التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

خمار عائشة رضي الله عنها الأخضر السنة النبوية

خمار عائشة رضي الله عنها الأخضر

أخبرأبو الحسن : علي بن محمد المقرئ ، أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاق ، ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد عن أيوب ، عن عكرمة : أن امرأة دخلت على عائشة – رضي الله عنها – وعليها خمار أخضر ، فشكت إليها زوجها ، وأرتها ضربا بجلدها فدخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكرت له ذلك عائشة – رضي الله عنها – وقالت : ما تلقى نساء المسلمين من أزواجهن ، وقالت : للذي بجلدها أشد خضرة من خمارها قال عكرمة : والنساء ينصر بعضهن بعضا ، وجاء الرجل فقالت : ما الذي عنده بأغنى عني من هذا ، وقالت بطرف ثوبها فقال الرجل : يا رسول الله والله ؛ إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة ، وكان رفاعة زوجها قد طلقها قبل ذلك فقال : " إنه إن كان كما تقولين لم تحلي له حتى يذوق من عسيلتك وتذوقي من عسيلته )[ البخاري/ص: 228 ]

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

سلمان الفارسي الباحث عن الحقيقة رضي الله عنه وأرضاه السنة النبوية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سلمان منا أهل البيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم

من لكم بمثل لقمان الحكيم ذلك امرؤ منا والينا أهل البيت ادرك العلم الأول والعلم الاخر وقرا الكتاب الأول والاخر وبحر لا ينزف
علي بن أبي طالب لما سئل عن مثيل لسلمان

من بلاد فارس، يجيء البطل هذه المرة..

ومن بلاد فارس، عانق الإسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الإيمان، وفي العلم.. في الدين، وفي الدنيا..

وإنها لإحدى روائع الإسلام وعظائمه، ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في إعجاز باهر، كل نبوغها ويحرّك كل طاقاتها، ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فإذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسلمون..

وإذا بهم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الإسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل، والإرادة، والضمير.. أوطانهم شتى، ودينهم واحد..!!

ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الإسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها..

وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وثقى.

كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. إذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.

ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى..!

وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.

وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.

وصوّر القرآن الموقف، فقال الله تعالى:

(إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).

أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه..

وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرا عليها.

إنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح..

ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..

وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..

وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟

هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا.

تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.

وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.

والله يعلم ، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة، حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها..

ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل إلى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!

**

خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه، اعترضت معولهم صخور عاتية..

كان سلمان قوي البنية شديد الأسر، وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا، ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!

وذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.

وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..

وحين رآها دعا بمعول، وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلا عن مرمى الشظايا..

وسمّى بالله، ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة، وهوى به على الصخرة، فإذا بها تنثلم، ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.

ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها، أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:

"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وان أمتي ظاهرة عليها"..

ثم رفع المعول، وهوت ضربته الثانية، فتكررت الظاهرة، وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع، وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:

"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضاء لي منها قصورها الحمراء، وإن أمتي ظاهرة عليها".

ثم ضرب ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها، وأضاء برقها الشديد الباهر، وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما، وصاح المسلمون في إيمان عظيم:

هذا ما وعدنا الله ورسوله..

وصدق الله ورسوله..!!

كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير، حين استعان عليها برسول الله صلى الله عيه وسلم، وكان قائما إلى جوار الرسول يرى الضوء، ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها، وواقعا يحياه، فرأى مدائن الفرس والروم..

رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..

رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!

**

وها هو ذا، جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أما داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة، ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس إلى النصرانية، ثم إلى الاسلام..

كيف غادر ثراء أبيه الباذخ، ورمى نفسه في أحضان الفاقة، بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!

كيف بيع في سوق الرقيق، وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟

كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟

تعالوا نقترب من مجلسه الجليل، ونصغ إلى النبأ الباهر الذي يرويه..

**

[كنت رجلا من أهل أصبهان، من قرية يقال لها "جي"..

وكان أبي دهقان أرضه.

وكنت من أحب عباد الله إليه..

وقد اجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار التي نوقدها، ولا نتركها نخبو..

وكان لأبي ضيعة، أرسلني إليها يوما، فخرجت، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمعتهم يصلون، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه، فما برحتهم حتى غابت الشمس، ولا ذهبت إلى ضيعة أبي، ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري…

وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا في الشام..

وقلت لأبي حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا..

فحاورني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..

وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام، أن يخبروني قبل عودتهم إليها لأرحل إلى الشام معهم، وقد فعلوا، فحطمت الحديد وخرجت، وانطلقت معهم الى الشام..

وهناك سألت عن عالمهم، فقيل لي هو الأسقف، صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم، وأصلي وأتعلم..

وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، اذ كان يجمع الصدقات من الناس ليوزعها، ثم يكتنزها لنفسه.

ثم مات..

وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه، ولا أعظم منه رغبة في الآخرة، وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..

وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: إنه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى، فبم تأمرني وإلى من توصي بي؟؟

قال: أي بني، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل..

فلما توفي، أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، فسألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم، فرحلت إليه، وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..

ثم حضرته الوفاة، فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين ابراهيم حنيفا.. يهاجر الى أرض ذات نخل بين جرّتين، فان استطعت أن تخلص اليه فافعل.

وإن له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وإن بين كتفيه خاتم النبوة، إذا رأيته عرفته.

ومر بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم، فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟.. قالوا: نعم.

واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني، وباعوني إلى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.

وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فوالله ما هو إلا ان رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..

وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.

وإني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود، من بني عمه، فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة إنهم ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي..

فوالله ما إن قالها حتى أخذتني العرواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا، أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟

فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا..؟

أقبل على عملك..

فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به..

ثم وضعته، فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا..

فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. إنه لا يأكل الصدقة..!!

ثم رجعت وعدت إلى الرسول عليه السلام في الغداة، أحمل طعاما، وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه كلوا باسم الله..

وأكل معهم..

قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. إنه يأكل الهدية..!!

ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فإذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي..

فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..

ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..

وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك"، فكاتبته، وأمر الرسول أصحابه كي يعاونوني. وحرر الله رقبتي، وعشت حرا مسلما، وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق، والمشاهد كلها.
هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.

**

بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله، وترسم له دوره في الحياة..

فأي إنسان شامخ كان هذا الإنسان..؟

أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة، وفرضته إرادته الغلابة على المصاعب فقهرتها، وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟

أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعا مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه إلى المجهول بكل أعبائه، ومشاقه، ينتقل من أرض إلى أرض.. ومن بلد إلى بلد.. ناصبا، كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس، والمذاهب والحياة.. ويظل في إصراره العظيم وراء الحق، وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى، فيجمعه بالحق، ويلاقيه برسوله، ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض، وعباده المسلمون يملؤن أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!

**

ماذا نتوقع أن يكون إسلام رجل هذه همته، وهذا صدقه؟

لقد كان إسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده، وفطنته، وورعه أشبه الناس بعمر ابن الخطاب.

أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.

وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه عن الصوم، وكان نافلة..

فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي، وأصلي له..؟ّ

فأجابه سلمان قائلا:

إن لعينيك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، صم وأفطر، وصل ونم..

فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:

" لقد أشبع سلمان علما ".

وكان الرسول عليه السلام يطرى فطنته وعلمه كثيرا، كما كان يطري خلقه ودينه..

ويوم الخندق، وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. ووقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..

وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".

وإنه بهذا الشرف لجدير..

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:

[ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟

أوتي العلم الأول، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف].

ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.

ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا، فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا، إذ جمع أصحابه وقال لهم:

"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!

وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.

لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا، ومجاهدا وعابدا.

وعاش مع خليفته أبي بكر، ثم أمير المؤمنين عمر، ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.

وفي معظم هذه السنوات، كانت رايات الاسلام تملأ الأفق، وكانت الكنوز والأموال تحمل إلى المدينة فيئا وجزية، فتوزع على الناس في صورة أعطيات منتظمة، ومرتبات ثابتة.

وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها، فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها..

فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟

**

افتحوا ابصاركم جيدا..

أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟

إنه سلمان..

انظروه جيدا..

انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد إلى ركبته..

إنه هو، في جلال مشيبه، وبساطة إهابه.

لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام، بيد أنه كان يوزعه جميعا، ويرفض أن يناله منه درهم واحد، ويقول:

"أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"!

**

ثم ماذا يا أتباع محمد..؟

ثم ماذا يا شرف الإنسانية في كل عصورها وواطنها..؟؟

لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم، مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر وإخوانهم، أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة..

فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية، ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله يرفض هذا المال والثروة والنعيم، ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟

ما باله يرفض الإمارة ويهرب منها ويقول:

"إن استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..".

ما باله يهرب من الإمارة والمنصب، إلا أن تكون إمارة على سريّة ذاهبة إلى الجهاد.. وإلا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه، فيكره عليها إكراها، ويمضي إليها باكيا وجلا..؟

ثم ما باله حين يلي على الامارة المفروضة عليه فرضا يأبى أن يأخذ عطاءها الحلال..؟؟

روى هشام عن حسان عن الحسن:

" كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها.."

"وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من عمل يديه..".

ما باله يصنع كل هذا الصنيع، ويزهد كل ذلك الزهد، وهو الفارسي، ابن النعمة، وربيب الحضارة..؟

لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم.

دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان..

قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض".

فأجابه سلمان:

" والله ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا، فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وهأنذا حولي هذه الأساود"!!

يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!

قال سعد فنظرت، فلم أرى حوله إلا جفنة ومطهرة، فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد إلينا بعهد نأخذه عنك، فقال:

" يا سعد:

اذكر عند الله همّتك إذا هممت..

وعند حكمتك إذا حكمت..

وعند يدك إذا قسمت.."

هذا هو إذن الذي ملأ نفسه غنى، بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها، ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وإلى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم، وألا يأخذ أحدهم منها إلا مثل زاد الركب..

ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل، مخافة أن يكون قد جاوز المدى.

ليس حوله إلا جفنة يأكل فيها، ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا..

ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟

وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن، لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الإمارة درهم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس إلا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها..

وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر..

كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه، فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم، حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله، حتى إذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله..

وأشار للرجل فأقبل عليه، وقال له الشامي: احمل عني هذا.. فحمله ومضيا معا.

وإذ هما على الطريق بلغا جماعة من الناس، فسلم عليهم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام..

وعلى الأمير السلام..؟

أي أمير يعنون..؟!!

هكذا سأل الشامي نفسه..

ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين:

عنك أيها الأمير..!!

فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي، فسقط في يده، وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه، واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:

" لا، حتى أبلغك منزلك"..!!

**

سئل يوما: ما الذي يبغض الإمارة إلى نفسك.؟

فأجاب: " حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها"..

ويدخل عليه صاحبه يوما بيته، فإذا هو يعجن، فيسأله:

أين الخادم..؟

فيجيبه قائلا:

" لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين.."

وحين نقول بيته فلنذكر تماما، ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا، سأل البنّاء: كيف ستبنيه..؟

وكان البنّاء حصيفا ذكيا، يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا:" لا تخف.. إنها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، إذا وقفت فيها أصابت رأسك، وإذا اضطجعت فيها أصابت رجلك"..!

فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع".

لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن إليه سلمان لحظة، أو تتعلق به نفسه أثارة، إلا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص، ولقد ائتمن عليه زوجته، وطلب إليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين.

وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه، ناداها:

"هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!!

فجاءت بها، وإذا هي صرة مسك، كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته.

ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه، ثم ماثه بيده، وقال لزوجته:

"انضحيه حولي.. فإنه يحضرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام، وإنما يحبون الطيب".

فلما فعلت قال لها:" اجفئي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به..

وبعد حين صعدت إليه، فإذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه.

قد لحقت بالملأ الأعلى، وصعدت على أجنحة الشوق إليه، إذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد، وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار.

**

لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان..

وآن اليوم أن يرتوي، وينهل..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

أبو ذر الغفاري أمير الزهاد رضي الله عنه وأرضاه – في الاسلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أقبل على مكة نشوان مغتبطا..

صحيح أن وعثاء السفر وفيح الصحراء قد وقذاه بالضنى والألم، بيد أن الغاية التي يسعى اليها، أنسته جراحه، وأفاضت على روحه الحبور والبشور.

ودخلها متنكرا، كأنه واحد من أولئك الذين يقصدونها ليطوّفوا بآلهة الكعبة العظام.. أو كأنه عابر سبيل ضل طريقه، أو طال به السفر والارتحال فأوى اليها يستريح ويتزوّد.

فلو علم أهل مكة أنه جاء يبحث عن محمد صلى الله عليه وسلم، ويستمع اليه لفتكوا به.

وهو لا يرى بأسا في أن يفتكوا به، ولكن بعد أن يقابل الرجل الي قطع الفيافي ليراه، وبعد أن يؤمن به، ان اقتنع بصدقه واطمأن لدعوته..

ولقد مضى يتسمّع الأنباء من بعيد، وكلما سمع قوما يتحدثون عن محمد اقترب منهم في حذر، حتى جمع من نثارات الحديث هنا وهناك ما دله على محمد، وعلى المكان الذي يستطيع أن يراه فيه.

في صبيحة يوم ذهب الى هناك، فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم جالاسا وحده، فاقترب منه وقال: نعمت صباحا يا أخا العرب..

فأجاب السول عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام يا أخاه.

قال أبو ذر:أنشدني مما تقول..

فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هو بشعر فأنشدك، ولكنه قرآن كريم.

قال أ[و ذر: اقرأ عليّ..

فقرأ عليه الرسول، وأ[و ذر يصغي.. ولم يمضي من الوقت غير قليل حتى هتف أبو ذر:

"أشهد أن لا اله الا الله.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"!

وسأله النبي: ممن أنت يا أخا العرب..؟

فأجابه أبو ذر: من غفار..

وتألقت ابتسامة على فم السول صلى الله عليه وسلم، واكتسى وجهه الدهشة والعجب..

وضحك أبو ذر كذلك، فهو يعرف سر العجب الذي كسا وجه الرسول عليه السلام حين علم أن هذا الذي يجهر بالاسلام أمامه انما هو رجل من غفار..!!

فغفار هذه قبيلة لا يدرك لها شأو في قطع الطريق..!!

وأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع.. انهم حلفاء الليل والظلام، والويل لمن يسلمه الليل الى واحد من قبيلة غفار.

أفيجيء منهم اليوم، والاسلام لا يزال دينا غصّا مستخفيا، واحد ليسلم..؟!

يقول أبو ذر وهو يروي القصة بنفسه:

".. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره ويصوّبه تعجبا، لما كان من غفار، ثم قال: ان الله يهدي من يشاء.

ولقد كان أبو ذر رضي الله عنه أحد الذين شاء لهم الهدى، وأراد بهم الخير.

وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين شاء الله لهم الهدى، وأراد بهم الخير.

وانه لذو بصر بالحق، فقد روي عنه أنه أحد الذين كلنوا يتألهون في الجاهلية، أي يتمرّدون على عبادة الأصنام، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم. وهكذا ما كاد يسمع بظهور نبي يسفّه عبادة الأصناك وعبّادها، ويدعو الى عبادة الله الواحد القهار، حتى حث اليه الخطى، وشدّ الرحال.

**

أسلم أبو ذر من فوره..

وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس..

اذن، هو قد أسلم في الأيام الأولى، بل الساعات الأولى للاسلام، وكان اسلامه مبكرا..

وحين أسلم كلن الرسول يهمس بالدعوة همسا.. يهمس بها الى نفسه، والى الخمسة الذين آمنوا معه، ولم يكن أمام أبي ذر الا أن يحمل ايمانه بين جنبيه، ويتسلل به مغادرا مكة، وعائدا الى قومه…

ولكن أبا ذر، جندب بن جنادة، يحمل طبيعة فوارة جيّاشة.

لقد خلق ليتمرّد على الباطل أنى يكون.. وها هو ذا يرى الباطل بعينيه.. حجارة مرصوصة، ميلاد عابديها أقدم من ميلادها، تنحني أمامها الجباه والعقول، ويناديها الناس: لبيك.. لبيك..!!

وصحيح أنه رأى الرسول يؤثر لهمس في أيامه تلك.. ولكن لا بدّ من صيحة يصيحها هذا الثائر الجليل قبل أن يرحل.

لقد توجه الى الرسول عليه الصلاة والسلام فور اسلامه بهذا السؤال:

يا رسول الله، بم تأمرني..؟

فأجابه الرسول: ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري..

فقال أبو ذر: والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد..!!

ألم أقل لكم..؟؟

تلك طبيعة متمرّدة جيّاشة، أفي اللحظة التي يكشف فيها أبو ذر عالما جديدا بأسره يتمثل في الرسول الذي آمن به، وفي الدعوة التي سمع بتباشيرها على لسانه.. أفي هذه اللحظة يراد له أن يرجع الى أهله صامتا.؟

هذا أمر فوق طاقته..

هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته:

[أشهد أن لا اله الا الله.. وأشهد أن محمدا رسول الله]…

كانت هذه الصيحة أول صيحة بالاسلام تحدّت كبرياء قريش وقرعت أسماعها.. صاحها رجل غريب ليس له في مكّة حسب ولا نسب ولا حمى..

ولقد لقي ما لم يكن يغيب عن فطنته أنه ملاقيه.. فقد أحاط به المشركون وضربوه حتى صرعوه..

وترامى النبأ الى العباس عم النبي، فجاء يسعى، وما استطاع أن ينقذه من بين أنيابهم الا بالحيلة لذكية، قال له:

"يا معشر قريش، أنتم تجار، وطريقكم على غفار،، وهذا رجل من رجالها، ان يحرّض قومه عليكم، يقطعوا على قوافلكم الطريق".. فثابوا الى رشدهم وتركوه.

ولكن أبا ذر، وقد ذاق حلاوة الأذى في سبيل الله، لا يريد أن يغادر مكة حتى يظفر من طيباته بمزيد…!!

وهكذا لا يكاد في اليوم الثاني وربما في نفس اليوم، يلقى امرأتين تطوفان بالصنمين (أساف، واثلة) ودعوانهما، حتى يقف عليهما ويسفه الصنمين تسفيها مهينا.. فتصرخ المرأتان، ويهرول الرجال كالجراد، ثم لا يفتون يضربونه حتى يفقد وعيه..

وحين يفيق يصرخ مرة أخرى بأنه " يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله". ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته الباهرة على مواجهة الباطل. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلوه..

**

ويعود أبو ذر الى عشيرته وقومه، فيحدثههم عن النبي الذي ظهر يدعو الى عبادة الله وحده ويهدي لمكارم الأخلاق، ويدخل قومه في الاسلام، واحدا اثر واحد.. ولا يمتفي بقبيلته غفار، بل ينتقل الى قبيلة أسلم فيوقد فيها مصابيحه..!!

وتتابع الأيام رحلتها في موكب الزمن، ويهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة، ويستقر بها والمسلمون معه.

وذات يوم تستقبل مشارفها صفوفا طويلة من المشاة والركبان، أثارت أقدامهم النقع.. ولولا تكبيراتهم الصادعة، لحبسهم الرائي جيشا مغيرا من جيوش الشرك..

اقترب الموكب اللجب.. ودخل المدينة.. ويمم وجهه شطر مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومقامه..

لقد كان الموكب قبيلتي غفار وأسلم، جاء بهما ابو ذر مسلمين جميعا رجالا ونساءا. شيوخا وشبابا، وأطفالا..!!

وكان من حق الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزداد عجبا ودهشة..

فبالأمس البعيد عجب كثيرا حين رأى أمامه رجلا واحدا من غفار يعلن اسلامه وايمانه، وقال معبّرا عن دهشته:

"ان الله يهدي من يشاء"..!!

أما اليوم فان قبيلة غفار بأجمعها تجيئه مسلمة..وقد قطعت في الاسلام بضع سنين منذ هداها الله على يد أبي ذر، وتجيء معها قبيلة أسلم..

ان عمالقة السطور وحلفاء الشيطان، قد أصبحوا عمالقة في الخير وحلفاء للحق.

أليس الله يهدي من يشاء حقا..؟؟

لقد ألقى الرسول عليه الصلاة والسلام على وجوههم الطيبة نظرات تفيض غبطة وحنانا وودا..

ونظر الى قبيلة غفار وقال:

"غفار غفر الله لها".

ثم الى قبيلة أسلم فقال:

"وأسلم سالمها الله"..

وأبو ذر هذا الداعية الرائع.. القوي الشكيمة، العزيز المنال.. ألا يختصه الرسول عليه الصلاة والسلام بتحية..؟؟

أجل.. ولسوف يكون جزاؤه موفورا، وتحيته مباركة..

ولسوف يحمل صدره، ويحمل تاريخه، أرفع الأوسمة وأكثرها جلالا وعزة..

ولسوف تفنى القرون والأجيال، والناس يرددون رأي الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي ذر:

" ما أقلّت الغبراء، ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبي ذر"..!!

ويدرك الرسول عليه الصلاة والسلام طبيعة تلميذه الجديد الوافد، وقدرته اباهرة على مواجهة الباطل.. بيد أن وقته لم يأت بعد، فيعيد عليه أمره بالعودة الى قومه، حتى اذا سمع بظهور الدين عاد وأدلى في مجرى الأحداث دلّوه..

**

أصدق لهجة في أبي ذر..؟

لقد قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام مستقبل صاحبه، ولخص حياته كلها في هذه الكلمات..

فالصدق الجسور، هو جوهر حياة أبي ذر كلها..

صدق باطمه، وصدق ظاهره..

صدق عقيدته وصدق لهجته..

ولسوف يحيا صادقا.. لا يغالط نفسه، ولا يغالط غيره، ولا يسمح لأحد أن يغالطه..

ولئن يكون صدقه فضيلة خرساء.. فالصدق الصامت ليس صدقا عند أبي ذر..

انما الصدق جهر وعلن.. جهر بالحق وتحد للباطل..تأييد للصواب ودحض للخطأ..

الصدق ولاء رشيد للحق، وتعبير جريء عنه، وسير حثيث معه..

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ببصيرته الثاقبة عبر الغيب القصيّ والمجهول البعيد كل المتاعب التي سيفيئها على أبي ذر صدقه وصلابته، فكان يأمره دائما أن يجعل الأناة والصبر نهجه وسبيله.

وألقى الرسول يوما هذا السؤال:

" يا أبا ذر كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء"..؟

فأجاب قائلا:

"اذن والذي بعثك بالحق، لأضربن بسيفي".!!

فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام:

"أفلا أدلك على خير من ذلك..؟

اصبر حتى تلقاني".

ترى لماذا سأله الرسول هذا السؤال بالذات..؟؟

الأمراء.. والمال..؟؟

تلك قضية أبي ذر التي سيهبها حياته، وتلك مشكلته مع المجتمع ومع المستقبل..

ولقد عرفها رسول الله فألقى عليه السؤال، ليزوده هذه النصيحة الثمينة:"اصبر حتى تلقاني"..

ولسوف يحفظ أبو 1ر وصية معلمه، فلن يحمل السيف الذي توّد به الأمراء الذين يثرون من مال الأمة.. ولكنه أيضا لن يسكت عنهم لحظة من نهار..

أجل اذا كان الرسول قد نهاه عن حمل السيف في وجوههم، فانه لا ينهاه عن أن يحمل في الحق لسانه البتار..

ولسوف يفعل..

**

ومضى عهد الرسول، ومن بعده عصر أبي بكر، وعصر عمر في تفوق كامل على مغريات الحياة ودواعي الفتنة فيها..

حتى تلك النفوس المشتهية الراغبة، لم تكن تجد لرغباتها سبيلا ولا منفذا.

وأيامئذ، لم تكن ثمة انحرافات يرفع أبو ذر ضدها صوته ويفلحها بكلماته اللاهبة…

ولقد طال عهد أمير المؤمنين عمر، فارضا على ولاة المسلمين وأمرائهم وأغنيائهم في كل مكان من الأرض، زهدا وتقشفا، ودعلا يكاد يكون فوق طاقة البشر..

ان واليا من ولاته في العراق، أو في الشام، أ، في صنعاء.. أو في أي من البلاد النائية البعيدة، لا يكاد يصل اليها نوعا من الحلوى، لا يجد عامة الناس قدرة على شرائه، حتى يكون الخبر قد وصل الى عمر بعد أيام. وحتى تكون أوامره الصارمة قد ذهبت لتستدعي ذلك الوالي الى المدينة ليلقى حسابه العسير..!!

ليهنأ أبو ذر اذن.. وليهنأ أكثر ما دام الفاروق العظيم أميرا للمؤمنين..

وما دام لا يضايق أبا ذر في حياته شيء مثلما يضايقع استغلال السلطة، واحتكارالثروة، فان ابن الخطاب بمراقبته الصارمة للسلطة، وتوزيعه العادل للثروة سيتيح له الطمأنينة والرضا..

وهكذا تفرغ لعبادة ربه، وللجهاد في سبيله.. غير لائذ بالصمت اذا رأى مخالفة هنا، أو هناك.. وقلما كان يرى..

بيد أن أعظم، وأعدل، وأروع حكام البشرية قاطبة يرحل عن الدنيا ذات يوم، تاركا وراءه فراغا هائلا، ومحدثا رحيله من ردود الفعل ما لا مفرّ منه ولا طاقة للناس به. وتستمر القتوح في مدّها، ويعلو معها مد الرغبات والتطلع الى مناعم الحياة وترفها..

ويرى أبو ذر الخطر..

ان ألوية المجد الشخصي توشك أن تفتن الذين كل دورهم في الحياة أن يرفعوا راية الله..

ان الدنيا بزخرفها وغرورها الضاري، توشك أن تفتن الذين كل رسالتهم أن يجعلوا منها مزرعة للأعمال الصالحات..

ان المال الذي جعله الله خادما مطيعا للانسان، يوشك أن يتحوّل الى سيّد مستبد..

ومع من؟

مع أصحاب محمد الذي مات ودرعه مرهونة، في حين كانت أكوام الفيء والغنائم عند قدميه..!!

ان خيرات الأرض التي ذرأها الله للناس جميعا.. وجعل حقهم فيها متكافئا توشك أن اصير حكرا ومزية..

ان السلطة التي هي مسؤولية ترتعد من هول حساب الله عليها أفئدة الأبرار، تتحول الى سبيل للسيطرة، وللثراء، وللترف المدمر الوبيل..

رأى أبو ذر كل هذا فلم يبحث عن واجبه ولا عن مسؤوليته.. بل راح يمد يمينه الى سيفه.. وهز به الهواء فمزقه، ونهض قائما يواجه المجتمع بسيفه الذي لم تعرف له كبوة.. لكن سرعان ما رنّ في فؤاده صدى الوصية التي أوصاه بها الرسول، فأعاد السيف الى غمده، فما ينبغي أن يرفعه في وجه مسلم..

(وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ)

ليس دوره اليوم أن يقتل.. بل أن يعترض..

وليس السيف أداة التغيير والتقويم، بل الكلمة الصادقة، الأمينة المستبسلة..

الكلمة العادلة التي لا تضل طريقها، ولا ترهب عواقبها.

لقد أخبر الرسول يوما وعلى ملأ من أصحابه، أن الأرض لم تقلّ، وأن السماء لم تظلّ أصدق لهجة من أبي ذر..

ومن كان يملك هذا القدر من صدق اللهجة، وصدق الاقتناع، فما حاجته الى السيف..؟

ان كلمة واحدة يقولها، لأمضى من ملء الأرض سيوفا..

فليخرج بصدقه هذا، الى الأمراء.. الى الأغنياء. الى جميع الذين أصبحوا يشكلون بركونهم الى الدنيا خطرا على الدين الذي جاء هاديا، لا جابيا.. ونبوة لا ملكا،.. ورحمة لا عذابا.. وتواضعا لا استعلاء.. وتكافؤ لا تمايز.. وقناعة لا جشعا.. وكفاية لا ترفا.. واتئادا في أخذ الحياة، لا فتونا بها ولا تهالكا عليها..

فليخرج الى هؤلاء جميعا، حتى يحكم الله بينهم وبينه بالحق، وهو خير الحاكمين.

**

وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة، يغزوها بمعارضته معقلا معقلا.. وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفت حولها الجماهير والكادحون.. حتى في الأقطار النائية التي لم يره أهلها بعد.. طاره اليها ذكره. وأصبح لا يمر بأرض، بل ولا يبلغ اسمه قوما الا أثار تسؤلات هامّة تهدد مصالح ذوي الشلطة والثراء.

ولو أراد هذا الثائر الجليل أن يتخذ لنفسه ولحركته علما خاصا لما كان الشعار المنقوش على العلم سوى مكواة تتوهج حمرة ولهبا، فقد جعل نشيده وهتافه الذي يردده في كل مكان وزمان.. ويردده الانس عنه كأنه نشيد.. هذه الكلمات:

"بشّر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة"..!!

لا يصغد جبلا، ولا ينزل سهلا، ولا يدخل مدينة، ولا يواجه أميرا الا وهذه الكلمات على لسانه.

ولم يعد الانس يبصرونه قادما الا استقبلوه بهذه الكلمات:

" بشّر الكانزين بمكاو من نار"..

**

(لا حاجة لي في دنياكم)..!!

هكذا قال أبو ذر للخليفة عثمان بعد أن وصل الى المدينة، وجرى بينهما حوار طويل.

لقد خرج عثمان من حواره مع صاحبه، بقرار أن يحتفظ به الى جواره في المدينة، محددا بها اقامته.

ولقد عرض عثمان قراره على أبي ذر عرضا رفيقا، رقيقا، فقال له:" ابق هنا يجانبي، تغدو عليك القاح وتروح"..

وأجابه أبو ذر:

(لا حاجة لي في دنياكم).!

أجل لا حاجة له في دنيا الناس.. انه من أولئك القديسين الذين يبحثون عن ثراء الروح، ويحيون الحياة ليعطوا لا ليأخذوا..!!

ولقد طلب من الخليفة عثمان رضي الله عنه أن يأذن له الخروج الى الرّبذة فأذن له..

ولقد ظل وهو في احتدام معارضته أمينا لله ورسوله، حافظا في اعماق روحه النصيحة التي وجهها اليه الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يحمل السيف.. لكأن الرسول رأى الغيب كله.. غيب أبي ذر ومستقبله، فأهدى اليه هذه النصيحة الغالية.

ومن ثم لم يكن أبو ذر ليخفي انزعاجه حين يرى بعض المولعين بايقاد الفتنة يتخذون من دعوته سببا لاشباع ولعهم وكيدهم.

جاءه يوما وهو في الرّبدة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد الخليفة، فزجرهم بكلمات حاسمة:

" والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أو جبل، لسمعت، وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي.."

" ولوسيّرني ما بين الأفق الى الأفق، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي..

" ولو ردّني الى منزلي، لسمعت وأطعت، وصبرت واحتسبت، ورأيت ذلك خيرا لي"..

ذلك رجل لا يريد غرضا من أغراض الدنيا، ومن ثم أفاء الله عليه نور البصيرة.. ومن ثم مرة أخرى أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر فتحاشاها.. كما أدرك ما ينطوي عليه الصمت من وبال وخطر، فتحاشاه أيضا، ورفع صوته لا سيفه بكلمة الحق ولهجة الصدق، لا أطماع تغريه.. ولا عواقب تثنيه..!

لقد تفرّغ أبو ذر للمعارضة الأمينة وتبتّل.

وسيقضي عمره كله يحدّق في أخطاء الحكم وأخطاء المال، فالحكم والمال يملكان من الاغراء والفتنة ما يخافه أبو ذر على اخوانه الذين حملوا راية الاسلام مع رسولهم صلى الله عليه وسلم، والذين يجب أن يظلوا لها حاملين.

والحكم والمال أيضا، هما عصب الحياة للأمة والجماعات، فاذا اعتورهما الضلال تعرضت مصاير الناس للخطر الأكيد.

ولقد كان أبو ذر يتمنى لأصحاب الرسول ألا يلي أحد منهم امارة أو يجمع ثروة، وأن يظلوا كما كانوا روّاد للهدى، وعبّادا لله..

وقد كان يعرف ضراوة الدنيا وضراوة المال، وكان يدرك أن أبا بكر وعمر لن يتكررا.. ولطالما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من اغراء الامارة ويقول عنها:

".. انها أمانة، وانها يوم القيامة خزي وندامة.. الا من أخذها بحقها، وأدّى الذي عليه فيها"…

ولقد بلغ الأمر بأبي ذر لى تجنّب اخوانه ان لم يكن مقاطعتهم،لأنهم ولوا الامارات، وصار لهم بطبيعة الحال ثراء وفرة..

لقيه أبو موسى الأشعري يوما، فلم يكد يراه حتى فتح له ذراعيه وهو يصيح من الفرح بلقائه:" مرحبا أبا ذر.. مرحبا بأخي".

ولكن أبا ذر دفعه عنه وهو يقول:

" لست بأخيك، انما كنت أخاك قبل أن تكون واليا وأميرا"..!

كذلك لقيه أبو هريرة يوما واحتضنه مرحّبا، ولكن أبا ذر نحّاه عنه بيده وقال له:

(اليك عني.. ألست الذي وليت الامارة، فتطاولت في البنيان، واتخذت لك ماشية وزرعا)..؟؟

ومضى أبو هريرة يدافع عن نفسه ويبرئها من تلك الشائعات..

وقد يبدو أبو ذر مبالغا في موقفه من الجكم والثروة..

ولكن لأبي ذر منطقه الذي يشكله صدقه مع نفسه، ومع ايمانه، فأبو ذر يقف بأحلامه وأعماله.. بسلوكه ورؤاه، عند المستوى الذي خلفه لهم رسول الله وصاحباه.. أبو بكر وعمر..

واذا كان البعض يرى في ذلك المستوى مثالية لا يدرك شأوها، فان ابا ذر يراها قدوة ترسم طريق الحياة والعمل، ولا سيما لأولئك الرجال الذين عاصروا الرسول عليه السلام، وصلوا وراءه، وجاهدوا معه، وبايعوه على السمع والطاعة.

كما أنه يدرك بوعيه المضيء، ما للحكم وما للثروة من أثر حاسم في مصاير الناس، ومن ثم فان أي خلل يصيب أمانة الحكم، أو عدالة الثروة، يشكل خطرا يجب دحضه ومعارضته.

**

ولقد عاش أبو ذر ما استطاع حاملا لواء القدوة العظمى للرسول عليه السلام وصاحبيه، أمينا عليها، حارسا لها.. وكان أستاذ في فن التفوق على مغريات الامارة والثروة،…

عرضت عليه الامارة بالعراق فقال:

" لا والله.. لن تميلوا عليّ بدنياكم أبدا"..

ورآه صاحبه يوما يلبس جلبابا قديما فسأله:

أليس لك ثوب غير هذا..؟! لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين..؟

فأجابه أبو ذر: " يا بن أخي.. لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني"..

قال له: والله انك لمحتاج اليهما!!

فأجاب أبو ذر: "اللهم اغفر له.. انك لمعظّم للدنيا، ألست ترى عليّ هذه البردة..؟؟ ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل ما نحن فيه"..؟؟

**

وجلس يوما يحدّث ويقول:

[أوصاني خليلي بسبع..

أمرني بحب المساكين والدنو منهم..

وأمرني أن أنظر الى من هو دوني، ولاأنظر الى من هو فوقي..

وأمرني ألا أسأل أحد شيئا..

وأمرني أن أصل الرحم..

وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا..

وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم..

وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة الا بالله].

ولقد عاش هذه الوصية، وصاغ حياته وفقها، حتى صار "ضميرا" بين قومه وأمته..

ويقول الامام علي رضي الله عنه:

"لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر"..!!

عاش يناهض استغلال الحكم، واحتكار الثروة..

عاش يدحض الخطأ، ويبني الصواب..

عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير..

يمنعونه من الفتوى، فيزداد صوته بها ارتفاعا، ويقول لمانعيه:

" والذي نفسي بيده، لو وضعتم السيف فوق عنقي، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها"..!!

والآن يعالج أبو ذر سكرات الموت في الربذة.. المكان الذي اختار الاقامة فيه اثر خلافه مع عثمان رضي الله عنه، فتعالوا بنا اليه نؤد للراحل العظيم تحية الوداع، ونبصر في حياته الباهرة مشهد الختام.

ان هذه السيدة السمراء الضامرة، الجالسة الى جواره تبكي، هي زوجته..

وانه ليسألها: فيم البكاء والموت حق..؟

فتجيبه بأنها تبكي: " لأنك تموت، وليس عندي ثوب يسعك كفنا"..!!

".. لا تبكي، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول: ليموتنّ رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين..

وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق منهم غيري .. وهأنذا بالفلاة أموت، فراقبي الطريق،، فستطلع علينا عصابة من المؤمنين، فاني والله ما كذبت ولا كذبت".

وفاضت روحه الى الله..

ولقد صدق..

فهذه القافلة التي تغذ السير في الصحراء، تؤلف جماعة من المؤمنين، وعلى رأسهم عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله.

وان ابن مسعود ليبصر المشهد قبل أن يبلغه.. مشهد جسد ممتد يبدو كأنه جثمان ميّت، والى جواره سيدة وغلام يبكيان..

ويلوي زمام دابته والركب معه صوب المشهد، ولا يكاد يلقي نظرة على الجثمان، حتى تقع عيناه على وجه صاحبه وأخيه في الله والاسلام أبي ذر.

وتفيض عيناه بالدمع، ويقف على جثمانه الطاهر يقول:" صدق رسول الله.. نمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك".!

ويجلس ابن مسعود رضي الله عنه لصحبه تفسير تلك العبارة التي نعاه بها:" تمشي وحدك.. وتموت حدك.. وتبعث وحدك"…

**

كان ذلك في غزوة تبوك.. سنة تسع من الهجرة، وقد أمر الرسول عليه السلام بالتهيؤ لملاقاة الروم، الذين شرعوا يكيدون للاسلام ويأتمرون به.

وكانت الأيام التي دعى فيها الناس للجهاد أيام عسر وقيظ..

وكانت الشقة بعيدة.. والعدو مخيفا..

ولقد تقاعس عن الخروج نفر من المسلمين، تعللوا بشتى المعاذير..

وخرج الرسول وصحبه.. وكلما أمعنوا في السير ازدادوا جهدا ومشقة، فجعل الرجل يتخلف، ويقولون يا رسول الله تخلف فلان، فيقول:

" دعوه.

فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم..

وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!!

وتلفت القوم ذات مرة، فلم يجدوا أبا ذر.. وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام:

لقد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره..

وأعاد الرسول مقالته الأولى..

كان بعير أبي ذر قد ضعف تحت وطأة الجوع والظمأ والحر وتعثرت من الاعياء خطاه..

وحاول أبو ذر أن يدفعه للسير الحثيث بكل حيلة وجهد، ولكن الاعياء كان يلقي ثقله على البعير..

ورأى أبو ذر أنه بهذا سيتخلف عن المسلمين وينقطع دونهم الأثر، فنزل من فوق ظهر البعير، وأخذ متاعه وحمله على ظهره ومضى ماشيا على قدميه، مهرولا، وسط صحراء ملتهبة، كما يدرك رسوله عليه السلام وصحبه..

وفي الغداة، وقد وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا، بصر أحدهم فرأى سحابة من النقع والغبار تخفي وراءها شبح رجل يغذ السير..

وقال الذي رأى: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق وحده..

وقال الرسول عليه الصلاة والسلام:

(كن أبا ذر)..

وعادوا لما كانوا فيه من حديث، ريثما يقطع القادم المسافة التي تفصله عنهم، وعندها يعرفون من هو..

وأخذ المسافر الجليل يقترب منهم رويدا.. يقتلع خطاه من الرمل المتلظي اقتلاعا، وحمله فوق ظهره بتؤدة.. ولكنه مغتبط فرحان لأنه أردك القافلة المباركة، ولم يتخلف عن رسول الله واخوانه المجاهدين..

وحين بلغ أول القافلة، صاح صائهحم: يارسول الله: انه والله أبا ذر..

وسار أبو ذر صوب الرسول.

ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال:

[يرحم الله أبا ذر..

يمشي وحده..

ويموت وحده..

ويبعث وحده..].

وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده..

ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه..!!!

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

في بيت النبوة

في بيت النبوة

حسين بن قاسم القطيش

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين.
أما بعد:
إن التوسع في المآكل والمشارب من عادات الحكام والملوك والأمراء، فأحسن الأكل وأطيبه تجده بين أيديهم، وأفضل الشراب وألذه وتنوعه تجده عندهم، فهم يعيشون حياة ترف وبذخ، لكن الرسول – صلى الله عليه وسلم- خليفة المسلمين سلك مسلكاً يختلف تماما عن هؤلاء الملوك، فقد اختار لنفسه أن يعيش في تقشف وتواضع وبساطة في الطعام والشراب فهذا خادمة أنس -رضي الله عنه- يصف لنا شيئاً من معيشته- صلى الله عليه وسلم- فيقول: ((لم يجتمع عند النبي – صلى الله عليه وسلم- غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على الضفيف[1]))، وفي رواية عن مالك بن دينار -رضي الله عنه- قال: ((ما شبع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من خبز قط ولا لحم إلا على ضفف))، قالت عائشة -رضي الله عنها- تصف حالته المعيشية : ((ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين حتى قبض رسول الله – صلى الله عليه وسلم-)) بأبي أنت وأمي يا رسول الله عشت حياة الفقراء وسلكت طريق المساكين، في مأكلك ومشربك فكنت خير قدوة.
ذكرت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يأتيها فيقول : ((أعندك غداء)) فتقول: لا فيقول: ((إني صائم)).
وقال قتادة -رضي الله عنه-: ((كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، ويقول: كلوا، فما أعلمُ النبي – صلى الله عليه وسلم- رأى رغيفاً مرققاً حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سَميطاً[2] بعينه قط))[3]، و روي عن عمر أنه قال عندما رأى ما أصاب الناس من الدنيا: لقد رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يظلّ اليوم يَلْتَوي، ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه))[4]. فأين حكام المسلمين وأين تجارهم وأين أغنياهم الذين يأكلون في الوجبة الواحدة أنواعاً وأصنافاً عديدة من الطعام والشراب، أينهم من الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم- في تقشفه، يمر عليه اليوم واليومان ولا يأكل شيء قال أنس -رضي الله عنهم-: (جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- بكسرة خبز، فقال لها: من أين لك هذه الكسرة؟ قالت: قُرْصاً خبزتُ، فلم تطب نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- : أما إن هذا أول شيء دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام))[5].

هذه هي حياته – صلى الله عليه وسلم- المعيشية فقد عاش في فقر وجوع – صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي عاش هذه الحالة من الجوع والفقر ليكون قدوة لأصحابه وأتباعه فهل اقتداء به من يعمل الموائد الطويلة اليوم من المآكل والمشارب والفقير بجواره لا يجد لقمة عيش يسد بها رمقه هو وأهله.

بيت يموت الفأر خلف جداره * * * جوعا وبيت بالموائد متخم

أما أثاثه وفراشه – صلى الله عليه وسلم- فبيته لم يكن مليئاً بالفراش والأثاث، ولم تكن له غرف نوم ومجالس عربية من أغلى الأقمشة كما هي حال بيوت كثير من المسلمين اليوم فهو – صلى الله عليه وسلم- لم يكن يجد شيئاً من هذا قالت عائشة -رضي الله عنها- تصف فراشه وأثاث بيته عليه الصلاة والسلام: ((إنما كان فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الذي ينام عليه أدَمَاًَ حشوُهُ ليف))[6]، ودخل عمر ذات يوم على النبي – صلى الله عليه وسلم- ووجده على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وعند رجليه قَرُطاً مَضبوراً[7] وعند رأسه أَهَبٌ مُعَلَّقة[8]ورأى أثر الحصير في جنبه فبكى، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم- : ((ما يبكيك؟)) فقال عمر: يا رسول الله، إن كسرى وقصير فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال : أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟))[9]، لم تكن زخارف الدنيا ومتاعها وأثاثها الفاني تهمه- صلى الله عليه وسلم- فقد اكتفى بالقليل منها وإنما كانت الآخرة هي همه وهي شغله الشاغل أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة.

تقول عائشة -رضي الله عنها -: ((كان لنا حَصَيرٌ نَبْسُطُهَا بالنهار، ونَحْتَجِرُهَا علينا بالليل))[10]، وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-قال: (نام رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على حصير، فأثر في جنبه، فقلنا: يا رسول الله!، ألا آذنتنا فنبسط تحتك ألين منه؟ فقال: ((مالي وللدنيا؟ إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب سار في يوم صائف، فَقَال تحت شجرة، ثم راح وتركها))[11]، فيا لله من هذا النبي الكريم المتواضع آثر الآخرة على الدنيا ورضي بالقليل من هذه الفانية، وبهذا التواضع وهذه البساطة التي عاشها عليه الصلاة والسلام ملك قلوب الناس فكان خير قدوة للناس أجمعين.

أما ملبسه- صلى الله عليه وسلم- فلم يكن بأحسن مما سبق من طعامه وفراشه فالأمر عنده سوى فالتواضع هديه وخلقه لا يمتلك كثير من الملابس فقد روى عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: (صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في شَمْلَة[12] أراد أن يَتَوشَّح بها فضاقت، فعقدها في عنقه هكذا، وأشار عبادة إلى قفاه، ليس عليه غيرها))[13], وروى ابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: ((كان طول ثوب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أربعة أذرع وشبراً في ذراع وشبر)[14].

هذا هو بيت النبوة وهذه هي حاله – صلى الله عليه وسلم- في بيته فقد كان- عليه الصلاة والسلام- متقشفاً في كل جوانب حياته، وهو القائل: ((البذَاذَةُ[15] من الإيمان))[16]، وقال- صلى الله عليه وسلم-: ((ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجْلفُ[17] الخبز والماء))[18].
عرفنا كيف كانت حياته- صلى الله عليه وسلم- في بيته تقشف في الطعام واللباس والفراش فكانت حياته طيبة هنيئة، وهو بهذه الحياة المتواضعة قدوة لأمته من بعده، لكن وللأسف يسب رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وينال منه وأمته تلهث وراء الكماليات تلهث وراء المسكن الفاره والملبس الأنيق، والمأكل اللذيذ والشراب الهنيء فهانت في قلوب أعدائها، التفتت للدنيا وتركت الآخرة -إلا من رحم الله-.

الأمة اليوم أو كثير من أبناء الإسلام يعيش اليوم همه مأكله وملبسه ومسكنه فإذا حصل له هذا استراح وإن حصل ما حصل للأمة, وإن نيل من رسول الله, وإن ديست كرامة الأمة وذبحت وأهينت فهو لا يبالي وهو لا يهمه ذلك فالدنيا هي أهم شيء في حياته!!
فأين نحن من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في الاقتداء به، وماذا عملنا لنصرته فإن كنا نحبه- صلى الله عليه وسلم- كما نقول فالنقتدي به ولنتبع سنته ونقتفي أثره، ونُحكّم سنته في حياتنا كلها.
اللهم إنا نسأل يا قوي يا متين أن تنتصر لنبيك من الكفرة الحاقدين، اللهم أشف صدورنا بهلاك الرسامين الذين أساءوا إلى نبينا وحبيبنا محمد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين,,,

أختكم
مـ الروح ـلاك

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

من هو الصحابي ..!؟ من السنة

سٌِِّلآمً يَعًٍمً آرٌٍجًِْآء آلمًكَآنْ آلمًحٍّيَطُْ بٌَِكَمً.
وٍَ صٍَْبٌََِآحٌٍّ/مًَسٌِِّْآءَ مًُحٍّمًّلٌ بٌَِِـِِّ عًٍَبٌَِقٌٍِ آلقٌٍُرٌٍنْفْلِ
مًِنْ ذٍََآكََ آلنْقٌٍَآء ..، آليَكَُمً هٍَُنْآ !.
كََآنَْ تَُِِّْجًِْمًّعًٍآً رٌٍَآئعًٍآً لِـِِّ آرٌٍوٍَآحٍٍّ آكَثٍَْرٌٍُ رٌٍَوٍعًٍَة ، سٌَِِّكََنْتُِِِّْ آلدًٍّفْءَ وٍَ بٌََِعًٍثٍْتُِِّْهٍَـِِّ.


بٌَِِدًٍَآيََة ، وٍَ لِـِِّ آصٍْحٍَّآبٌَِِ آلجًَِْمًآلِ لآ بٌَُِدًٍّ آنْْ يَُنْثٍَْرٌٍَ آلوٍَرٌٍدًٍُ .؛
فْكَرٌٍهٍَـِِّ مًتُِِّْقٌٍوٍقٌٍعًٍهٍَـِِّ آزٍُفْهٍَآ لكَمً..-
بٌَِيَنْ آلآكَفْ وٍ آلآكَفْ وٍرٌٍيَقٌٍآتُِِّْ زٍُهٍَرٌٍ وٍ آحٍّبٌَِآرٌٍ صٍْحٍّآبٌَِيَهٍَـِِّ
وٍبٌَِشًِْفْآفْيَهٍَـِِّ آلطُْرٌٍحٍّ مًآيَغًنْيَ عًٍنْ فْلسٌِِّفْهٍَـِِّ آلثٍْرٌٍثٍْرٌٍهٍَـِِّ.؛
هٍَنْآ لنْحٍّلقٌٍ بٌَِآمًآنْ وٍنْنْعًٍمً بٌَِبٌَِعًٍضًٍ نْعًٍيَمً مًنْ آلجًِْنْهٍَـِِّ.؛
بٌَِطُْهٍَآرٌٍهٍَـِِّ رٌٍوٍحٍّ وٍنْوٍنْيَهٍَـِِّ حٍّرٌٍفْ.
"فْآلبٌَِعًٍمًقٌٍ مًآلآتُِِّْدًٍرٌٍكَوٍنْ."
للغًَرٌٍقٌٍِ فِْيَ دًٍنْدًٍنْةِ آلرٌٍوٍحٍِّ آكَثٍْرٌٍ، آقٌٍطُْفْوٍآ ثٍَْمًرٌٍُ آلتُُِِّْفّْآحٍّ..!
وٍَ بٌََِقٌٍِيَّةُ آلحٍَّرٌٍفِْ آِنْسٌَِِّكَآبٌَِ مًنْكَمً يَآرٌٍبٌَِيَعًٍ آلآرٌٍوٍآحٍّ.؛

فكــــــرة المـــوضـــوع

ان لكل عضـو أحقيه في طـرح سؤال متعلق بالصحـآأبه,,
ومن يأتي بعدهـ يجـآأوب على سؤالـِه ويسأل وهكــذآأ
حتى نتمكـن من جمع معلومـآأت مفيدهـ
عن اصحـــــــآأب نبينـا صلى الله عليه وسلم

مــــلاحظـــه:

محـــد يحـــط سؤال من راسسـه وهو نفسه مو عارف الاجابـــه

العضـــو الي حـط السؤال يشـوف الاجـابه صـح ولا مـو صـح
أذا مو صـح
يكتـب الجـواب..

اتمنـى تفـــــــــآأعلكم ..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

هل كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مزواجا من السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قرأت في إحدى المقالات على الويب أن الحسن بن علي رضي الله عنه تزوج أكثر من تسعين امرأة ، فما رأيكم في هذا ؟

الجواب :
الحمد لله
ذكر غير واحد من أهل العلم أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان كثير التزوج ، كثير التطليق .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قالوا : وكان كثير التزوج ، وكان لا يفارقه أربع حرائر ، وكان مطلاقا ، مصداقا ، يقال إنه أحصن سبعين امرأة " انتهى من "البداية والنهاية" (8/42) .
وذكرا نحوا من هذا الذهبي رحمه الله في "سير أعلام النبلاء" (3 /253) ، وينظر أيضا : "تاريخ دمشق" لابن عساكر (13 /251) ، "تاريخ الإسلام" للذهبي (4 /37) ، "محاضرات الأدباء" ، للراغب الأصفهاني (1 /408) .

ولكن لا بد لنا أن نعلم أن كثيرا من مرويات التاريخ لا تصح ، ولذلك يجب علينا أن نكون منها على حذر ، وخاصة إذا كانت تخص أحدا من أعلام الإسلام وسادات المسلمين .
قال الحافظ العراقي رحمه الله في "ألفية السيرة" (ص 1) :
وليعلمِ الطالبُ أنَّ السّيَرَا تَجمَعُ ما صحَّ وما قدْ أُنْكرَا

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله :
" على أن حاجة التاريخ إلى معرفة أحوال ناقلي الوقائع التاريخية ، أشد من حاجة الحديث إلى ذلك ؛ فإن الكذب والتساهل في التاريخ أكثر " انتهى .
"علم الرجال وأهميته" (ص 24)

وما ورد من كون الحسن بن علي رضي الله عنهما كان قد تزوج بأكثر من سبعين امرأة ، أو تسعين ، ونحو ذلك من الروايات ، لم نقف على إسناد تقوم به الحجة لشيء منها ، فينبغي التوقف في قبولها ، والتريث في التعويل عليها .
يقول الدكتور علي محمد الصلابي في كتابه عن الحسن بن علي رضي الله عنه ( ص 27 ) :
" وقد ذكر المؤرخون أن من زوجاته ، خولة الفزازية ، وجعدة بنت الأشعث ، وعائشة الخثعمية ، وأم إسحاق بنت طلحة بنت عبيد الله التميمي ، وأم بشير بنت أبي مسعود الأنصاري ، وهند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وأم عبد الله وهي بنت الشليل بن عبد الله أخو جرير البجلي وامرأة من بني ثقيف وامرأة من بني عمرو بن أهيم المنقري ، وامرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة . وربما تجاوز هذا العدد بقليل ، وهو كما ترى لا يمتّ إلى الكثرة المزعومة بصلة ، بعرف ذلك العصر .
وأما ما رواه رواة الأثر ، في كونه تزوج سبعين ، وفي بعض الروايات تسعين ، والبعض الآخر مائتين وخمسين ، والبعض الآخر ثلاثمائة ، وروي غير هذا ؛ إلا أنه من الشذوذ بمكان ، وهذه الكثرة المزعومة موضوعة . وأما الروايات فهي كالتالي : … "
ثم شرع في تخريج هذه المرويات وبيان ضعفها ووهائها ، فانظره في المصدر السابق ( ص 28 – 31 )
ثم قال حفظه الله (ص 31) :
" إن الروايات التاريخية التي تشير إلى الأعداد الخيالية في زواج الحسن بن علي رضي الله عنه لا تثبت من حيث الإسناد ، وبالتالي لا تصلح للاعتماد عليها نظراً للشبه والطعون التي حامت حولها "
إلى أن قال :
" ومن هنا تتضح أهمية علم الجرح والتعديل والحكم على الروايات والدور العظيم الذي قام به علماء الحديث في بيان زيف مثل هذه الأخبار .
ولذلك ننصح الباحثين في تاريخ صدر الإسلام بالاهتمام بنقد مثل هذه الروايات ، حتى يميزوا صحيحها من سقيمها ، فيقدموا للأمة خدمة جليلة ولا يتورطوا مثل ما تورط فيه بعض السادة الذين لا نشك في نواياهم، بسبب اعتمادهم في بحوثهم على الروايات الضعيفة والموضوعة " انتهى .

ولعل الحافظ ابن كثير رحمه الله أشار إلى أن ما ورد في ذلك لم يصح بقوله : " يقال إنه أحصن سبعين امرأة " فتصديره الكلام بصيغة التمريض مشعر بعدم الثبوت ، أو على الأقل بعدم الوقوف على إسناد تقوم به الحجة في ذلك .
والله تعالى أعلم .
الإسلام سؤال وجواب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم السنة النبوية

من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم : الصلاة والسلام عليه



الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وحمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد.
فلا شك أن للنبي صلى الله عليه وسلم حقوقا على أمته ومن هذه الحقوق الصلاة والسلام عليه وكلامنا هنا سيدور حول هذا الموضوع مبينا حكم الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وصيغها ومواضعا وجمل مما له علاقة بما نحن فيه.

أولا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :


قال علماء اللغة: الصلاة وسط الظهر لكل ذي أربع وللناس وكل أنثى إذا ولدت انفرج صلاها"(1).
والصلاة في اللغة الدعاء.
قال ابن القيم: "وأصل هذه اللفظة في اللغة يرجع إلى معنيين: أحدهما: الدعاء والتبريك .
والثاني: العبادة .



فمن الأول قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم)(التوبة 103) وقوله تعالى في حق المنافقين (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره)(التوبة 84) .


وقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب فإن كان صائما فليصل"(2) فسر بهما قيل: فليدع لهم بالبركة، وقيل: يصلي عندهم بدل أكله .
وقيل: إن الصلاة في اللغة معناها الدعاء، والدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، والعابد داع كما أن السائل داع، وبهما فسر قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)(غافر60) قيل: أطيعوني أثبكم، وقيل سلوني أعطكم، وفسر بهما قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)(البقرة186) .
والصواب أن الدعاء يعم النوعين، وهذا لفظ متواطئ لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض)(سبأ22) وقوله تعالى: (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون)(النحل20) وقوله تعالى: (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) (الفرقان77) .



والصحيح من القولين لولا أنكم تدعونه وتعبدونه أي: أي شيء يعبأ بكم لولا عبادتكم إياه، فيكون المصدر مضافاً إلى الفاعل .


وقال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا)(الأعراف 55،56) وقال تعالى إخباراً عن أنبيائه ورسله: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً)(الأنبياء90)وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى ودعوى الاختلاف في مسمى الدعاء وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازا شرعيا، فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء، والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقية لا مجازاً ولا منقولة، لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما، فهذا غايته تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه، ولهذا لا يوجب نقلاً ولا خروجاً عن موضوعه الأصلي والله أعلم"(3).

وجاء لفظ الصلاة في الاصطلاح الشرعي على عدة معاني بحسب ما تقترن به وهي كما يلي:-
1- صلاة الله على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه، ومنه قوله عز وجل (إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
2- الصلاة من الملائكة دعاء واستغفار .
3- ومن الله رحمة وبه سميت الصلاة، لما فيها من الدعاء والاستغفار وفي الحديث: "التحيات والصلوات" والصلوات معناها الترحم وقوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) أي يترحمون
4- الصلاة بمعنى الدعاء، وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطراً فليطعم وإن كان صائماً فليصل" فقوله "فليصل" يعني فليدع لأرباب الطعام بالبركة والخير والصائم إذا أكل عنده الطعام صلت عليه الملائكة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : "من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة عشراً"(4) وكل داع فهو مصل.
5- والصلاة بمعنى الاستغفار كحديث سودة أنها قالت: يارسول الله إذا متنا صلى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا ؟
فقال لها: إن الموت أشد مما تقدرين(5) .
6- وأما قوله تعالى: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) فمعنى الصلوات ههنا الثناء عليهم من الله تعالى .


وقال بعضهم:
1- الصلاة من الله رحمة.
2- ومن المخلوقين الملائكة والإنس والجن القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح
3- و الصلاة من الطير والهوام التسبيح(6).



وقال ابن القيم: وأما صلاة الله سبحانه على عبده فنوعان: عامة وخاصة.
أما العامة فهي صلاته على عباده المؤمنين قال تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته)(الأحزاب43) ومنه دعاء النبي بالصلاة على آحاد المؤمنين .



النوع الثاني: صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله خصوصا على خاتمهم وخيرهم محمد فاختلف الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال:
أحدها: أنها رحمته فعن الضحاك قال: صلاة الله رحمته، وصلاة الملائكة الدعاء .



وقال بض علماء اللغة: أصل الصلاة الرحمة، فهي من الله رحمة ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله، وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين.


والقول الثاني: أن صلاة الله مغفرته فعن الضحاك في قوله تعالى: (هو الذي يصلي عليكم) قال: صلاة الله مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء.



وهذا القول من جنس الذي قبله وهما ضعيفان؛ لأن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته فقال تعالى: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)(البقرة157) فعطف الرحمة على الصلاة فاقتضى ذلك تغايرهم(7)..


القول الثالث: أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه وإظهار شرفه وفضله وحرمته، قال أبو العالية: "صلاة الله عليه ثناؤه عليه عند الملائكة"(8).


قال ابن القيم: "الصلاة المأمور بها هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته، وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه، فهي تتضمن الخبر والطلب، وسمي هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاة عليه لوجهين:
أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلي عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله تعالى، فقد تضمنت الخبر والطلب.



والوجه الثاني: أن ذلك سمي منا صلاة لسؤالنا من الله أن يصلي عليه فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به"(9).

صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :-


وردت الصلاة على النبي بصيغ عدة وهي كما يلي:-
1- عن أبي مسعود(10) قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله ونحن عنده فقال: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟
قال: فصمت رسول الله حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله .
فقال: إذا أنتم صليتم علي فقولوا: "اللهم صل على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم"(11) .
2- عن ابن أبي ليلى(12)قال لقيني كعب بن عجرة(13) فقال: ألا أهدي لك هدية: خرج علينا رسول الله فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك .
قال: "قولوا اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (14).
3- عن أبي حميد الساعدي(15)أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله: "قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" (16).
4- أبي سعيد الخدري(17) رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟
قال: "قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم(18).
5- عن طلحة بن عبيد الله(19) قال: قلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليك ؟
قال: "قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" قال ابن القيم إسناده صحيح(20).

حكم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم :-


ورد الأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيا الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(الأحزاب56).

قال سهل بن عبدالله(21): الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته ثم أمر بها المؤمنين وسائر العبادات ليس كذلك.
قال ابن كثير: "والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه؛ ليجمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا"(22).



قال الحليمي(23): "وقد أمر الله تعالى في كتابه بالصلاة والتسليم عليه جملة فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) فأمر الله عباده أن يصلوا عليه ويسلموا، وقدم قبل أمرهم بذلك إخبارهم بأن ملائكته يصلون عليه، لينبئهم بذلك على ما في الصلاة عليه من الفضل؛ إذ كانت الملائكة مع انفكاكهم من شريعته تتقرب إلى الله بالصلاة والتسليم عليه ليعلموا أنهم بالصلاة والتسليم عليه أولى وأحق"(24).

وقد اختلف الفقهاء في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال أجملها فيما يلي:-


1- مستحبة .
2- واجبة بغير حصر، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة، وادعى بعض العلماء الإجماع عليه.
3- تجب مرة في العمر في صلاة أو في غيرها وهي مثل كلمة التوحيد.
4- تجب في القعود آخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحليل.
5- يجب في التشهد.
6- تجب في الصلاة من غير تعيين المحل.
7- يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد.
8- يجب كلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من غيره، أو ذكره هو بنفسه
9- في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا.
10- في كل دعاء(25).
والراجح أنها تجب مرة واحدة في العمر، وكذلك في المواطن التي يجب الصلاة والسلام عليه فيها .

** ومن أدلة وجوبها ما يلي :
قال تعالى : [ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً] ( الأحزاب 56 ) .
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص (26) رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً" (27)
وعن ابن مسعود t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة "(28)
وعن فضالة بنى عبيد(29) t قال : "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله، ولم يصل على النبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عجل هذا ، ثم دعاه فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عز وجل والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء"(30)
وعن أبي هريرة t قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصلي علي"(31) .

أما ابن القيم فقد عدد المواطن التي يجب أو يستحب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي:-


1- في الصلاة في آخر التشهد، وهو أهمها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته واختلفوا في وجوبه فيها فقالت: طائفة ليس يواجب فيها وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي بوجوبه(32).
2- في التشهد الأول وهذا قد اختلف فيه فقال الشافعي رحمه الله في الأم: "يصلى على النبي في التشهد الأول"(33) هذا هو المشهور من مذهبه وهو الجديد، لكنه يستحب وليس بواجب، وقال في القديم لا يزيد على التشهد، وبهذا قال احمد أبو حنيفة ومالك وغيرهم(34).
1- آخر القنوت استحبه الشافعي ومن وافقه(35).
2- الصلاة عليه في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ولا خلاف في مشروعيتها فيها، واختلف في توقف صحة الصلاة عليها فقال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما إنها واجبة في الصلاة لا تصح إلا بها، وقال مالك وأبو حنيفة تستحب وليست بواجبة وهو وجه لأصحاب الشافعي(36).
3- الصلاة عليه في الخطبة، وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطبة، فقال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما لا تصح الخطبة إلا بالصلاة عليه، وقال أبو حنيفة ومالك تصح بدونها، وهو وجه في مذهب احمد(37)
4- الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة"(38).
5- عند الدعاء لحديث فضالة عن عبيد وقول النبي فيه: "إذا دعا احدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم يدعو بما شاء"(39)
6- عند دخول المسجد وعند الخروج منه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم"(40).
7- عند اجتماع القوم قبل تفرقهم، قال صلى الله عليه وسلم : "ما جلس قوم مجلسا، ثم تفرقوا ولم يذكروا الله، ولم يصلوا على النبي إلا كان عليهم من الله ترة إن شاء عذبهم وان شاء غفر لهم"(41)
8- الصلاة عليه عند ذكره فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي"(42)(43).

ومواطن الصلاة فيها على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ذكرها أهل العلم في كتبهم وسأجملها اختصاراً فيما يلي :


* على الصفا والمروة .
* عند الاجتماع في المجالس
* عند الفراغ من التلبية .
* عند استلام الحجر الأسود في الطواف .
* عند إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات .
* عقب ختم القرآن .
* عند القيام من المجلس .
* عند المرور على المساجد ورؤيتها .
* عند الهم والغم والشدائد .
* عند طلب المغفرة والرحمة من الله عز وجل .
* في أول النهار وآخره .
* عقب الذنب أو المعصية إذا أراد المذنب أو العاصي أن يكفر الله عنه .
* عند خطبة الرجل المرأة .
* عند دخول المنزل .
* كلما ذكر الله عز وجل .
* إذا نسي الشيء وأراد ذكره .
* عند النوم .
* عقب الصلوات .
* عند طنين الأذن .

كان هذا بعض ماذكره أهل العلم من مواطن ذكره صلى الله عليه وسلم , وإلاّ فذكره في كل وقت وحين فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من صلّى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ) (44)

ثانيا: السلام عليه صلى الله عليه وسلم :


اشتملت الآية السابقة الآمرة بالصلاة على التسليم عليه صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: (وسلموا تسليما).

وفي معنى السلام عليه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أوجه:-
أحدها: السلامة من النقائص والآفات لك ومعك، أي مصاحبة وملازمة، فيكون السلام مصدراً بمعنى السلامة كاللذاذ واللذاذة، والملام والملامة، ولما في السلام من الثناء عدى بعلى لاعتبار معنى القضاء أي قضى الله تعالى عليك السلام، لأن القضاء كالدعاء لا يتعدى بعلى للنفع ولا لتضمنه معنى الولاية والاستيلاء لبعده في هذا الوجه .
ثانيها: السلام مداوم على حفظك ورعايتك، ومتول له وكفيل به ويكون السلام هنا اسم الله تعالى، ومعناه على ما اختاره بعضهم من عدة أقوال: ذو السلامة من كل آفة ونقيصة ذاتا وصفة وفعلا.



وقيل: إذا أريد بالسلام ما هو من أسمائه تعالى فالمراد لا خلوت من الخير والبركة، وسلمت من كل مكروه؛ لأن اسم الله تعالى إذا ذكر على شيء أفاده ذلك، وقيل: الكلام على هذا التقدير على حذف المضاف أي حفظ الله تعالى عليك، والمراد الدعاء بالحفظ.
وثالثها: الانقياد عليك، على أن السلام من المسالمة، وعدم المخالفة والمراد الدعاء بأن يصير الله تعالى العباد منقادين مذعنين له عليه الصلاة والسلام ولشريعته(45)

– صيغة السلام:-


وصيغة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم هو قولنا في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وحكى ابن عبد البر(46) احتمالا آخر وهو أنه السلام الذي يعقبه التحلل، واستظهر الأول وهو كذلك (47).

– حكم السلام عليه صلى الله عليه وسلم :-


قال العلماء الأصل في السلام عليه صلى الله عليه وسلم الندب، ولكن قد يرتقي إلى درجة الوجوب في مواضع:-
1- في التشهد الأخير.
2- كلما ذكر ذهب إلى هذا بعض السلف.
3- يجب بالنذر لأنه قربة(48).
والحمد لله رب العالمين


——————————


(1) كتاب العين 7/153
(2) صحيح مسلم2/1054
(3) جلاء الأفهام155
(4) الأحاديث المختارة8/189، وشعب الإيمان2/211
(5) المعجم الكبير للطبراني24/34 تحقيق: حمدي السلفي،مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الثانية، 1983م.
(6) انظر لسان العرب 14/465
(7) المرجع السابق
(8) انظر جلاء الافهام 161
(9) المرجع السابق
(10) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري أبو مسعود البدري مشهور بكنيته، اتفقوا على أنه شهد العقبة، واختلفوا في شهوده بدرا نزل الكوفة، وكان من أصحاب علي واستخلف مرة على الكوفة مات قبل سنة أربعين، مات بعد الأربعين. الإصابة4/524
(11) صحيح البخاري3/1232 وصحيح مسلم 1/305
(12) عبد الرحمن بن أبي ليلى ، مات سنة ثلاث وثمانين في وقعة الجماجم. طبقات الحفاظ 1/26
(13) كعب بن عجرة بن أمية البلوي حليف الأنصار، قطعت يده في بعض المغازي، ثم سكن الكوفة قيل مات بالمدينة سنة إحدى وقيل ثنتين، وقيل ثلاث وخمسين وله خمس وقيل سبع وسبعون سنة. الإصابة5/599
(14) صحيح البخاري3/ 1233، وصحيح مسلم1/305
(15) عبد الرحمن بن سعد ، شهد أحدا وما بعده، توفي في آخر خلافة معاوية أو أول خلافة يزيد بن معاوية. الإصابة7/94
(16) صحيح البخاري 3/1232، وصحيح مسلم1/306
(17) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي أبو سعيد الخدري ، وهو مكثر من الحديث، كان من أفقه أحداث الصحابة، مات سنة ثلاث وستين.الإصابة 3/78
(18) صحيح البخاري 3/1232،
(19) طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي، أبو محمد أحد العشرة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أصحاب ، مات في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين من الهجرة. الإصابة3/592
(20) سنن النسائي3/48،والسنن الكبرى للبيهقي1/383، والمعجم الأوسط للطبراني2/181
(21) سهل بن عبد الله ابن يونس أبو محمد التستري الصوفي له كلمات نافعة ومواعظ حسنة وليس بشيء بل الصواب موته في المحرم سنة ثلاث وثمانين ومئتين ويقال عاش ثمانين سنة أو أكثر. سير أعلام النبلاء13/330
(22) تفسير القرآن العظيم3/508
(23) هو أبو عبد الله الحسن بن الحسين بن محمد بن حليم المعروف بالحليمي منسوبا إلى جده كان شيخ الشافعية بما وراء النهر ومات سنة ست وأربعمائة، قيل في جمادى الآخر وقيل في ربيع الأول. طبقات الفقهاء221
(24) المنهاج للحليمي 2/131 نقلا عن حقوق النبي للتميمي 2/516
(25) انظر القول البديع للسبكي 22دار الكتب العلمية، بيروت،الأولى،1989م
(26)عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، كنيته أبو محمد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، مات بالشام سنة خمس وستين وهو يومئذ بن اثنتين وسبعين. الإصابة4/193
(27) صحيح مسلم 1/288
(28) سنن الترمذي 2/354، وصححه ابن حبان 3/192
(29)فضالة بن عبيد بن نافذ الأنصاري الأوسي أبو محمد، أسلم قديما ولم يشهد بدرا وشهد أحدا فما بعدها ، مات سنة ثلاث وخمسين. الإصابة 5/371
(30) شعب الإيمان3/143
(31) سنن الترمذي 5/551 وصححه ابن حبان 2/140
(32) انظر الأم1/130 دار المعرفة، بيروت، الثانية 1393هـ، وبداية المجتهد لابن رشد 1/94 دار الفكر، بيروت.
(33) انظر الأم1/130
(34) انظر المغني لابن قدامة 1/367 دار الفكر، بيروت، الأولى،1405هـ.
(35) انظر الأم7/248
(36) انظر المغني 2/181،
(37) انظر المرجع السابق 2/75
(38) صحيح مسلم 1/288
(39) سنن الترمذي5/517، صحيح ابن حبان5/290
(40) سنن ابن ماجه1/254، وصحيح ابن حبان5/369.
(41) سنن الترمذي5/461، وصححه ابن حبان3/133
(42) السنن الكبرى6/19 المستدرك1/734، وصحيح ابن حبان3/188
(43) انظر جلاء الأفهام361 وما بعدها.
(44) صحيح مسلم 1/288، وانظر هذه المواطن في جلاء الأفهام.
(45) انظر روح المعاني22/79، والجامع لأحكام القرآن14/235 والقول البديع 65
(46)يوسف بن عمر بن عبدالبر بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري الحافظ شيخ علماء الاندلس، وكبير محدثيها. الديباج المذهب 357
(47)انظر روح المعاني22/79، والجامع لأحكام القرآن14/235 والقول البديع 65
(48) القول البديع 65






لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

إلاَّ تنصروه فقد نصره الله من السنة

إلاَّ تنصروه فقد نصره الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على النبي المصطفى المبرئ من كل عيب محمد رسول الله إلى الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن الحملة المسعورة التي تستهدف مقام نبينا صلى الله عليه وسلم لن تمسّه بسوء، ولن يلحقه منها أذى، وكيف يلحقه أذىً وقد تكفَّل الله تعالى بحفظه فقال (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)(الحجر95).
وكيف يلحق هذا النبي العظيم شيءٌ من إساءاتهم وقد أثنى الله سبحانه عليه، فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )(القلم4)

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ


نبيٌّ خلَّد الله ذكره بين الناس فقال سبحانه (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)(الشرح2)، فلا يصحُّ نداءٌ للصلاة إلا بذكره، ولا تصلَّى صلاة إلا ويذكر عليه الصلاة والسلام في آخرها، فانظر كيف رفع الله ذكره في الدنيا، وكيف أنه فضَّله عن الخلق كلهم يوم الموقف العظيم فلا يجرؤ أحدٌ على أن يشفع في الناس إلا هو، ولا تفتح أبواب الجنة لأهلها حتى يدخلها، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

صورٌ من التهجُّم الغربي على الإسلام والمسلمين

إن الهجوم المتكرِّر على مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ليدلُّ على حقدٍ دفينٍ يكنُّه الغرب اللئيم تجاه المسلمين، بل على خوفٍ عظيمٍ من انتشار الإسلام بين ربوعهم، فتراهم تارة يخرجون بالقوانين التي تحدُّ من ممارسة الشعائر الدينية، كمنعهم للحجاب ( كما في فرنسا )، ومنعهم للمآذن ( كما في سويسرا )، ومنعهم للختان ( كما في ألمانيا ).
وتارةً يخرجون علينا برسوماتٍ تسيء لديننا ولنبينا صلى الله عليه وسلم، كالذي حصل في الدنمارك ويحصل الآن في فرنسا.
وتارةً يقتلون أبناء المسلمين وغيرهم ممن يقف إلى جانبهم بدمٍ باردٍ في مجازر مروِّعة، بدعوى الخوف على الثقافة والهُوية لتلك البلد، وإليك ما حصل في النرويج على يد السفاح ( أندرس بيرينغ بريفيك ) مثالاً، وما يحصل الآن في بورما على أيدي البوذيِّين مثالاً آخر.
وكانت آخر الإساءات الموجهةِ للكيد والنيل من الإسلام والمسلمين تلك المتمثلة في الفيلم سيء الذكر، الذي خرج تحت غطاء حرية التعبير عن الرأي، فأي حرية هذه التي تمسُّ بمقام نبينا؟! وأي حرية هذه التي يعتدي بها صاحبها على أكثر من مليار مسلم؟!
إن ما يحصل بالمسلمين اليوم؛ لم يكن ليحدث لولا الهوان والذِّلة التي ظهرت وتفشَّت بيننا، فنحن نزيد على المليار ولكننا غثاءٌ كغثاء السيل، لذلك فإن من أوجب الواجبات علينا أن نعود لديننا، ونعتزَّ بإسلامنا، ونقيم دولة الإسلام في قلوبنا لتقوم على أرضنا، يقول تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )(النور55) ويقول سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد 17) ويقول تعالى ذكره (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)( الحج 40).

كيف ننصر نبينا صلى الله عليه وسلم؟

إنه لا ينبغي لهذا الحدث الأليم أن يمُرَّ دون نصرةٍ حقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم، نصرة من جميع المسلمين وعلى اختلاف المستويات والصعد:
فعلى كل من أحبَّ نبيه صلى الله عليه وسلم ممن يدين لله بالإسلام أن ينصره، ولا يكون ذلك إلا باتباعه وطاعته والعمل بسنته، وعلامة المحبة الصادقة تكون في حسن الاتباع، يقول الشاعر:

لو كان حبُّك صادقاً لأطعته — إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع
كما نقول لمن قدَّر الله أن يقفوا بين يديه غداً ليُسألوا عن شعوبهم، إن المحارم قد انتُهكت، أفلا تقومون لنصرة نبيكم؟! لماذا لا تغلق السفارات الأمريكية احتجاجاً على الإساءة ؟! ولماذا لا تُعلَّق المصالح مع أمريكا؟ ولماذا لا يسنُّ قانونٌ دولي لحماية الدين والمقدسات من الاعتداء باسم الحرية؟! ولماذا لا تطالب أمريكا بتجريم المسيئين وتقديمهم للعدالة؟! ولماذا لا يحاسبون حساباً قاسياً يكون عبرة لكل من هم على شاكلتهم؟!، أم أن الأمر لا يستحق كل هذا؟!
إن الإساءة المتكررة من أمريكا لدين الإسلام قد بلغت حداًّ لا يمكن معه السكوت دون حراك، وما إساءاتهم المتكررة للإسلام والقرآن في أفغانستان منَّا ببعيد، ولقد أدانت (هلري كلنتون) الفيلم سيِّء الذكر، ومع ذلك فقد صرَّحت بأن هذا لا يعني المنع من حرية التعبير عن الرأي، فبماذا ستصرِّح (هلري كلنتون) لو أن أحدهم نفى محرقة الهلكوست أو شكَّك فيها، هل ستعمل على حماية حرية التعبير عن الرأي؟!
ومثل ذلك يقال لكل الغربيين الذين يكيلون بمكيالين، فهذه فرنسا تمنع الحجاب، ثم يصرِّح وزير الداخلية الفرنسي أن يهود فرنسا "يستطيعون اعتمارَ القلنسوة بفخر"[1]، لماذا يقوم الغرب بكل هذا ؟

لماذا يحاول الغرب الإساءة للإسلام وأهله؟

إن هذا يعود إلى عدة أمور نبَّه عليها فضيلة الشيخ خباب الحمد في عدَّة أفكار طرحها عبر صفحته في ( الفيس بوك) وكان من أبرزها:
1- الخلفية الذهنية الخاطئة عن المسلمين، والتي تصوِّرهم بالدَّموية، وأن دينهم انتشر بحدِّ السيف.
2- النظرة الفوقية والاستعلاء العِرقي، وانظر مثلاً إلى ما أشار إليه رئيس وزراء الدينمارك منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى أهل الإسلام، ونعْته لهم بحثالة الشعوب في أكثر من مرة [2].
3- الحسد المطبق عليهم لسرعة انتشار الإسلام وتمدُّده في بلادهم (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)(البقرة 109) وتأمل ما قاله منغمري وات: " كان ظهور الإسلام لليهودية والمسيحية نوعاً من التحدي الديني والتاريخي، لقد حطم الإسلام النظام البنيوي-اللاهوتي لأوروبا"[3].
4- الرغبة في اكتساب الشهرة من بعض المسيئين كالرسام الدينماركي، ومُنتج الفيلم اليهودي، وبغية كثير منهم الحصول على بعض المكاسب المالية.
5- جهل كثير منهم بطبيعة دين الإسلام، ومن يعبد أهل الإسلام، يقول المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (نهاد عوض) أن ٣٠مليون امريكي يعتقدون أن المسلمين يعبدون القمر!
إن هذه الأسباب وغيرها كانت ولا تزال تدفع الغرب لمحاولة الإساءة للإسلام وأهله، أضف إلى ذلك ما قلناه في بداية المقال عن حقدهم وعدائهم التاريخي للإسلام، وتأمل قول الباحثة البريطانية (كارين أرمسترونغ) "علينا أن نتذكر أن الاتجاه العدائي ضد الإسلام في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية"[4]، ولا عجب في قولها، فإن الله سبحانه قد بيَّن عداءهم لنا فقال (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا)(النساء101).

وقفات مع خطاب ( حسن نصر الله ) في نصرته المزعومة لرسول الله !

ثم إن من أعجب العجب ما قام به المدعو (حسن نصر الله ) من نصرةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قام بحشد الجموع الشيعية والمناصرة، وخطب فيهم خطبةً عصماء، هتف فيها قائلاً ( فداك يا رسول الله نفسي ودمي وأبي وأمي وأهلي ووِلْدي وكلَّ مالي وما خوّلني ربي فداء كرامتك وعرضك وشرفك ) وحمّل فيها المسؤولية لكلِّ من شارك في الفيلم، ومن دعمهم ومن حماهم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وإن لنا مع هذا الرجل وقفات:
أولاً: كلُّ هذه التعبئة لحزب الله بدعوى النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأعداء الأمريكان قاموا بالإساءة إليه، فأين هذه التعبئة وأين الغيرة وأين التأليب على من يسبُّ ربَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في سوريا ؟ ألم يألّه البعث ( بشار الأسد ) ألم يشاهد (حسن نصر إيران ) عشرات المقاطع التي يحاول فيها الجيش البعثي ثني المسلمين عن دينهم والنطق بتأليه ( بشار ) ؟ أم أن هذا لا يعنيه لأن ( بشار ) رفيق السلاح ؟ ولأن بشار شيعيٌ علوي ؟ ولأن بقاءه يعني بقاء النفوذ الشيعي في المنطقة ؟ ولأن الحرب السورية حرب طهران كما صرح بذلك رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية ؟ أليس من الواجب أن تثور ثائرته على هذا الجيش الذي يكفر بالله ويقتل شعبه ويؤلِّه ( بشار )؟!
ثانياً: إن المدعو ( حسن نصر الله ) كما لا يخفى من الشيعة الجعفرية الاثني العشرية التي تعتقد بكفر الصحابة وعلى رأسهم ( أبو بكر وعمر )، والتي تتهم ( عائشة أم المؤمنين ) بما برأها الله منه… بل و يتقربون إلى الله بالطعن في عرض نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي صحب نبينا صلى الله عليه وسلم ثم يخرج على الناس ويهتف وبكل وقاحة (..نفسي ودمي وأبي وأمي وأهلي ووِلْدي وكلَّ مالي وما خوّلني ربي فداء كرامتك وعرضك وشرفك) والله إنه لعجيب؟!
ثالثاً: إن المدعو ( حسن نصر الله ) يكيل بمكيالين ؟ يرضيه قول ( بشار ) بأن الذين يؤلهونه إنما هم أفراد، وأن أعمالهم أعمال فردية، ولا تزر وازرة وزر أخرى!! ثم يهاجم الولايات المتحدة ويحملها كلها مسؤولية فيلمٍ صنعه أفرادٌ منهم أيضاً، ألا ترى أيها القارئ الكريم أنه يكيل بمكيالين؟ فإما أن يُحمِّل ( بشار ) وكلَّ زمرته المجرمة مسؤولية ثني المسلمين عن دينهم وتعذيبهم حتى الموت كما فعل مع الأمريكان، و إما أن يحمِّل الأفراد الذين قاموا بالفيلم وحدهم المسؤولية عنه كما فعل ( بشار ) مع الأفراد الذين ألَّهوه!![5]
رابعاً: إن هذا ( البشار ) عميل من عملاء اليهود، يقول ( روني دانئيل ): المسألة مسألة وقت حتى يصل القتال إلى الجولان، وستتحول حدودنا الشمالية لجحيم بعد هدوء استمر لعقود، بفضل الأمن الذي وفره لنا الأسد![6] ثم نرى المبالغة والاستماتة في الدفاع عن هذا المتألِّه العميل من قِبَلِ المدعو (حسن نصر الله ) ؟! ألا يستحِقُّ هذا المتألِّه ( بشار ) أن تُحشد في وجهه الحشود الثائرة بدلاً من مناصرته لتقاطُعِ المصالح الطائفية المشتركة بينهما؟! ألا تستحق الخدمة الأمنية التي قدَّمها – هو ووالده- لليهود أن تثور ثائرة المدعو ( حسن نصر الله )، وهو الذي يسبِّح ليل نهار بعداوته لليهود، ولكن الله يأبى إلا أن يفضح المنافقين وإن طال خداعهم للناس، يقول تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ، وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد 29 -30).
اللهم عليك ببشار وحاشيته وجيشه ومن عاونه ومن ناصره ومن شاركه، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.

واجب الحكام والعلماء والدعاة

ولا شك لدينا أن الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤوليها ومتنفذيها كلهم مدانون ومسؤولون عن الإساءة للإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، فهم الراعون والحامون والمشجعون للحريات التي تخرِجُ مثل هذه الأعمال النتنة، ولا يشكُّ عاقلٌ في وجوب الوقوف أمام عربدتهم وغطرستهم وقفةً جريئةً قويةً تكون على قلب رجلٍ واحد، وهذا الواجب منوطٌ بالحكام والمسؤولين الكبار.
أما العلماء والدعاة فإن عليهم حملاً ثقيلاً، فهذه الأحداث ليست إلا مواسماً للتحرك الدعوي الهادف إلى تعريف الناس بالإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ونشر ذلك على أوسع نطاق ممكن، وإن لنا في دعاة لندن لقدوة حسنة، حيث قاموا بنشر آلاف الكتب التي تعرِّف بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة ، وليس هذا إلا أقلّ القليل في حقِّ نبينا صلى الله عليه وسلم، ومما يُستبشر به في هذا المقام أن هذه المحاولة اليائسة للنيل من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم كانت -كغيرها من المحاولات اليائسة- سبباً في تعريف الكثير من أبناء الغرب بالإسلام، مما دفع الكثير منهم لاعتناقه، ولقد ذكر أحد أصحاب المكتبات في بريطانيا أن مبيعات الكتب الإسلامية قد شهدت ارتفاعاً في المتجر الذي يديره يتراوح بين 20% و30% عن المستوى الذي كان عليه الحال في الشهور الماضية[7]، فلله الحمد أولاً وآخراً.
إن المسؤولية الملقاة على العلماء والدعاة في هذه الأوقات مسؤولية كبيرة، فهم خط الدفاع الأول عن هذا الدين، لذلك فإن ما يُنتظرُ منهم في الأيام القادمة لابد أن يكون له وقعه وثِقله.
وفَّق الله المسلمين لما فيه عزُّهم وفلاحهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

ﻣﻦ ﺍﺟﻤﻞ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻨﺒﻲ السنة النبوية

ﻣﻦ ﺍﺟﻤﻞ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻨﺒﻲ عليه الصلاة و السلام
****************
ﺻﻔﻪ ﺗﺠﻌﻞ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻻﺳﻼﻡ :
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ
ﺟﺎﻟﺴﺎ ﺑﻴﻦ
ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ..
ﺇﺫ ﺑﺮﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﺎﺭ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻳﺴﻤﻰ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ
ﺳﻌﻨﻪ ﻭﻫﻮ
ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ
ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ
ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ .. ﻭﺍﺧﺘﺮﻕ
ﺻﻔﻮﻑ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ .
ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺟﺬﺑﻪ ﻣﻦ
ﻣﺠﺎﻣﻊ ﺛﻮﺑﻪ
ﻭﺷﺪﻩ ﺷﺪﺍ ﻋﻨﻴﻔﺎ .
ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺑﻐﻠﻈﺔ : ﺃﻭﻓﻲ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ
ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺎ
ﻣﺤﻤﺪ .. ﺇﻧﻜﻢ ﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻗﻮﻡ ﺗﻤﺎﻃﻠﻮﻥ
ﻓﻲ
ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺪﻳﻮﻥ .
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ .. ﻗﺪ
ﺍﺳﺘﺪﺍﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ
ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﺭﺍﻫﻢ ..
ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﻦ ﻣﻮﻋﺪ ﺃﺩﺍﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻌﺪ ..
ﻓﻘﺎﻡ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ..
ﻭﻫﺰ ﺳﻴﻔﻪ
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺋﺬﻥ ﻟﻲ ﺑﻀﺮﺏ ﻋﻨﻘﻪ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ
ﺍﻟﻠﻪ
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ
ﻟﻌﻤﺮ ﺑﻦ
ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ
( ﻣﺮﻩ ﺑﺤﺴﻦ ﺍﻟﻄﻠﺐ ﻭﻣﺮﻧﻲ ﺑﺤﺴﻦ
ﺍﻷﺩﺍﺀ )
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ : ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺑﻌﺜﻚ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻳﺎ
ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺎ
ﺟﺌﺖ ﻷﻃﻠﺐ ﻣﻨﻚ ﺩﻳﻨﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﺟﺌﺖ ﻷﺧﺘﺒﺮ
ﺃﺧﻼﻗﻚ .. ﻓﺄﻧﺎ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻮﻋﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻟﻢ
ﻳﺤﻦ ﺑﻌﺪ
ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻗﺮﺃﺕ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻭﺻﺎﻓﻚ ﻓﻲ
ﺍﻟﺘﻮﺭﺍﺓ ﻓﺮﺃﻳﺘﻬﺎ
ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺘﺤﻘﻘﺔ ﻓﻴﻚ ﺇﻻ ﺻﻔﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻟﻢ
ﺃﺟﺮﺑﻬﺎ
ﻣﻌﻚ ..
ﻭﻫﻲ ﺃﻧﻚ ﺣﻠﻴﻢ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻐﻀﺐ … ﻭﺃﻥ
ﺷﺪﺓ ﺍﻟﺠﻬﺎﻟﺔ
ﻻﺗﺰﻳﺪﻙ ﺇﻻ ﺣﻠﻤﺎ .. ﻭﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺘﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ
ﻓﻴﻚ ..
ﻓﺄﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ .. ﻭﺃﻧﻚ ﻣﺤﻤﺪ
ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻨﺪﻙ ﻓﻘﺪ ﺟﻌﻠﺘﻪ
ﺻﺪﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﻘﺮﺍﺀ
ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ .
ﻭﻗﺪ ﺣﺴﻦ ﺇﺳﻼﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻱ
ﻭﺃﺳﺘﺸﻬﺪ ﻓﻲ ﻏﺰﻭﺓ
ﺗﺒﻮﻙ
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺪﻧﺎ
ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ
ﻭﺻﺤﺒﻪ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﻣﻴﻴﻴﻴﻦ
ﺃﻟﻦ ﻧﺼﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺧﻠﻘﺎ؟

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

محاورات علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج السنة النبوية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وقعت بين الإمام علي وبين الخوارج -قبل نشوب المعركة- عدة محاورات، وحينما طلب منهم علي رضي الله عنه بيان أسباب خروجهم عنه أجابوه بعدة أشياء منها:
لماذا لم يبح لهم في معركة الجمل أخذ النساء والذرية كما أباح لهم أخذ المال؟
لماذا محى لفظة أمير المؤمنين وأطاع معاوية في ذلك عندما كتب كتاب (الهدنة في صفين)، وأصر معه على عدم كتابة (علي أمير المؤمنين)؟
قوله للحكمين: إن كنت أهلاً للخلافة فأثبتاني . بأن هذا شك في أحقيته للخلافة.
لماذا رضي بالتحكيم في حق كان له.
هذه أهم الأمور التي نقموا عليه من أجلها كما يزعمون، وقد أجابهم عن كل تلك الشبه ودحضها جميعاً حيث أجابهم عن الشبهة الأولى والتي تدل على جهلهم بما يلي:
أباح لهم المال بدل المال الذي أخذه طلحة والزبير من بيت مال البصرة، ثم هو مال قليل.
النساء والذرية لم يشتركوا في القتال وهم أيضاً مسلمون بحكم دار الإسلام ولم تكن منهم ردة تبيح استرقاقهم.
قال لهم: لو أبحت لكم استرقاق النساء والذرية فأيكم يأخذ عائشة سهمه فخجل القوم من هذا ورجع معه كثير منهم كما قيل.
وأجابهم على الشبهة الثانية:
1- بأنه فعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وذكر -إن صحت الرواية- أنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لي منهم يوماً مثل ذلك.
والله أعلم بصحة هذه الرواية التي يتناقلها المؤرخون، ذلك أن معاوية رضي الله عنه ما كان يطالب بالخلافة حتى يحق له أن يطلب محو كلمة (أمير المؤمنين). ومعاوية كذلك كان يعرف أسبقية علي وفضله، وإنما النزاع حول أمر آخر غير الخلافة، اللهم إلا أن يكون هذا الفعل من صنيع المفاوضين دون علم معاوية بذلك.
وأجابهم عن الشبهة الثالثة على افتراض صحة الرواية عنه: بأنه أراد النصفة لمعاوية ولو قال: احكما لي؛ لم يكن تحكيماً، ثم استدل بقصة وفد نصارى نجران ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم إلى المباهلة لإنصافهم.
وأجابهم عن الشبهة الرابعة: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكّم سعد بن معاذ في بني قريظة في حق كان له.
ثم نشبت المعركة مع من بقي منهم على عناده وهزم الخوارج شر هزيمة، وتذكر بعض كتب الفرق أنه لم يَنْجُ من الخوارج إلا تسعة، ولم يُقتل من جيش عليّ إلا تسعة(316)، وصار هؤلاء التسعة من الخوارج هم نواة الخوارج في البلدان التي ذهبوا إليها، وفي هذا نظر(317) ، وقتل زعيم الخوارج في هذه المعركة وهو عبد الله بن وهب الراسبي سنة 37 هـ أو 38هـ.
أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج بحروراء ليناظرهم في حجتهم في خروجهم لإرجاعهم إلى الطاعة، وقد تناول المؤرخون وأهل الفرق ذكر كيفية تلك المناظرة بروايات مختلفة كما سنرى.
فيذكر ابن الأثير أن ابن عباس رضي الله عنه لما أرسله علي إليهم وأوصاه أن لا يعجل إلى خصومتهم حتى يأتي، فلما وصل إليهم أقبلوا إليه يكلمونه فلم يصبر أن راجعهم الكلام فقال لهم: ما نقمتم من الحكمين وقد قال تعالى: إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35 ]، فكيف بأمة محمد صلوات الله وسلامه عليه؟! فرد الخوارج الجواب مفصلا بقولهم: أما ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه ، حكم في الزاني مائة جلدة و في السارق القطع فليس للعباد أن ينظروا في هذا".
فاستشهد ابن عباس بقوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ [المائدة:95] ، ولكن هذه الآية عندهم ليست بدليل له فليس الحكم في الصيد والحرث وبين المرأة وزوجها كالحكم في دماء المسلمين، وادعوا أن الله أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يرجعوا .
ويذكر ابن عبد ربه أن ابن عباس لما وصل إلى الخوارج رحبوا به وأكرموه فرأى منهم جباها قرحة لطول السجود وأيديا كثفنات الإبل، وعليهم قمص مرحضة ، وهم مشمرون وأنهم قالوا له: إنا أتينا ذنبا عظيما حين حكمنا الرجال في دين الله فإن تاب كما تبنا وينهض لمجاهدة عدونا رجعنا.
وأن ابن عباس أخذ في تقريرهم بحجج سلموا بصحتها واقتنعوا بصدقها حيث أخذ يناشدهم الله إلا صدقوا مع أنفسهم فقال لهم: أما علمتم أن الله أمر بتحكيم الرجال في أرنب تساوي ربع درهم تصاد في الحرم، و في شقاق رجل وامرأته؟ فقالوا: اللهم نعم. قال: فأنشدكم الله هل علمتم أن رسول الله أمسك عن القتال للهدنة بينه وبين أهل الحديبية؟ قالوا: نعم، ولكن عليا محا نفسه من خلافة المسلمين. قال ابن عباس: ليس ذلك يزيلها عنه وقد محا رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه من النبوة، وقال سهيل بن عمرو: لو علمت أنك رسول الله ما حاربتك، فقال للكاتب: ((اكتب محمد بن عبد الله)). وقال لهم ابن عباس حينما قالوا له: إن عليا قد كفر حين حكم فليتب – قال لهم ابن عباس: "ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك أن يقر على نفسه بالكفر" .
وقد ذكر صاحب (إبانة المناهج) المحاورة بين ابن عباس والخوارج وأنهم قالوا له في انتقادهم عليا: إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم؛ لئن كانوا كفارا لقد حلت لنا أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت علينا دماؤهم، وأنه محا عن اسمه إمارة المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.
فأجابهم ابن عباس على الشبهة الأولى بقوله: "وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم؛ أتسبون أمكم عائشة أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟! فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام. إن الله تعالى يقول: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب: 6]. فأنتم ترددون بين ضلالين فاختاروا أيهما سلمتم أخرجت من هذه. قالوا: اللهم نعم". إلى آخر ما في تلك المحاورة التي ألزمهم فيها الحجة مما لا نطيل القول بذكره .
وذكر الشاطبي أن ابن عباس أتى الحرورية وهم قائلون بعد أن استأذن من علي وطلب إليه أن لا يفوته بالصلاة بل يبرد حتى يأتي القوم، فأتاهم وعليه حلة فقالوا: ما هذه الحلة عليك؟ قال: قلت: ما تعيبون من ذلك؟! فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أحسن ما يكون من الثياب اليمنية، قال: ثم قرأت هذه الآية قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [ الأعراف:32 ]، فقالوا: ما جاء بك؟ قال: جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيكم منهم أحد ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله، جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم. فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشا فإن الله يقول: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ، فقال بعضهم: بلى فلنكلمه: قال: فكلمني منهم رجلان أو ثلاثة . ثم روى الشاطبي المناظرة التي جرت بينهم بما لا يكاد يختلف عن روايات غيره ممن سبق وكلها تظهر إلزام ابن عباس للخوارج بالحجة التي تدمغهم في خروجهم على الإمام علي رضي الله عنه.
ولكن الواضح يختلف عند صاحب (كشف الغمة) في إيراده لهذه المناظرة؛ فقد أورد ما ذكره ابن عباس في مجادلته لهم، ولكنه ذكر حججا طويلة للخوارج يقرون بها ابن عباس، وفي كل مرة يقول: اللهم نعم – حاصلها أن التحكيم في قضية الصيد لا يكون إلا لمن لا يستحل قلته، وأما معاوية وعمرو بن العاص فهم يستحلون دماء المسلمين ويستحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله – حسب افترائه -؛ فلا تجوز حكومتهم في هذه المسألة وإن تحكيم علي لأبي موسى وهو الرجل الشاك في قتال الفئة الباغية، وممن كان يخذل عن القتال – أمر لا يجوز الوقوع فيه أيضا . والمناقشة طويلة ومعروفة لا تخرج عما تقدم.
إلا أن المؤلف انفرد بذكر أشياء لم يذكرها غيره، وهي أنه كان من ضمن الشروط أن أيما رجل أحدث حدثا من أصحاب علي ودخل في دين معاوية وحكمه؛ فليس لعلي إقامة ذلك الحد عليه لدخوله في دين معاوية وحكمه، وكذلك من أحدث من أصحاب معاوية ودخل في دين علي فليس لمعاوية إقامة ذلك الحد عليه. فهل كان من المعقول أن يتفق علي ومعاوية على تعطيل الحدود فيما بينهما؟! وقد ساق صاحب كشف الغمة ذلك الحوار كله على نحو يدلل فيه على أن معاوية وجيشه هم فئة باغية لا يجوز ترك قتالهم حتى يفيئوا إلى أمر الله، ولكن عليا لم يقف – في نظره – عند هذا الحكم الشرعي فيهم لهذا فهم براء منه.
ثم قال المؤلف أخيرا يبين ما انتهت إليه محاورة ابن عباس للخوارج: "وانصرف من عندهم – يعني ابن عباس – وهو مقر لهم ومعترف لهم أنهم قد خصموه ونقضوا عليه ما جاء به مما احتج به عليهم، فقال له علي: ألا تعينني على قتالهم. فقال له: لا والله لا أقاتل قوما خصموني في الدنيا وإنهم يوم القيامة لي أخصم وعلي أقوى إن لم أكن معهم لم أكن عليهم واعتزل عنه ابن عباس رضي الله عنه ثم فارقه". ويذكر أيضا أنه قال لعلي: "فكف عن القوم فإني على ما أفلجوه" .
ولا يخفى ما فيه رواية هذا المؤلف الخارجي لمناظرة ابن عباس من الهوى والميل إلى جانب الخوارج بإظهارهم وكأنهم في موقفهم هذا يلتزمون الحق ويلزمون الخصوم بالحجة، حتى عاد ابن عباس من عندهم مقرا لهم وملزما بحجتهم كما يزعم، خلافا لما ذكر جميع المؤرخين وكتاب (الفرق)، مهما اختلفت رواياتهم في إيراد تلك المناظرة و في ذكر عدد من رجع من الخوارج مع ابن عباس بعد أن ألزمهم الحجة؛ ذلك أن ابن عبد ربه يذكر أن الذين رجعوا مع ابن عباس ألفان وبقي أربعة آلاف . أما ابن كثير فيذكر أن ابن عباس ناظر الخوارج ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف . وقد بالغ صاحب إبانة المناهج فذكر أن الذين رجعوا مع ابن عباس عشرون ألفا وبقي أربعة آلاف .
وأياً كانت النتيجة التي انتهى إليها ابن عباس، وأيا كان العدد الذي عاد معه من الخوارج قبل أن يناظرهم الإمام علي بنفسه حسب الروايات السابقة، فهناك رواية أخرى للطبري وابن الأثير فيها أن علياً لحق بابن عباس وهو لا يزال يناظرهم، فقال لابن عباس كما يروي الطبري: "انته عن كلامهم ألم أنهك رحمك الله. ثم تكلم فحمد الله عز وجل ثم أثنى عليه فقال: اللهم إن هذا مقام من أفلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة ومن نطق فيه وأوعث فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. ثم قال لهم: من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكوا. قال علي: فما أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومتكم يوم صفين. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم: نجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم. إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال؛ امضوا على حقكم وصدقكم فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ودهنا ومكيدة فرددتم علي رأيي وقلتم: لا، بل نقبل منهم.
فقلت لكم: اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن وإن أبيا فنحن من حكمهما براء. قالوا له: فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء. فقال: إنا لسنا حكمنا الرجال إنما حكمنا القرآن ، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال. قالوا: فخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم. قال: ليعلم الجاهل ويثبت العالم ولعل الله يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة". وبعد انتهاء هذه المحاورة طلب منهم أن يدخلوا الكوفة فدخلوا من عند آخرهم .
وقد أظهر الخوارج في نهاية المحاورة أنهم اعترفوا بصحة ما قاله، وأنهم أتوا ذنبا كفروا به ثم تابوا وقالوا له: "فتب كما تبنا نبايعك وإلا فنحن مخالفون"، ويزعمون أنه بايعهم على هذا. وقد كذبوا كما يقول الطبري وابن الأثير في هذا الزعم ، لأنهم رتبوا عليه خروجهم إلى النهروان حينما أشيع أن عليا رجع عن اعترافه بخطئه في التحكيم حسب ما يرويه أبو رزين بقوله: "فخرج إليهم علي فكلمهم حتى وقع الرضا بينه وبينهم فدخلوا الكوفة فأتاه رجل فقال: إن الناس قد تحدثوا أنك رجعت لهم عن كفرك. فخطب الناس في صلاة الظهر فذكر أمرهم فعابه وقال: من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب ومن رآها ضلالا فهو أضل منها". فوثبوا من نواحي المسجد يقولون: (لا حكم إلا لله)، واستقبله رجل منهم واضعا أصبعيه في أذنيه فقال: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65] ، فقال علي: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ [ الروم: 60]
وحين شاهد على هذا النفور منهم جعل يقلب يديه على المنبر ويقول: "حكم الله عز وجل ينتظر فيكم – مرتين، إن لكم عندنا ثلاثا: لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم في أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا" . فكان الناس يقولون لعلي: إنهم خارجون عليك. فقال: "لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون" .
ويبدوا من هذا – إن صحت الرواية السابقة عنه – أن الخوارج حينما رجعوا لو عوملوا ببعض الأناة ربما كانت تلك العاصفة قد مرت بسلام، لولا ما جاء به ذلك الرجل إلى الإمام علي ثم قيام الإمام علي بإعلان تكذيب ما نسب إليه على رؤوس الناس وإخبارهم أنه لم يرجع عن الحكومة وأن الذين رأوها ضلالا هم الضلال، فإن هذا – وإن كان هو اللائق بالإمام علي الذي لا يعرف الخداع والمداهنة – هو الذي جر عليه غضب هؤلاء وانهدم ما أمله فيهم حين رجوعهم من حروراء إلى الكوفة؛ فقد صدق ما توقعه منهم من قتالهم له فخرجوا من الكوفة متواعدين على اللقاء بالنهروان وإن حيث كانت الموقعة الكبرى بين الفريقين بزعامة عبد الله بن وهب الراسبي.

المصدر الدرر السنية….

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده