التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

نساء شاركن في القتال في غزوة أحد – سنة النبي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مَن مِن النساء حاربت في غزوة أحد ؟
وجزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد حضر عدد من النساء غزوة أحد ، وقد اشترك بعضهن في القتال والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة بعد ما انكشف المسلمون ، ومن هؤلاء أم سليط ، وأم عمارة رضي الله عنهما ، قال الحافظ في الفتح : يقول عمر لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :- عن أم سليط – ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني .
وأما أم عمارة نسيبة بنت كعب النجارية رضي الله عنها فقصتها أشهر ، تجدها مفصلة في كتب السيرة والأخبار ، يقول عنها صاحب الغزوات وعن قتالها يوم أحد ودفاعها عن النبي صلى الله عليه وسلم :
وثبتت نسيبة المبايعة …. قبل وعن خير الورى مدافعة
وقد ذكرنا شيئا من أخبارها في الفتوى رقم : 26799 ، نرجو الاطلاع عليه .
والله أعلم .


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

الحكمة في عدم حصر الوحي لنبينا بالتكليم – في الاسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ماذا لم ينزل الله وحيَه على نبيِّه محمد ( ص ) مباشرة دون اللجوء إلى واسطة – وهو جبريل عليه السلام – ؟ وما الحكمة مِن أن جبريل كان مَن يُنزل الوحي عليه الصلاة والسلام ؟ .
الجواب : الحمد لله
أولاً:
لا ينبغي اختصار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بحرف الصاد ، ولا بكلمة " صلعم " ، ومن كتب مثل هذا السؤال لا يعجزه كتابة الصلاة والسلام عليه كاملة .
وقد سبق بيان حكم كتابة هذين الاختصارين في جواب السؤال رقم ( 47976 ) ، فلينظر .

ثانياً:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم طرق تبليغ رسله برسالاته وكلامه تعالى ، فكان منها : الوحي – وله أشكال متعددة – يقظة ومناماً ، والتكليم المباشر من وراء حجاب ، وعن طريق جبريل عليه السلام ، وقد سمَّى الله تعالى الطرق الثلاثة بـ " التكليم " ، فقال : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) الزخرف/ 51 ، وهذا هو التكليم بمعناه العام ، وليس هو التكليم الخاص الذي خصَّ به بعض رسله ، قال تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) البقرة/ من الآية 253 .
وكل صور الوحي وأشكاله قد حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءه الوحي يقظة ومناماً ، وكلمه الله في السماء في المعراج ، وأرسل إليه جبريل عليه السلام ، فحصل للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك ما لم يحصل لغيره من إخوانه الأنبياء ، بل إنه حتى التكليم الذي اشترك به مع أخيه موسى عليه السلام كان لنبينا المقام الرفيع فيه ؛ حيث حصل تكليم رب العالمين له في السماء ، فكان ما اختاره الله تعالى لنبيه عليه السلام أكمل وأفضل وأجل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وقد ذكر الله تعالى أنواعَ جنسِ تكليمه لعباده في قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) ، فجعل ذلك ثلاثة أنواع :
الوحي الذي منه ما هو إلهام للأنبياء ، يَقَظَةً ومناماً ، فإنّ رؤيا الأنبياءِ وحي .
والتكليم من وراءِ حجاب ، كما كلَّمَ موسَى بن عمرانَ حيثُ نادا وقَرَّبَه نَجِيّاً .
والتكليم بإرسال رسول يُوحي بإذنِه ما يشاءُ هو تكليمُه بواسطةِ إرسال الملَكِ ، كما قال تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) 17 ، 18 ، أي : علينا أن نجمعَه في قلبك ، ثمَّ علينا أن نقرأه بلسانك ، وهذا على أظهر القولين ، وهو أن " قَرَأ " بالهمزة من الظهور والبيان ، وقولهم : مَا قَرَأَتِ الناقةُ بسَلاَ جَزُوْرٍ قَطُّ ، أي : ما أَظهرتْه ، بخلاف " قَرَى يَقْرِيْ " فإنه من الجَمع ، ومنه سُمِّيتِ القريةُ قريةً ، والمَقْرَاةُ مُجتمع الماء .
فقوله تعالى : ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ) أي : قرأناه بواسطةِ جبريل ( فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) ، وهذا كقوله تعالى : ( نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ ) ، وإنما ذلك بتوسُّط قراءةِ جبريلَ وتلاوته ، كقوله : ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) ، فإنّ هذا قد جعله سبحانَه أحدَ أنواع الجنس العامّ المقسوم ، وهو تكليمُ الله لعبادِه ، ولهذا قال عُبادةُ بن الصامت : رؤيا المؤمنِ كلامٌ يُكلِّم به الربُّ عبدَه في منامِه .
" جامع المسائل " ( 5 / 284 ، 285 ) .
وقال – رحمه الله – :
وأحاديث المعراج وصعوده إلى ما فوق السموات وفرض الرب عليه الصلوات الخمس حينئذ ورؤيته لما رآه من الآيات والجنة والنار والملائكة والأنبياء في السموات والبيت المعمور وسدرة المنتهى وغير ذلك : معروف متواتر في الأحاديث ، وهذا النوع لم يكن لغيره من الأنبياء مثله ، يظهر به تحقيق قوله تعالى ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) فالدرجات التي رُفعها محمَّد ليلة المعراج ، وسيُرفعها في الآخرة في المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون : ليس لغيره مثله .
" الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح " ( 6 / 168 ، 169 ) .

ثالثاً:
أما الحكمة من الاصطفاء والاختيار – ومنه اصطفاء جبريل عليه السلام لإرساله بالوحي – : فإن ذلك من أفعال الله تعالى الدالة على علمه وعدله وحكمته .
والله سبحانه وتعالى يختار ما يشاء من الأشياء المختلفة ليميزها على غيرها ، قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/ 68 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
هذه الآيات – أي : الآية السابقة وما بعدها – فيها عموم خلقه لسائر المخلوقات ، ونفوذ مشيئته بجميع البريات ، وانفراده باختيار من يختاره ويختصه ، من الأشخاص ، والأوامر ، والأزمان ، والأماكن ، وأن أحداً ليس له من الأمر والاختيار شيء .
" تفسير السعدي " ( ص 622 ) .
والله سبحانه وتعالى يصطفي ما يشاء من الأشياء المتشابهة ليميزها على غيرها ، قال تعالى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) الحج/ 75 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
جبريل رسولٌ ملَك ، ومحمَّدٌ رسولٌ بشر ، والله يصطفي من الملائكة رسلاً ، ومن الناس ، فاصطفى لكلامه الرسول الملكي ، فنزل به على الرسول البشري الذي اصطفاه ، وقد أضافه إلى كلٍّ من الرسوليْن لأنه بلغه وأداه ؛ لا لأنه أنشأه وابتداه ، قال تعالى : ( إنه لقول رسول كريم . ذي قوة عند ذي العرش مكين ) التكوير/ 19 ، 20.
" مجموع الفتاوى " ( 17 / 82 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – :
وإذا تأملت أحوالَ هذا الخلقِ : رأيتَ هذا الاختيار والتخصيص فيه دالاًّ على ربوبيته تعالى ووحدانيته وكمالِ حكمته وعلمه وقدرته ، وأنه اللهُ الذي لا إله إلا هو، فلا شريك له يخلُق كخلقه ، ويختار كاختياره ، ويدبِّر كتدبيره ، فهذا الاختيارُ والتدبير والتخصيص المشهود : أثرُه في هذا العالم مِنْ أعظم آيات ربوبيته ، وأكبرِ شواهد وحدانيته ، وصفات كماله ، وصدقِ رسله .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 1 / 42 ) .
فاصطفى الله تعالى من الملائكة جبريل عليه السلام دون غيره لما فيه من صفات القوة ، والأمانة ، وغيرهما ، وقد علم الرب تعالى ذلك أزلاً ، فاصطفاه من أجل ذلك .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
ذواتُ ما اختاره واصطفاه من الأعيان والأماكن والأشخاص وغيرها : مشتَمِلَة على صفات وأمور قائمة بها ليست لغيرها ، ولأجلها اصطفاها اللهُ ، وهو سبحانه الذي فضلها بتلك الصفاتِ ، وخصها بالاختيار ، فهذا خلقُه ، وهذا اختياره ، ( وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ) القصص/ 67 .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 1 / 53 ) .

والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

خالد بن الوليد السنة النبوية

[BACKGROUND="90 #000000"]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خالد بن الوليد

هو بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم أبو سليمان

كان واحدا ممن انتهى إليهم الشرف في الجاهلية

كان في وقائع بدر والخندق وأحد قائدا لخيل المشركين ولم يشهد مع رسول اللّه إلا ما بعد الفتح من الوقائع.
كان خالد في قومه موصوفا بالشجاعة محببا فيهم مقدما عندهم موفقا للنصر عارفا بأصول الحرب. وكان من طباعه الشدة والتسرع، وكان في عهد أبي بكر قائدا على الجنود، و لشدة تسرعه ألح عمر على أمير المؤمنين بعزله فلم يوافقه على ذلك.
يرجح ان خالدا اسلم سنة سبع من الهجرة . ولما أسلم أرسله رسول اللّه مع جيش من المسلمين أميره زيد بن حارثة إلى مشارف الشام من أرض البلقاء(شمال الاردن حاليا) لغزو الروم فحدثت هنالك وقعة مؤتة العظيمة التي استشهد فيها زيد ثم أخذ الراية منه جعفر بن أبي طالب فاستشهد أيضا ثم أخذها عبد اللّه بن رواحة فاستشهد أيضا.
اتفق المسلمون على دفع الراية إلى خالد بن الوليد فأخذها وقاد الجيش قيادة ماهرة وقاتل بنفسه قتالا عنيفا حتى تكسر في يده سبعة أسياف وما زال يدافع عدوه حتى أجبره على الابتعاد عنه ثم انسحب بسلام إلى المدينة. فسماه رسول اللّه سيفا من سيوف اللّه.
وذلك أنه لما قتل الأمراء الثلاثة وأخذ خالد الراية أوحي إلى النبي بذلك فصعد المنبر وأعلم المسلمين بقتل زيد وجعفر وابن رواحة وقال ثم أخذ الراية سيف من سيوف اللّه خالد بن الوليد وفتح اللّه عليه.
وكان النبي يولي خالدا أعنة الخيل فشهد مع رسول اللّه فتح مكة.
بعثه رسول اللّه إلى بني خذيمة داعيا لا مقاتلا فذهب فقاتلهم وقتل منهم فلما بلغ الرسول ذلك رفع يديه إلى السماء ثم قال (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ثم أرسل عليا ومعه مال لفدي الدماء والأموال ثم جاء خالد إلى النبي فاعتذر عما بدر منه.
وكان خالد على مقدمة رسول اللّه يوم حنين فجرح خالد فعاده رسول اللّه ونفث في جرحه فبرئ.
وأرسله إلى أكيدر صاحب دومة الجندل فأسره وأتى به إلى رسول اللّه فصالحه على ان يدفع الجزية.
وأرسله إلى بني الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا أقام فيهم وعلمهم شرائع الإسلام وإن أبوا قاتلهم فذهب إليهم وأسلم الناس على يديه وأقام بينهم هاديا ومعلما.
لما توفي الرسول عليه السلام ولاه أبو بكر قتال العرب المرتدين عن الإسلام

أشد ما لقي خالد من العرب المرتدين كان في قتاله مع مسيلمة الذي ادعى النبوة باليمامة إذ خرج يقاتل بستين ألف رجل فلما اشتد القتال انكشف المسلمون حتى أنهم انحسروا عن خيمة بن الوليد قائدهم.
نهض خالد وزيد بن الخطاب وثابت بن قيس وغيرهم من إجلاء القوم وبثوا في الجند روح الحمية حتى ردوا الأعداء إلى أبعد مما كانوا وصلوا إليه ثم اشتد القتال وعظم الخطب وتحمس أتباع مسيلمة فخشي خالد أن ينهزم العرب الذين معه ويستعر القتل في المهاجرين والأنصار. فنادى في الناس أن امتازوا أي ليلزم كل شخص قبيلته فظهر أن عدد القتلى في المهاجرين والأنصار أكثر مما في غيرهم.
علم خالد أن الحرب لا تخمد نارها إلا بقتل مسيلمة فطلبه للبراز فخرج إليه فحمل عليه خالد فانهزم مسيلمة. فدعا خالد إذ ذاك المسلمين للحملة على أعدائهم فحملوا عليهم حملة صادقة فهزموهم ودخل المهزومون حديقة وأغلقوها عليهم. نهض أحد إجلاء الرجال وهو البراء بن مالك فقال يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فحملوه حتى اقتحم الجدار وسقط إلى الباب فقاتل عليه حتى فتحه، فدخل المسلمون الحديقة فاقتتلوا فيها أشد قتال فقتل هنالك مسيلمة. ولما علم قومه بمقتله حاولوا الهرب ولكن السيف كان أسرع وهزموا شر هزيمة.
بعد فراغ خالد من قتاله لمسيلمة في اليمامة أرسله أبو بكر للعراق فكانت أول وقائعه فيها وقعة الحفير قرب خليج البصرة وكان اسم صاحبها هرمز. فطلبه خالد للبراز فبرز إليه ولم يتجاولا إلا قليلا حتى قتله. وحمل القعقاع بن عمرو علىٍ الفرس وهزمهم.
لما انهزم أصحاب هرمز التقوا في الطريق بعسكر أرسله إليهم كسرى وكان هرمز أرسل إليه يطلب المساعدة فاجتمعوا معا ورجعوا إلى محاربة خالد فأعاد عليهم الكرة وهزمهم وقتل وسبى وكان في السبي يومئذ أبو الهمام الحسن البصري وكان نصرانيا.
ثم علم خالد أن كسرى ازدشير بعث إليه بجيش بقيادة الأندرزعز أكثره من العرب الضاحية والدهاقين فسار إليهم ونصب لهم كمينا، فلما التقوا ونشبت بينهم الحرب خرج إليهم الكمين وأحاط بالعدو فقتل منهم خلق كثير منهم قائدهم الأندرزعز وقد كان موته عطشا.

ثم ذهب خالد إلى الحيرة فأتاه الدهاقين من تلك النواحي فصالحوه على ألفي ألف.
وفي تلك الأثناء مات كسرى ازدشير ووقعت الفرس في الإضطرابات السياسية فأخذ خالد يتمم فتح العراق فقصد الأنبار وكان عليها شيرزاد فخرج لقتاله فلم يوفق.
ثم صالحه وصالح خالد من حول الأنبار وسار إلى عين النمر فاستقبله عاملها للفرس مهران بن بهرام جوبين بجند عظيم من الفرس والعرب تحت قيادة عقبة بن أبي عقبة، فبينما كان عقبة يعبىء صفوفه هجم عليه خالد واحتضنه وأخذه أسيرا فانهزم العرب بلا قتال. وتبعهم الفرس وتحصنوا في حصن فما زال به خالد حتى أفتتحه.
ومنها سار خالد إلى دومة الجندل فخرج إليه من فيها فانهزموا وأخذ المسلمون الحصن.

[/BACKGROUND]

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

من دخل دار ابي سفيان فهو امن – في الاسلام

لم يكن أبو سفيان بن حرب رجلاً عاديًّا من رجال قريش، لكنه كان من الرجال المعدودين الذين يُشار إليهم بالقوة والزعامة وحسن القيادة، وعندما ظهرت دعوة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كان رافضا ومحاربا لها بشتى الطرق .. وفي فترة الدعوة الأولى في مكة كان أبو سفيان من الذين بذلوا جهدهم في محاولة القضاء على الإسلام في مهده، وقد ذكرت كتب السيرة أنه كان فيمن اجتمعوا في دار الندوة يخططون لقتل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبيل هجرته إلى المدينة .
وفي المرحلة المدنية وفي غزوة بدر حينما قُتل سبعون من صناديد وقادة قريش، أقسم أبو سفيان ألا يَمَسَّ رأسَه ماءٌ من جنابة حتى يغزو محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن ثم اجتمعت قريش على رئاسة أبي سفيان لها، بكل بطونها وفروعها، وهو حدث فريد في تاريخ مكة، ومن هذه اللحظة وأبو سفيان هو المحرِّك الأول لجموع المشركين لحرب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .



وفي غزوة أحد خرج أبو سفيان يقود ثلاثة آلاف مشرك لحرب المسلمين، وبعد الانتصار للمسلمين في أول المعركة تحوَّل النصر إلى هزيمة، وصارت الدولة للمشركين، واستشهد من المسلمين سبعون، وبعد أن انقشع غبار المعركة وانتهت بما انتهت إليه، انطلق أبو سفيان ـ إلى معسكر المسلمين ليتحقّق من موت أعدائه، ويتفقّد نتائج المعركة، فسأل بأعلى صوته عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ .
يقول البراء بن عازب – رضي الله عنه ـ : (.. وأشرف (اطلع) أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد؟، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا تجيبوه، قال: أفي القوم ابن أبي قُحافةَ؟، فقال: لا تجيبوه، قال: أفي القوم ابن الخطاب؟، فقال: إن هؤلاء قُتِلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبتَ يا عدوَّ الله، أبْقَى الله لك ما يُحزنك، قال أبو سفيان: أُعْلُ هُبَل ؟، فقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم ـ أجيبوهُ، قالوا: ما نقول؟، قال: قولوا: الله أعلى وأجَلُّ، قال أبو سفيان: لنا العُزَّى، ولا عُزّى لكم، فقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: أجيبوه، قالوا: ما نقول؟، قال: قولوا: الله مولانا ولا مولَى لكم، قال أبو سفيان: يوم بيومِ بدر، والحربُ سِجال ، وتجدون مُثْلة (تشويه قتلى المسلمين)، لم آمُرْ بها ولم تَسُؤْني، ثم أخذ يرتجز: أعل هبل، أعل هبل. فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ألا تجيبونه؟!، قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟، قال: قولوا: الله أعلى وأجل، قال: إن لنا العزى ولا عزى لكم، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ألا تجيبونه؟!، قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم ) رواه البخاري .

هذا بعض التاريخ الطويل من العداء الشديد من أبي سفيان ـ قبل إسلامه ـ للنبي صلى الله عليه وسلم ـ وللإسلام .. ثم جاءت لحظة إشراق النور والهداية في قلبه، ففي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ، ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً، فركب العباس بغلة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ البيضاء، يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يدخل مكة، وكان أبو سفيان ممن يخرج يتجسس الأخبار، فوجده العباس، فنصحه بأن يأتي معه ليطلب له الأمان من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجاء به راكباً معه، حتى أدخله على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله )، فقال العباس: ويحك أسلم، فأسلم وشهد شهادة الحق، ثم أكرمه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ) رواه مسلم .

أسلم أبو سفيان ـ رضي الله عنه ـ واستبشر بكلام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ودخل إلى مكة مسرعًا ونادى بأعلى صوته ـ كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ـ : " يا معشر قريش, هذا محمد جاءكم فيما لا قِبَل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت: اقتلوا الحميث الدسم الأحمس – تشبهه بوعاء السمن لسمنه -، قُبِّحَ مِنْ طليعة قوم، قال: ويلكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: قاتلك الله!، وما تغني عنا دارك؟!، قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، وتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .
إن في قصة إسلام أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ درسا وحكمة في كيفية معاملة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للنفوس البشرية، فعندما أصبح أبو سفيان بيد المسلمين، وبعد هذا العداء الشديد والطويل منه للإسلام ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، كانت السماحة والرفق والعفو النبوي بدلا من الإذلال والانتقام، ثم دعاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للإسلام والإيمان به، فتأثر أبو سفيان ـ رضي الله عنه ـ بهذا الموقف، ولم يملك إلا أن يقول: " بأبي أنت وأمي يا محمد، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! "، إنه يفدي منذ أول لحظة في إسلامه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأبيه وأمه، ويثني عليه الخير كله .

وفي تكريم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي سفيان وتخصيص بيته للأمن والأمان إرضاء لما تتطلع إليه نفسه، وفي هذا تثبيت له على الإسلام وتقوية لإيمانه، وهكذا كان تعامل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الذين تعرضوا له بالإيذاء، وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملا على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان, وتطمينا له بأن المكانة التي كانت له عند قريش، لن تنقص شيئا إن هو أخلص لله وبذل في سبيله، وهذا منهج نبوي كريم على الدعاة إلى الله أن يستوعبوه ويعملوا به في دعوتهم وتعاملهم مع الناس، مراعين أحوالهم، من اختلاف ثقافتهم وبيئتهم ومكانتهم في قومهم .


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

حياء النبي صلى الله عليه وسلم من السنة

حياء النبي صلى الله عليه وسلم
منقول رجاءا

الحياء خلق إسلامي رفيع، يحمل صاحبه على تجنب القبائح والرذائل، ويأخذ بيده إلى فعل المحاسن والفضائل.
ويكفي لمعرفة منـزلة هذا الخلق ومكانته في الإسلام، أن نقرأ قوله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" [1]، فالحياء فرع من فروع الإيمان، وطريق من الطرق المؤدية إليه.
وإذا كانت منزلة الحياء في الإسلام على هذه الدرجة الرفيعة، فلا عجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس اتصافاً بهذا الخلق الرفيع، فقد كان أكثر الناس حياءً، وأشدهم تمسكًا والتزامًا بهذا الخلق الكريم.
ويشبه لنا الصحابة الكرام خلقه صلى الله عليه وسلم، بأنه كان أشد حياء من الفتاة في بيت أهلها؛ يروي لنا الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ذلك، فيقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها"[2].
وأول مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم وأولاها، يتجلى في جانب خالقه سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما طلب موسى عليه السلام من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه في قضية تخفيف فرض الصلاة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، قال صلى الله عليه وسلم لموسى: "استحييت من ربي" [3]؛ فبعد أن سأل نبينا ربه عدة مرات أن يخفف عن أمته من عدد الصلوات، إلى أن وصل إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، منع خُلق الحياء نبينا صلى الله عليه وسلم من مراجعة ربه أكثر من ذلك.
وأما حياؤه صلى الله عليه وسلم من الناس، فالأمثلة عليه كثيرة ومتنوعة؛ فقد ورد أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية التطهر من الحيض، فأخبرها أن تأخذ قطعة من القماش، وتتبع بها أثر الدم، إلا أن تلك المرأة لم تفهم عن النبي قصده تمامًا، فأعادت عليه السؤال ثانية، فأجابها كما أجابها في المرة الأولى، غير أنها أيضًا لم تستوعب منه قوله، فسألته مرة ثالثة فاستحيا منها وأعرض عنها، وكان عائشة رضي الله عنها حاضرة الموقف، فاقتربت من تلك المرأة وشرحت لها الأمر بلغة النساء.
ومن الأدلة على حيائه صلى الله عليه وسلم، ما جاء في الصحيحين، عن أنس رضي الله عنه، في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بـ زينب بنت جحش رضي الله عنها، فبعد أن تناول الصحابة رضي الله عنهم طعامهم تفرق أكثرهم، وبقي ثلاثة منهم في البيت يتحدثون، والنبي صلى الله عليه وسلم يرغب في خروجهم، ولكن، ولشدة حيائه صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم شيئًا، وتركهم وشأنهم، حتى تولى الله سبحانه بيان ذلك، فأنزل عليه قوله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق} [الأحزاب:53].
وكان من حيائه صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا بلغه عن الرجل أمر غير جيد، أو رأى منه سلوكًا غير قويم، لا يخاطب ذلك الشخص بعينه، ولا يوجه كلامه إليه مباشرة، حياءً منه، ولكي لا يجرح مشاعره أمام الآخرين، بل كان من خلقه وهديه في مثل هذا الموقف أن يوجه كلامه إلى عامة من حوله، من غير أن يقصد أحدًا بعينه، فكان يقول: "ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا"[4]. وهذا من حيائه صلى الله عليه وسلم، وتقديره للآخرين أن يجرح مشاعرهم، أو يشهِّر بهم أمام أعين الناس.
وكان من أمر حيائه صلى الله عليه وسلم، أنه إذا أراد أن يغتسل اغتسل بعيدًا عن أعين الناس – ولم تكن الحمامات يومئذ في البيوت، كما هو شأنها اليوم – ولم يكن لأحد أن يراه، وما ذلك إلا من شدة حيائه. أخبرنا بهذا ابن عباس رضي الله عنه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء حجرات، وما رأى أحد عورته قط"[5].
ومن صور حيائه ما جاء في سنن الدارمي، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييًا، لا يُسأل شيئًا إلا أعطاه" وهذا من طبع الحيي أنه لا يرد سائله، ولا يخيب طالبه وقاصده.
ولم تكن صفة الحياء عنده صلى الله عليه وسلم صفة طارئة، بل كانت صفة ملازمة له في كل أحيانه وأحواله؛ في ليله ونهاره، وفي سفره وإقامته، وفي بيته ومجتمعه، ومع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والعالم والجاهل؛ وقد روى لنا القاضي عياض في صفة مجلسه صلى الله عليه وسلم، فقال: "مجلسه مجلس حلم وحياء" فما ظنك بمن كانت مجالسه، مجالس تسود فيها صفات الحلم والحياء ؟!
لكن يشار هنا، إلى أن الحياء لا ينبغي أن يكون مانعًا للمسلم أبدًا من أن يتعلم أمور دينه ودنياه؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون رسول الله عن كل ما يعنيهم في أمر دينهم أو دنياهم، حتى ورد في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم علم صحابته كل شيء، حتى الأمور المتعلقة بقضاء الحاجات؛ كالدخول إلى الحمام بالرجل أليسري، والخروج منها باليمنى، وعدم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وعدم استعمال اليد اليمنى حال إزالة النجاسة، ونحو ذلك من الأمور التي لم تمنع الصحابة من أن يسألوا عنها لتعلقها بعبادتهم ونظافتهم.
وكذلك كان النساء من الصحابة، يسألن رسول الله عن شؤون دينهن، وقد صح أن الصحابية أم سُليم رضي الله عنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل، إذا رأت الجنابة في منامها؟ فقال لها: "نعم، إذا رأت الماء". والحديث في الصحيحين. فقد علمت رضي الله عنها أن دينها يفرض عليها أن تتعلم أمور دينها، لذلك لم تستحِ من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما دعت الحاجة إليه، وقدمت لسؤالها بقولها: (إن الله لا يستحيي من الحق) حتى تقطع الطريق على من قد يسمع سؤالها، فيتبادر إلى ذهنه أن سؤالها هذا ينافي الحياء ويجافيه.
[1] رواه البخاري و مسلم

[2] رواه البخاري ومسلم.

[3] رواه البخاري

[4] رواه أبو داود

[5] رواه الطبراني، قال ابن حجر: وإسناده حسن.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

الفرق بين أبي قتادة وقتادة من السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سمعت بأن أبو قتادة من كبار الصحابة أما قتادة فهو تلميذ ابن عباس, أريد أن أعرف نبذة عن عن حياة كل شخص إذا كانا شخصين مختلفين؟ جزاكم الله خيرا

الجواب :
الحمد لله
أما أبو قتادة رضي الله عنه : فهو الحارث بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان الأنصاري السلمي المدني .
وقيل اسمه النعمان بن عمرو بن بلدمة ، وقيل عمرو بن ربعي ، والمشهور الأول .
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب .
وعنه ولداه ثابت وعبد الله ومولاه أبو محمد نافع بن عباس بن الأقرع وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعبد الله بن رباح الأنصاري ومعبد بن كعب بن مالك وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم .
شهد أحدا وما بعدها ، وكان معروفا بالشجاعة والإقدام رضي الله عنه ، وكان يقال له : فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية : ( كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة – يعني ابن الأكوع ) رواه مسلم (1807)
وروى البخاري (3142) ومسلم (4322) عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ : مَا بَالُ النَّاسِ ؟ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ . ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ … فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ؟ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ : صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ . فَأَعْطَاهُ . فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا (بستانا) فِي بَنِي سَلِمَةَ ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ (اقتنيته وملكته) فِي الْإِسْلَامِ .
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير: أن عمر بعث أبا قتادة ، فقتل ملك فارس بيده ، وعليه
منطقة قيمتها خمسة عشر ألفا ، فنفلها إياه عمر [ يعني : أعطاها له ] .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (2 /452)
وشهد له أصحابه بالخيرية والفضل :
روى أحمد (22104) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ : ( تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ )

وكان رضي الله عنه ورعا يحترز لدينه ، فعن أبي أسيد قال : قلت لأبي قتادة : مالك لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه الناس ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من كذب علي فليشهد لجنبه مضجعا من النار )
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (2 /452)
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم له بحفظ الله :
فروى مسلم (681) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا ) فَانْطَلَقَ النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ (انتصف) وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ قَالَ : فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ (ذهب أكثره) مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنْ الْمَيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ أَبُو قَتَادَةَ . قَالَ مَتَى كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي ؟ قُلْتُ : مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ . قَالَ : ( حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ) .
وله أولاد ، وهم : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وثابت ، وعبيد ، وأم البنين ، وأم أبان .
توفي بالكوفة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة في خلافة على بن أبى طالب رضي الله عنه وهو الذي صلى عليه ، روى له الجماعة في مصنفاتهم .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (2 /454)
وراجع : "تهذيب الكمال" (34 /196) – "الاستيعاب" (ص 86) – "الثقات" لابن حبان (3 /74) – "الطبقات الكبرى" (6 /15) – "التاريخ الكبير" (2 /258) .

أما قتادة التابعي : فهو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة أبو الخطاب السدوسي البصري رحمه الله .
روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وصفية بنت شيبة وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي الشعثاء جابر بن زيد وحميد بن عبد الرحمن بن عوف والحسن البصري وغيرهم .
وعنه أيوب السختياني وسليمان التيمي وجرير بن حازم وشعبة ومسعر ويزيد بن إبراهيم وهشام الدستوائي ومطر الوراق وهمام بن يحيى وسعيد بن أبي عروبة وخلائق .
ولد أكمه [ مطموس العين ] ، لكنه كان آية في الحفظ ، إماما في الحديث والتفسير والفقه .
قال بكير بن عبد الله المزني : ما رأيت الذي هو أحفظ منه ولا أجدر أن يؤدي الحديث كما سمعه . وقال ابن سيرين : قتادة أحفظ الناس .
وقال أبو حاتم : سمعت أحمد ابن حنبل وذكر قتادة فأطنب في ذكره فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير ووصفه بالحفظ والفقه وقال قلما تجد من يتقدمه .
انتهى من"تهذيب التهذيب" (8 /315-318)
وقال له سعيد بن المسيب : ما كنت أظن أن الله خلق مثلك .
وعن سفيان الثوري قال : وهل كان في الدنيا مثل قتادة .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /275)
وقال ابن حبان :
كان من علماء الناس بالقرآن والفقه وكان من حفاظ أهل زمانه .
انتهى من"الثقات" (5 /322)
وقال الذهبي : حافظ العصر ، قدوة المفسرين والمحدثين ، كان من أوعية العلم ، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /270)
وكان رحمه الله ورعا في دينه محتاطا لأمره معظما للعلم وأهله :
قال أبو هلال : سألت قتادة عن مسألة ، فقال : لا أدري ، فقلت : قل فيها برأيك ، قال : ما قلت برأي منذ أربعين سنة ، وكان يومئذ له نحو من خمسين سنة .
قال الذهبي : فدل على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه .
وقال رحمه الله : باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده أفضل من عبادة حول . وقال أيضا : لقد كان يستحب أن لا تقرأ الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /275)
قال قتادة : " أتيت سعيد بن المسيب وقد ألبس تبان شعر وأقيم في الشمس (لما ابتلي في أيام عبد الملك بن مروان) فقلت لقائدي : أدنني منه فأدناني منه فجعلت أسأله خوفا من أن يفوتني وهو يجيبني حسبة والناس يتعجبون " .
انتهى من"حلية الأولياء" (2 /171)
كما كان عالما بالعربية وأنساب العرب ، قال الذهبي :
" كان قتادة أيضا رأسا في العربية والغريب وأيام العرب ، وأنسابها . ونقل القفطي في "تاريخه" أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر ، فيُبردان [أي: يرسلان] بريدا إلى العراق يسألان قتادة عنه " .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /277)
وقال أبو عمرو : كان قتادة من أنسب الناس [يعني: أعلمهم بالأنساب] .
انتهى من"وفيات الأعيان" (4 /85)

وقد عيب عليه رحمه الله التدليس في الحديث والكلام في القدر ، والله يغفر له ويرحمه ، فما من أحد إلا ويؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الذهبي رحمه الله :
" هو حجة بالإجماع إذا بين السماع ، فإنه مدلس معروف بذلك ، وكان يرى القدر ، نسأل الله العفو . ومع هذا فما توقف أحد في صدقه ، وعدالته ، وحفظه ، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل لطيف بعباده ، ولا يسأل عما يفعل .
ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، يغفر له زلـله ، ولا نضلله ونطرحه ، وننسى محاسنه ، نعم : ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك " انتهى ."
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /271)
ولد رحمه الله سنة (61) ومات سنة (117) وقال أبو حاتم : توفي بواسط في الطاعون وهو ابن ست أو سبع وخمسين سنة بعد الحسن بسبع سنين .
انتهى من"تهذيب التهذيب" (8 /318)

ولم يكن قتادة رحمه الله من تلاميذ ابن عباس كما يقول السائل ؛ فإنه لم يسمع منه ، بل لم يسمع من كثير من أصحابه ، وقد قال الإمام أحمد : ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أنس رضي الله عنه . قيل فابن سرجس ؟ فكأنه لم يره سماعا.
انتهى من"المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 29)
وقال الحاكم في علوم الحديث : لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس .
انتهى من"تهذيب التهذيب" (8 /319)
وراجع :
"التاريخ الكبير" (7 /186) – "الطبقات الكبرى" (7 /230) – "حلية الأولياء" (2/170)

هذا .. وفي الصحابة من اسمه قتادة ، وهو قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري الظفري أبو عبد الله الصحابي المشهور ، شهد بدرا والمشاهد كلها ، وهو الذي رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم عينه بعد أن سقطت يوم بدر أو أحد .
راجع : "تهذيب التهذيب" (8 /320)

والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

معركة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم بين الربح والخسارة – سنة النبي

معركة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم بين الربح والخسارة

بسم الله الرحمن الرحيم

من المهم للغاية أن نراجع دائما الأحداث التي تمر بنا ونقف على ثمراتها ونتائجها، لنستخلص الدروس والعبر، ونراجع الأخطاء ونعظم الفوائد، ولا شك أن تجدد الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم من بعض الغربيين كشفت عن أن أحقاد الماضى لا تزال باقية في ضمائر بعضهم، حيّة في ذاكرتهم، تكشفها فلتات ألسنتهم ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، ومع كل ما حفظته ذاكرة الإنسانية من عطاء خالد لهذا النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم فإن الحقد الأعمى لا يزال يوجه عقول وأفكار الكثيرين منهم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقتَه — قومٌ نيامٌ تسلَّوْا عنه بالحُلْم!
إن هذا الحقد الذي يغلق منافذ الهدى في القلوب هو الذي قاد المبطلين من قبل إلى الضلال، إذ لم يروا في شخص النبي الأعظم إلا أنه محمد بن عبد الله يتيم أبي طالب، دون أن يعنوا بالنظر فيما جاء به من دين كريم وقيم سامية وما تمتع به من أخلاق عالية وروحانية فياضة، فكانوا ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم بعين الإزدراء والتصغير لشأنه لأنهم كانوا لا يعرفون قدره، قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ شاهدوه بأبصارهم، لكنهم حجبوا عن رؤية حقيقته ببصائرهم، وأغلقوا قلوبهم وعقولهم عن التفكر في مزاياه وخصائصه ودينه ومبادئه، على حد قول الله تعالى ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾، لهذا تعرض صلى الله عليه وسلم للإساءة من هذا الصنف في القديم والحديث، وهو تعرّض يسيء إلى فاعله ولا يسىء إلى صاحب الخلق العظيم والمقام الكريم على الإطلاق، ولئن كان إقبال الناس قديما على الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم سببا لمزيد اشتعال الحقد في قلوب خصومه وأعدائه، فإن تزايد دخول الغربيين في دين الحق هو أيضا سبب لمزيد من الحقد على الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. ومن هذا المنطلق نرصد بعض جوانب الربح والخسارة فيما جرى وربما فيما سيجري من إساءات من بعض السفهاء للنبي صلى الله عليه وسلم:

فعلى مستوى الأرباح:

1 – فإن هذه البذاءات قد استفزت مشاعر المسلمين وألهبت غيرتهم على دينهم وعلى نبيهم صلى الله عليه وسلم، حتى من كان منهم كثير التفريط والتقصير، ولعل ذلك يدفع بهم إلى الاجتهاد في العمل لنصرة الدين والحق في نفسه وفي الدنيا من حوله، وقد كان بعض إيذاء المجرمين للنبي صلى الله عليه وسلم قديما سببا لإسلام عمّه حمزة بن عبد المطلب، فقد أدركته الحميّة عندما عيّرته بعض الجواري بإيذاء أبي جهل لابن أخيه، فتوجه إلى ذلك الشقي وقال: أَتَشْتِمُهُ وَأَنَا عَلَى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ؟ فرُدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ إنِ اسْتَطَعْت! ثم أنار الله بصيرته بنور الحق حتى صار من أحسن الناس إسلاما، وأشدّهم غيرة على المسلمين، وأقواهم شكيمة على أعداء الدين حتى سمي أسد الله. وهذا ما نرجوه من كل مسلم استفزته هذه الإساءات فعاد يراجع نفسه ويحدد دوره وواجبه في الدفاع عن هذا الدين العظيم بشكل عملي. وهنا أثمن وأقدر كثيرا ما قامت به بعض الجاليات المسلمة في الغرب من استغلال الحدث لتوزع عشرات الآلاف من المصاحف والكتب المعرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم على عموم الغربيين، وأتوقع أن تكون النتائج مزيدا من دخول الغربيين في الإسلام بإذن الله تعالى. لكن ما أخشاه ويخشاه كل غيور على الحق أن تخفت حدة الغيرة بمرور الأيام وتنتهي الغضبة المؤقتة ليرجع كل إلى ما كان عليه، وأدعو إلى توجيه هذه المشاعر الصادقة إلى مشروعات عملية للتعريف بالإسلام وبنبينا صلى الله عليه وسلم بكل الطرق الممكنة التي ذكرت بعضها في الأسبوع الماضي.

2 –
ثم إن هذه الأحداث كشفت عن حقيقة العلاقة القوية بين المسلمين ومواطنيهم المسيحيين في مصر، ورأينا مواقف الكنائس المصرية الرافضة لهذه الإساءة، ومجموعات الشباب المسيحي الذي يشارك في الوقفات الاحتجاجية ضد هذه البذاءات التي كانت سببا في تجلية الوحدة الوطنية الجامعة. وكان ذلك إعلانا واضحا بفشل أهم أهداف أولئك المفسدين الذين يريدون تفجير صراعات طائفية في بلادنا؛ ويريدون إشغالنا عن معركتنا الحقيقية الكبرى، وهي معركة التنمية الحقيقية التي لا يمكن النهوض بها إلا في أجواء مستقرة وآمنة. وأرجو أن يكون ذلك مدخلا إضافيا لمزيد من التلاقي والتوحد بين أبناء المجتمع من المسلمين والمسيحيين، سواء عبر المؤتمرات المشتركة أو عبر التعاون بين المؤسسات الثقافية والخيرية العاملة في المجتمع المصري من كلا الطرفين، أو عبر مزيد من الاندماج في الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية المدنية، ويكون ذلك أعظم إفشال عملي لمحاولات تقسيم المجتمع المصري وضرب وحدته الوطنية وتعطيل مسيرته التنموية.

3 –
تحرك الحكومة المصرية للمرة الأولى في اتجاه إيقاف هذا العبث من خلال مخاطبة الإدارة الأمريكية للتصدي له، والتحرك القانوني بتحويل أولئك المجرمين إلى محكمة الجنايات وإصدار مذكرات للقبض عليهم، وهو إجراء جدير بكل الدول العربية والإسلامية أن تحذو حذوه، وأن تتحرك كل الهيئات المحبة للسلام لرفع قضايا مماثلة في كل دول العالم، ليدرك أولئك المفسدون في الأرض أن جريمتهم مستنكرة، وأنهم لن يفلتوا من العقوبة الدنيوية، فضلا عما ينتظرهم من عذاب أليم عند الله عز وجل.

أما السلبيات :

1 – فمن أبرزها: تأكيد ازدواجية المعايير لدى النظم الغربية، ففي الوقت الذي تعتبر فيه الحديث عن اليهود والهولوكست معاداة للسامية وتحريضا على الكراهية وتجاوزا لحرية التعبير، فإنها تغمض العين عن الإساءة للرموز الدينية الكبرى متعللة بحرية التعبير عن الرأي، وهذا ما يجب أن يدفعنا لدعوة الحكومات والمنظمات العربية والإسلامية لتبني مشروع محكمة إسلامية لكل الذين يتطاولون على الدين والرموز الدينية، والدفع باتجاه قرار أممي لتجريم هذه الإساءات المستفزة والمتكررة.

2 –
ومنها سوء تعبير البعض من المسلمين عن مشاعرهم وغضبهم، بقتل بعض الأجانب المستأمنين، أو بحرق بعض السفارات الأجنبية، أو باستخدام ألفاظ وعبارات لا تليق بأتباع الإسلام العظيم، وأسوأ تلك المظاهر المرفوضة: قيام البعض بتحريق كتب القوم والحديث عنها بازدراء، وهو ما لا يمكن قبوله بحال من الأحوال، فمع أن القرآن أخبرنا بتحريف تلك الكتب على أيدي أصحابها إلا أنه لم يتحدث عنها بازدراء، وسمى أصحابها أهل كتاب، ومع أنها نقلت عن لغتها الأصلية إلى اللغة العربية وتعبدوا بها في حياته صلى الله عليه وسلم فإنه لم يعتبر ترجمتها مبررا للقول بأنها ليست كتبهم الأصلية، بل قال الله تعالى ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ مع أنها كانت مترجمة إلى العربية عن لغتها الأصلية. ولولا فضل الله ووعي العلماء والعقلاء من المسلمين الذين استنكروا ذلك ورفضوه لحقق هذا التصرف المرفوض جانبا من أهداف تلك العصابة المجرمة التي أقدمت على هذه الإساءة من أجل إشعال نار فتنة عالمية بين أتباع الأديان، وإحداث كراهية وعداوات بين الشعوب. وهنا أدعو إلى التزام الأدب الإسلامي والنبوي في التعامل مع هذه الإساءات، وعنوانه قول الله تعالى ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾

3 –
أما أشد السلبيات من وجهة نظري فهي أننا بالغنا في أهمية هذا الفيلم التافه والمتهافت المرفوض فنيا، ونال بذلك من الذيوع والشهرة أكثر بكثير مما يستحق، وحقق من نسب المشاهدة عبر اليوتيوب ما كان لا يمكن أن يحقق عشر معشاره (1%) على الإطلاق لولا هذه الضجة الكبيرة، وأخشى أن يشجع ذلك كل طالب للشهرة على تكرير الإساءة أملا في ردة فعل إسلامية كبيرة تتيح له الشهرة والظهور، وأتصور أن ما أقدمت عليه إحدى المجلات الفرنسية من نشر رسوم مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم كان من هذا القبيل. فهل سنبقى نمارس ذات رد الفعل مع كل من يسيء لديننا ونبينا، فنحقق له أغراضه؟ أرى أننا في حاجة للتوقف أمام هذا الأمر والتفكير في بدائل أفضل لمواجهة مثل هذه الإساءات، وأدعو أهل العلم والمعرفة والإبداع لابتكار هذه البدائل.




لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

هل أنت تحب النبي صلى الله عليه وسلم السنة النبوية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ففي الصحيحين عن أنس رض الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة قال (وماذا أعدت لها ) قال ما أعدت لها كثير عمل إلا أنني أحب الله ورسوله قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المرء مع من أحب ) يقول أنس فما فرحنا بشي كفرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( المرء مع من أحب ) ثم قال وأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجوا الله أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم

ولكن السؤال:هل أنت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا فتنعم بهذه الكلمة (المرء مع من أحب ) أم لا؟
قبل التسرع في الإجابة ينبغي أن تسأل عن علامات المحبة . ماهي العلامات التي تنبغي أن تكون فيّ حتى أكون محب للنبي صلى الله عليه وسلم حقا لا إدعاءً ؟
الجواب أن هذه العلامات كثيرة ولكن سأذكر بعضها ؛ ولكن قبل أن أذكرها ينبغي أن تعلم أن هذه العلامات ليست لأحكم عليك أو لتحكم أنت على وإنما ليحكم كل منا على نفسه ويطالب بها نفسه؛ فكلنا يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من الصادق منا ومن الكاذب ؟ نسأل الله أن نكون من الصادقين
العلامة الأولى :- طاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر
قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) وفى البخاري عن ابي هريرة رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا ومن يأبى يا رسول الله قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)
فعلامة المحبة أن تطيع أمره وتجتنب نهيه
تعصى الإله وأنت تزعم حـبــه *** هذا لعمري فى القياس شنيع
لو كنت صادقا في حبه لأطعته *** إن المــحب لمن يحـب مطيـع
وها أنا أذكر لك بعض الأوامر لتطالب نفسك أيها المحب لله ورسوله بفعل هذه الأوامر التي أمرك بها الله عز وجل وأمرك بها النبي صلى الله عليه وسلم
أمرك حبيبك بأن تغض بصرك فلا تنظر إلى المتبرجات ولا إلى المسلسلات والأفلام فهل نفذت ما أمرك به حبيبك أيها المحب ؟
أمرك ايتها المحبة بالحجاب فهل ارتديته ؟
أمرنا نترك الغيبة والنميمة فهل تركتها ؟
أمرنا ببر الوالدين وصله الرحم والإحسان إلى الجار
أمرنا أمراً مهماً وهو صلاة الفجر فهل تؤديها في وقتها أيها المحب وأنت أيتها المحبة
العلامة الثانية الغيرة :-
إن أي محب يغار على محبوبه وله؛ فينبغي أيها المحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم أن تغار إذا انتهكت حرمات الله
انظر إلى اليهود حين استولوا على القدس في عام 1967 عبروا عن فرحهم وخرجوا في مظاهرات عارمة وصاحوا قائلين (محمد مات مات خلف بنات ) إن هذه الكلمات ينبغي أن تفجر في قلب كل محب لهذا الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم نار الغيرة عليه وله ليقوم ويصرخ ويقول لهؤلاء الكلاب – اليهود- محمد لم يمت ولم يخلف بنات ، بل خلف وراءه رجالا يحملون هَم هذا الدين ويضحون من أجله بالغالي والنفيس.
ولكن مجرد صرختك لن تصل إلى هؤلاء الكلاب – اليهود – وإنما يصل إليهم فعلك.
وينبغي أن يسألني كل من احترق قلبه وثارت فيه الغيرة ماذا أصنع وماذا عليّ ؟
وأجيبك : إنهما أمران
الأول إصلاح نفسك فإنه بصلاحك يفسد على هؤلاء كثيراً من خططهم التي يخططونها لإفساد شباب المسلمين فلقد قال شيطانهم الأكبر صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين عام 1935( إن مهمة التبشير التي ندبتكم الدولة المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية فإن هذا هداية لهم وتكريم !! إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ——) فأرجوا من الله أن تعي هذه الكلمات وأن تخيب آمالهم ،وأرجوا أن تحافظ على الصلاة في المسجد وبالذات صلاة الفجر وأنقل كلام ذلك اليهودي وهو يقول ( لن تستطيعوا أن تغلبوننا حتى يكون عدد المصلين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة ) فأنت واحد من هذا العدد
وأرجوا منكِ أيتها المحبة أن ترتدي الخمار فإنه يقذف في قلوب الأعداء الخوف وفوق ذلك فإنه يرضي ربك وهذه هي الغاية
الثاني إصلاح غيرك –أصحابك – إخواتك – جيرانك – أهلك ……………..
وكيف ذلك ؟ أريد أن أبذل ولا أدرى ماذا أفعل ؟ أذكر لك بعض الوسائل الدعوية تفعلها مع كلامك لهم ونصحك إياهم
1- توزيع الشرائط الإسلامية : ولو أن تخصص من مالك كل شهر ثمن شريط واحد تهديه لأحد الناس وقل له إن سمعته فأهديه لغيرك وهكذا
2- توزيع الكتيبات الإسلامية . كتيب واحد كل شهر على الأقل
3- تعليق بعض الورقات على باب العمارة التي تسكن فيها تتكلم عن حرمه ترك الصلاة أو حرمة التبرج أو عن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أو……….
4- عمل لقاء إسبوعي مع أهل بيتك أو مع أصدقائك تسمعوا فيه شريطاً أو تقرأوا فيه القران أو ….
5- نشر هذه الورقة وأمثالها
6- أن تقوم بالليل لتدعوا لهذه الأمة أن يحفظها الله وأن يحفظ لنا مشايخنا وعلماءنا
7- دعوة الآخرين لمجالس العلم في المساجد وعلى شبكة الإنترنت
8- أن تدعوا لمن تدعوه وتنصحه أن يهديه الله
9- وأخيراً هل جلست مع أمك أو أباك تكلمهم في أمر الدين !!
هم يقولون فماذا تقول أنت
يقول روبرت ماكس أحد أعمدة التنصير ( لن يتوقف سعينا نحوا تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب فى مكة ويقام قداس الأحد في المدينة )فماذا تقول أنت !؟
العلامة الثالثة مطالعة أخباره ودراسة سيرته في كل وقت
فإن من يحب أحد يريد أن يعرف عنه كل شيء فماذا تعرف أنت عن حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم
من أجمل الكتب في السيرة : الرحيق المختوم – وقفات تربوية في السيرة النبوية
هناك علامات أخرى ولكن لا يتسع المقام
أخوكم خالد

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

أين دفنت السيده زينب رضي الله عنها من السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أريد أن أعرف أين دفنت السيده زينب رضي الله عنها ، وهل هي كما قالوا في سوريا ؟
الجواب :



الحمد لله
ليعلم أن من أعظم أسباب ضلال بني آدم غلوهم في الصالحين ، ومن أعظم أسباب الافتتان بهم : ما يحصل عند قبورهم من الغلو والشرك بالله ، وصرف العبادات ، من الطواف والذبح والنذر لغير الله تعالى .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ قال : ( [ اللهم ] لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا ، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) رواه الإمام أحمد (7311) ، وصححه الألباني .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ ) . رواه أبو داود (2042) ، وصححه الألباني .
وإن من أعظم ما يدل على بطلان ما يفعله هؤلاء القبوريون عند قبورهم : أنك تجدهم مختلفين في كثير من هذه الأماكن ، فأهل مصر يزعمون أن قبر زينب رضي الله عنها في مصر ، ويفعلون عندها من البدع والخرافات ، بل من الشرك والضلال ما الله به عليم .
وهكذا أهل سوريا كما ذكرت ، يفعلون نفس الشيء عند قبرهم المزعوم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعا .. "
ثم قال :
" وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مُخْتَلق ، لا يكاد يُوقَف منه على العلم ، إلا في قليل منها ، بعد بحث شديد ؛ وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام ، ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه " .
ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (27/444) وما بعدها ، ويراجع كتاب : تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ، للشيخ الألباني رحمه الله .
والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

الجواب عن آثار الصحابة الدالة على طهارة الدم – في الاسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


السؤال:
ذكرتم في موقعكم أن الدم نجس ، فكيف نجيب عن الآثار الواردة عن الصحابة التي يفيد ظاهرها طهارة الدم ، كحديث الصحابي الذي صلى وهو ينزف دما ، وأن عمر صلى وجرحُه يسيل دما ، وكذلك جاء عن ابن مسعود أنه صلى وعليه دم من جزور نحَرَها ، وقول الحسن البصري : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم ، ألا يدل كل هذا على طهارة الدم ؟

الجواب :
الحمد لله

أولاً :
مسألة " نجاسة الدم " من المسائل التي كثر الكلام حولها بين المعاصرين ، حتى كُتبت فيها الرسائل والأبحاث .
والقول الذي عليه عامة العلماء سلفاً وخلفاً : أن الدم المسفوح نجسٌ .
" والمسفوح : الجاري الذي يسيل " انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (7/123) .
وهو يشمل : الدم الذي يسيل وينهَمِر من الحيوان في حال الحياة ، أو عند الذبح ، والدم الذي يسيل من الإنسان عند جرحه .
وهذا الدم نجس ، عند جميع العلماء ، ولم يعرف عن أحد من علماء هذه الأمة وسلفها القول بطهارته ، وأول من شهَّر القول بطهارته من المتأخرين : هو الشوكاني ، ثم تبعه صدِّيق حسن خان ، ومن بعدهم الشيخ الألباني في هذا العصر ، ومن ثم عمَّ القول به حتى شاع بين كثير من طلبة العلم .
وقد دل على نجاسة الدم المسفوح : القرآن ، والسنة ، والإجماع .
1- أما القرآن ، فقوله سبحانه وتعالى : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ ، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الأنعام/ 145 .
ففي هذه الآية دلالة على أن الدم المسفوح رجس ، والرجس هو النجس .
وقد اعتُرِض على الاستدلال بهذه الآية من وجهين :
الأول : أن المراد بالرجس في هذه الآية المحرم لا النجس .
قال الشوكاني رحمه الله : " المراد بالرجس هنا الحرام ، كما يفيده سياق الآية والمقصود منها ، فإنها وردت فيما يحرم أكله ، لا فيما هو نجس … ولا تلازم بين التحريم والنجاسة ، فقد يكون الشيء حراما وهو طاهر " انتهى من " السيل الجرار" (1/26) .
ويجاب عن هذا : بأنه لو حُملت كلمة رجس على أنها تعنى : الحرام ، لكان في الآية تكرارا ، لأن التحريم قد تم بيانه في أول الآية ، وعلى قولهم يكون معنى الآية : ليس فيما أوحي إلي محرم إلا الميتة والدم ولحم الخنزير فإنه محرم .
وقال بعضهم : الرجس في اللغة القذر ، فكلمة (رجس) ، لا تعني أنه نجس ، بل مستقذر .
والجواب عن ذلك : أن كلمة رجس وإن كانت تعني في اللغة القذر ، لكن المراد بها هنا المعنى الشرعي وهو الحكم بالنجاسة ، فإن الأصل في كلام الشارع حمله على المعنى الشرعي لا اللغوي .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" الرجس : النجس والنتن " انتهى من " جامع البيان " (8/53) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" والرجس هو : القذر والنجس الذي يجب اجتنابه " انتهى من " شرح العمدة " (1/109) .
الاعتراض الثاني : أن الضمير في قوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود إلى الخنزير فقط .
قال الشوكاني رحمه الله : " ولو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى : ( فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ، لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح ، ولكنه لم يَرد ما يفيد ذلك ، بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل ، أو إلى الأقرب ، والظاهر رجوعه إلى الأقرب وهو لحم الخنزير ؛ لإفراد الضمير " انتهى من " الدراري المضية " (1/32) .
والجواب عن ذلك : أن الضمير وإن كان في عوده خلاف بين المفسرين ، إلا أن رجوعه للجميع هو الأقرب والأرجح .
قال ابن أبي العز الحنفي :
" قوله : ( فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) … يعود الضمير إلى المذكور كله ، وهو الميتة والدم ولحم الخنزير ؛ فإن الأصل : قل لا أجد فيما أوحي إليّ شيئاً محرماً ، فحذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه ، ثم قال : إلا كذا وكذا ، فإن هذا المذكور كله رجس ، وإعادة الضمير إلى بعض المذكور فيه نظر " انتهى من " تفسير الإمام ابن أبي العز " (2/13) .
وقال ابن عاشور رحمه الله :
" والأظهر أن يعود إلى جميع ما قبله ، وأنّ إفراد الضّمير على تأويله بالمذكور ، أي فإنّ المذكور رجس " انتهى من " التحرير والتنوير" (8/138) .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" فإن قوله ( محرماً ) صفة لموصوف محذوف ، والتقدير : شيئاً محرماً ، والضمير المستتر في ( يكون ) يعود على ذلك الشيء المحرم ، أي : إلا أن يكون ذلك الشيء المحرم ميتة.. إلخ .
والضمير البارز في قوله ( فإنه ) يعود أيضاً على ذلك الشيء المحرم ، أي : فإن ذلك الشيء المحرم رجس .
وعلى هذا فيكون في الآية الكريمة بيان الحكم وعلته في هذه الأشياء الثلاثة : الميتة ، والدم المسفوح ، ولحم الخنزير .
ومن قصر الضمير في قوله (فإنه) على لحم الخنزير ، معللاً ذلك بأنه أقرب مذكور فقصره قاصر ، وذلك لأنه يؤدي إلى تشتيت الضمائر ، وإلى القصور في البيان القرآني حيث يكون ذاكرا للجميع ( الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير ) حكما واحدا ، ثم يعلل لواحد منها فقط " انتهى من " الشرح الممتع " (15/9) .
وقال رحمه الله – أيضاً – :
" من قصره على لحم الخنزير معللاً بأنه لو كان الضمير للثلاثة لقال : فإنها أو فإنهن ، فجوابه : أنَّا لا نقول إن الضمير للثلاثة ، بل هو عائد إلى الضمير المستتر في ـ يكون ـ المخبر عنه بأحد الأمور الثلاثة " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (11/264) .

2- ومن السنة : حديث أسماء الذي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم فيه بغسل دم الحيض .
، وقد بوب عليه البخاري ( باب غسل الدم ) ، والحديث وإن جاء في دم الحيض ، إلا أنه لا فرق بين دم وآخر ، فالدم كله جنس واحد ، من أي محلٍّ خرج .
قال الإمام الشافعي رحمه الله :
" وفي هذا دَلِيلٌ على أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ نَجَسٌ ، وَكَذَا كُلُّ دَمٍ غَيْرُهُ " انتهى من " الأم " (1/67) .
وكذلك حديث المستحاضة فاطمة بنت أبي حبيش ، وقد أمرها النبي بغسل دم الاستحاضة ، وقال لها : ( فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ) رواه البخاري (221) ، ومسلم (501) .
وهذا يدل على نجاسة الدم من وجهين :
* أن لفظة الدم جاءت معرفة بالألف واللام ، فتشمل كل دم ، وأي دم كان .
قال ابن حزم رحمه الله : " وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَوْعِ الدَّمِ ، وَلَا نُبَالِي بِالسُّؤَالِ إذَا كَانَ جَوَابُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِضَمِيرٍ إلَى السُّؤَالِ" انتهى من " المحلى بالآثار " (1/115) .
ومعنى كلامه أن سؤال المرأة كان عن دم الاستحاضة ، لكن جوابه صلى الله عليه وسلم كان عاماً ، ولم يقل لها : اغسليه ، أو : اغسلي دم الحيض أو الاستحاضة ، ولكن أتى بلفظ عام ، ( فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ) ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
* أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن دم الاستحاضة دم عرق ، والدم الخارج من سائر بدن الإنسان والحيوان دم عرق كذلك ، فيكون حكمه حكم دم الاستحاضة .
3- وأما الإجماع ، فقد نقله جمهرة من العلماء من مختلف المذاهب :
وعلى رأسهم الإمام أحمد ، فقد سئل الإمام أحمد عن الدم ، وقيل له : الدم والقيح عندك سواء ؟
فقال رحمه الله : " الدم لم يختلف الناس فيه ، والقيح قد اختلف الناس فيه " انتهى من " شرح عمدة الفقه " لابن تيمية (1/105) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" وهذا إجماع من المسلمين أن الدم المسفوح رجس نجس " انتهى من " التمهيد " (22/230) .
وقال رحمه الله – أيضاً – :
" لا خلاف أن الدم المسفوح رجس نجس " انتهى من "الاستذكار" (1/291) .
وقال ابن حزم الظاهري : " وَاتَّفَقُوا على أَن الْكثير من الدَّم ، أَي دم كَانَ ، حاشا دم السّمك وَمَا لَا يسيل دَمه : نجس " انتهى من " مراتب الإجماع " (ص/19) .
وأقره شيخ الإسلام في نقد مراتب الإجماع ولم يتعقبه بشيء .
وقال ابن العربي المالكي رحمه الله :
" اتفق العلماء على أن الدم حرام ، نجس ، لا يؤكل ، ولا ينتفع به " انتهى من " أحكام القرآن " (1/79) .
وقال القرطبي رحمه الله :
" اتفق العلماء على أن الدم حرام ، نجس " انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (2/221) .
وكذلك نقل الإجماع : ابن رشد في " بداية المجتهد " (1/79) .
وقال النووي رحمه الله :
" الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة ، ولا أعلم فيه خلافاً عن أحد من المسلمين ، إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال : هو طاهر ، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع والخلاف على المذهب الصحيح الذي عليه جمهور أهل الأصول من أصحابنا وغيرهم ، لا سيما في المسائل الفقهيات " انتهى من " المجموع " (2/576) .
وقال القرافي رحمه الله :
" والدم المسفوح نجس إجماعاً " انتهى من " الذخيرة " (1/185) .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
" والدم نجس اتفاقاً " انتهى من " فتح الباري " (1/352) .
وقال بدر الدين العيني رحمه الله :
" الدم نجس بالإجماع " انتهى من " عمدة القاري " (5/59) .
وقال شمس الدين الزركشي الحنبلي رحمه الله :
" الخارج من الإنسان ثلاثة أقسام : طاهر بلا نزاع ، وهو : الدمع ، والعرق ، والريق ، والمخاط ، والبصاق ، ونجس بلا نزاع ، وهو: البول ، والغائط ، والودي ، والدم وما في معناه ، ومختلف فيه : وهو المني والمذي " انتهى من " شرح الزركشي على مختصر الخرقي " (2/40) .
وقال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" وَالدَّمُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ " انتهى من " أضواء البيان" (2/399) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فإن الدم المسفوح لم نعلم قائلاً بطهارته " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (11/261) .
فالأَوْلى في مقتضى الشرع والعقل اتباع هذا القول الذي تواتر العلماء على نقله وتقريره ، فهو قول مبني على النص الصريح للكتاب والسنة .
وتقرير الشوكاني ومن تبعه في طهارة الدم ، قول مرجوح ، مخالف للدليل والإجماع ، فلا ينبغي جعله مثارا للحيرة والاضطراب ، كما لا يجوز الظن بأن العلماء يجمعون في مسألة ، ولا يكون لهم فيه دليل صحيح صريح ، كما يظن بعض طلبة العلم في مسألة نجاسة الدم وغيرها من المسائل .
ويلزم من يدعي أن الإجماع غير صحيح : أن يثبت وجود مخالف من السلف – ولو واحدا – ، لينتقض الإجماع .
ثانياً :
من أبرز ما يستدل به من يقول بطهارة الدم من المتأخرين : قصة الصحابي الذي جُرح وهو يحرس الصحابة في الشعب ، واستمر في صلاته .
وقد رواها الإمام أحمد في " مسنده " (14177) ، وأبو داود في " سننه " (170) ، والحديث حسنه النووي والشيخ الألباني .
قالوا : فلو كان الدم نجساً لقطع صلاته ، فاستمراره بالصلاة مع وجود الدم ، دليل على أن الدم طاهر .
والجواب عن هذا الحديث من وجهين :
الأول : أن هذا الحديث يرويه عن جابر بن عبد الله ابنه : " عَقيل بن جابر" ، وهو مجهول .
قال ابن أبي حاتم رحمه الله : " سمعت أبي يقول : عقيل بن جابر ، لا أعرفه " انتهى من " الجرح والتعديل " (6/218) .
وقال الذهبي رحمه الله : " فِيهِ جَهَالَة " انتهى من " المغني في الضعفاء " (2/438) .
وكذا قال ابن عبد الهادي رحمه الله : " وعَقيل بن جابر : فيه جهالةٌ " انتهى من "تنقيح التحقيق" (1/292) .
ولذلك ذكر هذا الحديث البخاري في صحيحه معلقاً ، بصيغة التمريض .
الثاني : أن هذه الحالة خارج محل النزاع ، لأن هذا الصحابي معذور ، والمعذور لا يضره جريان دمه كما في سلس البول والاستحاضة .
فالدم النازل من هذا الصحابي ، هو دم نزيف ، والنزيف يعد رخصةً تبيح لصاحبها أن يصلي على حاله ، ولو جرى معه الدم ، لأنه لا يستطيع إيقافه .
ومثله حديث عمر لما طعنه أبو لؤلؤة أكثر من ثلاث طعنات ، " فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا " انتهى من " الموطأ " (74) .
فهذه حالة ضرورة لا يقاس عليها غيرها .
فما دام الدم يسيل بشكلٍ متواصل ولا يمكن وقفه ، فإنه يأخذ حكم من به سَلَس البول أو حكم المستحاضة ، فيصلي ولو قطر البول ولو سال الدم ، ولا يدل ذلك في الحالتين على طهارة البول أو على طهارة الدم .
قال أبو الوليد الباجي رحمه الله :
" وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الْجُرْحِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ ، وَالثَّانِي أَنْ يَجْرِيَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ .
فإِنْ اتَّصَلَ خُرُوجُهُ ، فَعَلَى الْمَجْرُوحِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ ، وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَقِّي مِنْهَا ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا ….
وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْ نَجَاسَتِهِ وَدَمِهِ ، فَإِنْ انْبَعَثَ فِي الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِنَجَاسَةِ جِسْمِهِ وَثَوْبِهِ ، فَيَغْسِلْ مَا بِهِ مِنْ الدَّمِ ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْهَا " انتهى من " المنتقى " (1/86) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" إنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا يَرْقَأُ ، مِثْلَ مَا أَصَابَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِاتِّفَاقِهِمْ ؛ سَوَاءٌ قِيلَ : إنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ؛ أَوْ قِيلَ : لَا يَنْقُضُ ، سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ) ، وَقَالَ تَعَالَى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) … وَكُلُّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَقَطَ عَنْهُ ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا ؛ بَلْ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (21/223) .
ووفق هذا الكلام يفهم قول الحسن البصري : " مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ " ، ذكره البخاري تعليقاً ، ووَصَلَهُ سعيد بن منصور وابن المنذر بإسناد صحِيح كما قال الحافظ في " الفتح " (1/281) .
فهذا محمول على حال الاضطرار في الحرب .
ويؤيد ذلك أن الحسن البصري رحمه الله : سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَحْتَجِمُ مَاذَا عَلَيْهِ ؟ فقَالَ : " يَغْسِلُ أَثَرَ مَحَاجِمِهِ " انتهى من " مصنف ابن أبي شيبة " (1/47) .
فلو كان الحسن البصري يرى طهارة الدم ، لما أمر بغسل أثر المحاجم من الدماء .
وروى عبد الرزاق الصنعاني في " المصنف " (1/376) عن مَعْمَر قال : " وَكَانَ الْحَسَنُ يَنْصَرِفُ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ الدَّمَ " انتهى .
وعَنِ الْحَسَنِ ، وَمُحَمَّدٍ بن سيرين أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يُلَطَّخَ رَأْسُ الصَّبِيِّ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ : " الدَّمُ رِجْسٌ" انتهى من " مصنف ابن أبي شيبة " (5/116) .
وهذه الآثار تدل دلالة واضحة على أن الحسن البصري كان يرى نجاسة الدم ، ولذلك لا يمكن أنة نستدل بقوله عن الصحابة بأنهم كانوا يصلون في جراحاتهم على طهارة الدم .
قال العيني رحمه الله :
" لَا يلْزم من قَوْله : ( يصلونَ فِي جراحاتهم ) ، أَن يكون الدَّم خَارِجاً وقتئِذٍ ، وَمن لَهُ جِرَاحَة لَا يتْرك الصَّلَاة لأَجلهَا ؛ بل يُصَلِّي وجراحته إِمَّا معصبة بِشَيْء ، أَو مربوطة بجبيرة ، ومَعَ ذَلِك لَو خرج شَيْء من ذَلِك لا تفْسد صلَاته " انتهى من " عمدة القاري " (3/51) .
ثالثاً :
وأما ما روي عن محمد بن سيرين عن يحيى الجزَّار قال : صَلَّى ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَلَى بَطْنِهِ فَرْثٌ وَدَمٌ مِنْ جُزُرٍ نَحَرَهَا ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ . رواه عبد الرزاق في "المصنف" (459) وصحح إسناده الألباني .
فهذا يجاب عنه من ثلاث وجوه :
الوجه الأول : من حيث ثبوته : ففي سماع يحيى الجزَّار من ابن مسعود نظر ، فقد نفى الأئمة سماعه من علي بن أبي طالب ، وابن مسعود أقدم وفاةً من علي . ينظر : " المراسيل " لابن أبي حاتم (ص/246) .
ولذلك ذكر العُقيلي في " الضعفاء " (4/396) عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ : قَالَ لِي مُحَمَّدٌ [ ابن سيرين ] : إِنِّي أَعْرِضُ حَدِيثِي عَلَيْكَ ، وَعَلَى أَيُّوبَ ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا ، فَمَرَّ بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى وَعَلَى بَطْنِهِ فَرْثٌ وَدَمٌ ، فَقَالَ : أُنْكِرُ هَذَا .
ولذلك بعد أن روى ابن أبي شيبة أثر ابن مسعود ، عقبه بقوله : " حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدُ ، وَلَمْ يُعْجِبْهُ " انتهى من " مصنف ابن أبي شيبة " (1/344) .
الوجه الثاني : أنه إن صحّ ، محمول على أن الدم الذي أصابه شيء يسير ، والدم اليسير معفوٌّ عنه كما هو معلوم .
الوجه الثالث : أن العلماء فهموا من هذا الأثر أن ابن مسعود يرى أن طهارة الثوب – وإن كانت واجبة – ، لكنها ليست من شروط صحة الصلاة ، ولم يفهموا منه طهارة الدم .
قال ابن المنذر رحمه الله :
" وَأَسْقَطَتْ طَائِفَةٌ غَسْلَ النَّجَاسَاتِ عَنِ الثِّيَابِ ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ نَحَرَ جَزُورًا فَأَصَابَهُ مِنْ فرْثهَا وَدَمِهَا فَصَلَّى وَلَمْ يَغْسِلْهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ " انتهى من " الأوسط " (2/156) .
وقال الماوردي رحمه الله :
" وَإِنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : إِنْ صَلَّى وَعَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ ، قَلَّتِ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثُرَتْ ، أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ نَحَرَ جَزُورًا وَأَصَابَ ثِيَابُهُ مِنْ فَرْثِهَا وَدَمِهَا ، فَقَامَ وَصَلَّى " انتهى من " الحاوي الكبير" (2/240) .
قالَ أَبُو جَعْفَر الطحاوي رحمه الله :
" وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، مِنْهُمْ مَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ " انتهى من " شرح مشكل الآثار " (10/103) .
وقد لخَّص الشيخ ابن عثيمين الإجابة عن جميع الآثار الواردة عن الصحابة في هذا الباب ، فقال رحمه الله : " وأما ما ورد عن بعض الصحابة مما يدل ظاهره على أنه لا يجب غسل الدم والتطهير منه ، فإنه على وجهين :
أحدهما : أن يكون يسيراً يُعفى عنه ، مثل ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لا يرى بالقطرتين من الدم في الصلاة بأساً ، وأنه يدخل أصابعه في أنفه فيخرج عليها الدم فيحته ثم يقوم فيصلي ، ذكر ذلك عنه ابن أبي شيبة في مصنفه .
[ ومثله ما جاء عن ابن عمر أنه عَصَرَ بَثْرَةً فِي وَجْهِهِ ، فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ ، فَحَكَّهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ، رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح ، وقوله ( شيء من دم ) واضح في الدلالة على أنه شيء يسير ] .
ثانيهما : أن يكون كثيراً لا يمكن التحرز منه ، مثل ما رواه مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب حين طُعن ، صلى وجرحه يثعب دماً ، فإن هذا لا يمكن التحرز منه إذا لو غسل لاستمر يخرج ، فلم يستفد شيئاً ، وكذلك ثوبه لو غيَّره بثوبٍ آخر – إن كان له ثوبٌ آخر- لتلوث الثوب الآخر فلم يستفد من تغييره شيئاً .
فإذا كان الوارد عن الصحابة لا يخرج عن هذين الوجهين ، فإنه لا يمكن إثبات طهارة الدم بمثل ذلك " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (11/266) .
وكذلك قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" وأما آثار الصحابة فلا تفيد طهارة الدم ، وإنما تدل على العفو عن يسيره ، وعدم نقض الوضوء به ، وأما صلاة عمر وغيره مع جريان دمه ، فإنما هو للضرورة ، وعدم القدرة على إمساكه ، فهو كمن به سلس بول ونحوه ممن حدثه دائم " انتهى من من تعليقه على " شرح الزركشي على مختصر الخرقي " (2/41) .
رابعاً :
يستثنى مما سبق : دم الشهيد ، فما يصيب الشهيد من دمه المسفوح مستثنى من عموم الدماء المسفوحة ؛ للنصوص الواردة في إبقاء دمه عليه وعدم إزالتها .
فدم الشهيد ما دام عليه فهو طاهر ؛ لما رواه النسائي (1975) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَتْلَى أُحُدٍ : ( زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلَّا أَتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ يَدْمَى ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ ) .
فلو كان دم الشهيد نجساً لأمر بإزالته عن بدنه ، فلما أمر بدفنهم بدمائهم دل ذلك على طهارته .
" فَإِنِ انْفَصَل الدَّمُ عَنِ الشَّهِيدِ كَانَ الدَّمُ نَجِسًا " انتهى من " الموسوعة الفقهية " (40/89) .
والقول بطهارة دم الشهيد هو مذهب الحنفية والحنابلة . ينظر: " البحر الرائق " (1/241) ، و " كشاف القناع " (1/219) ، و " شرح العمدة " لابن تيمية (1/109) .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" جَمِيعَ الدِّمَاءِ نَجِسَةٌ إلا : دم مَا لا نَفْسَ لَهُ سَائِلَة ، ومَا يَبقَى بَعدَ الذبح في الْعُرُوق وَاللَّحْم ، فَهُوَ طَاهِرٌ ، وإلا : دم الشهيدِ عَلَيهِ خَاصَّة " انتهى من " إرشاد أولى البصائر والألباب " (ص/ـ20) .
والله أعلم .

موقع الإسلام سؤال وجواب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده