——————————————————————————–
ماذا يمكن أن تقدم لطفلك بين الثالثة والسادسة لتعزيز قدراته العقلية ووضعه على بداية الطريق النجاح من الصف الأول الابتدائي؟
لا يمكن وضع منهج يناسب جميع الأطفال والبيوت والآباء مع اختلاف المواهب والمسئوليات والوقت المتاح، وحتى إذا تم وضع هذا المنهج عن طريق البحوث المكثفة سنرى أن ذلك غير مجد فلدى الطفل من النشاط الجسمي والقدرات العقلية ما يفوق أي منهج موضوع أو أي خطط للفرص التعليمية، فعقل الطفل يعمل بسرعة هائلة وينطلق في نواحي غير متوقعة، لا يمكن أن يصل إليها أي شكل من أشكال التعليم الرسمي، وإحدى مزايا التعلم في مرحلة ما قبل المدرسة التكيف مع حاجت الطفل واهتماماته الآنية، فهي الفرصة الأفضل للتعلم الفردي الذي نادرًا ما يحدث خلال سنوات تعلم الطفل.
أفكار سريعة للآباء المشغولين
مثل أي مدرس بارع نقدم لك ـ عزيزي المربي ـ بعض الاقتراحات لتنمية قدرات ابنك العقلية وزيادة المتعة المتبادلة بينكما وعليك أن تعلم أن سرعة تعلم الطفل تعتمد على الوقت الذي تقضيه معه.
وهذه الاقتراحات ليست منهجًا يتبعه الولد، بل هي مجرد أفكار يستطيع الوالد ـ حتى المشغول ـ أن يستخدمها لتنمية عقل الطفل، وزيادة المتعة المتبادلة بينهما في وقت اجتماعهما.
1ـ اللغة:
تنمو مفردات اللغة لدى الطفل بين الثالثة والسادسة بشكل سريع ومثير. ويمعن الطفل في تقليد والديه، فإذا كنت تتحدث اللغة بشكل سليم، فسوف يصل الطفل إلى المستوى نفسه في نهاية هذه الفترة، لذا فإن من أهم الوسائل التي تستطيع أن تقدمها لابنك هي اللغة السليمة، ولا يعني ذلك أن تتحدث باللغة الفصحى، ولكن نقصد أن على الوالدين استخدام جميع أشكال وأجزاء اللغة، الصفة والظرف والضمائر والأزمنة المختلفة والعبارات الفرعية كي يستوعبها ولا تخش استخدام مفردات قد لا يفهمها الطفل فسوف يعرفها ويفهم معناها تدريجيًا وهذه هي طريقة التعلم الأصلية، فلا تستهن بقدرة الطفل على فهم المفردات؛ لأنه يفهم عددًا من المفردات أكثر مما يستخدم، ويمكن أحيانًا أن يتعلم الطفل بعض الكلمات الكبيرة، فطفل الرابعة والخامسة سيتمتع بتعلم الأسماء الدقيقة للأشياء مثل أنواع الديناصورات وأجزاء السيارة خصوصًا إذا عرف مقصد هذه الأسماء.
التأتاة الطبيعية
ويمر كل الأطفال تقريبًا في إحدى مراحل تطور الكلام بفترة تأتأة تنشأ بسبب تفوق التفكير على عدد المفردات، وكما يقول أحد أطفال الثالثة لأمه في قلق: ‘ليس لدي مفردات كافية تعبر عن أفكاري’.
وبغض النظر عن سببها فإن هذه التأتأة الطبيعية تصاحب الطفل من سن السنتين ونصف إلى أن يبلغ الرابعة، ويجب تجاهلها، فهي تختفي دائمًا مع زيادة مهارة الطفل، ويحذر خبراء الكلام من أن الوالد الذي يلفت انتباه الصغير إلى التردد والفأفأة والتأتأة وغيرها من عيوب الكلام، قد يثبت هذه الصفة لديه، فالخطر لا يكمن فقط في أن تقول له: لا تتردد أو تتأتئ ولكن في أن تقترح عليه أن يتوقف ويفكر أو يأخذ نفسًا عميقًا قبل الكلام، فهذا يجعل الطفل يفكر في آليات الكلام مما يزيد من هذه العيوب وتتحول إلى عادة!
وإحدى طرق المساعدة هي: الاستماع إلى الطفل بكل اهتمام واحترام فإذا شعر الطفل باهتمامك والاستماع له فلن يتعجل في كلامه ولن يتخبط في استخدام الأصوات والمقاطع، ويزداد شعوره في الثقة بنفسه والتقدير لذاته، ويقول خبراء علاج النطق: إن معظم الأطفال يستمرون في نطق صوت أو اثنين بطريقة خاطئة حتى سن الروضة أو الأول الابتدائي وطالما كان حديث طفلك واضحًا بعد عامه الرابع فلا داعي للقلق تجاه بعض الأصوات حتى دخلوه المدرسة.
ومع بداية إلمام الطفل بآليات اللغة سوف تزداد رغبتك في مساعدته على استخدام هذه الأداة العجيبة، فاللغة ترتبط بالفكر ارتباطًا وثيقًا حتى إن بعض العلماء يعتبرون أنهما وجهان لعملة واحدة.
شجعه على التعبير والكلام
وخلال هذه السنوات الغالية في عمر الطفل من 3 ـ 6 سنوات يمكنك مساعدته على تعلم استخدام اللغة لتعزيز تفكيره، فحينما تتحدث إلى طفلك شجعه على التخطيط المستقبلي مثل: إذا ساعدتني في غسل الصحون نستطيع أن نقرأ إحدى القصص معًا، وكذلك إشراكه في التفكير بالبدائل مثل: ‘هل نعمل الكعك أم تفضل أن نذهب إلى الملعب’، وكذلك تجنب الأخطاء مثل عبارة ‘إذا وضعت كوب الحليب قرب مركز الطاولة فلن تسكبه بكوعك’.
ومما يسهل الحياة على أفراد الأسرة مساعدة الطفل في التعبير عن مشاعره بلغة مفهومة، فإذا أدرك الصغير قدرته على توصيل مشاعره إليك، فلن يئن أو يغضب أو يرمي الأشياء من حوله، ويمكنك باستخدام اللغة مساعدته على فهم مشاعر الآخرين والاستجابة لها مثل عبارة ‘قد تكون غاضبًا لأن هذا الطفل الصغير سحب سيارتك الصغيرة، فهو معجب بك ويحاول أن يقلدك لأنه يريد أن يكبر ويكون مثلك، فهل تساعدني أن أعلمه كي يصبح مثلك؟!
وباستخدام أسلوب اللعب يمكنك أن تعلمه كيف يختار الكلمات الدقيقة لوصف الأشياء والمشاعر المختلفة ومذاق طعام جديد وملمس قماش ما أو شكل زهرة جميلة، فسوف يفرح الطفل إذا أدرك سعادتك بتلك الخيارات ومشاركته في اللعبة.
الحوار ينمي القدرات العقلية ويفتح جسور التواصل
يستطيع الوالد الذي يستمع إلى طفله باحترام واهتمام وأن يتحاور معه حوارات ممتعة، فإذا تكونت لديك هذه العادة ـ عزيزي المربي ـ بعيدًا عن إصدار الأوامر أو استصغار ما يقوله الطفل أثناء قيادة السيارة مثلاً أو ركوب الباص أو الذهاب للنوم أو غسل الصحون، فذلك ينمي القدرات العقلية لدى ابنك بالإضافة إلى فتح جسور التواصل بينكما طوال العمر.
فإذا فتحت له مجالاً جذابًا للحديث سوف تنمو مفرداته وتزداد مهاراته في استخدام اللغة، كالحديث عن رحلة أو زيارة للمتحف أو حديقة الحيوان أو رحلة تسوق أو تجربة معملية في حوض المطبخ.
التلفاز .. أحد وسائل نمو مفردات اللغة
ويمكن أن يكون التلفاز حافزًا لنمو مفردات طفلك خصوصًا إذا شجعته على مناقشة البرامج التي تشاهدها معه، فهذا يعطيه الفرصة للتمييز بين الواقع والخيال ويمده بمعلومات حول موضوعات مختلفة، الفضاء والطائرات والصواريخ والدول الأجنبية والمحيط والرئاسة، وهذه الحوارات تساعد الطفل على تكوين اتجاه نقدي حول التلفاز وبرامجه، مما يساعده في النهاية على اختيار البرامج التي يشاهدها بكل وعي وفهم.
روح الفكاهة
معظم حوارات الطفل مع الوالدين كلام بسيط ومسلٍ وممتع، وتشير البحوث إلى أن روح الفكاهة السريعة هي إحدى مميزات الطفل الموهوب، وكلما كان الطفل يتمتع بالنكات والألغاز والأناشيد المبهجة والمقولات المسلية كلما ازداد ذكاؤه، وكلما زادت مشاركته له في هذه المتعة ازداد نمو اللغة عنده.
ألعاب تزيد من إدراك الأصوات
ويمكن الاستفادة من اهتمام الطفل بعمل ألعاب تزيد من إدراكه للأصوات وأنواعها، وهي خطوة أساسية في تعلم القراءة، فيمكنك مساعدته على إدراك أوجه الشبه والاختلاف بين بداية الكلمات مثلاً يمكن أن تسأله: أي كلمة تبدأ بحرف ‘الباء’ بابا أو مفتاح؟ أو ما هي الكلمات التي تنتهي ‘بمد الألف’ وتتضمن مهارات اللغة الاستماع والفهم بالإضافة إلى التحدث وهناك كثير من الألعاب يمكن ممارستها مع الطفل لشحذ قدرته على الاستماع مثل: لعبة ‘يقول سايمون’ التي تناسب أطفال الثالثة ولعبة ‘لو سمحت’ التي تناسب أطفال الرابعة والخامسة.
استمر في القراءة حتى ولو استطاع ابنك القراءة البسيطة
ويجب أن تستمر في قراءة الكتب لطفلك حتى بعد استطاعته قراءة الكتب البسيطة بنفسه، وحتى السنوات الأولى في المرحلة الابتدائية، فمستوى فهم الطفل أعلى بكثير من مستوى قراءته ويحتاج إلى الاستمرار في القراءة، وتوفير التغذية العقلية المناسبة حتى يستطيع الحصول عليها بنفسه!
زيارة المكتبة جزء مهم من حياة الطفل
الزيارات المنتظمة لقسم كتب الطفل في أقرب مكتبة يجب أن يكون جزءًا أساسيًا في حياة ابنك، ولا يتأخر هذا النشاط عن سن الثالثة، ويسمح للطفل باقتناء الكتب التي يختارها في المناسبات الجميلة أو حينما تشتريها له، وعمومًا تعتبر الكتب أرخص من الألعاب وتخصيص رف خاص لكتب الأطفال وتسجيل اسمه فوقها يزيد من اهتمامه بالكتب.
القراءة تكسب خبرة ممتعة
ومن المهم أن تبقى القراءة خبرة منهجية وليس عملاً روتينيًا، حيث يمكن للوالدين اصطحاب كتاب، ويخرجان إلى الحديقة، ويبسطان فراشًا تحت شجرة ويبدآن القراءة أو تطلب أن يساعد ابنك في إنجاز مهمة ما ثم تكافئه بقصة تقرؤها معه، ويمكن تشجيعه على تجنب الملل عند انتظار طبيب الأسنان بقراءة كتاب.
ويروي أحد المراهقين قائلاً: عندما كنت في الرابعة كنت أعاني من آلام شديدة في أذني لدرجة أنني كنت أستيقظ ليلاً وأبكي من شدة الألم، فتأتي أمي تعطيني الدواء الذي وصفه الطبيب ثم تجلس بجانبي وتقرأ لي الكثير من القصص والحكايات وغيرها، وكانت تقول لي: إن القراءة لن تقتل الألم، ولكنها تملأ جزءًا كبيرًا من المخ فلا أنتبه للألم الذي ينتابني، ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا القراءة تشعرني بالراحة. يدرك الطفل أن القراءة إحدى أنشطة الكبار الممتعة، وعندما يراك الطفل تقرأ للتسلية وتبحث عن المعلومات من الكتب وتزور المكتبة لاختيار الكتب المناسبة وكذلك تشتري الكتب وتقدمها كهدايا، يكبر الطفل في هذه الحالة وهو يحب القراءة والكتب فالطفل الذي يكبر ويرى والديه يتلقون كل معلوماته وتسليتهم من التلفاز سيكون كذلك، ولن يحب القراءة مهما حاولت.
ويجب اختيار الكتب حسب اهتمامات الطفل واستجابته، فكثير من الأطفال يفضلون الكتب التي تشرح حقائق العالم حولهم أكثر من الحكايات الخيالية، وقد يجذب طفل الرابعة كتاب عن البرق والرعد كما تجذبه قصة عن التنين الذي يلتهم النار، ولكن القصة الأولى تعطيه معلومات عن ظاهرة واقعية.
وقد يتضايق الطفل من بعض الكتب التي يراها الكبار جذابة وثرية، ويشعر تجاهها بالملل لذا يجب اختيار الكتب التي تناسب عقل الطفل، فاستجابته للكتاب دليل واضح على مستوى الفهم لديه، فإذا كان الكتاب مناسبًا لنمو الطفل العقلي سيطلب منك تكرار قراءته مرارًا وسيستمع إليك جيدًا ولكن إذا كان مستوى الكتاب غاية في السهولة أو الصعوبة تجده يتهرب أو يلهو بشيء آخر.
والشعر الجيد يثير اهتمام الطفل من 3 ـ 6 سنوات، فعليك أن تستمر في قراءة القصائد له خلال هذه الفترة وتشجعه على حفظ الأشعار التي يحبها حتى يستطيع ترديدها بين أصدقائه ولا يجب أن تقتصر القراءة على الكتب فقط، بل تشمل إشارات المرور في الشارع أو قوائم الطعام ولافتات الاتجاهات، وكذلك الإرشادات التي تكتب على الألعاب، والكلمات التي تظهر على شاشة التلفاز