إذا الفَجْرُ قَطََّرَ
إذا الفَجْرُ قَطَّرَ لى من نَدَاهُ
وصَبَّ عواطِفَهُ فى فمى
وكُنْتُ الوحيدَ من المَشْرِقَيْنِ
يُعَانَِقُهُ الفجْرُ كالبُرْعُمِ
ويَقْطُرُ فى جوفِ قلبى حناناً
ويروى شَفَاْ الغابراتِ الظَّمِى ْ
وينسابُ عبرَ ضلوعى دبيباً
لتحيا بِرَقْرَاقِهِ الأنْعَمِ
فيُسْكِرُ جِسْمِى ربيعُ الرُّوَاءِ
ويُذْهِبُ من قبْضِهِ المؤلمِ
ويَجْرِى النَّدى عابراً فى نسيجى
المُعَنَّى من السَّحْقِ مَجْرَى الدمِ
ويَنْشُرُ عَبْرَ نسيجى الحياة َ
أُعَلِّقُ فى خَيْطِهِ مِعْصَمِى
**
إذا الفجر رقَّ على ضامرٍ
تمرَّغَ فى القَيْظِ عَبْرَ الدّهُور
وبَلَّلَ من قَطْرِهِ حَرَّ نفس
توالى عليها لهيبُ العُصُور
وداوى حريقى وبلَّلَ ريقى
ورَوَّى عُرُوقِى بِشَهْدِ القُطُور
وضَمَّدَ جُرْحِى وأشْرَقَ صُبْحِى
وأنْبَتَ فَرْحِى وداوَى الصّدُور
ولَمْلَمَنِى من شُتَاتِى وتِيْهِى
ولَفْلَفَنِى فى ثنايا الحرير
وضَمَّ رُكَامِى لِحُضْنٍ حنون
وأطْفَأَ ما فى دمى من سعيرٍ
وهدَّأَ رَوْعِى وطَمْأَنَ نفسي
بأنِّى سأبقى لديه الأثير
أُقَدِّمُ رُوْحِى لتوأمِ روحي
لآخرِ عمري وجَفْنِى قَرِيْر
**
إذا الفجرُ أغرقنى بالندى
وأذْهَبَ عن حَرِّ نفسى الصَّدَى
وأطلقنى سابحاً فى مَدَاهُ
وصرَّحَ لى بانطلاقِ المَدَى
وأخْرَجَنِى من كُهُوفِ الهلاك
وفى راحَتَيْهِ كفانى الرَّدَى
وأهْدَى إلىَّ بصيصَ الصباحِ
وكانَ لعينى وقلبى هُدى
وأخْرَجَنِى من ليالى الحَيَارَى
بِقَوْلِ غدٍ ثم ينسى الغَدَا
ووثَّقَ لي فى خُيُوطِ هُدَاهُ
بوعدٍ ويستوثقُ المَوْعِدَا
لَعَلَّقْتُ روحي بنورِ ضِيَاهُ
ولا الروحُ تكفى لفَجْرِى فِدَا
فما نَفْعُ عُمْرٍ قَضَيْتُ شَرِيْدَاً
وما نَفْعُ عُمْرٍ أضعتُ سُدَى
**
إذا الفجر حَنَّ إذا الفجر مَنَّ
إذا الفجر لانَ إذا الفجر رَانْ
تَنَفَّسَ فى داخلي طِفْلُ قلبي
وأَطْلَقَ للعَدْوِ فيهِ العَنَانْ
وجَالَ شَجِيَّاً وصَالَ شَهِيَّا
وعاشَ نَدِيَّا كما الأُقْحُوَانْ
وطَارَ يُحَلِّقُ في كل أُفْقٍ
يُغَنِّى سعيدا شهى اللسانْ
يُغَرِّدُ أحْلَى ترانيمَ عِشْقٍ
ويشدو أرقَّ معاني الحَنَانْ
ويرمى الجَنَاحَ لرِيْحِ التمنى
ويَنْعَمُ فى حاضِنَاتِ الأمانْ
فهل يَغْمُرُ الفَجْرُ هذا الشَّرِيْدَ
فيُحْيِِيهِ قبلَ فَوَاتِ الأوانْ ؟!
د. محمد عبد المطلب جاد
أستاذ سيكولوجيا الإبداع – جامعة طنطا