأول السؤال من الله الى سيدنا موسى



 


((وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ))



كان هذا عندما رجع سيدنا موسى من ارض مدين الى مصر بعد اكثر من عشر سنوات وفى سيناء بالقرب من جبل الطور عندما رأى سيدنا موسى النار



فقال لأهله أمكثوا



أى انتظروا فهل النار تستوجب الانتباه لأن النار كانت بشكل غريب تشتعل فى شجرة خضراء والشجرة لاتحترق لكن تشعل فيها نار تمتد الى الأعلى بشكل غريب



ففطن موسى أن هذة النار ليست عادية فذهب الى النار لانه يدرك ان هذة النار نداء له لانها ليست نار عادية



وهنا كان لقاء الله وكلام الله الى موسى فى ارض سيناء فصوت الرب يسمع فى ارض سيناء



نترك هذا ونرجع الى السؤال



ماذا قال الله الى موسى؟؟



وماتلك بيمينك ياموسى



هل الله تخفى عليه العصا فلماذا سؤل موسى؟؟



ولله المثل الاعلى وهو الحق فنقول كمثال لو معك صديق او شخص



وصاحب شعوذة او علم فلكى فيقول لك هل تريد ان اغير لك شكل هذا الكاس



فتقول له نعم اذا أستطعت فيحضر الكأس ويقول لك انظر اليس هذا كأس تقول له نعم
يقول لك فارغ تجيبه بـ نعم
لماذا يردد عليك اسم الكاس حتى تعلم ان الذى معه كاس حتى اذا حولة الى طائرة او تليفون تقول له هذا اصلا تليفون



فهو قال لك فى البداية هذا كأس انظر الى الكاس



ولله المثل الأعلى ان هول النار وسماع صوت الله ربما ينسى سيدنا موسى ان فى يده عصا



فأراد الله ان يعيد سيدنا موسى الى الحاله فقال له ما تلك بيدك فقال سيدنا موسى انها عصا



اذن رجع سيدنا موسى الى حالة العصا وأدرك انها عصا
حتى اذا تحولت الى ثعبان فينسى من شدو هول الموقف
انه كان لايحمل عصا فاراد الله ان يذكرة ان بيدة عصا وليس ثعبان



هنا سؤال الاغبياء هل هى ثعبان أو جان



 


بالتأكيد هى فى الأصل عصا لكن تحولت الى ثعبان هل فعلا اصبحت جان؟؟



الرأى لى أنا والله أعلم
لا..!! بل هى عصا فقط تحولت الى ثعبان



فلما ((رأها تهتز كأنها جان)) ؟؟



لأن عند تحول العصا من ثعبان الى جان ربما نفح الله روح ثعبان فيها فأهتزت العصا



ومن ثم تتحول الى ثعبان فلما ألقيت العصا الى الأرض لم تتحول الى ثعبان فى غمضة عين لكنها أهتزت وهى على الارض
مثل اللى يقوم رقصت او تطنط العصا قبل ان تصبح ثعبان؟؟



بل أن الله أخذ يهز العصا كأن يبعث فيها روح الثعبان فلما رأى العصا تهتز سيدنا موسى جرى سيدنا موسى وأبتعد عن مكان العصا فناداه الله لاتخف ياموسى فرجع سيدنا موسى



لاننا بشر نخاف هذة طبيعه بشرية



كمثال



لو ان شخص جالس فى غرفته واتصل عليه صديق وقال له هل تريد ان



أجعل تليفونك يخرج لك فلوس ستقول له نعم سيقول لك ضع التليفون على السرير وسوف يخرج لك فلوس



وانت تعلم انه تليفون 100% فى هذة اللحظة ,انت تعلم أن التليفون سوف يخرج فلوس



وانت فى بيتك وأهلك فى البيت لكن أنت بغرفتك لحالك فوضعت التليفون على السرير فوجدت التليفون يهتز ويتنطط على السرير بالله عليك سوف ترقص بجوارة



أم تركض الى خارج الغرفة مسرعا وتقول عفريت جنى وانت فى بيتك واهلك معك والضوء فى البيت





الانسان ينام في بيته ولو سمع صوت كأن خيل له باب يفتح ربما يكون في رعب وخوف شديد حتى لو خُيل له


فكيف بسيدنا موسى فى صحراء سيناء بين جبال الطور وفى ليلة ظلماء



ويجد العصا تتحرك أمامة فظن أنها جنى من حركة العصا والعصا فى هذة اللحظة كانت تنفخ فيها روح الثعبان



أذن العصا تحولت الى ثعبان فقط ولم تتحول الى جان لكن لحظات هز العصا


كان اول موقف يمر به سيدنا موسى لانه الأن لأول مرة يكلمه الله لأول مرة يعلم انه نبى الله الأن بعث موسى وهو في عمر 40 سنة
فلما أدرك ان العصا تتحرك



ظن انها جان لكنه لم يرى جان لانه فى حضرة الله الأن فكيف يظهر الله له جان



ولكن لان الموقف جديد عليه وفعل النفس البشرية الخوف فخاف وركض مسرعا



فناداه الله أن أرجع ياموسى لاتخف



هذا هو رأى فى هذا الامر أعلم ان البعض قال انها جن لكن هذا ماعلمنى ربى



 


هذا السؤال جاء من غبى نصرانى وكتتب في رسالته المقدمة الغبية
التى ارسل فيها سؤالة؟



والجواب والله أعلم منى عاشق الكلمات فأن اصبت فمن الله وأن أخطأت فمن نفسى ومن الشيطان؟؟


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

عدد نساء سليمان عليه السلام اسلاميات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرجو أن توضح لي الحقيقة حول أن سليمان عليه السلام كان له 999 زوجة أو عدد قريب منه ، وعن الأسباب وراء ذلك .

الحمد لله أكبر عدد لنساء سليمان عليه السلام ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه كان عنده مائة امرأة كما روى البخاري في صحيحه (5242 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلام : لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ : قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . فَلَمْ يَقُلْ ، وَنَسِيَ فَأَطَافَ بِهِنَّ وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلا امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ " وأخرجه مسلم ( 1654 ) وفيه أنه قال تسعين امرأة ، وفي رواية أخرى أوردها البخاري معلقة في صحيحه في باب من طلب الولد للجهاد ، أنه قال : تسعا وتسعين امرأة .
فلعل من قال مائة جبر الكسر ، ومن قال تسعين ألغاه كما قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث .
لكن نقل الحافظ ابن كثير في قصة سليمان عليه السلام من ( البداية والنهاية ج 2 ) عن كثير من السلف أن عدة نساء سليمان عليه السلام ألف امرأة . ومثله الحافظ ابن حجر في فتح الباري في أثناء شرحه لحديث رقم ( 3424 )
فهذا العدد منقول عن بني إسرائيل فلا نصدقه ولا نكذبه . وليس في الأحاديث السابقة ما ينفي ذلك أو يؤيده .
أما أسباب ذلك ، فإن الله سبحانه يهب لمن يشاء من عباده ما شاء من ملك الدنيا ومتعها ، وذلك بحكمته البالغة وفضله الواسع ، لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده ، وقد وهب لسليمان عليه السلام على وجه الخصوص ملكا عظيما لم يعطه أحدا من بعده ، فلا يبعد أن يخصه الله بهذه القوة العظيمة التي تمكنه من الزواج بهذا العدد من النساء . ولا يمكن أن يتطرق لذهن أي مسلم أن هذا الأمر فيه منقصة لهذا النبي الكريم بل هو من تمام ملكه وفضله ورجولته فها هو يتمنى أن يرزقه الله في ليلة واحدة مائة ولد كلهم يخرجون فرسانا مجاهدين في سبيل الله ، ونحن قبل ذلك وبعده نؤمن بأن الله سبحانه يخلق ما يشاء ويختار لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصة قارون مع موسى عليهما السلام – شريعة اسلامية

قال الله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ، فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ، وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ، تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
قال الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان قارون ابن عم موسى، وكذا قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وسِماك بن حرب وقتادة ومالك ابن دينار وابن جريج وزاد فقال: هو قارون بن يصهب بن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث. قال ابن جرير وهذا قول أكثر أهل العلم: أنه كان ابن عم موسى، وردَّ قوله ابن إسحاق إنه كان عم موسى. وقال قتادة: وكان يسمى المنّور لحسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري، فأهلكه البغي لكثرة ماله. وقال شهر بن حوشب: زاد في ثيابه شبراً طولاً ترفعاً على قومه.
وقد ذكر الله تعالى كثرة كنوزه؛ حتى إن مفاتحه كان يثقل حملها على الفنام من الرجال الشداد، وقد قيل إنها كانت من الجلود وإنها كانت تحمل على ستين بغلاً، فالله أعلم.
وقد وعظه النصحاء من قومه قائلين: {لا تَفْرَحْ} أي لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك، {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ} يقولون: لتكن همتك مصروفة لتحصل ثواب الله في الدار الآخرة، فإنه خير وأبقى، ومع هذا {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} أي وتناول منها بمالك ما احل الله لك، فتمتع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال، {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} أي وأحسن إلى خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارئهم إليك {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ} أي ولا تسيء إليهم ولا تفسد فيهم، فتقابلهم ضدَّ ما أمرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك، {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

فما كان جواب قومه لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} يعني أنا لا أحتاج إلى استماع ما ذكرتم، ولا إلى ما إليه أشرتم، فإن الله إنما أعطاني هذا لعلمه أني أستحقه، وأني أهلٌ له، ولولا أني حبيب إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني.
قال الله تعالى رداً عليه فيما ذهب إليه: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ} أي قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو أشد من قارون قوة وأكثر أموالاً وأولاداً؛ فلو كان ما قال صحيحاً لم نعاقب أحداً من كان أكثر مالاً منه، ولم يكن ماله دليلاً على محبتنا له واعتنائنا به، كما قال تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} وقال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ إنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ، نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} وهذا هو الرد عليه يدل على صحة ما ذهبنا إليه من معنى قوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}.
وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيمياء. أو أنه كان يحفظ الاسم الأعظم فاستعمله في جمع الأموال، فليس بصحيح؛ لأن الكيمياء تخييل وصنعة، لا تحيل الحقائق، ولا تشابه صنعة الخالق. والاسم الأعظم لا يصعد الدعاء به من كافر به، وقارون كان كافراً في الباطن منافقاً في الظاهر. ثم لا يصح جوابه لهم بهذا على هذا التقدير. ولا يبقى بين الكلامين تلازم، وقد وضحنا هذا في كتابنا التفسير، ولله الحمد.
قال الله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} ذكر كثير من المفسرين أنه خرج في تجمل عظيم؛ من ملابس ومراكب وخدم وحشم. فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله، وغبطوه بما عليه وله، فلما سمع مقالتهم العلماء، ذوو الفهم الصحيح الزهاد الألباء، قالوا لهم: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} أي ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى. قال الله تعالى: {وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ}. أي وما يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة، وهذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة العلية، عند النظر إلى زهرة هذه الدنيا الدنية إلا من هدى الله قلبه وثبت فؤاده، وأيد لبَّهُ وحقق مراده.
وما أحسن ما قال بعض السلف: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، والعقل الكامل عند حلول الشهوات!.
قال الله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ}.
لما ذكر تعالى خروجه في زينته واختياله فيها، وفخره على قومه بها قال: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} كما روى البخاري من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بيَنْا رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة".
ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد، عن سالم، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقد ذكر عن ابن عباس والسدي: أن قارون أعطى امرأة بغياً مالاً على أن تقول لموسى عليه السلام وهو في ملأ من الناس: إنك فعلت بي كذا وكذا، فيقال إنها قالت له ذلك، فأرعد من الفرق وصلى ركعتين، ثم أقبل عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك، وما حملت عليه، فذكرت أن قارون هو الذي حملها على ذلك. واستغفرت الله وتابت إليه. فعند ذلك خرَّ موسى لله ساجداً، ودعا الله على قارون. فأوحى الله إليه: إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره، فكان ذلك، والله أعلم.
وقد قيل: إن قارون لما خرج على قومه في زينته مرَّ بجحفله وبغاله وملابسه على مجلس موسى عليه السلام، وهو يذكِّر قومه بأيام الله. فلما رآه الناس انصرفت وجوه كثير منهم ينظرون إليه، فدعاه موسى عليه السلام فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: يا موسى أما لئن كنت فُضِّلت عليّ بالنبوة، فقد فُضِّلتُ عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون عليّ ولأدعون عليك.
فخرج موسى وخرج قارون في قومه، فقال له موسى: تدعو أو أدعو أنا؟ قال: أدعو أنا، فدعا قارون فلم يجب له في موسى، فقال موسى: أدعو؟ قال: نعم. فقال موسى اللهم مُر الأرض فلتطعني اليوم، فأوحى الله إليه إني قد فعلت. فقال موسى: يا أرض خذيهم. فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، ثم إلى مناكبهم. ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم، فأقبلت بها حتى نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض.
وقد روي عن قتادة أنه قال: يخسف بهم كل يوم قامة إلى يوم القيامة. وعن ابن عباس أنه قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا إسرائيليات كثيرة، أضربنا عنها صفحاً وتركناها قصداً.
وقوله تعالى: {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ} لم يكن له ناصر من نفسه ولا من غيره كما قال: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ}.
ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدار وإهلاك النفس والأهل والعقار، ندم من كان تمنى مثل ما أوتي، وشكروا الله تعالى الذي يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون، ولهذا قالوا: { لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وقد تكلمنا على لفظ ويكأن في التفسير وقد قال قتادة: ويكأن بمعنى ألم تر أن. وهذا قول حسن من حيث المعنى، والله أعلم.
ثم أخبر تعالى أن {الدَّارُ الآخِرَةُ} وهي دار القرار، وهي الدار التي يغبط من أعطيها ويعزَّى من حرمها إنما هي معدة {لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً}. فالعلو هو التكبر والفخر والأشر والبطر. والفساد هو عمل المعاصي اللازمة والمتعدية، من أخذ أموال الناس وإفساد معايشهم، والإساءة إليهم وعدم النصح لهم.
ثم قال تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر، لقوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ}. فإن الدار ظاهرة في البنيان، وقد تكون بعد ذلك في التيه، وتكون الدار عبارة عن المحلة التي تضرب فيها الخيام؛ كما قال عنترة:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ** ** ** وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
والله أعلم.
وقد ذكر الله تعالى مذمة قارون في غير ما آية من القرآن، قال الله، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}.
وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ، فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
فالذي خسف به الأرض قارون كما تقدم، والذي أغرق فرعون وهامان وجنودهما إنهم كانوا خاطئين.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد، حدثنا كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف".
تفرد به أحمد رحمه الله.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

الدعاء بصفات الأنبياء – شريعة اسلامية

الدعاء بصفات الأنبياء
ما حكم الدعاء بصفات الأنبياء مثل : اللهم ارزقني صبر أيوب ، وحكمة يوسف … إلى آخره

الحمد لله
سؤال العبد أن يحقق الله له شيئا من صفات الأنبياء على قسمين :
القسم الأول :
الدعاء بما اختصهم الله به من معجزات أو كرامات أو فضائل : كأن يسأل العبد ربه أن يهبه ملك سليمان ، وقد قال الله تعالى : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) ص/35 ، أو أن يسأل الله تعالى معجزة لا تتحقق إلا لنبي ، كمعجزة عيسى عليه السلام حيث ولد من غير أب ، أو يسأل الله عز وجل منزلة الوسيلة في الجنة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ) رواه مسلم (384) .
فحكم هذا النوع من الدعاء المنع وعدم الجواز ، وذلك لما فيه من اعتداء ظاهر ، حيث يسأل فيه العبد ما لا يجوز له أن يسأله .
عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ ) .
رواه أبو داود (96) وصححه ابن حجر في "التلخيص" (1/144) والألباني في "صحيح أبي داود" .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن الاعتداء في الدعاء أنْ يسأل العبدُ ما لم يكن الربُّ ليفعله ، مثل : أنْ يسأله منازلَ الأنبياء
"مجموع الفتاوى" (1/130) .
وانظر جواب السؤال رقم : (41017) .
القسم الثاني :
سؤال الله تعالى أخلاق الأنبياء ، وهديهم ، والاقتداء بهم ، والسير على نهجهم ، والتحلي بمكارمهم : كالصبر والحكمة والرحمة ونحو ذلك مما هو مطلوب من العباد أصلا :
فلا يظهر لنا في الدعاء بهذا بأس ولا حرج ؛ فإنَّ أَوْلى ما يَقتدي به المسلم تلك المراتب العالية التي حازها الرسل والأنبياء في عباداتهم وأخلاقهم وتقواهم وتعلقهم بالله سبحانه وتعالى ، والقرآن مليءٌ بالحث على السير بسيرتهم في جميع أمورهم وأحوالهم ، والاقتداء بهم ، والتخلق بأخلاقهم ، والتشبه بأعمالهم ، فقال سبحانه وتعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ) الأنعام/90 ، وقال تعالى : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) الأحقاف /35 .
فإذا دعا العبد ربه بما أمر به وطلب منه ، وسأل الله تعالى أن يؤتيه ما آتى الأنبياء من محاسن الأخلاق والأعمال الأقوال ، ويعينه على ما أعانه عليهم من الصبر على الطاعة أو عن المعصية ، والحكمة في الدعوة ، والرفق في الأمر ، والثبات والطمأنينة ، إذا دعا العبد بذلك كله كان له فيه الأجر والثواب إن شاء الله تعالى على دعائه ، ويرجى أن يحقق الله له مطلوبه .
لكننا نخشى من التحكم بالمثلية في مثل هذا الدعاء : كصبر يوسف ، وفهم سليمان ، وحكمة … ، نخشى أن يكون هذا التحكم من الاعتداء في الدعاء ، لا سيما إذا راح يتتبع ما تفرق في الأنبياء من الفضائل ، فهم سليمان ، صبر أيوب ، بكاء داود … ، وصار يدعو بها جميعا ؛ فإن اجتماع ما تفرق في الأنبياء من الفضائل ومدحهم الله عز وجل به ، لآحاد الناس غيرهم من الممتنع عادة .
والذي ننصح به أن نتواصى بالأدعية المأثورة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو المروية عن أصحابه الكرام ، أو عرف مخرجه من أئمة العلم والدين ، فإن لم يكن ، فليدع المرء لنفسه بما أحب من خير الدنيا والآخرة ، مع حرصه على التأدب بآداب الدعاء ، وتحري أوقات الإجابة .
وأما الأدعية المخترعة التي يتداولها الناس في رسائل الجوال ، وما أشبهها ، فكم يتسارع الناس فيها ، ثم يظهر فيها ما لا ينبغي من الاعتداء أو مخالفة السنة والأدب .

والله أعلم .
وليس منهم ، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك ، أو يسأله ما فيه معصية لله ، كإعانته على الكفر والفسوق والعصيان " انتهى .


الإسلام سؤال وجواب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصة قوم يس اسلاميات

قصّة قوم يس

قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ

أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ

مُرْسَلُونَ، قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَانُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ

أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَمَا عَلَيْنَا إِلا

الْبَلاغُ الْمُبِينُ، قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ

وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ

مُسْرِفُونَ، وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ،

اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي

وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي

شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِي، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ

فَاسْمَعُونِي، قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي

وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ، وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ

وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ، إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.


مشهور بين السلف و الخلف انها أنطاكية
.. و سنورد الآن ما قيل فى

صحة أو خطأ هذا القول

قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب ووهب، إنهم قالوا:

وكان لها ملك اسمه انطيخس بن انطيخس، وكان يعبد الأصنام.

فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل وهم صادق ومصدوق وشلوم فكذّبهم.

وهذا ظاهر انهم رسل من الله عز وجل

قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا} يعني لقومك يا محمد {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ}

يعني المدينة { إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا

فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي أيدناهما بثالث في الرّسالة {فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ

مُرْسَلُونَ}

فردوا عليهم بأنهم بشر مثلهم، كما قالت الأمم الكافرة لرسلهم،

يستبعدون أن يبعث الله نبياً بشرياً فأجابوهم بأن الله يعلم أنا رسله

إليكم، ولو كنا كذبنا عليه لعاقبنا وأنتقم منا أشد الانتقام

{وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}

أي إنما علينا أن نبلغكم ما أرسلنا به إليكم، والله هو الذي يهدي من

يشاء ويضل من يشاء

{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ

أَلِيمٌ}

أي تشائمنا بما جئتمونا به و توعدوهم بالقتل والإهانة.

{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}

أي أن تشاؤمكم مردود عليكم فهل بسبب أنا ذكرناكم بالهدى ودعوناكم

إليه توعدتمونا بالقتل والإهانة بل أنت قوم لا تقبلون الحق ولا

تريدونه.

وقوله تعالى {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} يعني لنصرة الرسل

وإظهار الإيمان بهم

{قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ}

أي يدعونكم إلى الحق المحض بلا أجرة ولا جعالة.

ثم دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن عبادة ما سواه مما

لا ينفع شيئاً لا في الدنيا ولا في الآخرة {إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي إن

تركت عبادة الله وعبدت معه ما سواه.

ثم قال مخاطباً للرسل {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِي}

قيل: فاستمعوا مقالتي واشهدوا لي بها عند ربكم.

وقيل: معناه فاسمعوا يا قومي إيماني برسل الله جهرة.

فعند ذلك قتلوه. قيل رجماً، وقيل عصّاً، وقيل وثبوا إليه وثبة رجل

واحد فقتلوه.

وحكى ابن مسعود قال وطئوه بأرجلهم حتى أخرجوا قصبته.

وقد روى الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز كان اسم هذا الرجل "حبيب

بن مرى".

ثم قيل: كان نجّاراً وقيل حبَّاكاً، وقيل إسكافاً، وقيل قصّاراً، وقيل كان

يتعبد في غار هناك. فالله أعلم.

وعن ابن عباس: كان حبيب النجار قد أسرع فيه الجذام وكان كثير

الصّدقة، فقتله قومُه.

ولهذا قال تعالى: {ادْخُلْ الْجَنَّةَ}

يعني لما قتله قومه ادخله الله الجنة، فلما رأى فيها من النضرة

والسرور

{قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ}

قال ابن عباس نصح قومه في حياته {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} وبعد

مماته في قوله {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ

الْمُكْرَمِينَ}

وكذلك قال قتادة لا يلقى المؤمن إلاّ ناصحاً، لا يلقى غاشّا لما عاين ما

عاين من كرامة الله {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ

الْمُكْرَمِينَ} تمنى والله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله، وما هو

عليه.

قال قتادة: فلا واللهِ ما عاتب الله قومه بعد قتله.

{إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.

وقوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا

كُنَّا مُنزِلِينَ} أي وما احتجنا في الانتقام منهم إلى إنزال جند من

السماء عليهم.

{إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}.

قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريل عليه السلام، فأخذ بعضادتي الباب

الذي لبلدهم ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم خامدون. أي قد أخمدت

أصواتهم وسكنت حركاتهم ولم يبق منهم عين تطرف.

وهذا كله مما يدل على أن هذه القرية ليست أنطاكية، لأن هؤلاء أهلكوا

بتكذيبهم رسل الله إليهم، وأهل انطاكية آمنوا واتبعوا رسل المسيح من

الحواريين، إليهم، فلهذا قيل: إن انطاكية أول مدينة آمنت بالمسيح.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصة السامري والعجل اسلاميات

ورد ذكر القصة في سورة الأعراف الآيات148- 154 .

قال الله تعالى:

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ
لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ
وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ،
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي
أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن أُمَّ
إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا
مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى
الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}.

وقال تعالى: في سورةطه الآيات83-98 .

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ

رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ، فَرَجَعَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ
عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي،
قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا
فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ
وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً،
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي
وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى
،قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي،
قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ
بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ، قَالَ بَصُرْتُ
بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ
لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً
لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي
الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.

قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله

( سيدنا موسى عليه السلام ) عنهم:

يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب

موسى عليه السلام إلى ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه

ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها.

فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي ,
فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس
جبريل حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه. فلما ألقاها فيه خار كما
يخور العجل الحقيقي. ويقال إنه استحال عجلاً جسداً أي لحماً ودماً حياً يخور،
قال قتادة وغيره. وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت
من فمه فيخور كمن تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون.

{فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}.
أي فنسي موسى ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو هاهنا!
تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وتقدست أسماؤه وصفاته،
وتضاعفت آلاؤه وهباته.

قال الله تعالى مبيناً بطلان ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية

هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً أو شيطاناً رجيماً:

{أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً}.

وقال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}.

فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جواباً، ولا يملك ضراً ولا نفعاً،

ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان

ما هم عليه من الجهل والضلال.

{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}. أي ندموا على ما صنعوا

{وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.

ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل،
ومعه الألواح المتضمنة التوراة، ألقاها، فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند
أهل الكتاب، وإن الله أبدله غيرها، وليس في اللفظ القرآني ما يدل
على ذلك، إلا أنه ألقاها حين عاين ما عاين.

وعند أهل الكتاب:
أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة. ولم يتأثر بمجرد
الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك.

ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"ليس الخبر كالمعاينة". ثم أقبل عليهم فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم

هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح، قالوا إنا

{حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}.

تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل حرب، وقد أمرهم الله بأخذه
وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم من عبادة العجل
الجسد الذي له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد القهار!.

ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام قائلاً له

{يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي}.

أي هلا لما رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا، فقال:

{إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ}.

أي تركتهم وجئتني وأنت قد استخلفتني فيهم.

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا الصنيع الفظيع أشد النهي،
وزجرهم عنه أتم الزجر

.

قال الله تعالى:

{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}. أي إنما قدر الله أمر

هذا العجل وجعله يخور فتنة واختباراً لكم، {وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَنُ}.

أي لا هذا {فَاتَّبِعُونِي}. أي فيما أقول لكم

{وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى}.

يشهد الله لهارون عليه السلام {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}.

أنه نهاهم وزجرهم عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه.

ثم أقبل موسى على السامري {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ}.

أي ما حملك على ما صنعت {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ}. أي رأيت

جبرائيل وهو راكب فرساً {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}. أي من أثر

فرس جبريل. وقد ذكر بعضهم أنه رآه، وكلما وطئت بحوافرها على

موضع اخضّر وأعشب، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل

المصنوع من الذهب كان من أمره ما كان. ولهذا قال:

{فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ
لا مِسَاسَ}.

وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحداً، معاقبة له على مسه ما لم يكن له مسه،

هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعده في الأخرى فقال:

{وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ} – وقرئ {لَنْ تُخْلَفَهُ} {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ
الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً}.
قال: فعمد موسى عليه السلام إلى هذا العجل، فحرقه قيل بالنار
، كما قاله قتادة وغيره. وقيل بالمبارد، كما قاله عليّ وابن عباس وغيرهما، وهو
نص أهل الكتاب، ثم ذراه في البحر، وأمر بني إسرائيل فشربوا، فمن كان
من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل عليه،
وقيل بل اصفرت ألوانهم.

ثم قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لهم:

{إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}

وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}

مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة!

ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة

من تاب إليه، بتوبته عليه، فقال:

{وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.

لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل، كما قال تعالى:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى
بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من لم يعبد العجل في أيديهم السيوف
، وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف القريب قريبه ولا النسيب نسيبه،
ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال إنهم قتلوا في صبيحة
واحدة سبعين ألفاً!

ثم قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا
هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}. استدل بعضهم بقوله:
{وَفِي نُسْخَتِهَا}. على أنها تكسرت، وفي هذا الاستدلال نظر،
وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت، والله أعلم.

ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي: أن عبادتهم …
على أثر خروجهم من البحر. وما هو ببعيد، لأنهم حين خرجوا
{قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}. وهكذا عند أهل الكتاب،
فإن عبادتهم العجل كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس. وذلك أنهم لما
أمروا بقتل من عبد العجل، قتلوا في أول يوم ثلاثة آلاف،
ثم ذهب موسى يستغفر لهم، فغفر لهم بشرط أن يدخلوا الأرض المقدسة.

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ
لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ
إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا
وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ
إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.

ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء
بني إسرائيل، ومعهم موسى وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو،
ذهبوا مع موسى عليه السلام ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة
من عبد منهم العجل. وكانوا قد أمروا أن يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا،
فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام وعمود النور
ساطع صعد موسى الجبل.

فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله.
وهذا قد وافقهم عليه طائفة من المفسرين، وحملوا عليه قوله تعالى
{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

وليس هذا بلازم، لقوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ}. أي مبلغاً
وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغاً من موسى عليه السلام.

وزعموا أيضاً أن السبعين رأوا الله، وهذا غلط منهم، لأنهم لما سألوا الرؤية
أخذتهم الرجفة، كما قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وقال هاهن
ا {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ}.

قال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً:
الخير فالخير، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة
على ما تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم.

فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقات وقَّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن
منه وعلم. فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله، فقال: أفعل.

فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله،
ودنا موسى فدخل في الغمام، وقال للقوم: ادنوا.
وكان موسى إذا كلمه الله، وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد
من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه الحجاب، ودنا القوم حتى إذا
دخلوا في الغمام وقعوا سجوداً، فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه:
افعل ولا تفعل. فلما فرغ الله من أمره وانكشف عن موسى الغمام أقبل
إليهم فقالوا: {يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}.
فأخذتهم الرجفة، وهي الصاعقة فأتلفت أرواحهم فماتوا جميعاً.
فقام موسى يناشد ربه ويدعوه، ويرغب إليه ويقول:
{رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}
أي لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء الذين عبدوا العجل منا فإنا براء مما عملوا.

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم
لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل. وقوله: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ}.
أي اختبارك وابتلاؤك وامتحانك. قاله ابن عباس وسعيد بن جبير
وأبو العالية والربيع بن أنس، وغير واحد من علماء السلف والخلف،
يعني أنت الذي قدّرت هذا، وخلقت ما كان من أمر العجل اختباراً
تختبرهم به كما: {قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ}. أي اختبرتم.

ولهذا قال: {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ}. أي من شئت أظللته
باختبارك إياه، ومن شئت هديته، لك الحكم والمشيئة ولا مانع ولا راد
لما حكمت وقضيت.

{أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}.

أي تبنا إليك ورجعنا وأنبنا. قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير
وأبو العالية وإبراهيم التيمي والضحاك والسدي وقتادة وغير واحد.
وهو كذلك في اللغة.
{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}.
أي أنا أعذب من شئت بما أشاء من الأمور التي أخلقها وأقدرها.

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}. كما ثبت في الصحيحين عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض كتب كتاباً فهو موضوع عنده
فوق العرش: "إن رحمتي تغلب غضبي"
{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.
أي فسأوجبها حتماً لمن يتصف بهذه الصفات:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} الآية.

وهذا فيه تنويه بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من الله
لموسى عليه السلام، في جملة ما ناجاه به وأعلمه وأطلعه عليه.
وقد تكلمنا على هذه الآية وما بعدها في التفسير بما فيه كفاية ومقنع،
ولله الحمد والمنة.

وقال قتادة: قال موسى: يا رب إني أجد في الألواح أمة هي خير أمة
أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رب اجعلهم أمتي،
قال: تلك أمة أحمد.

قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون في الخلق، السابقون في
دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرأونها، وكان
من قبلهم يقرأون كتابهم نظراً، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه،
وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم، قال:
رب اجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر،
ويقاتلون فضول الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي،
قال: تلك أمة أحمد.

قال: رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم
ويؤجرون عليها. وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه
بعث الله عليها ناراً فأكلتها، وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير،
وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم، قال: رب فاجعلهم أمتي،
قال: تلك أمة أحمد.

قال: رب فإني أجد في الألواح أمة إذا هَمَّ أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت
له عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال: رب اجعلهم أمتي
قال: تلك أمة أحمد.

قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون المشفوع لهم،
فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد.

قال قتادة: فذكر لنا أن موسى عليه السلام نبذ الألواح، وقال:
اللهم اجعلني من أمة أحمد.

وقد ذكر كثير من الناس ما كان من مناجاة موسى عليه السلام،
وأوردوا أشياء كثيرة لا أصل لها ونحن نذكر ما تيسر ذكره من الأحاديث
والآثار بعون الله وتوفيقه، وحسن هدايته ومعونته وتأييده.

قال الحافظ أبو حاتم محمد بن حاتم بن حبان في صحيحه:
"ذكر سؤال كليم الله ربه عز وجل عن أدنى أهل الجنة وأرفعهم منزلة":
أخبرنا عمر بن سعيد الطائي ببلخ، حدثنا حامد بن يحيى البلخي،
حدثنا سفيان، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن أبجر شيخان
صالحان، قالا: سمعنا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة يقول
على المنبر عن النبي صلى الله عليه وسلم :

"إن موسى عليه السلام سأل ربه عز وجل: أي أهل الجنة أدنى منزلة؟
فقال: رجل يجيء بعدما يدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له:
أدخل الجنة، فيقول: كيف أدخل الجنة وقد نزل الناس
منازلهم وأخذوا إخاذاتهم؟ فيقال له: ترضى أن يكون لك من الجنة
مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: نعم أي رب، فيقال:
لك هذا ومثله معه، فيقول: أي رب رضيت؛ فيقال له:
لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. وسأل ربه:
"أي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال: سأحدثك عنهم، غرست كرامتهم بيدي ,
وختمت عليها، فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل:
{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وهكذا رواه مسلم والترمذي كلاهما عن ابن أبي عمر، عن سفيان
وهو ابن عيينه به. ولفظ مسلم: "فيقال له: أترضى أن يكون لك
مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا؟ فيقال رضيت رب. فيقال له:
لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب.
فيقال: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك،
فيقول: رضيت رب "قال رب فأعلاهم منزلة؟ قال:
أولئك الذين أردت غرس كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع
أذن ولم يخطر على قلب بشر".

قال: ومصداقه من كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وقال الترمذي حسن صحيح: قال: ورواه بعضهم عن الشعبي عن المغيره
فلم يرفعه، والمرفوع أصح.

وقال ابن حبان: "ذكر سؤال الكليم ربه عن خصال سبع" :

حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم ببيت المقدس، حدثنا حرملة بن يحيى،
حدثنا ابن وهب. أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا السمح حدثه
عن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: "سأل موسى ربه عز وجل عن ست خصال كان يظن أنها له
خالصة، والسابعة لم يكن موسى يحبها: قال: يا رب أي عبادك أتقى؟
قال: الذي يذكر ولا ينسى. قال: فأي عبادك أهدى؟
قال: الذي يتبع الهدى. قال: فأي عبادك أحكم؟
قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. قال: فأي عبادك أعلم؟
قال: عالم لا يشبع من العلم. يجمع علم الناس إلى علمه.
قال: فأي عبادك أعزّ؟ قال: الذي إذا قدر غفر.
قال: فأي عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضى بما يؤتى.
قال: فأي عبادك أفقر؟ قال: صاحب منقوص".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ليس الغنى عن ظهر، إنما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد
خيراً جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد
شراً جعل فقره بين عينيه.

قال ابن حبان: قوله "صاحب منقوص" يريد به منقوص حالته،
يستقل ما أوتي ويطلب الفضل.

وقد رواه ابن جرير في تاريخه عن ابن حميد، عن يعقوب التميمي،
عن هارون بن هبيرة، عن أبيه، عن ابن عباس قال:
سأل موسى ربه عز وجل فذكر نحوه. وفيه
"قال: أي رب فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس
إلى علمه، عسى أن يجد كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى.
قال: أي رب فهل في الأرض أحد أعلم مني؟
قال: نعم الخضر فسأل السبيل إلى لقيه، فكان ما سنذكره
بعد إن شاء الله، وبه الثقة.

ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان

قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن درّاج،
عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري،
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن موسى
قال: أي رب عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا!
قال: ففتح له باب من الجنة فنظر إليها،
قال: يا موسى هذا ما أعددت له. فقال: يا رب وعزتك وجلالك
لو كان مقطَّع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ
يوم خلقته إلى يوم القيامة، وكان هذا مصيره لم ير بؤساً قط.
قال: ثم قال: أي رب، عبدك الكافر موسع عليه في الدنيا،
قال: ففتح له باب إلى النار فقال: يا موسى هذا ما أعددت له.
فقال موسى: أي رب وعزتك وجلالك لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته
إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير خيراً قط".

تفرد به أحمد من هذا الوجه، وفي صحته نظر. والله أعلم.

وقال ابن حبان: "ذكر سؤال كليم الله ربه جل وعلا أن يعلمه شيئاً يذكره به" : حدثنا ابن سلمة، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب،
أخبرني عمرو بن الحارث أن درَّاجاً حدثه عن أبي الهيثم
عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "
قال موسى: يا رب علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك به. قال:
قل يا موسى لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقول هذا،
قال: قل لا إله إلا الله، قال: إنما أريد شيئاً تخصني به.

قال: يا موسى لو أن أهل السماوات السبع والأرضين السبع في كفة

ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله".

ويشهد لهذا الحديث حديث البطاقة، وأقرب شيء إلى معناه الحديث
المروي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: "أفضل الدعاء دعاء عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".

وقال ابن أبي حاتم: عند تفسير آية الكرسي:
حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدسكي،
حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا لموسى:
هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله! فناداه ربه عز وجل: يا موسى
هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل، ففعل موسى.
ففلما ذهب من الليل ثلثه نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما،
حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا،
فقال: يا موسى لو كنت أنام لسقطت السماوات والأرض فهلكن
كما هلكت الزجاجتان في يديك قال: وأنزل الله على رسوله آية الكرسي.

وقال ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا هشام بن يوسف،
عن أمية بن شبل عن الحكم بن أُبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن
موسى عليه السلام على المنبر قال: "وقع في نفس موسى عليه السلام
هل ينام الله عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأَرقَّه ثلاثاً، ثم أعطاه
قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وكادت
يداه تلتقيان، فيسقط فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة
فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان، قال: ضرب الله له مثلاً:
أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض".

وهذا حديث غريب رفعه. والأشبه أن يكون موقوفاً، وأن يكون أصله إسرائيلياً.

وقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ
وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}. وقال تعالى:
{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ
بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

قال ابن عباس وغير واحد من السلف: لما جاءهم موسى بالألواح فيها
التوراة أمرهم بقبولها والأخذ بها بقوة وعزم. فقالوا: انشرها علينا
فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها. فقال:
بل اقبلوها بما فيها، فراجعوه مراراً، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل
على رؤوسهم حتى صار كأنه ظله، أي غمامة، على رؤوسهم.
وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا الجبل عليكم فقبلوا
ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم،
فصارت سُنة لليهود إلى اليوم، يقولون لا سجدة أعظم من
سجدة رفعت عنا العذاب.

وقال سنيد بن داود عن حجاج بن محمد، عن أبي بكر بن عبد الله قال:
فلما نشرها لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز،
فليس على وجه الأرض يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة
إلا اهتز ونفض لها رأسه.

قال الله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}. أي ثم بعد مشاهدة هذ
ا الميثاق العظيم والأمر الجسيم نكثتم عهودكم ومواثيقكم
{فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}. بأن تدارككم بالإرسال إليكم
وإنزال الكتب عليكم. {لَكُنتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ}.

أتمنى أكون أفدتكم كما أستفدت

منقوول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

بيان سبب قتل يحيى عليه السلام – شريعة اسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكروا في قتل يحيى عليه السلام أسبابا من أشهرها .
أنا بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق كان يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزوجه ,فنهاه يحيى عليه السلام على ذلك فبقي في نفسها منه. فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها استوهبت منه دم يحيى, فوهبه لها , فبعثت اليه من قتله وجاء برأسه ودمه في طشت الى عندها , فيقال أنها هلكت من فورها وساعاتها. وقيل :بل أحبته امرأة ذلك الملك ,وراسلته فأبى عليها , لما يئست منه تحيلت في أن استوهبته من الملك فتمنع عليها الملك ,ثم أجابها الى ذلك , فبعث من قتله واحضر اليها رأسه ودمه في طشت. وقد ورد في معناه حديث رواه اسحاق ابن بشر في كتابه المبتدا حيث قال : أنبأنا يعقوب الكوفي عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به رآى زكريا في السماء فسلم عليه, وقال له :(( يا أبا يحيى خبري عن قتلك كيف كان ولم قتلك بنو اسرائيل ؟)) قال :يا محمد أخبرك ان يحيى كان خير اهلي زومانه وكان أجملهم, و اصبحهم وجها , وكان كما قال الله تعالى {وسيدا و حصورا } وكان لا يحتاج الى النساء . فهوته امرأة الملك بني اسرائيل , وكانت بغية ,فأرسلت اليه وعصمه الله وامتنع يحيى , و أبى عليها فأجمعت على قتل يحيى ولهم عيد يجتمعون في كل عام , وكانت سنة الملك أن يوعد ولا يخلف ولا يكذب . قال فخرج الملك العيد فقامت امرأته فشيعته وكان بها معجبا , ولم تكن تفعله في ما مضى , فلما أن شيعته قال الملك: سليني فما سألتني شيئا الا أعطيتك , قالت :أريد دم يحيى بن زكريا , قال لها :
سليني غيره ,قالت :هو ذاك قال:هو لك , قال:فبعثت جلاوزتها الى يحيى وهو في محرابه يصلي و أنا الى جانه اصلي
قال فذبح في طشت , وحمل راسه ودمه اليها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((فما بلغ من صبرك ؟))قال :ما انفتلت في صلاتي , قال:فلما حمل رأسه اليها فوضع بين يديها , فلما أمسوا خسف الله بالملك و اهل بيته و حشمه
فلما اصبحوا قالت بنو اسرائيل قد غضب اله زكريا لي زكريا , فتاعلوا حتى نغضب لملكنا فنقتل زكريا , قال فخرجوا في طلبي ليقتلوني , وجاءني النذير فهربت منهم و ابليس أمامهم يدلهم عليو فلما تخوفت أن لا أعجزهم عرضت لي شجرة, فنادتني وقالت :الي الي وانصدعت لي ودخلت فيها. قال وجاء ابليس حتى أخد بطرف ردائي ولتامت الشجرة وبقي طرف ردائي خارجا من الشجرة وجاءت بنو اسرائيل فقال ابليس أما رأيتموه دخل هذه الشجرة هذا طرف ردائه دخلها بسحره , فقالوا نحرق هذه الشجرة , فقال ابليس شقوا بالمنشار شقا . قال فشققت مع الشجرة بالمنشار, قال له النبي صلى الله عليه وسلم :((هل وجدت له مسا أو وجعا)) قال 🙁 لا انما وجدت ذلك الشجرة التي جعل الله روحي فيها)هذا صياق غريب جدا وحديث عجيب ورفعه منكر وفيه ما ينكر على كل حال ولم ير في شيء من أحاديث الاسراء ذكر زكريا عليه السلام الا في هذا الحديث , وانما المحفوظ في بعض ألفاظالصحيح في حديث الاسراء فمررت باببني الخالة يحيى و عيسى هما ابن الخالة على قول الجمهور ,كما هو ظاهر الحديث , فان أم يحيى أشياع بنت عمران أخت مريم بنت عمران .وقيل بل أشياع وهي امراة زكريا أم يحيى حي أخت حنة امرأة عمران أم مريم فيكون يحيى ابن خالت مريم فالله أعلم.
تم اختلف في مقتل يحيى بن زكريا هل كان في المسجد الأقصى , أم بغيره على قولين :فقال الثوري عن الأعمشي
عن شمر بن عطية قال:قتل على الصخرة التي ببيت المقدس سبعون نبيا منهم يحيى بن زكريا عليه السلام ,وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام:حدثنا عبد الله بن صالح بن الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب ,قال قدم بخت نصر دمشق فادا هو بدم يحيى ابن زكريا يغلي, فسأل عنه فأخبروه فقتل على دمه سبعين الفا فسكن. وهذا اسناد صحيح الى سعيد بن المسيب وهو يقتضي أنه قتل بدمشق وأن قصة بخت نصر كان بعد المسيح, كما قاله عطاء و الحسن البصري فالله أعلم.
وروى الحافظ ابن العساكر من طريق الوليد بن مسلم عن زيد بن واقد قال:رأيت رأس يحيى بن زكريا حين أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبلة الذي يلي المحراب, مما يلي الشرق, فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير, وفي رواية كأنما قتل الساعة.
وذكر في بناء مسجد دمشق أنه جعل تحت العمود المعروف بعمود السكاسكة فالله أعلم.
وقد روى الحافظ بن عساكر في(( المستقصى في فضائل الأقصى)) من طريق العباس بن صبح عن مروان عن سعيد بن عبد العزيز عن قاسم مولى معاوية قال:كان ملك هذه المدينة يعني دمشق هداد بن هدار ,وكان قد زوجه ابنه بابنة أخيه أريل ملكة صيدا, وقد كان من جملة ـأملاكها سوق الملوك بدمشق وهو الصغى العتيقة ,قال:وكان قد حبلف بطلاقها ثلاتا .ثم انه أراد مراجعتها , فستفتى يحيى بن زكريا فقال لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك , فحقدت عليه ,وسألت من الملك رأس يحيى بن زكريا, وذلك باشارة أمها فأبى عليها, ثم اجابها الى ذلك وبعث اليه – وهو قائم يصلي بمسجد جيرون- من أتاه براسه في صينية, فجعل الرأس يقول له :لا تحل له لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره,فأخدت المرأة الطبق فحملته على رأسها و أتت به أمها ,وهو يقول كذلك ,فلما تمثلت بين يدي امها خسف بها الى قدميها ثم الى حقويها, وجعلت أمها تولول والجواري يصرخن ويلطمن وجوههن , ثم خسف بها الى منكبيها فأمرت أمها السياف أن يضرب عنقها لتتسلى برأسها, ففعل , فلضت الأرض جثتها عند ذالك, ووقعوا في الذل و الفناء, ولم يزل دم يحيى يفور حتى قدم بختنصر فقتل عليه خمسة وسبعين ألفا .قال سعيد بن عبد العزيز وهي دم كل نبي ,ولم يزل يفور حتى وقف عنده ارميا عليه السلام فقال:أيها الدم أفنيت بني اسرائيل فاسكن بادن الله فسكن, فرفع السف وهرب من هرب من اهل دمشق الى بيت المقدس فتبعهم اليها , فقتل خلقا كتيرا لا يصحون كثرة وسبا منهم ثم رجع عنهم

م ن

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

المغتسل البارد اسلاميات

أيوب

المغتسل البارد

قال تعالى: {واذكر عبدنا أيوب اذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب* اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} ص 41,42.

1. المغتسل البارد

ذكر المؤرخون روايات كثيرة عن أيوب, وذكر المفسرون كذلك.. وأيوب هو نبي الله من نسل ابراهيم عليه السلام, وقد تزوج من ذرية يوسف بن يعقوب فتاة أسمها رحمة كانت مثله صلاحا وتقوى, جازت زوجها في عبادته لله عز وجل, وفي حمده وشكره له , وفي تقربه اليه.

وقد اشتهر أيوب بين الناس بالصبر, وقصته مشهورة, ولنبدأ مع أيوب الغني, فقد كان رجلا غنيا, ذا مال كثير, بسط الله له الرزق, وافسح له طريق الثراء, حتى كان يملك قرية كاملة في دمشق تسمى "البثنية" وهي قرية تقع بين دمشق وأذرعات, ويملك ما فيها من مزارع خضراء منبسطة فسيحة, وله فيها بساتين مزهرة, وله بها منشآت وديار.

كانت الأبقار والشياه الحلوب, ترتع في مزارعه, وتنيخ في مرابضه الابل الخفاف, والنياق الولود, وتسرح بأرضه الخيل والبغال والحمير.

ولقد أفاض الله برزقه على عبده الصالح أيوب ففوق ما رزقه من نعمة المال, رزقه نعمة أخرى جزيلة محبوبة, تلك نعمة الأولاد كم البنات والبنين.

فقد كمل له بذلك ما تمنّاه كل امرئ لنفسه من متع الدنيا ورفاهية الحياة, ولذاذة العيش, ونضرة النعيم.

فهل كان أيوب بما أعطاه الله من نعم الدنيا وبهجة الحياة منعما مرفها, ينعم بجاه المال ويهنأ بخلف من البنين والبنات, ونسى كل ما عداه؟ والحق يقال عكس ذلك, فلم يكن أيوب كذلك, فلم يبخل على نفسه وعياله, وكان لا يحب كنز المال.

كان أيوب ذا مال, ولكن كانت أمواله لمن حوله قبل ان تكون لنفسه, وكان منها زكاة وهبات وعطايا كان برا بكل من حوله! يرعى غلمانه وخدمه قبل أن يرعى أهله, فلكل رجل من أتباعه زوجة ودار ومتاع, ولكل غلام مدّخر من المال.

وكان لا يطعم طعاما وهو يعلم بمكان جائع يشتهي الطعام!

وكان لسانه لا يكف عن ذكر الله والحمد والتسبيح لربه ولا يفتر جنانه عن التفكير في الله عز وجل.

وتحدث الناس عن أيوب, ولهجت ألسنتهم بالدعاء له والثناء عليه, وعمرت قلوبهم بحبه والاخلاص له! وكذلك أهل السماء من الملائكة ذكروا أيوب ذكرا حسنا.

كل هذا أغاظ ابليس, كثرة ذكر أيوب والثناء عليه, وابليس أقسم أن يغوي البشر أجمعين, وبسبب ذلك طرده ربه من الجنة جزاء عصيانه, فقال كلمته المعروفة: رب, بما أغويتني وطردتني بسبب آدم لأزينن لذريته في الأرض, ولأغوينهم أجمعين.

واستطرد ابليس قائلا: الا عبادك المخلصين.

وكان أيوب عليه السلام من عباده المخلصين.

وكانت محنة أيوب وقصة مرضه المشهورة هي محنته, ولعل أشهر ما ذكر عن هذه المحنة كانت هذه القصة التي جاء فيها:

تحدّث الملائكة,ملائكة الأرض فيما بينهم عن الخلق وعبادتهم, قال قائل منهم:

ما على الأرض اليوم خير من أيوب, هو أعظم المؤمنين ايمانا, وأكثرهم عبادة لله, وشكرا لنعمته ودعوة له.

وسمع الشيطان ما يقال… فساءه ذلك, وطار الى أيوب محاولا اغواءه, ولكن أيوب بقي, قلبه هو الصفاء لله والحب لله.

وقد كان أيوب عليه السلام محصنا بايمانه ضد وسوسة الشيطان, فما استطاع ابليس أن يغريه بشيء مما يغري به الأغنياء! وما قدر على أن يدفع به الى ما كان يدفع اليه أمثاله من الأثرياء!!

حاول ابليس عن طريق شياطين البشر أن يحرّض أيوب على ارتكاب المعاصي, فأتاه بشرذمة من الناس يزيّنون له اللهو والمجون والمتعة المحرّمة, ويدعونه الى ترك التقشف, والى التهاون في العبادة لينعم نفسه بمباهج الدنيا, ويمتعها بما أوتي من نعم وجاه ومال.

ولكن قلب أيوب كان تقيّا نقيّا, فلم يستجب لما زيّن له؛ وكانت نفسه مؤمنة ورعة, فلم تسمع ما دعيت اليه.

كانت متعة أيوب عليه السلام تكمن في أشياء كثيرة, كانت متعته في أن يكفل أيتاما مات عنهم عائلهم, وكانت بهجته في أن يساعد بماله أرملة ذهب عنها رجلها, أو فقير أضرّ به فقره, أو عاجزا أقعده عجزه, فيشعر بالسعادة لسعادتهم ويهنأ لهنائهم, ويشكر الله على أن هيأ له كل هذه السعادة وكل هذا الهناء.

وطال الأمد بابليس دون أن يستطيع الوصول الى غايته من استمالة أيوب ببلاء لم يكن منتظرا, سرّ له ابليس وفرح فعاود مع أيوب نشاطه من جديد, ونعود الى أشهر رواية عن أيوب ومحنته فنقول:

حين يئس الشيطان من اغواء أيوب, قال لله تعالى:

يا رب ان عبدك أيوب الذي يعبدك ويقدسك لا يعبدك حبا, وانما يعبدك لأغراض.

يعبدك ثمنا لما منحته من مال وبنين, وما أعطيته من ثروة وعقار, وهو يطمع أن تحفظ عليه ماله وثراءه وأولاده, وكأن النعم العديدة التي منحتها له هي السر في عبادته, انه يخاف أن يمسها الفناء أو تزول.. وعلى ذلك فعبادته مشوبة بالرغبة والرهبة, يشيع فيها الخوف والطمع.. وليست عبادة خالصة ولا حبا خالصا.

وقد ذكرت الرواية أن الله تعالى قال لابليس:

ان أيوب عبد مؤمن خالص الايمان.. وليكون أيوب قبسا من الايمان ومثالا عاليا في الصبر.. قد أبحتك ماله وعقاره.. افعل ما تريد, ثم انظر الى ما تنتهي.

وهكذا انطلقت الشياطين فأتت على أرض أيوب وأملاكه وزروعه ونعمه ودمّرتها جميعا.. وانحدر أيوب من قمة الثراء الى حضيض الفقر فجأة.. وانتظر الشيطان أيوب.. وقال أيوب عليه السلام عن المال:

عارية لله استردها.. ووديعة كانت عندنا فأخذها, نعمنا بها دهرا, فالحمد لله على ما أنعم, وسلبنا اياها اليوم, فله الحمد معطيا وسالبا, راضيا وساخطا, نافعا وضارا, وهو الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء, ويضر من يشاء, ويذل من يشاء, ثم خرّ أيوب عليه السلام ساجدا وترك ابليس وسط دهشته المخزية.

وعاد الشيطان يقول لله تعالى:

يا رب.. اذا كان أيوب لم يقابل النعمة الا بالحمد, والمصيبة الا بالصبر, فليس ذلك الا اعتدادا بما لديه من أولاد.. انه يطمع أن يشتدّ بهم ظهره ويسترد بهم ثروته.

وتستطرد الرواية فتقول: ان الله أباح للشيطان أولاد أيوب.. فزلزل عليهم البيت الذي يسكنون فيه فقتلهم جميعا. أنبياء الله لأحمد بهجت ص 171.

وهنا قال أيوب داعيا ربه:

الله أعطى.. والله أخذ.. فله الحمد معطيا وسالبا, ساخطا وراضيا, نافعا وضارا.

ثم خرّ أيوب عليه السلام ساجدا وترك ابليس وسط دهشته المخزية.

وعاد ابليس يدعو الله, أن أيوب لم يزل صابرا لأنه معافى في بدنه, ولو أنك سلطتني يا رب على بدنه.. فسوف تكف عن صبره.

وتقول الرواية أن الله أباح جسد أيوب للشيطان يتصرف فيه كيف يشاء.. فضرب الشيطان جسد أيوب من رأسه حتى قدميه, فمرض أيوب مرضا جلديا راح لحمه يتساقط ويتقيّح.. حتى هجره الأهل والأصحاب.. ولم يعد معه الا زوجته..

ومرت الأيام, وتتابعت الشهور, وأيوب تزداد حالته سوءا,حتى لم يعد يستطيع أحد أن يقترب منه لعفن قروحه, ونتن رائحتها, فبرم الناس به, ونفروا منه, وانقطعوا عن زيارته, وتذمّر أهله من جيرته وظلت زوجته هي الوحيدة التي تخدمه, وتقضي له حاجاته.

ومرت السنون وأهل أيوب لا يستطيعون على جيرته صبرا, ولا يحتملون له قربا, وجهروا باستيائهم, وأظهروا تذمّرهم بالأقوال والأفعال, فلم تجد رحمة بدا من أن تعرش لزوجها عريشا في ظاهر المدينة وتنقله اليه.

وانتقل أيوب عليه السلام الذي كان يملك الضياع, ويسكن القصور الى عريش من القش على قارعة الطريق, ورغم ذلك لم يتركه الناس لحاله, بل كانوا اذا مرّوا عليه أظهروا تذمرهم, وأبدوا تأففهم. وقالوا: لو كان رب هذا له حاجة فيه لما فعل به ذلك.

وهكذا ظل أيوب تمر عليه السنة تلو السنة وهو جسد ملقى في عريشه لا يصدر عنه حركة الا حركة لسانه في فمه بذكر الله, ولا يسمع منه الا صوت يردد اسم الله.

كانت رحمة زوجة أيوب تقوم بخدمة الناس لتكسب لها ولأيوب من طعامهما, وما يقوم بأودهما. ثم تعود اليه في نهاية اليوم بما تيسر لها الحصول عليه من طعام تطعمه وتسقيه, وتقضي الليل بجانبه؛ فاذا أصبح الصباح عاودت ما فعلته بالأمس.

ولكن هذ الحالة لم تدم لاشمئزاز الناس الذين كانت تقوم بخدمتهم, لعلمهم أنها تقوم على خدمة أيوب المبتلى, وعلى غسل جروحه وتضميد قروحه, فأظهروا لها الامتعاض من خدمتها لهم, ثم طردوها من خدمتهم.

فأصبحت "رحمة" بلا عمل وسدّت منافذ الكسب في وجه رحمة!

وفكرت رحمة وهداها تفكيرها الى أن تذهب مع الصباح الى سوق في ظاهر المدينة, ويدها قابضة على حزمة ملفوف بها شيء

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

إبراهيم علية السلام – شريعة اسلامية

إبراهيم علية السلام

قد أثبت الله نبوته ورسالته في مواطن عديدة من الكتاب العزيز، وشهد له بأنه كان أمة قانتاً لله حنيفاً. قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ} [النحل: 120 – 122].

نسب إبراهيم:

ذكر المؤرخون نسبه واصلاً إلى سام بن نوح عليه السلام، ونوح – في سلسلة نسب إبراهيم- هو الأب الثاني عشر. وقد أسقط بعض النسابين من آبائه في سلسلة النسب (قينان)، بسبب أنه كان ساحراً.

فهو على ما يذكرون: إبراهيم "أبرام" (عليه السلام) بن تارح "وهو آزر كما ورد في القرآن الكريم" بن ناحور بن ساروغ "سروج" بن رعو بن فالغ "فالج" بن عابر بن شالح بن قينان – الذي يسقطونه من النسب لأنه كان ساحراً – بن أرفكشاذ "أرفخشذ" بن سام بن نوح (عليه السلام). والله أعلم.

حياة إبراهيم عليه السلام في فقرات:

-1 موجز حياته عند أهل التاريخ:

ذكر المؤرخون: أنه ولد بالأهواز، وقيل: ببابل – وهي مدينة في العراق -.

ويذكر أهل التوراة أنه كان من أهل "فدّان آرام" بالعراق.

وكان أبوه نجاراً، يصنع الأصنام ويبيعها لمن يعبدها.

وبعد نضاله في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الأصنام، وما كان من أمره مع نمروذ بن لوش ملك العراق، وإلقائه في النار، ونجاته منها بالمعجزة – كما قص الله علينا في كتابه المجيد -، انتقل إلى أور الكلدانيين – وهي مدينة كانت قرب الشاطئ الغربي للفرات – ومعه في رحلته زوجته سارة وقد آمنت معه، وابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وقد آمن معه وهاجر معه، كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت 29].

كما هاجر معه في الرحلة ثُلة من قومه الذين آمنوا معه، وأبوه آزر دون أن يؤمن به، وأقام في أور الكلدانيين حقبةً من الزمن.

ثم رحل إلى حاران أو "حرَّان".

ثم رحل إلى أرض الكنعانيين – وهي أرض فلسطين -، وأقام في "شكيم" وهي مدينة "نابلس".

ثم رحل إلى مصر، وكان ذلك في عهد ملوك الرعاة، وهم العماليق – ويسميهم الرومان: "هكسوس" -، واسم فرعون مصر حينئذٍ: "سنان بن علوان"، وقيل "طوليس".

وقد وهب فرعون هذا سارة زوجة إبراهيم – بعد أن عصمها الله منه – جاريةٌ من جواريه اسمها: "هاجر"، فوهبتها لزوجها فاستولدها.

ولما وُلِدَ له من هاجر "إسماعيل" – وكان عمره (86) سنة – سافر بأمر من الله إلى وادي مكة، وترك عند بيت الله الحرام ولده الصغير إسماعيل مع أمه هاجر، وعاد إلى أرض الكنعانيين.

ثم وهبه الله ولداً من زوجته سارة سماه "إسحاق"، وذلك حين صار عمره (100) سنة.

وكان يتعهد ولده إسماعيل في وادي مكة من آن إلى آخر، وبنى مع ولده إسماعيل البيت الحرام بأمر من الله. قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].

وقد جاء في الإِصحاح الخامس والعشرين من "سفر التكوين": أن إبراهيم تزوج بعد وفاة سارة زوجة اسمها "قطورة"، فولدت له ستة أولاد هم: زمران ويقشان ومدان ويشباق وشوحا ومديان.

وإلى مديان – هو مدين – بن إبراهيم هذا ينسب "أهل مدين" الذي أرسل إليهم "شعيب عليه السلام".

ولما بلغ عمر إبراهيم عليه السلام (175) سنة ختم الله حياته في أرض فلسطين، ودفن في مدينة الخليل "حبرون وكان اسمها في الأصل قرية أربع"، في المغارة المقام عليها الآن مقام الخليل عليه السلام، وتعرف بمغارة الأنبياء.

واختتن وهو ابن ثمانين سنة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم". رواه البخاري ومسلم.

-2 لمحات من قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن:

وقد بسط القرآن الكريم مشاهد بارزة مهمة من حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام في عدة سور، وأبرز ما فيها النقاط التالية:

-1 بدأ حياته عليه السلام باحتقار الأصنام، وبيان سخف عبادتها، ثم ثورته عليها وتحطيمها، غير مكترث بما ينجم عن عمله هذا، وتنبيه عابديها على خطئهم البالغ في عبادتها وتعظيمها، ونشأته على ما بقي محفوظاً من ملّة نوح عليه السلام.

-2 تأمّلاته في ملكوت السماوات والأرض، وبحثه الذي دلّه على جلال الرب وكمال صفاته وتنزه ذاته عن كل صفة من صفات الحدوث وعوارض النقص.

-3 توجُّهه إلى الله فاطر السماوات والأرض، وتبرؤه مما يشرك المشركون.

-4 بلوغه منزلة النبوة والرسالة باصطفاء الله له، واضطلاعه بمهامها، وإنزال الصحف عليه المسماة "بصحف إبراهيم".

-5 محاجّته لقومه بالبراهين والأدلة المنطقية المقنعة والملزمة، وثباته في محاجّةِ من آتاه الله الملك في البلاد، وارتقاؤه إلى أعلى مراتب الإِيمان بأن الله هو الذي يميت ويحيي، ويطعم ويسقي، ويمرض ويشفي، وبيده كل شيء.

-6 تعرضه للعذاب من قبل قومه، وذلك بإيقاد النار له في بنيان أعدوه لهذا الغاية، وإلقاؤه فيها، وصبره وثباته وثقته بالله، ثم سلامته من حرّها وضُرّها، إذ قال الله لها: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] !!

-7 عزمه على الهجرة من أرض الشرك، وإيمان لوط به ومهاجرته معه.

-8 إثبات أن الله أنزل عليه صحفاً تسمى "صحف إبراهيم".

-9 زيارته مكة، وإسكانه في واديها بعض ذريته وهو "إسماعيل". ورفع قواعد بيت الله الحرام فيها بعد سنوات من الإسكان مع ولده إسماعيل عليهما السلام. وعهدُ اللهِ له ولولده إسماعيل أن يطهرا البيت للطائفين والعاكفين والركّع السُّجود، وأمر الله له أن يؤذِّن في الناس بالحج. ومشاهد رائعة من مواقف التجاءاته إلى الله، ومناجاته له بالعبادة والدعاء.

-10 طلبه من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك ليطمئن قلبه، ويزداد يقينه بالحياة بعد الموت، إذا رأى بالمشاهدة الحسية كيفية حدوث ذلك.

-11 أن الله وهبه – على كبر سنه – إسماعيل وإسحاق، وخرق العادة له بإكرامه بإسحاق من امرأته العجوز العاقر "سارة".

-12 مجادلته الملائكة المرسلين لإِهلاك قوم لوط، لعل الله أن يدرأ عنهم العذاب الماحق، وذلك طمعاً بأن يهتدوا ويستقيموا، إلاَّ أن جواب الرب ناداه: {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 11].

-13 إكرام الله له بأن جعل في ذريته النبوة والكتاب من بعده، وقد كان واقع الأمر كما وعده الله، فجميع الأنبياء والرسل من بعده كانوا من ذريته. أما لوط عليه السلام فإنه كان معاصراً له، على أن إبراهيم كان عمه فيمكن دخوله في عموم الذرية.

قال أبو هريرة: (تلك أمكم يا بني ماء السماء).

مَهْيَمْ: كلمة استفهام، بمعنى: ما حالك، ما شأنك؟

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده