التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

من أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم – سنة النبي


.اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .اللهم إني أعوذ بك من الفقر ، والقلة والذلة وأعوذ بك من ان أَظلِم أو أُظلَم .يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك..

.اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل ، وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات .الله أهدني وسددني ، اللهم إني أسالك الهدى والسداد..

.اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق ، والأعمال والأهواء. اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ودعاء لا يُسمع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن علم لا ينفع . أعوذ بك من هؤلاء الأربع ..

.اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجأة نقمتك ، وجميع سخطك .اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في الدار المقامة ، فإن جار البادية يتحول .اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً متقبلاً ..

.اللهم إني أسألك العافية في الدنيا ولآخرة .اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث منيِّ وانصرني على من يظلمُني ، وخذ منه بثأري .اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..

.اللهم احسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ..

.اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل .اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ، ومن ليلة السوء ، ومن ساعة السوء ، ومن صاحب السوء ، ومن جار السوء في دار المقامة ..

.اللهم أكثر مالي وولدي وبارك لي فيما أعطيتني .اللهم إني أسألك يا الله بأنك الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم ..

.لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم . اللهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار ..

.اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت .اللهم طهرني من الذنوب والخطايا اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد..

.لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت (وحدك لا شريك لك) المنان يا بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام يا حي ياقيوم إني أسألك (الجنة وأعوذ بك من النار)..

.اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني .اللهم ارزقني حُبك وحُب من ينفعني حُبّهُ عندك ، اللهم مارزقتني مما أُحبُ فاجعله قوة لي فيما تحب ، اللهم ما زويت عني مما أُحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب..

.اللهم إني اسألك عيشة نقية وميتة سوية ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح.اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليَّ كل غائبة لي بخير .اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي ..

.اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والهرم وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها زكها انت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها .اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها ..

.اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنت المستعان وعليك البلاغ . ولا حول ولا قوة إلا بالله .اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع..

.اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وربَّ إسرافيل أعوذ بك من حر النار ومن عذاب القبر .

اللم إني أعوذ بك من شر سمعي ، ومن شر بصري ، ومن شر لساني ، ومن شر قلبي ومن شر منيي.

.

.اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة ، وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء ، وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجزام والبرص وسييء الأسقام ..

.اللهم اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سني ، وانقطاع عمري .اللهم إني أسألك بأني اشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ..

.رب أعني ولا تعن عليّ ، وانصرني ولا تنصر عليّ وامكر لي ولا تمكر عليّ ، وأهدني ويسر الهدي إليّ ، وانصرني على من بغى عليّ ، رب اجعلني لك شكاراً لك ذكاراً ، لك رهَاباَ ، لك مطواعاً إليك مخبتاَ أوّاهاً منيباَ ، رب تقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حُجتي واهد قلبي ، وسدد لساني ، وأسْلُلْ سخيمة قلبي ..

.اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ، ومن سيئ الأسقام .اللهم قني شر نفسي واعزم لي على ارشد أمري ، اللهم اغفر لي ما اسررتُ وما أعلنتُ ، وما أخطأتُ وما عملتُ وما جهلتُ..

.اللهم حاسبني حساباً يسيراَ .اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات حُب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون ، وأسألك حُبّك ، وحب من يُحبِك، وحُب عمل يقربني إلى حُبك..

.اللهم فقهني في الدين .اللهم احفظني بالإسلام قائماً ، واحفظني بالإسلام قاعداً واحفظني بالإسلام راقداً ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً . اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك ، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ..

.اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من البخل ، وأعوذ بك من أن أُرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر .اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء ، والأعمال ، والأدواء..

.اللهم أغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ، ما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي ، وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي .اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدَّين ، وغلبة العدوِّ ، وشمائة الأعداء. اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت . فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ، أعوذ بالله من ضيق المقام يوم القيامة ..

.رب اغفر لي وتب عليّ إنك انت التواب الغفور.اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت .اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتن..

.اللهم إنّا نسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والسلامة من كل إثم ، والغنيمة من كل بر ، والفوز بالجنة والنجاة من النار. اللهم إني أعوذ بك من البخل والجبن وسوء العمر وفتنة الصدر وعذاب القبر ..

.اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك .اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحرق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مُدْبراً وأعوذ بك ان أموت لديغا..

.اللهم إني أعوذ بك أن اشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا اعلم .اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ، واعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة ..

.اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر ..

.اللهم ألف بين قلوبنا ، واصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ، ونجنا من الظلمات إلى النور , وجنبنا الفواحش ما ظهر منها ومابطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابلين لها وأتممها علينا ..

.اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقِلة والذِلة ، وأعوذ بك من أن أَظلم أو أَظلم ، يا مُقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ..

.اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ، ومن شر ما لم أعمل .اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ، ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء ، ومن صاحب السوء ، ومن جار السوء في دار المقامة..

.لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . اللهم إني أسألك بان لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان يا بديع السماوات والأرض ياذا الجلال والإكرام ياحي يا قيوم إني اسالك الجنة وأعوذ بك من النار ..

.اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات . اللهم اهدني وسددني ، اللهم إني أسألك الهدى والسداد ..

.اللهم أكثر مالي وولدي وبارك لي فيما اعطيتني ، اللهم إني أسالك يالله بأنك الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم ..

.اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني . اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك . اللهم وارزقني مما احب فاجعله قوة لي فيما تحب . اللهم ما زويت عني مما احب فاجعله فراغاً لي فيما تحب..

.اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء . اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ومن نفسع لا تشبع ومن علم لا ينفع .اعوذ بك من هؤلاء الأربع . .

.لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم .الله إني أسالك الجنة وستجير بك من النار ..

.اللهم إني أسألك عيشةً نقية وميتة سوية ومرداً غير مخز ولا فاضح.اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير . اللهم الهمني رشدي واعذني من شر نفسي..

.اللهم إني اعوذ من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك ، وجميع سخطك. اللهم إني اعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول . اللهم إني اسالك علماً نافعاً ورزقاً طيباً ، وعملاً متقبلاً..

.اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، واصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت ، طهرني من الذنوب والخطايا ، اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم طهرني بالثلج وبالبرد والماء البارد ..

.اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم ، وعذاب القبر . اللهم أتي نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكَّها ، أنت وليها ومولاها .

اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

قواعد نبويه 9/50 – د. عمر بن عبد الله المقبل

"قواعد نبويه [9/50] " .. د. عمر بن عبد الله المقبل

القاعدة الثامنـــــة.."إنما الطاعة في المعروف".

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من آتاه ربه جوامع الكلم في أقواله، وعظيم الأخلاق في أفعاله، أما بعد:
فمرحباً بكم أيها القراء الكرام في حلقة جديدة من حلقات هذه السلسلة "قواعد نبوية" والتي نتذاكر فيها قاعدة من القواعد النبوية، وجوامع الكلم المصطفوية، بعنوان:
"إنما الطاعة في المعروف".

عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا ، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ ، فَقَالَ : اجْمَعُوا لِي حَطَبًا ، ثُمَّ قَالَ : أَوْقِدُوا ، فَأَوْقَدُوا ، ثُمَّ قَالَ : أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَسْمَعُوا وَتُطِيعُوا ؟ ، قَالَ : فَادْخُلُوهَا ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ ، فَكَانُوا كَذَلِكَ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتِ النَّارُ ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ " .

هذه هي قصة هذه القاعدة العظيمة، والتي لا تختص بهذا السبب – فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب – بل هي عامة في كل من تجب طاعته من الولاة، والوالدين، والزوج، وغيرهم؛ فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وطاعة كل واحد منهم إنما تكون بحسب حاله، وبما يقتضيه العرف؛ وهذا من عظمة هذا الدين، فإنك تجده في الأمور التي يصعب ضبطها بسبب اختلاف الأحوال أو الأزمان أو الأشخاص يَرُدّ الناس إلى العرف والعادة، كما هو الحال في البر والصلة، والعدل والإحسان العام، فكلها تقيد بهذا القيد.

ويفهم مما سبق أمور:
أولها: أن من أمر منهم بمعصية الله، وهذا يشمل: فعل المحرم وترك واجب، فإنه لا طاعة له، ولهذا "أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته؛ قال الله عز وجل:"وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ". (2)

وقد فقه هذا المعنى أمراء العدل، ومنهم عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – حيث قال في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: "أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم".

كما فقهه أئمة الدين، ومن تأمل في سيرة الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – على سبيل المثال- وجدها في قمة التوازن، فإنه لما دعي إلى معصية الله -وهي القول بخلق القرآن- أبى، ولم يجب بحرف واحدٍ، وعذّب بسبب ذلك من قبل إمامه، وحصل له من المحن والابتلاء شيء عظيم، وهو في الوقت ذاته صابر محتسب، رابط الجأش، ولم تكن تلك الفتنة لتجعل ميزانه في باب السمع والطاعة لولاة الأمور أن يختل – وإن ظلموا وجاروا – بل كان ينهى من يريد الخروج عليهم، وختم حياته بإباحة كل من آذاه إلا من كان عدواً للإسلام، أما من كانت عداوته شخصية فقد أباحه وحلّله – رحمه الله -.

يقول حنبل – وهو ابن عمه رحمه الله -: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا – يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك – ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك، وقال عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، وقال: ليس هذا صواباً، هذا خلاف الآثار. (3)

ثاني دلالات هـــــــــــــــــذه القاعدة النبوية "إنما الطاعــــــــــة في المعروف":
أنه إذا تعارضت طاعة هؤلاء الواجبة، ونافلة من النوافل؛ فإن طاعتهم تقدم؛ لأن ترك النفل ليس بمعصية، فمثلاً لو نهى زوجته عن صيام النفل لمصلحته، أو حج النفل، أو أمر الوالي الشرعي بأمر من أمور السياسة وهذا الأمر يترتب عليه ترك مستحب؛ وجب تقديم طاعته لأنها واجبة، وإن ترتب عليه ترك المستحب.

و أؤكد ههنا على أن ذلك في حالة التعارض، أما إذا لم يكن ثمة تعارض، بل أمكن طاعتهم مع فعل النافلة، فإنه لا طاعة لهم في النهي عن النفل، وأضرب لذلك مثالاً يوضح المعنى: فلو أن أحد الوالدين طلب من ولده أن يذهب به إلى السوق بعد الصلاة مباشرةً، وعامل الوقت في هذا مقصود، والولد يريد أن يتنفل، فهنا تعارض أمر الوالد ونافلة الولد، فهنا يقال: يجب على الولد أن يبادر لخدمة والده؛ لأن تأخره عن الذهاب في ذلك الوقت قد يضر به، أو يفوّت عليه مصلحة من المصالح، لكن لو كان الذهاب إلى السوق فيه سعة من الوقت، ولكن الوالد قال: لا أريدك أن تتنقل، من غير سبب، فهنا لا طاعة له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيّد الطاعة بالمعروف، فقال: "إنما الطاعة في المعروف".

ومن المسائل التي يبتلى بها بعض الأزواج: أن تأمره أمه بطلاق زوجته لغير سبب شرعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته قال لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها وليس تطليق امرأته من برها. (4)

ومن المسائل التي يبتلى بها بعض الناس: ما سئل عنه الإمام أحمد – رحمه الله – من قبل أحد طلاب العلم، حيث يقول: إني أطلب العلم، وإن أمي تمنعني من ذلك، تريد حتى أشتغل في التجارة، قال: لي دارها وأرضها، ولا تدع الطلب. (5)

وهذه الأجوبة من هؤلاء الأئمة رحمهم الله – وغيرها كثير – هي من فقههم التطبيقي لهذه القاعدة النبوية العظيمة: "إنما الطاعة في المعروف".

"وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين، وينشد:

إن اللبيب إذا بــــــــــــــــــدا من جسمه
مرضان مختلفان داوى الأخطــــــــــراً (6)

أيها الإخـــــــــــــــــــــــــــــــوة الأكارم:
ومن دلالات هذه القاعدة – وهي الدلالـــــــــــــــــــــــة الثالثة في حديثنا هــــــــــــــــــــــــــــذا -:
أن هذه الطاعة – كغيرها من أوامر الشرع- منوطة بالاستطاعة، فإنه إذا كانت الأوامر الواجبة بأصل الشرع معلقة بهذا القيد، فكذلك طاعة هؤلاء، الذين طاعتهم تبع لطاعة الله؛ وقد جاءت نصوص تصرّح بهذا القيد في بعض هذه المواضع الخطيرة، كقوله صلى الله عليه وسلم – حديث ابن عمر – في طاعة الأمراء:"عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يُبَايِعُنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَيُلَقِّنُهُمْ فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ " . ".
وفي شأن بيعة النساء، قال الله تعالى:"وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ"[الممتحنة: 12].

كانت هذه – أيها الإخوة الكرام – منارات وإشارات، في بيان هذه القاعدة النبوية الشاملة، وإلا فإن شرحها يمكن أن يفرد بحلقات؛ لعظيم ما اشتملت عليه من أحكام جليلة، ومعان كثيرة.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً، يعز فيه أولياؤك، ويذل فيه أعداؤك، والطف بها في مضلات الفتن والأهواء، إنك سميع مجيب الدعاء.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وإلى لقاء جديد في حلقة قادمة بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

___________

(1) البخاري: (7145)، ومسلم: (1840).
(2) التمهيد: (23/ 277).
(3) الآداب الشرعية: (1/175).
(4) الآداب الشرعية: (1 / 447).
(5) الآداب الشرعية: (2/35).
(6) مجموع الفتاوى: (20/54).

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

حديث – كان اسمي برة – سنة النبي

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حديث (كَانَ اسْمِي بَرَّةَ..)

عن زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ اسْمِي بَرَّةَ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ.

قَالَتْ : وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا بَرَّةُ فَسَمَّاهَا زَيْنَبَ . (1)

مقدمة
الصَّحابيتان:

1 – زينب بنت أبي سَلمة القرشية المخزومية، ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

ولدتها أمها بأرض الحبشة وقدمت بها إلى المدينة، وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروت عنه وعن أزواجه؛ أمها عائشة وأم حبيبة وغيرهن .

تزوجت عبد الله بن زمعة فولدت له، وكانت من أفقه نسَاء زمانها.
روى عنها ابنها أبو عبيدة بن عبد الله ، وروى عنها محمد بن عطاء وغيره .

وكانت أسماء بنت أبي بكر أرضعتها فكانت أخت أولاد الزبير – رضي الله عنه – ذكرها العجلي في ثقات التابعين لاشتراطه البلوغ في الصحبة، توفيت سنة 73هـ -رضي الله عنها-. (2)

3 – زينبُ بنت جحش، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم :

هي زينب بنت جحش بن رئاب من بني خزيمة، تكنى أم الحكم، أمها أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 5 هـ، وقيل سنة 3هـ، بعد أم سلمة، وهي التي ذكرها الله سبحانه بقوله(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (3) ، فلما طَّلقَها زيد بن حارثة –رضي الله عنه- وانقضت عدّتها، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان تفخر على نسائه بتزويج الله لها من فوق سبق سماوات لرسول صلى الله عليه وسلم ، وغيرها من النساء يزوجهنّ أولياؤهنّ، وتفخر بأنها ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت ذات ورع وتقى وصدق في الحديث وصلةٍ للرحم وبذلٍ للصدقات، كانت امرأة صناع السيد تعمل بيدها وتصدق به في سبيل الله، فتقربُ به إلى الله عز وجل، وهي أولُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحاقًا به، توفيت سنة 20هـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوجها وهي ابنة 35 سنة – رضي الله عنه – . (4)

من فوائد الحديث:

1/ كان النبَّيُّ صلى الله عليه وسلم يأمر أمتَّه بتحسين أسمائهم وكان يعجِبُه تغيير الاسمِ لمصلحةٍ تقتضيهِ، وهي قُبحُ معناه، أو دلالتُه على الشؤم والطِّيَرة ونحوها .

روى أبو داود في سننه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّكُم تُدعَونَ يَومَ القَيامَة بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءكُمْ »(5) . قال أبو داود: ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدَّرداء .

قال ابن القيم – رحمه الله – : وفي هذا – والله أعلم – تنبيهٌ على تحسين الأفعال المناسبة لتحسين الأسماء، لتكون الدعوة على رؤوس الأشهاد بالاسم الحسن، والوصف المناسِبِ له (6) .

وقد غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءَ عَدَدٍ من الصحابةِ لحبِّه التيمُّن والفأل والاسم الحسن، ومنهم العاص، حوّله إلى عبدالله، وعاصِيّة إلى جميلة؛ كراهة لاسم العِصيان .

وقد كان العرب يسمّون بالعاص والعاصية ذهابًا إلى معنى الإباء عن قبول النقائص والرضا بالضيم، فلما جاء الإسلام كرهه لهم، لأن شعار المسلم الطاعة، وصفته العبودية (7) .

ويكون الاسم حاميًا للمرء من أن تحدّثه نفسه بالمعصية والشر فضـلاً عن الوقـوع فيهما (8) .

2/ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأسماء التسمِّي بمالا تزكية فيه ولاذم .

وفي الحديث تحويل اسم «برَّة » إلى «زينب » لأنه كان تزكية ومدحًا، وعلى هذا النحو سائر الأسماء التي غيرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأولى الأسماء بالتسمَّي أقربها إلى الصدق والحق، وأحراها أن لا يشكل على سامعها لأن الأسماء موضوعة للدلالة والتعريف (9) .

قال الطبريُّ: لا ينبغي لأحدٍ أن يتسمَّى باسم قبيح المعنى، ولا باسم معناه التزكية والمدح، ولا باسم معناه الذمّ والسبُّ، بل ينبغي أن يسمِّي بما كان صدقًا وحقًا، فالأسماء لم توضع على المسمَّيات لصفاتها، بل للدلالة على أشخاصها خشية أن يسمح سامع باسم العاصي فيظن أن ذلك صفة له، وأنه سمِّي بذلك لمعصية ربِّه (10) .

3/ الأسماء قوالب المعاني، ودالَّة عليها، وبينهما ارتباط وتناسب، وربما كان للأسماء تأثير في المسمَّيات ، وللمسمَّيات تأثُّر بأسمائها في الحسن والقبح، والخفة والثقل، واللطافة والكثافة، تأمَّل كيف اشتقَّ للنبي صلى الله عليه وسلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه، وهما أحمد ومحمد، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة محمَّد، ولشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد، فارتبط الاسم بالمسمى ارتباط الروح بالجسد.

وارتبط الاسم بمعناه في اليقظة والمنام كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه وأصحابه في دار عقبة بن رافع فَأتوا برُطَبٍ من رُطب ابن طاب، فأوّله بأن لهم الرفعة في الدنيا والعاقبة في الآخرة .

وأن الدين الذي اختاره الله لهم قد أرطب وطاب (11) ، ولمّا كان بين الأسماء والمسمّيات من الارتباط والتناسب ما بين قوالب الأشياء وحقائقها عَبَرَ العقل من كلٍّ منهما إلى الآخر. كما كان إياس بن معاوية يرى الشخص فيقول ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت، فلا يكاد يخطئ (12) .

4/ قال الطبري – رحمه الله – : ليس تغيير رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غيّر من الأسماء على وجه المنع للتسميّ بها، بل هو على الاختيار والندب إلا إذا كان فيه محذور شرعي يجب تغييره؛ لأن الأسماء لم يتسمّ بها لوجود معانيها في المسمى بها، وإنما هي للتمييز، ولذلك أبيح تسمِّي القبيح بحسن، والرجل الفاسد بصالح … الخ .

ويدل على ذلك قول جدّ ابن المسيّب للنبي – عليه الصلاة والسلام – حين قال له أنت سهل: ما كنت أغير اسمًا سمّانيه أبي، فلم يُلْزِمه الانتقال عنه على كل حال .

ولا جعله بثباته عليه آثمـًا لربه، ولو كان آثمـًا لجبره على الانتقال عنه، إذ غير جائز في صفته عليه السلام أن يَدَعَ منكرًا وله إلى تغييره سبيل (13) .

قال القاضي عياض – رحمه الله – : تحويل الأسماء إلى ما هو أحسن وأولى على طريق الندب والترغيب إلا ما جاء ممنوعًا بالوعيد (14) .

5/ عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُم إلى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرحمنِ » (15) .

لما كان الاسم مقتضيًا لمسمَّاه، متَّصِلاً به عن قُرْبٍ، مؤثّرًا فيه كان أحبُّ الأسماءِ إلى الله عزَّ وجل ما اقتضى أحبَّ الأوصاف إليه، كعبد الله، وعبد الرحمن، وكان إضافةُ العبوديَّة إلى اسم الله، واسم الرحمن، أحبَّ إليه من إضافتهما إلى غيرهما، كالقاهر والقادر، فعبد الرحمن أحب إليه من عبد القادر وعبدُ الله أحب إليه من عبد ربِّه، وهذا لأنَّ التعلّق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة، والتعلُّق الذين بين اللهِ وبين العبد بالرحمة المحضة، فبرحمته كان وجوده، والغاية التي أوجده لأجلها هي أن يتألَّه له وحده محبَّةً وخوفًا، ورجاءً وإجلالاً وتعظيمًا فيكون عَبْد اللهِ وقد عَبَده لما في اسم الله من معنى الإلهيَّة التي يستحيل أن تكون لغيره، ولما غلبت رحمتُه غَضَبه وكانت الرَّحمة أحبَّ إليه من الغضب، كان عبدُ الرحمن أحبَّ إليه من عبد القاهر(16) (17) .

قال القرطبي: كانت أحبَّ إلى الله لأنها تضمنت ما هو وصف واجب لله تعالى وما هو وصف للإنسان وواجب له وهو العبودية، ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذه الأسماء، وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة (18) .

5/ في قوله صلى الله عليه وسلم : «لاَ تُزكُّوا أَنْفُسَكُم، اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ البرِّ مِنْكُمْ ». وقوله تعالى:( هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (19) .

دليل من الكتاب والسنَّة على المنع والنهِّي عن تزكية الإنسان نفسه أو نعتها بنعوت المديح والإطراء .. والمزكَّى من حسنت أفعاله وزكاه الله عزّ وجل، فلا عِبْرة بتزكية الإنسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له .

ولما ظهرت هذه النعوت المذمومة كزكي الدين وخير الدين ..ونحوها مع فشوِّ قبائح المسلمين ظهر تخلُّف هذه الأسماء عن معانيها فصارت لا تفيد شيئًا، بَلْه مسبَّة وخزيًا لأصحابها.

وأمَّا تزكية الغير ومدحه فالضابط له أن لا يفرط في مدحه، وبما ليس فيه، فيكون باطلاً، وسببًا إلى دخول الإعجاب والكبر في الممدوح إذ يظنه حقيقة، فيحمله ذلك على تضييع العمل، وترك الازدياد من الفضل .

وعلى هذا تأوّل العلماء قوله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا رَأَيْتُم المدَّاحين فاحْثُوا في وُجُوهِهِمُ التُرابَ»(20)

والمراد: هم المدَّاحون الذين يتخذونه بضاعةً يفتنون بها الممدوح ويستأكلون به (21) .

وأما مدح الرجل بما فيه من الأمر المحمود والخلق الحسن ليكون تحريضًا للناس على الاقتداء به، وترغيبًا له في أمثاله فسائغ بما تكلّم به من جميل القول (22) ، وهو راجع إلى النية، وحال الممدوح، وعبارة المديح

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

ما معنى الغلو في حب النبي – صلى الله عليه وسلم السنة النبوية

السلام ورحمة الله وبركاته

ما معنى الغلو في حب النبي -صلى الله عليه وسلم-؟



الغلو الزيادة بأن تفعل شيء ما شرعه الله، هذا غلو، تقول: غلى القدر إذا ارتفع الماء بسبب النار، الغلو معناه الزيادة في غير المشروع، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)، والله يقول -سبحانه-: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ[النساء: 171]، فالغلو الزيادة في المحبة، في الأعمال التي شرعها الله، يقال له: غلو، مثلاً تقول الله افترض علينا خمس صلوات، أنا أحط سادسة …….. وأوجبها على الناس، أنت مثلاً سلطان أو أمير تقول: ….. زيادة خير صلاة سادسة هذا ما يجوز، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا غلو، أو تقول: أنا أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- فأدعوه من دون الله، أقول يا رسول الله اشفي مريضي وانصرني بعد موته، هذا غلو، ….. الله، الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ادعو الله، أمرك أن تدعو الله، ما أمرك أن تدعوه، أمرك أن تدعو الله، والله يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[غافر: 60]، فعليك أن تدعو الله لا تسأل الرسول، ويقول -جل وعلا-: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[المؤمنون: 117]، فدعاء غير الله من الأموات والأشجار والأحجار حتى النبي كفر أكبر، هذا من الغلو, ومن الغلو أن تزيد فيما شرع الله من سائر العبادات، شرع الله أن توسل بأسماء الله وصفاته وبالأعمال الصالحة، تزيد أنت توسل بجاه النبي، أو ببركة النبي، أو بحق النبي، هذا بدعة هذا غلو، لكن توسل بالأعمال الصالحة، بحبك للنبي نعم، اللهم إني أسألك بحب نبيك، بمحبتي نبيك، بإيماني بنبيك هذا طيب، هذه وسيلة شرعية، لكن بجاه نبيك هذه ماله أصل، بحق نبيك هذا ما هو مشروع، ببركة نبيك هذا ما هو مشروع، المشروع أن تتوسل بمحبتك، بإيمانك به، باتباعك له، بطاعتك له، هذه الوسيلة الشرعية، أو بأسماء الله وصفاته أو بالإيمان بالله ورسوله.

حب النبي بين الغلو والجفاء

الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً…
أما بعد:
فإن الله تعالى افترض على العباد طاعة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومحبته وتوقيره والقيام بحقوقه, وسد الطريق إلى جنته فلن تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره, وقام المسلمون بأداء ما افترضه الله عليهم من محبة نبيه وتوقيره وإكرامه وبره واتباعه وطاعته حق قيام، وظهر من حبهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جعلهم يفدونه بكل عزيز وغال، ويؤثرونه على الأهل والأوطان والأموال، حتى باعوا أنفسهم وأموالهم لرب العالمين؛ نصرة لدينه، ودفاعاً عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- ونشراً لهذا الدين في العالمين، فرضي الله عنهم أجمعين.
حتى إذا دب الضعف في هذه الأمة، أدركتها سنة الله في الأمم، فظهر فيها التفرق والاختلاف، والعداوة والبغضاء، وتفرق أهل القبلة على فرق شتى وطرائق قدداً، واتخذ النفاق فرصته السانحة في توسيع شقة الخلاف، ورفعت الزندقة رأسها، ودخلت معترك الفرق بقديم حقدها، وكوامن غيظه؛ كيداً لهذا الدين الذي قوض أركانها، وأذهب من الأرض سلطانها.
وقد استمال هؤلاء الزنادقة الأغرار بالعقائد الباطلة، واستغلوا الفتن التي وقعت بتدبيرهم في تزيين الكفر وإلباسه ثوب الغلو في علي -رضي الله عنه- وآل البيت من ذريته, حتى خرجوا بأكثر الناس من الإسلام إلى مذاهبهم الباطلة, وتوارث أخلافهم سنتهم في الغلو, فغلوا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أخرجوه من نطاق البشرية إلى مرتبة الألوهية، ونسبوا إلى الله ورسوله ما لا يليق من صنوف الكفر والبهتان الهادمة لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أصول الإسلام والإيمان, وزعموا أنهم بذلك يريدون إظهار حبه وتعظيمه، وأوهموا المخدوعين بهم أنهم أولى الناس بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأكثرهم حباً له, وحاولوا إخفاء زندقتهم بدعاوي الزهد والتنسك والتصوف, فمال إليهم الأغرار، وظنوا أنهم من الأبرار الأخيار، وأنهم أحباب النبي المصطفى المختار.
ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون, فقيض سبحانه من عباده المخلصين، وحزبه المفلحين من أزاح الغشاوة عن الأبصار، وبين للناس زيف الزنادقة الأشرار، وأنهم لا يريدون إلا هدم الدين وتغيير سنة خاتم المرسلين, فتتبعوا أقوالهم وأحوالهم، وكشفوا عن وجوه زندقتهم, حتى غدا أمرهم لأولي الأبصار مكشوفاً واضحاً، وتبين لأولي النهى من كان لله ورسوله محباً صادقاً، ومن كان في دعوى المحبة دجالاً كاذباً، ولإفساد دين المسلمين ساعياً.
الاعتقاد الصحيح عند ذوي العقل الصريح:
إن الاعتقاد الصحيح الذي يرضاه الله من عباده هو أن يعلم المسلم أن ربه العليم الحكيم شاء أن يكون رسله إلى الناس بشراً من جنس المرسل إليهم وبلسانهم ليبينوا لهم شرع ربهم، ولتقوم بهم الحجة على الناس، وتنقطع عنهم المعاذير، ويسهل عليهم اتباع رسلهم، والفهم عنهم، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (4) سورة إبراهيم. وقال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} (11) سورة إبراهيم.
ويوضح الله بعض جوانب هذه البشرية فيقول سبحانه: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} (20) سورة الفرقان. ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعاً من الرسل بل كان بشراً كغيره من الأنبياء والرسل السابقين عليه, قال تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (9) سورة الأحقاف. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (110) سورة الكهف.
وهذا أبلغ تأكيد من الله على أن الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- بشر مثلنا له كل خصائص البشر وصفاتهم وهو مع ذلك مفضل بالوحي والرسالة.
والآيات القرآنية تثبت بشرية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مواقف كثيرة, وتوضح أنه بشر لم يخرج عن نطاق البشرية، وأن ما أتى به من وحي أو جرى على يديه من آيات فإنما هو بقدرة الله وحده، وأن الرسول لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً إلا أن يشاء الله, قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (50) سورة العنكبوت. وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (188) سورة الأعراف.
وكما أن الرسول لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فهو من باب أولى لا يملك لغيره الضر والنفع أو الهداية والصلاح، بل كل ذلك بيد الله وحده؛ قال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء} (129) سورة آل عمران. وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (21) سورة الجن. وقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (56) سورة القصص.
ولما طالب كفار قريش الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمطالب تعجيزية ذريعة لهم للتكذيب والكفر، كان رد الله تعالى عليهم هو التأكيد على بشرية الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا* َ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا* أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} (90-93) سورة الإسراء.
ففي قوله تعالى: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} تأكيدٌ على أن الرسول بشر يقف عند حدود بشريته، ولا يأتي بشيء من عنده.
وإن المتأمل في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيرته توضح هذا الأمر أتم توضيح فقد عاش -صلى الله عليه وسلم- بشراً تجري عليه أعراض البشرية طيلة حياته منذ أن ولد إلى أن مات فأكل وشرب، ومشى في الأسواق، وباع واشترى، وتزوج وأنجب، وحارب وسالم، وغضب ورضي، وفرح وحزن، وأدركه المرض فمرض، ومات كما يموت سائر البشر, صلى الله عليه وسلم.

وكل من عايش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو تتبع سيرته أدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك. والرسول صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله يؤكد هذا الأمر فيقول فيما رواه مسلم بسنده عن عبد الله بن مسعود وفيه ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ).

وقال فيما رواه البخاري عن أم سلمة -رضي الله عنها-: ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ).
ففي الحديث الأول يبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يتذكر وينسى أحياناً؛ وهو شأن البشر جميعاً، وفي الحديث الثاني يؤكد على عدم علمه للغيب بمقتضى طبيعته البشرية إلا أن يطلعه الله على ما شاء من الغيب كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (26-27) سورة الجن.
ومع كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشراً, إلا أن الله -عز وجل- هيأه تهيئة خاصة تتناسب مع هذا الأمر العظيم الذي اصطفي له, فكمله في الخلق والخلُق، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكمل البشر في كافة الجوانب البشرية، كما كان أكملهم عبودية لربه وقياماً بحقه, فكمال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عبوديته التامة لربه سبحانه وتعالى.
ولأجل هذا وصفه الله بالعبودية في أكمل مقاماته وأرفع درجاته -صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (1) سورة الإسراء. وقال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (10) سورة النجم. وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} (1) سورة الكهف. وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} (19) سورة الجن.

فمنزلة العبودية لله هي أرقى درجات الكمال البشري؛ لأن الله إنما خلق الخلق لعبادته، وأكمل الخلق قياماً بهذا الأمر أتمهم عبودية له، ولا يصدق هذا في المقام الأول إلا على الأنبياء والرسل، وأكملهم محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أكمل الله له مقام العبودية, فلم يختر عليه ما سواه لعلمه بعظم هذه المنزلة عند ربه, فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحق هذه العبودية أتم قيام، فدعا الناس إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، وأخرجهم من العبودية لأهوائهم وشهواتهم إلى العبودية لله رب العالمين، كما صان مقام عبوديته لربه من كل ما يفسده أو يضعفه.

كفاكم غُلوَّاً أيها المُدَّعون:
لقد أعلَمَ –عليه الصلاة والسلام- أمَّته أن منزلته الحقيقية هي العبودية والرسالة فقال فيما رواه الإمام أحمد بسنده عن أنس وفيه: ( أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولُهُ, أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ). وأخرج البخاري بسنده عن عمر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ).
لقد استحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون العبد الأول لربه، ولذلك خصه الله من عباده المرسلين بما لم يعطه أحداً غيره، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول مشفع.
ومع وضوح هذا الأمر لعامة المسلمين وخاصتهم إلا أننا نرى بعض الطوائف المنتسبة إلى الإسلام غلت في الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما يخرجه عن حد البشرية، ولقد كان الشيعة أول من فتح باب الغلو في الأشخاص وذلك بغلوهم في علي -رضي الله عنه- وذريته حتى ذهبوا في ذلك مذاهب شتى, فمنهم من ادعى أن علياً وذريته معصومون, ومنهم من ادَّعى أن علياً كان نبياً، ومنهم من غلا فيه حتى ادَّعى أنه إله وأن روح الإله حلَّت فيه وفي الأئمة من ذريته.
ولما كان علي -رضي الله عنه- ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وزوج ابنته، ووصيه وخليفته من بعده- على مذهبهم- كان طبيعياً أن يبتدئ غلوُّهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويأخذ دور التسلسل إلى علي -رضي الله عنه- والأئمة من ذريته، لذلك نجد لدى غلاة الشيعة عقائد باطلة تدور حول أزلية وجود الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأسبقيته على الكون وأنه ليس كسائر البشر بل هو مخلوق من نور.
وقد روى الكليني نصَّاً منسوباً زوراً وبهتاناً إلى جعفر الصادق يدور حول أزلية وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ما يطلق عليه الصوفية الحقيقة المحمدية أو النور المحمدي, يقول النص على لسان جعفر الصادق: "كنا عند الله وليس عنده أحد سوانا لا ملك ولا غيره, ثم بدا له فخلق السماوات والأرض فخلق ونحن معه" إلى أن قال: "ونصب الخلق في صورة كالهباء قبل دخول الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته، وتوحيد جبروته، وأتاح نوراً من نوره فلمع، ونزع قبساً من قبسه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصورة الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال الله عز من قائل: أنت المختار والمنتخب وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأموج الماء، وأرفع السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل به عليهم دقيق، ولا يغيب عنهم به خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي". ومما قال: "ولم يزل الله تعالى يخبئ النور تحت الزمان إلى أن وصل محمداً في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً …. ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمور وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتم الأئمة، منقذ الأمة، وغاية النور ومصدر الأمور!!!!".
وصور الغلو في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كثيرة وبيانها ظاهر في كتب الصوفية الملاحدة كالحلاج وابن عربي وغيرهما ممن ادعوا حب النبي زوراً وبهتاناً بقصد إغواء الناس ونقلهم إلى أفكارهم الهدامة تحت مبرر حب النبي وآله, ومن أمثلة ذلك ما ذكره الأشعري في مقالات الإسلاميين أن الصنف الخامس عشر من أصناف غلاة الشيعة يزعمون أن الله -عز وجل- وكَّل الأمور وفوضها إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها, وأن الله سبحانه لم يخلق من ذلك شيئاً, ويقول ذلك كثير منهم في علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
احذر الجفاء:
إذا كان الغلو مذموماً, فإن هذا لا يعني أن يتصف العبد بنقيض ذلك حتى يصل إلى الجفاء, ولا يتأدب بما أوجبه الله على عباده تجاه رسول الله –صلى الله عليه وسلم, بل المؤمن الحق هو الذي يتصف بالوسطية والعدل في شؤونه كلها ومن ذلك عبادة الله وتعظيم الأنبياء وإعطائهم حقهم من التعظيم دون غلو أو جفاء.
وإن من الجفاء الذي يجب نبذه: عدم التأدب في الحديث والكلام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كصنيع بعض الشعراء والكتاب في تشبيه بعض الولاة والحكام أو وصفهم بصفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخاصة به, كقول المعري مثلاً:

لولا انقطاع الوحي بعد محمد
قلنـا محمـد عن أبيـه بديـل
هـو مثله في الفضـل إلا أنـه

لـم يأتـه برسالـة جبريـل

ومما يلحق بالجفاء ترك الصلاة والسلام عليه لفظاً وخطاً، أو الاستهانة بهديه وسنته وقلة المبالاة بها, أو التعظيم لشأن المفكرين والكتاب والقادة بما يغض من شأنه -صلى الله عليه وسلم- مع أن هؤلاء مهما بلغوا لن يصلوا إلى مرتبة واحد من عامة الصحابة.
وقد كثر الجفاء في زماننا هذا بكثرة المارقين والمنهزمين من الكُتَّاب والأدباء الذين سودوا الصحائف بالاستهزاء بتعاليم الإسلام وقيمه, وربما بالتطاول على مقام النبوة, كما عزف كثير من المسلمين عن مطالعة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومذاكرة سنته وكثرة الصلاة والسلام عليه, مما أدى إلى الجفاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- وعدم توقيره.
ولقد كان سلفنا الصالح إذا ذكر عندهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أو حديثاً من أحاديثه ظهر عليهم من الهيبة والإجلال والتأدب كما لو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمامهم حتى إن بعضهم كان يبكي عند ذكره -صلى الله عليه وسلم- فكان محمد بن المنكدر –رحمه الله- إذا سئل عن حديث بكى حتى يرحمه الجالسون، وكان عبد الرحمن بن مهدي –رحمه الله- إذا قرأ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الحاضرين بالسكوت وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (2) سورة الحجرات. ويتأول أنه يجب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب عند سماع قوله -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كان أدب سلفنا الصالح مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته فأين منا هذا الأدب وذلك التوقير؟ نسأل الله العافية.
لقد أوجب الله على الأمة كلها تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره فقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (8-9) سورة الفتح. فالتسبيح لله -عز وجل- والتعزير والتوقير للنبي -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
والتعزير بمعنى التعظيم, قال ابن جرير في تفسير الآية الأولى: "معنى التعزير في هذا الموضع: التقوية والنصرة والمعونة ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال".
ويعرف ابن تيمية التعزير بأنه اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار".
وقد أبان الله في كتابه عن وجوه الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه, وما ينبغي على المسلم أن يتأدب به مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك في آيات شتى وبأساليب متنوعة.
وقد اشتملت سورة الحجرات في صدرها على مجموعة من التوجيهات التربوية للمسلمين في كيفية تعاملهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتأدب معه, فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (1-5) سورة الحجرات.فقد أشارت هذه الآيات إلى بعض وجوه الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم, وهي ظاهرة لمن تأمل ذلك, وهي الوسط والعدل في إعطاء الحقوق لأصحابها كما أمر الله تعالى, ومن الأدب نحو رسول الله كما بينت ذلك الآيات:
عدم التقدم بين يدي الله ورسوله بقول أو فعل أو إذن أو تصرف,كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: "لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله وهذا الأمر فرض باق على الأمة إلى يوم القيامة- مثل طاعته -صلى الله عليه وسلم- حياً وميتاً, فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- كالتقدم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذوي العقول السليمة، فالأدب كل الأدب معه -صلى الله عليه وسلم- تقديم سنته وأقواله على كل قول أو رأي, ومنها عدم رفع الصوت فوق صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وعدم الجهر له بالقول مخافة حبوط العمل.
فالأدب معه في حياته غض الصوت عنده مع الهيبة والإجلال له، وأن يكون مجلس علم وحلم ووقار وسكينة، وأن يكون الحديث معه بتأدب وتلطف.
وإذا كان الله قد حرم رفع الأصوات فوق صوت نبيه، وحرم الجهر له بالقول لما في ذلك من الجفاء والإيذاء لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فكذلك رفع الأصوات عند قبره -صلى الله عليه وسلم- في حكم رفع الصوت عنده في حياته من حيث التحريم؛ لأن حرمة النبي -صلى الله عليه وسلم- ميتاً كحرمته حياً.
ومن مخالفة الأدب في هذا الباب رفع آراء بعض البشر وأقوالهم ومذاهبهم على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحاولة إسكات صوت السنة والداعين إليها وفي هذا من الإيذاء والجفاء ما هو أكبر بكثير من مجرد رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الأدب مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- عدم جعل دعائه كدعاء الناس بعضهم بعضاً، كما قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} (63) سورة النور.

نسأل الله -عز وجل- أن يهدينا إلى الحق وأن يعيننا على الالتزام بوسطية المنهج الشريف, بعيداً عن الغلو والجفاء, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

أفتان يا معاذ – سنة النبي

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، فتجوّز رجل فصلى صلاة خفيفة فبلغ ذلك معاذاً فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذاً صلّى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوّزت فزعم أني منافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( يا معاذ أفتّان أنت؟ – قالها ثلاثاً -، اقرأ {والشمس وضحاها} و { سبّح اسم ربك الأعلى } . ونحوها) متفق عليه واللفظ للبخاري .

وفي رواية أخرى: ( فلولا صليت بسبح اسم ربك والشمس وضحاها والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة) .

وفي رواية مسلم : " فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف".

معاني المفردات

فتجوّز: أي خفف صلاته.

بنواضحنا: جمع ناضح وهو البعير الذي يستعمل في سقي الزروع.

فانحرف رجل: أي انفرد في صلاته.

تفاصيل الموقف

الصلاة بالمسلمين، وقراءة سورة البقرة، والوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى، أمورٌ ثلاثةٌ تبوّأت مكانة عظيمة في قلوب أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، فالإمامة مسؤوليّة عظيمة دعا النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابها، وسورة البقرة من أكبر سور القرآن وتتضمّن أعظم آية فيه، والوقوف بين يدي الله والاستغراق في ذكره وإطالة الوقوف بين يديه عبادة لا يضاهيها عمل.

وهذه الشعب الإيمانية اجتمعت في شخص أفقه الصحابة وأعلمهم بالحلال والحرام، ومحبوب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كما صَرّح له، وأحد النفر الستّة الذين جمعوا القرآن الكريم في العهد النبوي، ومن القلّة القليلة التي امتازت بحدّة الذكاء وسعة الدراية وقوّة الفطنة، ذلكم هو معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه.

من هنا نستطيع أن نفهم سرّ العادة التي اكتسبها معاذ رضي الله عنه، وهي أنه كان يصلّي مع النبي –صلى الله عليه وسلم- صلاة الفريضة، ثم ينطلق مسرعاً إلى مسجدٍ في نواحي المدينة ليصلّي بهم تلك الصلاة إماماً، غير مبالٍ بمشقّة الذهاب والإياب كلّ يوم.

ويبدو أن الدعاء الذي علّمه النبي –صلى الله عليه وسلّم- لمعاذ أن يقوله دبر كلّ صلاة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) قد ترك فيه أثراً ظاهراً، فكانت صلاته بالناس طويلة وكثيرة القراءة، وما ذاك إلا إحساناً لعبادته وإتقاناً لعمله.

لكن حدثاً بعينه غيّر وتيرة النمط الذي كان ينتهجه معاذ بن جبل رضي الله عنه ويسير عليه في إمامته، ففي إحدى الليالي وبعد أن فرغ رضي الله عنه من صلاته مع النبي –صلى الله عليه وسلم-، انطلق إلى المسجد الآخر كعادته ليؤم المسلمين، وشرع في قراءة سورة البقرة، واستطرد في قراءتها، وفي القوم رجلٌ من عوام المسلمين الذين يكدّون طوال اليوم بالأعمال الحِرَفيّة الشاقة، والتي تتطلّب منهم جهداً ووقتاً؛ ولذلك استثقل الرجل طول الصلاة ورأى أنها ستؤخّره عن أعماله وستُربِك جدول مهامّه، فانفرد الرجل فأتمّ الصلاة لوحده ثم انصرف.

ويصل الخبر إلى إمام القوم معاذ بن جبل رضي الله عنه أن أحد المصلّين ترك الصلاة خلفه فأنكر فعله؛ إذ أن صلاة الجماعة تصهر المؤمنين جميعاً فتجعلهم كالجسد الواحد، وهذا الصنيع قد يُفسّر بالمعارضة والرغبة في إثارة الفتن وإشاعتها بين المسلمين، ومثل هذه التصرّفات مشهورةٌ عن جماعة المنافقين الحريصين على كسر وحدة الصفّ الإسلامي والتاريخ يشهد؛ ولذلك لم يتردّد معاذ رضي الله عنه في الحكم على الرجل بأنه من المنافقين.

ويُصدم الرجل بمقولة معاذ رضي الله عنه، ويحاول أن يدفع التهمة عن نفسه، لكن دفاعه لم يجد له صدىً، وهنا: اشدّ عليه الكرب، وحلّ به الهمّ، فانطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُخبره بما دار، ويعتذر مما صنع، محتجّاً بما يتطلّبه العمل في الزراعة من أوقات كثيرة لا يمكن معها الاسترسال في الصلاة والتطويل فيها، فلماذا إذن يصدر عليه معاذ ذلك الحكم الجائر بالنفاق؟!.

ولا تسل عن غضب النبي –صلى الله عليه وسلم- واستيائه من موقف معاذ ، والذي يُنبئ عن التسرّع في الحكم، وعدم تقدير ظروف الآخرين، فيُعاتبه لذلك أشدّ عتاب: ( يا معاذ أفتّان أنت؟ – قالها ثلاثاً -) ثم يوجّهه إلى قراءة السور القصار كالشمس والليل والأعلى ونحوها مما يتناسب مع كبار السنّ والضعفة من المسلمين وأصحاب الحاجات، وكان الجواب العمليّ لمعاذ رضي الله عنه السمع والطاعة، وسرعة الرجوع إلى الحق والتزامه، وهذا هو شأن النفوس الكريمة، فرضي الله عن ذلك الجيل العظيم.

إضاءات على الموقف .

تكلّم العلماء في هذا الحديث النبويّ من الناحية السلوكيّة والناحية الفقهيّة، أما الناحية السلوكيّة: فهو التأكيد على ضرورة أن يعلم الإمام أحوال المأمومين خلفه وأن يراعيها؛ فالناس ليسوا على شاكلة واحدة، والمجتمعات تختلف، والظروف تتباين، فقد يقع المسجد في وسط السوق أو قرب المصانع أو بجانب المزارع والحقول فيتوجّه حينها قصر الصلاة وعدم تطويلها، وقد يكون في موطن يغلب فيه طلّاب العلم وأصحاب العبادة فيمكن حينها للإمام أن يزيد من مقدار صلاته.

فالحاصل أن الإمام يوازن بين مقدار قراءته وبين طبيعة المصلّين خلفه ونشاطهم، وبإدراك هذه القضيّة نستطيع أن نفهم التفاوت المذكور في مقدار قراءات النبي –صلى الله عليه وسلم- في صلاته الواردة في كتب السنة، فلربما قرأ في المغرب بالطور، ولربما قرأ فيها بالمعوذتين، وكم بين الطور وبين المعوذتين من تفاوت.

ومما ينبغي للأئمة التنبّه له: أن كثرة المصلين مظنّة وجود ذوي الأعذار، ومتى ما تبيّن له وجود ذوي الأعذار خلفه –ولو بعد الشروع في الصلاة- فعليه أن يُخفّف من صلاته، ولقد كان من هدي نبيّنا –صلى الله عليه وسلّم- أنه كان يدخل الصلاة وينوي الإطالة، فيسمع بكاء الأطفال من بين الصفوف فيخفّف لأجل ذلك من صلاته رحمةً بأمّهاتهم.

وفي قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ( يا معاذ أفتّان أنت؟ ) نهيٌ عن كل ما يُنفّر عن الدين ويصد عن سبيله أو يوقع الناس في الفتنة سواءٌ أكان بالقول أم بالفعل، وقلّ ما يتنبّه الدعاة لهذه اللفتة النبويّة خصوصاً عند التعامل مع المهتدين الجدد.

وبخصوص الناحية الفقهيّة من القصّة، فقد استدلّ العلماء به على جواز اختلاف نيّة المأموم والإمام كأن يُصلّي الإمام بنيّة النفل والمأموم بنيّة الفرض أو عكسه، والحديث الذي بين يدينا عمدةٌ في هذا الباب، كما استدلّوا به على أن المأموم إذا شقّت عليه متابعة الصلاة في الجماعة، بإجهادٍ أو غلبة نعاسٍ أو خشية أن يعدو الذئب على غنمه أو هروب دابّته ونحو ذلك، فله أن يفارق الجماعة ويتمّ الصلاة لوحده.

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

صدقك وهو كذوب السنة النبوية

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "وكلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنّك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: إني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، فخلّيتُ عنه فأصبحتُ فقال النبي -صلى الله عليه و سلم-: ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ ) ، قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: ( أما إنه قد كذبك وسيعود ) ، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم- إنه سيعود، فرصدتُه فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعني فإني محتاج وعليّ عيال لا أعود. فرحمته فخلّيت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( يا أباهريرة ما فعل أسيرك؟ ) . قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله، قال: ( أما إنه كذبك وسيعود ) . فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنّك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ثم تعود، قال: دعني أعلّمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: { الله لا إله إلا هو الحي القيوم} (البقرة:255) حتى تختم الآية؛ فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح؛ فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( ما فعل أسيرك البارحة؟ ) ، قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ( ما هي؟ ) ، قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } ، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح – وكانوا أحرص شيء على الخير -، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ ) . قال: لا، قال: ( ذاك شيطان ) رواه البخاري .

معاني المفردات

يحثو:يأخذ بكفّيه.

عليّ عيال: عليّ نفقة العيال والمقصود بهم الزوجة والأولاد ونحوهم .

فرصدته: راقبته .

تفاصيل الموقف

أوشكت ليالي رمضان على الانتهاء، وشارفت على الأفول، شاهدةً على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجتهادهم في العبادة والذكر، والصلاة والدعاء، وأعمال البرّ وأوجه الخير، وهذا الظنّ بطلاّب الجنّة ومتطلّبي الهداية، وهو المتصوّر ممن ربّاهم أعظم المعلّمين وسيّد الخلق أجمعين عليه الصلاة والسلام.

وقبيل العيد بعدّة ليالٍ، استدعى النبي –صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة رضي الله عنه وأمره أن يحفظ أموال زكاة الفطر؛ حتى لا تطالها أيدي ذوي النفوس المريضة والقلوب الضعيفة، فتلقّى أبو هريرة رضي الله عنه الأمر النبوي بصدرٍ رحب ونشاطٍ كبير، بل كانت هذه المهمّة الموكلة إليه مصدر فخرٍ وتباهٍ، فقد اختاره عليه الصلاة والسلام واجتباه دون غيره من الصحابة .

وبدأت صدقات الفطر تتوافد على أبي هريرة رضي الله عنه من أنحاء المدينة وأقاصيها، وهو يُشرف على خزانتها وحفظها، تمهيداً لتوزيعها يوم العيد القادم بعد أيّامٍ ثلاث، حتى إذا جاء الليل وسكنت الحركة واشتدّت الظلمة رصد أبو هريرة رضي الله عنه حراكاً مشبوهاً يدلّ على محاولة جادّة لسرقة أموال المسلمين، وكان مصدر تلك المحاولة رجلٌ تستّر بجنح الليل لينهب الطعام المكوّم لديه بكلتا يديه، فقفز أبو هريرة رضي الله عنه مهتماً الهصور وانقضّ عليه ممسكاً به، وقائلاً له: " لأرفعنك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".

ارتعدت فرائص ذلك الشخص المجهول وزاغت عيناه، وبدت ملامح الخوف والهلع على محيّاه، فقال بصوت يقطر ألماً ومسكنة: " إني محتاج، وعليّ عيال، ولي حاجة شديدة".

رقّت نفس أبي هريرة رضي الله عنه وهو يسمع كلماته التي تصف فقره ومسغبته، وهل صدقة الفطر إلا لأمثاله من المعوزين والمحتاجين؟ وهل ثمة خيرٌ من إسعاد نفسٍ وإدخال السرور عليها؟ وهنا قرر أبو هريرة رضي الله عنه أن يطلق سراحه ويتركه في سبيله.

وجاء الصباح، وانطلق أبو هريرة رضي الله عنه، وصدى الحوار الذي دار بينه وبين أسيره لا يزال يرن في أذنه ويذكي في نفسه مشاعر الرحمة والشفقة، ورآه النبي -صلى الله عليه وسلم- مقبلاً، فإذا به يسأله : ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ ) .

دُهِشَ أبو هريرة رضي الله عنه بهذا السؤال! ؛ إذْ كانت أحداث الأمس بمعزلٍ عن الناس فلم يسمعه أحد، لكن هذه الدهشة زالت سريعاً؛ فهو رسول الله المتصل بوحي السماء، فأخبره بتفاصيل ما حدث له بالأمس ، واستمع له النبي عليه الصلاة والسلام باهتمام، ثم أعلن له الخبر المفاجيء : ( أما إنه قد كذبك وسيعود ) .

كذبني؟ واستغل طيبتي وحلمي؟ وفوق ذلك: سيعود للسرقة ويكرر الخطيئة؟! يا لوقاحة الرجل، واستحالت مشاعر الرأفة في نفس أبي هريرة رضي الله عنه إلى غضبٍ عارم، وما دام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه سيعود فسيعود حتماً ، ولن يفلت الليلة بفعلته.

وهكذا ظل أبو هريرة رضي الله عنه يترقّب طيلة يومه ونهاره، وفي الليل ألقى القبض على الرجل المتلبس بفعلته الشنعاء، لكن لصّ الصدقة هذا جمع إلى خفة يده براعةَ التظاهر والقدرة على الإقناع، فشرع يتصنّع المسكنة والذلّة حتى استطاع أن ينتزع من أبي هريرة رضي الله عنه كل عزمه وتصميمه على تسليمه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وانتهى الأمر بإطلاق سراحه.

وفي اليوم التالي دار بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين أبي هريرة رضي الله عنه الحديث ذاته الذي دار بالأمس، وتكرر التحذير الموجه إلى أبي هريرة بعودة الرجل، وبالفعل راقب أبو هريرة رضي الله عنه الرجل مراقبة دقيقة ، فلما شرع في السرقة قبض عليه قبضاً شديداً ، وأفقده الأمل في أن يتركه يهرب بفعلته كما فعل في الليلتين الماضيتين، فقد استنفذ وسائل النجاة وصفح عنه المرة تلو المرة فما رعى الأمر حق رعايته، وما حفظ الجميل لأصحابه، وهنا لجأ الرّجل إلى أسلوبٍ جديد، وعرضٍ بديع، وذلك بقوله: " دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها".

وهنا استيقظت في نفس أبي هريرة رضي الله عنه كوامن الخير ودوافع الرغبة في الاستزادة من العلم والمعرفة، ورأى أنها صفقةٌ عادلة، أن يتجاوز عن أسيره مقابل فائدةٍ جليلةٍ مضمونها أن قراءة آية الكرسيّ تحفظ المؤمن من كيد الشيطان بل تمنعه من الاقتراب منه حتى يصبح.

وعند الصباح أخبر أبو هريرة رضي الله عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- الخبر مستفسراً عن صحّة المقولة وقيمتها في ميزان الشرع، فأقرّ عليه الصلاة والسلام بصحّتها وقال: ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب) ، ثم أراد أن يبيّن له الجانب الخفيّ لشخصيّة زائر الليل الذي كان من أمره عجباً: ( ذاك شيطان ) .

إضاءات حول الموقف

اتّجهت أنظار الشرّاح عند تناول هذا الموقف إلى قول النبي –صلى الله عليه وسلّم-: (صدقك وهو كذوب) ؛ فإنها تُلفت النظر إلى ركيزةٍ أساسيّة في خلق المسلم، والتي تتمثّل في العدل والقسط مع الآخرين، فأسير أبي هريرة شيطان، والشيطان هو أصل الشرور ومنبعها، ومع ذلك لم يمتنع رسول الله عليه الصلاة والسلام من إقرار مقولة الشيطان وبيان صدقه في هذا الموقف بالرغم من المعدن الخبيث للشيطان وتأصّل جانب الكذب والزور والافتراء عنده، ولذلك تحدّث العلماء بأن قول المصطفى عليه الصلاة والسلام (وهو كذوب) هو إتمامٌ بليغ لوصف الشيطان؛ حيث أثبت الصدق له على نحوٍ لا يوهم المدح المطلق، وهذا هو مقتضى القسط المأمور به شرعاً.

وثمّة فائدةٌ أخرى تُستنبط من قول النبي –صلى الله عليه وسلم- المذكور سابقاً، وهي أن الحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها أخذ بها، فالفاجر قد يعلم الحق فلا يتّبعه ولا ينتفع به، فيتلقّاه المؤمن منه فيجد فيه الخير الكثير.

ويدلّ الموقف على فضل آية الكرسي، فهي أعظم آية بنصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وفي قراءتها حفظٌ ووقاية من الشيطان، ومن قرأها بعد كل صلاة مكتوبةلم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت.

ونشير أخيراً إلى جملةٍ من الفوائد المستنبطة، ومن ذلك: إمكان رؤية الإنس للجنّ ولكن في غير صورتهم الحقيقيّة، وبيان حرص الصحابة على الخير وإقبالهم عليه، وظهور حلم النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما لم يُعنّف أبا هريرة رضي الله عنه على تركه لأسيره، وخوف الجن والشياطين من المؤمنين الصالحين، وأن للشياطين أزواجاً وذريّة، وأن شياطين الجن تعرف الحقّ وتجحده كشياطين الإنس، وأن التريّث على مفسدةٍ خفيفةٍ جائزٌ إذا كانت نهايتها مصلحةً مؤكّدة وهي هنا علمٌ صالح، وبيان جواز جمع صدقة الفطر قبيل العيد بيومٍ أو يومين.

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

التربية على حب النبي صلى الله عليه وسلم – سنة النبي

التربية على حب النبي صلى الله عليه وسلم

همام بن عبدالرحمن الحارثي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومَن والاه.
أما بعد:

فإن من فضل الله – عز وجل – على هذه الأمّة أن جعلَها آخر الأمم وأفضلَها؛ كما جاء في الحديث: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة))[1]، وجعل نبيَّها أفضل الرسل والأنبياء وخاتَمَهم، وجعل حبَّه – صلى الله عليه وسلم – دينًا ندين الله – عز وجل – به، ونتقرَّب به إليه.

وفي هذا المقال سيكون حديثُنا عن كيفية تنشئةِ النفس وتربيتِها على حبِّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – فمن وسائل التربية على حبِّ الرسول – صلى الله عليه وسلم -:

• أن يعلم كلُّ مسلمٍ أنه لن يدخل الجنةَ إلا عن طريق اتباع سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا تُقبَل منه عبادةٌ إلا إذا كانتْ موافقةً لما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – مشرعًا، أو شارحًا، أو مفصلًا؛ كما قال ربنا – جل وعلا -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]، واتِّباع سنتِه يكون بالاقتداء بهَدْيِه وسَمْتِه وما ثبت عنه.

قال شيخ الإسلام:
"وقاعدتنا في هذا الباب أصحُّ القواعد؛ إن جميع صفات العبادات من الأقوال والأفعال إذا كانتْ مأثورة أثرًا يصحُّ التمسك به، لم يكره شيء من ذلك، بل يشرع ذلك كله"[2].

وقال: "وهو أن ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – من أنواع متنوعة، وإن قيل: إن بعض تلك الأنواع أفضل؛ فالاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة أفضلُ من لزوم أحد الأمرين، وهجر الآخر… إلخ"[3].

• من وسائل التربية على حب الرسول – صلى الله عليه وسلم – معرفةُ قدرِ الرسول – صلى الله عليه وسلم – عند ربه – عز وجل -:

إنَّ شأنَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند الله لعظيمٌ، وإن قدرَه لكريمٌ؛ فلقد اختاره الله – تعالى – واصطفاه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والمرسلين، وشرح له صدره، ورفع له ذكرَه، ووضع عنه وِزْرَه، وأعلى له قدرَه.

وزكَّاه في كل شيء:
زكَّاه في عقله، فقال – سبحانه -: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: 2].
وزكَّاه في صدقه، فقال – سبحانه -: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3].
وزكَّاه في بصره، فقال – سبحانه -: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم: 17].
وزكَّاه في فؤاده، فقال – سبحانه -: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11].
وزكَّاه في صدره، فقال – سبحانه -: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1].
وزكَّاه في ذِكْره، فقال – سبحانه -: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].
وزكَّاه في طُهْره، فقال – سبحانه -: ﴿ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴾ [الشرح: 2].
وزكَّاه في حلمه، فقال – سبحانه -: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
وزكَّاه في علمه، فقال – سبحانه -: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 5].
وزكَّاه في خُلُقه، فقال – سبحانه -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

ثم أخبر عن منزلته في الملأ الأعلى عند رب العالمين، وعند الملائكة المقرَّبين، فقال – سبحانه -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]، ثم أمر أهلَ الأرض من المؤمنين بالصلاةِ والسلام عليه؛ ليجتمع له الثناءُ من أهل السماء وأهل الأرض، فقال – سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياءِ قبلي كمَثَل رجلٍ بَنَى بنيانًا فأحسنَه وأَجْمَله، إلا موضع لَبِنَة من زاوية من زواياه، فجعل الناسُ يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاَّ وُضِعتْ هذه اللَّبِنة! قال: ((فأنا اللَّبِنة، وأنا خاتم النبيين)) [4].

• من وسائل التربية على حب الرسول – صلى الله عليه وسلم – تذكُّرُ رحمتِه ورأفتِه على أمته؛ فالنفس مفطورة على حبِّ مَن أحبها، ومَن أحسن إليها، فمن ذلك ما جاء أنه – صلى الله عليه وسلم – قرأ يومًا قولَ الله في إبراهيم: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36]، وقرأ قولَ الله في عيسى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]؛ فبكى – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله إليه جبريلَ – عليه السلام – وقال: ((يا جبريل، سَلْ محمدًا ما الذى يُبْكيك؟)) – وهو أعلم – فنزل جبريل، وقال: ما يُبْكِيك يا رسول الله؟ قال: ((أمتي .. أمتي يا جبريل))، فصَعِد جبريل إلى المَلِك الجليل، وقال: يبكى على أمتِه، والله أعلم، فقال لجبريل: ((انزل إلى محمدٍ، وقل له: إنا سنُرضِيك فى أمتِك))[5].

جاء عند مسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لكلِّ نبيٍّ دعوةٌ مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختَبِئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة))[6].

وجاء عند البخاري أن رجلاً أصاب من امرأةٍ قُبْلة، فأتى النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – فأخبره، فأنزل الله:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، فقال الرجل : يا رسول الله، أَلِي هذا؟ قال: ((لجميع أمتي كلِّهم)) [7].

• ومن وسائل تربية النفس على حب النبي – صلى الله عليه وسلم – تذكُّر شفاعتِه لأمته يوم القيامة، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يجمع الله الناسَ يوم القيامة فيهتمُّون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربِّنا حتى يُرِيحَنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم – عليه السلام – فيقولون: أنتَ آدمُ أبو الخلق، خلقَك الله بيدِه، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفعْ لنا عند ربِّك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لستُ هُنَاكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيَسْتَحْيِي ربَّه منها، ولكن ائتوا نوحًا أولَ رسولٍ بعثه الله، فيأتون نوحًا – عليه السلام – فيقول: لستُ هُنَاكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيَسْتَحْيِي ربَّه منها، ولكن ائتُوا إبراهيم – عليه السلام – الذي اتَّخذه الله خليلًا، فيأتون إبراهيم – عليه السلام – فيقول: لستُ هُنَاكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، فيَسْتَحْيِي ربَّه منها، ولكن ائتُوا موسى – عليه السلام – الذي كلَّمه الله، وأعطاه التوراة، فيأتون موسى – عليه السلام – فيقول: لستُ هُنَاكم، ويذكر خطيئته التي أصاب فيَسْتَحْيِي ربَّه منها، ولكن ائتُوا عيسى روحَ الله وكلمتَه، فيأتون عيسى روح الله وكلمته، فيقول: لستُ هُنَاكم، ولكن ائتُوا محمدًا – صلى الله عليه وسلم – عبدًا قد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فيأتوني، فأستأذنُ على ربِّي، فيُؤذَن لِي، فإذا أنا رأيتُه، وقعتُ ساجدًا فيَدَعُنِي ما شاء الله، فيقال: يا محمد، ارفعْ رأسَك، قُلْ تُسْمَع، سَلْ تُعْطَه، اشفعْ تشفَّعْ، فأرفعُ رأسي فأحمدُ ربِّي بتحميدٍ يعلِّمُنيه ربي، ثم أشفعُ فيَحُدُّ لي حدًّا، فأُخرِجهم من النار، وأُدخِلهم الجنة، ثم أَعُود فأَقَع ساجدًا، فيَدَعُنِي ما شاء الله أن يَدَعَنِي، ثم يقال: ارفعْ رأسَك يا محمدُ، قُلْ تُسْمَع، سَلْ تُعْطَه، اشفعْ تشفَّعْ، فأرفعُ رأسي فأحمدُ ربي بتحميدٍ يعلِّمُنيه، ثم أشفعُ فيَحُدُّ لي حدًّا فأُخرِجهم من النار، وأُدخِلهم الجنة، قال – الرواي -: فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: فأقول: يا ربِّ ما بَقِي في النارِ إلا مَن حبسه القرآن))؛ أي: وَجَب عليه الخلود [8].

فالشفاعة العظمى يوم القيامة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – والشفاعة لعُصَاة أمتِه – صلى الله عليه وسلم – كما قال – عليه الصلاة والسلام -: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))[9] .

وشفاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – تُنَال بأسباب؛ منها:

• الإخلاص في قول كلمة التوحيد، وذلك عن طريق تحقيق التوحيد لله – عز وجل – وعدم الإشراك به؛ فقد جاء من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا: ((أسعدُ الناس بشفاعتي مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه)) [10].

• الترديد مع الأذان وقول الدعاء الوارد؛ لحديث جابر مرفوعًا: ((إذا سَمِعتُم النداءَ، فقولوا مثلَ ما يقول ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنه مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكونَ أنا هو، فمَن سأل لي الوسيلة حلَّتْ له الشفاعة))[11].

• كثرة صلاة النافلة؛ فقد جاء في حديث ربيعة بن كعب قال: قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((سَلْنِي أُعْطِك))، قلتُ: يا رسول الله، أنظرني أنظر في أمري، قال: ((فانظرْ في أمرك))، قال: فنظرت، فقلت: إن أمر الدنيا ينقطعُ فلا أرى شيئًا خيرًا من شيء آخذه لنفسي لآخرتي، فدخلتُ على النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((ما حاجتُك؟))، فقلت: يا رسول الله؛ اشفعْ لي إلى ربِّك – عز وجل – فليعتقني من النار، فقال: ((مَن أمرك بهذا؟))، فقلتُ: لا والله يا رسول الله، ما أمرني به أحدٌ، ولكني نظرتُ في آمري فرأيتُ أن الدنيا زائلةٌ من أهلها، فأحببتُ أن آخذ لآخرتي، قال: ((فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجود))[12].

• الصلاة على الرسول – صلى الله عليه وسلم – عشرًا في الصباح والمساء، عن أبي الدرداء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن صلَّى على حين يُصبِح عشرًا، وحين يمسي عشرًا؛ أدركتْه شفاعتي يوم القيامة))[13].

• ومن وسائل تربية الناشئة على حبِّ النبي – صلى الله عليه وسلم – معرفةُ سيرتِه، وبيان هَدْيِه، وخُلُقه، وفضله، وما اشتملتْ عليه هذه النفس من رحمةٍ ورأفةٍ للمؤمنين.

كان الزهري – رحمه الله – يقول: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا [14].

وقد بلغ من حرصِهم على تعليم أولادهم سيرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسراياه، أنهم جعلوها قرينةَ القرآن الكريم من حيث الأولوية، يقول زين العابدين علي بن الحسين – رضي الله عنه -: كنا نُعلّم مغازي النبي – صلى الله عليه وسلم – وسراياه كما نعلّم السورة من القرآن [15].

وعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عن الجميع – قال : كان أبِي يعلِّمنا المغازي ويعدُّها علينا، ويقول : يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيِّعوا ذكرها"[16].

فنجد مما سبقَ محطاتٍ نتزوَّد بها لحياةٍ مليئةٍ بحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما عاشها الصحابة والسلف الصالح – رضوان الله تعالى عليهم – فعن عبدة بنت خالد بن معدان قالت: ما كان خالد يأوي إلى فراشٍ إلا و هو يَذكُر من شوقِه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يسمِّيهم، ويقول : هم أَصْلِي وفصلي، وإليهم يحنُّ قلبي، طال شوقي إليهم، فعجِّل ربي قبضي إليك حتى يغلبه النوم.

وقال إسحاق التجيبي:
كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – بعده لا يذكرونه إلا خشعوا واقشعرَّتْ جلودهم، وبكوا، وقال مالك – وقد سئل عن أيوب السختياني -: ما حدثتُكم عن أحدٍ إلا وأيوب أفضلُ منه، وقال : وحجَّ حجتين فكنت أرمقه، ولا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – بكى حتى أرحمه.

وقال مصعب بن عبدالله:
كان مالكٌ إذا ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – يتغيَّر لونُه، وينحنِي حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يومًا في ذلك، فقال: لو رأيتُم ما رأيتُ لَمَا أنكرتُم عليَّ ما ترون، ولقد كنتُ أرى محمد بن المُنْكَدِر – وكان سيد القراء – لا نكاد نسألُه عن حديثٍ أبدًا إلا يبكي حتى نرحمه.

وقال ثابت البناني لأنس بن مالك – رضي الله عنه -: أعطني عينيك التي رأيتَ بهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أقبِّلَها.

وعن جُبَير بن نفير عن أبيه قال:
جلسنا إلى المِقْدَاد بن الأسود يومًا فمرَّ به رجلٌ، فقال: طوبَى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والله لوَدِدْنا أنَّا رأينا ما رأيتَ وشَهِدنا ما شهدت.

اللهم اجعلنا من صالحي أمته، واحشُرْنا يوم القيامة في زُمْرَته، سبحانك ربِّك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
منقول للا فادة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

القواعد النبوية في الجلوس بالمجلس – سنة النبي

السلام الوافي من دنيا الوافي

:: القواعد النبوية في الجلوس بالمجلس ::

للمجالس والجلوس فيها:

آداب شرعية معينة، يراعى فيها حق السبق، وترك المزاحمة، والتوسُّع فيها

ومنع إقامة الشخص من مكانه، والجلوس في مجلس حيث ينتهي الإنسان به

والتحرز عن اللغو واللَّغط والغيبة والنميمة والطعن في الأعراض والتعييب

ثم الدعاءُ في آخر المجلس بدعاء المجلس، حتى يتخلى عما حدث فيه من معاص أو سيئات

ويتخفف مما يقع فيه، مع الحرص على ذكر الله تعالى والصلاة على النبي في كل مجلس

حتى لا يكون سبباً للندم أو تحمل التبعة.

وقد ورد في القرآن الكريم بعض هذه الآداب

منها التفسح والتوسع

في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة:58/11].

وتولت السنُّ النبوية بيان آداب المجلس والجليس في أحاديث صحيحة هي:

جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُقيمنَّ أحدكم رجلاً من مجلسه، ثم يجلس فيه، ولكن توسَّعوا وتفسَّحوا».

وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه، لم يجلس فيه. دلَّ الحديث على حرمة إقامة الإنسان من موضعه

ولو كان الداخل أفضل من الجالس بعلم أو سِنّ، وهذا الحكم يشمل الرجال والنساء.

واستثنى الفقهاء بعض الحالات كموضع جلوس العالم في المسجد لإلقاء الدرس، ومكان وقوف البائع في السوق.

– وأخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إذا قام أحدكم من مجلس، ثم رجع إليه، فهو أحق به»

أي إذا قام الإنسان من مجلسه لعذر، لا يسقط حقه فيه، وله أن يعود إليه، ويُقيم من جلس فيه.

ومن أَدَب الجلوس في المجالس:

أن يجلس الإنسان حيث ينتهي به المجلس

لما أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن عن جابر بن سُمرة رضي الله عنهما قال:

«كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي به»

أي على القادم أن يجلس حيث يجد فراغاً إلا ما خصص لأحد

أو إذا قام شخص من مكانه لعذر طارئ ولا ينوي الرجوع إليه.

وتتأكد آداب الجلوس في المجلس يوم الجمعة

لما أخرج البخاري عن أبي عبد الله سلمانَ الفارسي رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويدَّهن من دهنه

أو يَمَسُّ من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرَّق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم يُنصِت إذا تكلم الإمام، إلا غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».

فيه استحباب غسل الجمعة، واستعمال الطيب، والجلوس حيث ينتهي به المجلس

فلا يتخطى رقاب الناس، ولا يفرِّق بين الجالسين.

ويؤكد ذلك حديث أخرجه أبو داود والترمذي وقال:

حديث حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«لا يحلُّ لرجل أن يفرِّق بين اثنين إلا بإذنهما»

أي فلا يجوز التفريق بين اثنين والجلوس بينهما إلا بإذنهما

اختكم / دنيا

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

حرب الفجار السنة النبوية

[BACKGROUND="100 #000000"]

.

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

حرب الفجار
وشارك محمد مكة الدفاع عن مدينتهم في حرب الفجار بين قريش وهوازن والتي استمر أربع سنوات كان عمر محمد صلى الله عليه وسلم في بدايتها خمسة عاما وسببها أن النعمان بن المنذر أراد يعين قائدا لقافلة تجارية من الحيرة إلى سوق عكاظ فعرض كل من البراض الكتاني وعروة الهوازنى نفسه فاختار النعمان عروة فقتله البراض, وسمعت قريش وهى من كنانة الخبر وأدركت أن (هوازن) قبيلة عروة لابد أنها ستثأر لرجلها
ووقع القتال بين الفريقين وكان في الأشهر الحرم وتراجعت قريش حتى دخلت الحرم فوعدتهم هوازن الحرب في العالم القادم وظلت هذه الحرب تجدد طوال أربع سنوات في انعقاد سوق عكاظ , ثم انتهت بالصلح بين الفريقين على أن تدفع قريش دية من يزيد عن قتلاها لهوازن فكانوا عشرين رجلا وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم وهو الفجار الرابع في تاريخ مكة
ويروى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنة قال في حرب الفجار:كنت أنبل على أعمامي (أي أجمع نبل عدوهم اذا رموهم بها)وقال في حديث آخر:قد حضرتها (حرب الفجار)مع عمومتي ورميت فيها بأسهم وما أحب أنى لم أكن فعلت ولذلك اختلف المؤرخين في كيفية مشاركة الرسول صلى الله عليه و سلم , وهل بجمع النبل؟أم بالرمي؟و يبدوا أن الرسول صلى الله عليه و سلم مارس العملين, فإن الحرب استمرت أربعة أعوام , كان عمر الرسول في بدايتها خمسة عشر عاما وهى لا تمكنه من الرمي فساهم بجمع النبل , وفي نهايتها كان على أبواب العشرين ربيعا فتمكن أن يساهم يرمى النبل

اتمنى لكم التوفيق[/BACKGROUND]

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

حلف الفضول – سنة النبي

عاش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مكة المكرمة طفولته وشبابه، وله فيها ذكريات عزيزة، وحِلْف الفضول وما يتضمنه من مكارم الشيم وعظيم الأخلاق من هذه الذكريات التي ملكت عليه قلبه، حتى أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال بعد أن أكرمه الله بالنبوة والرسالة: ( لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحبّ أن لي به حمر النعم ) رواه أحمد .

لخمس عشرة سنة من عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي شهر ذي القعدة كان حلف الفضول الذي تم بعد حرب الفجار بأربعة أشهر، وسببه أن رجلا من زبيد ( بلد باليمن ) قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة، فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك، فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيْم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرد إليه حقه، ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه، وأبرموا هذا الحلف، الذي سمي بحلف الفضول لأن من قام به كان في أسمائه الفضل، كالفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة كما ذكر ذلك البخاري في الأدب المفرد .
وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب :

إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا ألا يقيم ببطن مكة ظالـــم
أمر عليه تعاقــدوا وتواثقــوا فالجار والمُعترّ فيهم سالم


( والمعترُّ ) هو الزائر .

لقد ساهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تجارب قريش السياسية والعسكرية ، حيثما رأى في هذه التجارب حقا وعدلا، رافضا – من جهة أخرى – كل تصوراتها الخاطئة، ومعتقداتها الشركية، وأخلاقياتها الفاسدة .
وسيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالمواقف الدالّة على مشاركته لقومه قضاياهم المهمة، فاشترك وهو في العشرين من عمره في حرب الفجار التي سميت كذلك لوقوعها في الأشهر الحرم، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبّل لأعمامه ويرد عنهم نبال عدوهم .
واشترك في حلف الفضول ، وفي الخامسة والثلاثين من عمره مارس ـ صلى الله عليه وسلم ـ مهمة التحكيم في مسألة وضع الحجر الأسود أثناء تجديد بناء الكعبة، ومن ثم فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ محط أنظار مجتمعه، ومضرب المثل فيهم، حتى لقبوه بالصادق بالأمين ..

إن حلف الفضول كان تجمعا وميثاقا إنسانيا تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة الإنسان المظلوم، والدفاع عن الحق، ويعتبر من مفاخر العرب قبل الإسلام ، وإنّ بريق الرضا والفرح بهذا الحلف يظهر في ثنايا الكلمات التي عبّر بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه بقوله: ( ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت )، فإنّ الحب والحمية للحق، والحرص على تحقيق العدل هو هديه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، فهو القائل في الحديث المشهور عنه صلوات الله وسلامه عليه: ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) رواه البخاري.


موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده