مسارات لرد عملي على الفيلم المسيء للنبي صلّى الله عليه وسلم
مجدي داود
بسم الله الرحمن الرحيم
حلقة جديدة من حلقات الإساءة للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- تمثلت هذه المرة في فيلم من إنتاج إحدى منظمات أقباط المهجر، المدعومين من الكنيسة المصرية، والذين يقومون بالتواصل الدائم معها، ويدافع عنهم القساوسة ومحامو الكنيسة، الفيلم الجديد تم بتعاون أقباط المهجر، مع القس الأمريكي الموتور "تيري جونز" الذي قام بحرق نسخ من القرآن الكريم سابقًا.
والفيلم يحمل الكثير من الإساءة للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وجرى تصويره بصورة سيئة للغاية، وتظهر فيه بوضوح الأيدي اليهودية الخبيثة، في محاولة لتحسين صورة اليهود في الوقت الذي تشوه صورة النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- وسيرته العطرة.
جاءت ردود الفعل على هذا الفيلم المسيء مخيبة للآمال بشكل كبير، فقد صمتت الهيئات والمنظمات الإسلامية العالمية ولم نجد لها رد فعل على مستوى الإساءة، كما صمتت كبرى الحركات الإسلامية في مصر والعالم، واكتفت ببيان هزيل مساء الثلاثاء، بينما خرج البعض الآخر في تظاهرة غير منظمة أمام السفارة الأمريكية في القاهرة، تم خلالها إنزال العلم الأمريكي وحرقه، ورفع العلم المرتبط بتنظيم القاعدة –وإن كان له أصل تاريخي في سيرة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أما في ليبيا فقد هوجمت القنصلية الأمريكية في بنغازي، وعلى إثر ذلك قتل السفير الأمريكي وأصيب آخرون، بينما طالب البعض بردود فعل أهدأ وأجدى، إلا أن المقترحات المقدمة ليست على مستوى الفعل المسيء.
الغريب في ردود الفعل التي ظهرت خلال الأيام الماضية، أنها موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن الطرف الأساسي في إنتاج وإعداد ذلك الفيلم، هم أقباط المهجر، وهم مسيحيون مصريون مدعومون من الكنيسة، تربطهم علاقات ومصالح مع دوائر صهيونية وأمريكية نافذة، وكان الأولى أن توجه معظم ردود الأفعال في مصر، للضغط على أجهزة الدولة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء، لإنزال العقاب المناسب بهم على جريمتهم.
هناك الكثير من المسارات التي يمكن السير فيها جميعًا في وقت واحد، للرد على هذه الإساءة الجديدة، دون أن تسبب لمصر حرجًا بالغًا على المستوى الدولي، فلا شك أن اقتحام السفارة وإنزال العلم سيحرج القيادة المصرية الجديدة، التي لا تزال تخطو خطواتها الأولى في استعادة الاستقرار للبلاد، واستعادة دورها ومكانتها الخارجية، ومن هذه المسارات، ما هو سياسي وقانوني ودستوري ودعوي واقتصادي .. إلخ.
من أهم المسارات التي يجب السير فيها لمواجهة هذه الأزمة، هو الضغط السياسي من قبل الدولة والقوى السياسية الفاعلة على الكنيسة الأرثوذكسية لإعلان موقف واضح صريح تجاه أقباط المهجر، لا يتمثل في مجرد إعلان رفض إنتاج هذا الفيلم، بل في إنهاء علاقة هؤلاء المجرمين بالكنيسة نهائيًا، وكذلك القساوسة الذي يمتهنون الهجوم على الإسلام وسب النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى رأسهم زكريا بطرس ومرقس عزيز، ويجب التأكيد على رفع يد الكنيسة عن هؤلاء تمامًا، حتى يلاقوا عقابهم دون أن يكونوا متمتعين بحصانة من نوع ما.
وفي ذلك الإطار أيضًا، يجب سن القوانين التي تلزم الدولة بمراقبة الكنائس والإشراف عليها ماليًا وأمنيًا، وألا تسمح بأن يكون في الدولة مكان تُمنع فيه أجهزتها الأمنية والرقابية من دخوله، أيًا كان، سواء كان كنيسة أو دير أو مسجد، أو حتى البطريركية، وكذلك إلزام الكنيسة بعدم لعب أي دور سياسي، كما أن الأزهر لا يلعب دورًا سياسيًا.
ومن أهم سبل الضغط -والتي تعتبر أشد وأنكى من حرق الأعلام واقتحام السفارات- الضغط على الكنيسة لإخراج المسلمات المحتجزات داخل الأديرة والكنائس، وعلى رأسهن الأسيرة كاميليا شحاته زاخر، وفتح ملف الشهيدة وفاء قسطنطين، ومعاقبة المتورطين في جريمة مقتلها وسلبها حريتها وسلب الأخريات حريتهن، وحبسهن بالمخالفة للقانون، وإزالة الحواجز والعقبات أمام دخول القاصرات إلى الإسلام، وعلى رأسها ما يسمى بجلسات النصح، وكل هذا سيدفع الكنيسة إلى إيقاف هؤلاء المتطرفين؛ لأنها ستجد نفسها في مواجهة الدولة والمجتمع، وحينها ستتخلى الولايات المتحدة والمنظمات اليهودية والمسيحية عن أقباط المهجر، حيث لن يكون لهم –حينها- نفوذ في مصر.
وفي المسار الدستوري، يجب على القوى السياسية والشعبية أن تمارس الضغط على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد، من أجل إقرار مواد تجرم الإساءة للذات الإلهية وذوات الأنبياء والرسل الكرام جميعًا، وأمهات المؤمنين، وصحابة النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وأن يعاقب من يرتكب ذلك بأشد العقوبة المقررة في الشريعة الإسلامية، ولا يستثنى من ذلك أي شئ، سواء أطلقوا عليه فنًا أو إبداعًا أو تمثيلًا، أو غير ذلك من المسميات التي يراد بها هدم العقائد الدينية الثابتة، والأسس والثوابت والتقاليد الاجتماعية والأواصر الأسرية، وتفكيك نسيج المجتمع.
لا يصح بعد هذا الفيلم المسيء، أن نقبل بغموض حول هوية الدولة في الدستور الجديد، فينبغي أن تكون المواد التي تتحدث عن هوية الدولة ومصادر التشريع واضحة بينة لا تقبل خلافًا بين القانونيين، حتى لا نجد أنفسنا ندور في دوامة من التفسيرات التي لا تنتهي، والتي يجيدها القانونيون والدستوريون، فيفرغون المواد من مضمونها، وبذلك تصير هوية الدولة معرضة للخطر بشكل كبير.
وفي المسار الاقتصادي، ينبغي على الجماهير الغاضبة أن تقوم بحملة مقاطعة شعبية واسعة لأقباط المهجر وكل من يدعمهم في الداخل، وهؤلاء كلهم معروفون لدى المصريين، وكانت حملة المقاطعة التي دشنت العام الماضي لشركة "موبينيل" التابعة لنجيب ساويرس، مؤلمة إلى الحد الذي جعله يسب اللحظة التي أساء فيها إلى الإسلام، ويعتذر اعتذارًا واضحًا، وإذا ما استطاعت القوى الإسلامية في مصر تدشين حملة مقاطعة قوية واسعة، بعيدًا عن الاعتبارات والمواءمات السياسية، فإنها ستمثل أحد أهم أساليب الرد العملي على العدوان السافر على مقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبالطبع هذه الحملة إن نجحت، فسيكون لها تأثير قوي في التمييز بين المسيحيين الوطنيين الذين يريدون الاستقرار والأمان لهذا البلد، وبين المأجورين مسعري الفتن، ممن يرتبطون بالدوائر الصهيونية العالمية.
على المستوى الخارجي، ينبغي على الحكومات العربية والإسلامية جميعها، وفي القلب منها مصر، الاحتجاج الرسمي لدى الولايات المتحدة على إنتاج ذلك الفيلم، وإيصال رسائل واضحة لرفض هذه التصرفات، والضغط في اتجاه إصدار قانون تجريم الإساءة للمقدسات الإسلامية، والسماح للقضاء في الدول العربية والإسلامية بملاحقة رمزية لهؤلاء المجرمين، حتى يشعروا أن ثمة جريمة قد يعاقبون عليها إذا هم دخلوا الدول الإسلامية.
كذلك فإن الإعلام -أيضًا- له دور بارز في الرد العملي على هذه الإساءة، فالإعلاميون والصحفيون وأصحاب الرأي والفكر، منوط بهم خلق رأي عام شعبي، يرفض أي إساءة للرموز والشعائر الإسلامية، فما يقوم به الإعلاميون العلمانيون اليوم، أنهم يفرغون كل الرموز من معانيها ومكانتها لدى الناس، فها هم يهاجمون الحجاب والحج ويتهجمون على النصوص والغيب والذات الإلهية وصحابة النبي الكريم، ثم يزعمون أن هذا حرية رأي وتعبير، وإذا كان لابد من صياغة القوانين التي تجرم ذلك، فلابد أيضًا أن نوجه الجماهير إلى رفض ذلك رفضًا قاطعًا، حتى تكون الجماهير داعمًا أساسيًا للدولة في مواجهة الانحراف والشذوذ الفكري.
وينبغي أن يستغل الإعلاميون والصحفيون والكتاب والمفكرون، تلك الفرصة لكشف حقيقة أقباط المهجر، وفضح علاقاتهم القوية بالاستخبارات الأمريكية، وبالعديد من المنظمات الصهيونية والتنصيرية على مستوى العالم، وكذلك علاقتهم القوية بالكيان الصهيوني، والمصالح المتبادلة بينهم، والمخطط الذي يسعون لتنفيذه في مصر، لصالح الصهيونية العالمية، وهناك الكثير من المهتمين بالشأن التنصيري، يمتلكون المعلومات والأدلة الكافية لإثبات عمالة وخيانة هؤلاء، بشكل قاطع يوجب محاكمتهم.
هناك الكثير من وسائل الرد العملي على الإساءة المواجهة للنبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- كل حسب استطاعته ومقدرته، وكل دولة حسب ظروفها، ولكن يجب أن تكون هذه الوسائل مناسبة، بحيث لا تشكل مشكلة أو ضغطًا لاحقًا على الدول العربية، مثل اقتحام السفارات والهجوم على الرعايا الأمريكيين.