عوامل الخوف عند الأطفال الصغار والكبار
مع أن الخوف جزء لا يتجزأ من الحياة في أي سن , إلا أن معظم الأشخاص الراشدين يقاومون الخوف عن طريق اصطناع ما يصرفه عنهم , أو حتى عن طريق نكران وجوده بصورة صحية , ولكن الأطفال يفتقرون إلى آليات المواجهة هذه , ويظلون يفتقرون إليها حتى بلوغهم سن الرشد .
لنبدأ بالأطفال الدارجين ( أي حديثي العهد بالمشي ) . فالواحد من هؤلاء قد يكون لاهياً في اكتشافاته للحياة في أركان البيت مثلاً أو في حديقة عامة , وفجأة يتخلى عن مغامراته , ويهرع باكياً إلى حضن أمه أو حجر أبيه , فقد اقتربت منه قطة أو كلب مسالم !
إن نوبات خوف من هذا القبيل تقع آلاف المرات كل يوم بين الأطفال البالغة أعمارهم عاماً واحداً أو يزيد قليلاً . فما سبب ذلك
عندما يخيل للطفل الدارج أنه قد أتقن صناعة المشي والكلام و بلوغ الأهداف , دونما حاجة لمن يعينه , فإنه لا محالة واصل إلى مواقف حياتية تذكّره بضآلة حجمه و ضعف حيلته .
وازدحام العام الثاني من حياة الطفل , بمعالم الطريق المؤدية إلى حقائق الحياة , مع تمرّس عضلات ساقيه بالمشي و الركض , يملآن قلبه بالحماس الهائل و الإحساس بالقوى العديدة . لذلك فإن فرض النواهي عليه , أو إحساسه بالوحدة ( ولو كان على بعد خطوات من أمه و أبيه ) , يجعلانه يدرك بأنه إذا وقع فسيتألم , أو إذا غاب عن أمه قليلاً فإنه لن يكون بمأمن من الأذى !
عندما يكون الخوف صمام أمان
والأمر ليس بمثل السوء الذي قد يبدو عليه , إذ أن خوف الطفل من الأغراب أو الحيوانات أو الأصوات العالية أو البيئات الجديدة مثلاً , ليس شيئاً اعتباطياً , و إنما يوجد فيه قصد وقائي . إن التخوف الذي يبديه الطفل الدارج , قد يمنعه من تعريض نفسه لمخاطر مجهولة . وفوق هذا فإن هذا التخوف هو إشارة إلى الانطلاق خطوة إلى الأمام يخطوها الطفل نحو التطور الإدراكي , فهو آخذ في التمييز بين ما هو معلوم وما هو جديد .
الخوف من البعاد
ثم إن هذا العمر هو المرحلة من حياة الطفل التي يتكون فيها إحساسه بالذات , أي حصوله على الفهم بأنه شخص مستقل له صفاته المميزة . فإذا انخرط طفلك ابن العام الواحد بالبكاء لدى رؤيته وجهاً غريباً غير مألوف لديه , أو إذا غادرت أمه الغرفة هنيهة و تركته في بيئة مجهولة له , فإن هذا البكاء علامة دالة على إحساسه بتوثق العلاقة بينه و بين أمه . إن خشية الافتراق تأتي في المرتبة الأولى من مخاوف الرضع و الأطفال الدارجين , وكثيراً ما تكون هذه الخشية تخفي وراءها أيضاً بواعث أخرى دفينة ضد الناس و الأماكن الجديدة .
هذا القلق هو عبارة عن عاطفة تروح و تغدو خلال العامين الأولين من حياة الطفل . وقد تستمر فترة أطول من ذلك عند بعض الأطفال . وحتى الشهر الثامن عشر من حياة معظم الأطفال الدارجين , يكون الطفل قد أحسن تدبّر أمر الخوف .
منع المشاهد المؤذية :
إن مشاهدة الطفل للمناظر المؤذية لشعوره , لا تقتصر فقط على عدم جدواها في افهام الطفل حقيقة ما يحدث في العالم , بل إن مشاهدته مثل هذه المناظر تزيد من مخاوفه . لذلك فإن على الوالدين مراقبة البرامج التي يراها الطفل أو يقرأ عنها , و كذلك الإمتناع عن فتح جهاز التلفزيون عند الأنباء المفزعة .
الإجابة عن أسئلته بصراحة :
لا تتجنب الحديث و النقاش حول المواضيع المخوفة . وليصار فقط إلى حذف التفصيلات المعقدة , دونما حذف للواقع . لتكن أجوبتك على أسئلة طفلك بسيطة ومباشرة . وأضف المعلومات التي تساعده على الإحساس بالأمان .
أعط الطفل صورة متوازنة
أوضح له الكيفية التي يعمل فيها الأشخاص في المواقف الصعبة . فإذا رأيت طفلك يبدي تعاطفاً وأسى مع لاجئين شردتهم الحروب من أوطانهم , فاصدقه الخبر عن أسباب هذا التشرد , واذكر له كيفية الإقدام على مساعدتهم .
طرق مقاومة الخوف
كيف يتأنى لك مساعدة طفلك على التعاطي مع مخاوفه
أولاً : لا تحاول أبداً نكران هذه المخاوف أو تجاهلها , لأنه إذا قيّض لهذه المخاوف أن تستمر , فإن الطفل , بخياله , قادر على تركيب أسوأ السيناريوهات لها . وخير من النكران والتجاهل هو الانفتاح عليها والتحدث عنها , وإفهام الطفل أن الخوف ليس وصمة .
ولا تنس أن عبارات الطمأنينة فيها ترياق قوي ضد الخوف . إذا كان يقلق طفلك أو يخيفه إلقاء كلمة في فصله المدرسي , فذكّره بأن كل الناس يشاطرونه مثل هذا القلق والخوف من الحديث في اجتماع عام . ولا بأس من ذكرك حادثة من هذا القبيل وقعت لك شخصياً , وكيف تمكنت من معالجتها والتغلب عليها .
ثانياً : إذا كان طفلك يخاف ركوب الطائرة , فأوضح له إجراءات سلامة الطيران . و إذا كان يخشى ركوب السيارة معك , فأوضح له أنك لن تتهور في سواقتك بل ستتجنب التصادم مع الاخرين .
ثالثاً : لمقاومة إحساس الطفل بانعدام الحيلة في بعض المواقف , فاتخذ الاجراء العملي للقضاء على هذا الشعور . فإذا كان طفلك دائم الخوف من احتراق المنزل مثلاً , فساعده على " وضع خطة " لمكافحة النار و كيفية إطفاء الحريق في حال وقوعه