التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصه اصحاب الرس – شريعة اسلامية

أصحاب الرَّسِّ

قال الله تعالى في سورة الفرقان {وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً، وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً}

وقال الله تعالى في صورة ق: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ، وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ، وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}.

وروى ابن جرير قال: قال ابن عباس: أصحاب الرس أهل قرية من قرى ثمود.

وقد ذكر الحافظ بن عساكر في أول تاريخه عند ذكر بناء دمشق عن تاريخ أبي القاسم عبد الله بن عبد الله بن جرداد وغيره :

أن أصحاب الرس كانوا بِحَضَوَّر، فبعث الله إليهم نبيّاً يقال له: حنظلة بن صفوان، فكذبوه وقتلوه، فسار عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح بولده من الرس، فنزل الأحقاف، وأهلك الله أصحاب الرَّس، وانتشروا في اليمن كلها، وفشوا مع ذلك في الأرض كلها
حتى نزل جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح دمشق، وبنى مدينتها، وسماها جيرون، وهي ارم ذات العماد، وليس أعمدة الحجارة في موضع أكثر منها بدمشق، فبعث الله هود بن عبد الله بن رباح بن خالد بن الحلود بن عاد إلى عاد، يعني أولاد عاد بالأحقاف، فكذبوه فأهلكم الله عز وجل.
فهذا يقتضي أن أصحاب الرس قبل عاد بدهور متطاولة فالله أعلم.

عن ابن عباس قال: الرس بئر بأذربيجان.

وقال الثوري عن أبي بكر عن عكرمة قال: الرس بئر رسّوا فيها نبيَّهم، أي دفنوه فيها.

وقد ذكر أبو بكر محمد بن الحسن النقاش
أن أصحاب الرس كانت لهم بئر ترويهم وتكفي أرضهم جميعها، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة، فلما مات وجدوا عليه وجداً عظيماً، فلما كان بعد أيام
تصوّر لهم الشيطان في صورته، وقال: إني لم أمت، ولكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم، ففرحوا أشد الفرح
وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه، وأخبرهم أنه لا يموت أبداً،
فصدق به أكثرهم وافتتنوا به وعبدوه.
فبعث الله فيهم نبياً فأخبرهم أن هذا شيطان يخاطبهم من وراء الحجاب، ونهاهم عن عبادته، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له.
قال السهيلي: وكان يوحى إليه في النوم، وكان اسمه حنظلة بن صفوان، فَعَدوْا عليه فقتلوه، وألقوه في البئر، فغار ماؤها
وعطشوا بعد ريهم، ويبست أشجارهم وانقطعت ثمارهم، وخربت ديارهم، وتبدلوا بعد الأنس بالوحشة وبعد الاجتماع بالفرقة وهلكوا عن أخرهم، وسكن في مساكنهم الجن والوحوش، فلا يسمع ببقاعهم إلا عزيف الجن وزئير الأسود وصوت الضباع.
و الله تعالى أعلم

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

أنبياء أهل القرية في الاسلام

نبذة:

أرسل الله رسولين لإحدى القرى لكن أهلا كذبوهما، فأرسل الله تعالى رسولا ثالثا يصدقهما. ولا يذكر ويذكر لنا القرآن الكريم قصة رجل آمن بهم ودعى قومه للإيمان بما جاؤوا بهن لكنهم قتلوه، فأدخله الله الجنة.

——————————————————————————–

سيرتهم:

يحكي الحق تبارك وتعالى قصة أنبياء ثلاثة بغير أن يذكر أسمائهم. كل ما يذكره السياق أن القوم كذبوا رسولين فأرسل الله ثالثا يعزرهما. ولم يذكر القرآن من هم أصحاب القرية ولا ما هي القرية. وقد اختلفت فيها الروايات. وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئاً في دلالة القصة وإيحائها. لكن الناس ظلوا على إنكارهم للرسل وتكذيبهم، وقالوا (قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ).

وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك, كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول. قد كانوا يتوقعون دائماً أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير.. أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها ?! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلىء بها الأسواق والبيوت ?!

وهذه هي سذاجة التصور والتفكير. فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة. فالرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية. وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي. النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به. وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجاً من الحياة يملكون هم أن يقلدوه.

وفي ثقة المطمئن إلى صدقه, العارف بحدود وظيفته أجابهم الرسل: إن الله يعلم، وهذا يكفي. وإن وظيفة الرسل البلاغ. وقد أدوه. والناس بعد ذلك أحرار فيما يتخذون لأنفسهم من تصرف. وفيما يحملون في تصرفهم من أوزار. والأمر بين الرسل وبين الناس هو أمر ذلك التبليغ عن الله; فمتى تحقق ذلك فالأمر كله بعد ذلك إلى الله.

ولكن المكذبين الضالين لا يأخذون الأمور هذا المأخذ الواضح السهل اليسير; ولا يطيقون وجود الدعاة إلى الهدى ويعمدون إلى الأسلوب الغليظ العنيف في مقاومة الحجة لأن الباطل ضيق الصدر. قالوا: إننا نتشاءم منكم; ونتوقع الشر في دعوتكم; فإن لم تنتهوا عنها فإننا لن نسكت عليكم, ولن ندعكم في دعوتكم: (لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ). هكذا أسفر الباطل عن غشمه; وأطلق على الهداة تهديده; وبغى في وجه كلمة الحق الهادئة!

ولكن الواجب الملقى على عاتق الرسل يقضي عليهم بالمضي في الطريق: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ). فالقول بالتشاؤم من دعوة أو من وجه هو خرافة من خرافات الجاهلية. والرسل يبينون لقومهم أنها خرافة; وأن حظهم ونصيبهم من خير ومن شر لا يأتيهم من خارج نفوسهم. إنما هو معهم. مرتبط بنواياهم وأعمالهم, متوقف على كسبهم وعملهم. وفي وسعهم أن يجعلوا حظهم ونصيبهم خيراً أو أن يجعلوه شراً. فإن إرادة الله بالعبد تنفذ من خلال نفسه, ومن خلال اتجاهه, ومن خلال عمله. وهو يحمل طائره معه. هذه هي الحقيقة الثابتة القائمة على أساس صحيح. أما التشاؤم بالأمكنة أو التشاؤم بالوجوه أو التشاؤم بالكلمات، فهو خرافة لا تستقيم على أصل!

وقالوا لهم: (أَئِن ذُكِّرْتُم) أترجموننا وتعذبوننا لأننا نذكركم! أفهذا جزاء التذكير? (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) تتجاوزون الحدود في التفكير والتقدير; وتجازون على الموعظة بالتهديد والوعيد; وتردون على الدعوة بالرجم والتعذيب!

ما كان من الرجل المؤمن:

لا يقول لنا السياق ماذا كان من أمر هؤلاء الأنبياء، إنما يذكر ما كان من أمر إنسان آمن بهم. آمن بهم وحده.. ووقف بإيمانه أقلية ضعيفة ضد أغلبية كافرة. إنسان جاء من أقصى المدينة يسعى. جاء وقد تفتح قلبه لدعوة الحق.. فهذا رجل سمع الدعوة فاستجاب لها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق والمنطق. وحينما استشعر قلبه حقيقة الإيمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوتاً; ولم يقبع في داره بعقيدته وهو يرى الضلال من حوله والجحود والفجور; ولكنه سعى بالحق الذي آمن به. سعى به إلى قومه وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون ويهددون. وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق, وفي كفهم عن البغي, وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين.

ويبدو أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان. ولم تكن له عشيرة تدافع عنه إن وقع له أذى. ولكنها العقيدة الحية في ضميره تدفعه وتجيء به من أقصى المدينة إلى أقصاها.

فقال لهم: اتبعوا هؤلاء الرسل، فإن الذي يدعو مثل هذه الدعوة, وهو لا يطلب أجراً, ولا يبتغي مغنماً. إنه لصادق. وإلا فما الذي يحمله على هذا العناء إن لم يكن يلبي تكليفاً من الله? ما الذي يدفعه إلى حمل هم الدعوة? ومجابهة الناس بغير ما ألفوا من العقيدة? والتعرض لأذاهم وشرهم واستهزائهم وتنكيلهم, وهو لا يجني من ذلك كسباً, ولا يطلب منهم أجراً? وهداهم واضح في طبيعة دعوتهم. فهم يدعون إلى إله واحد. ويدعون إلى نهج واضح. ويدعون إلى عقيدة لا خرافة فيها ولا غموض. فهم مهتدون إلى نهج سليم, وإلى طريق مستقيم.

ثم عاد يتحدث إليهم عن نفسه هو وعن أسباب إيمانه, ويناشد فيهم الفطرة التي استيقظت فيه فاقتنعت بالبرهان الفطري السليم. فلقد تسائل مع نفسه قبل إئمانه، لماذا لا أعبد الذي فطرني؟ والذي إليه المرجع والمصير? وما الذي يحيد بي عن هذا النهج الطبيعي الذي يخطر على النفس أول ما يخطر? إن الفطر مجذوبة إلى الذي فطرها, تتجه إليه أول ما تتجه, فلا تنحرف عنه إلا بدافع آخر خارج على فطرتها. والتوجه إلى الخالق هو الأولى.

ثم يبين ضلال المنهج المعاكس. مهج من يعبد آلهة غير الرحمن لا تضر ولا تنفع. وهل أضل ممن يدع منطق الفطرة الذي يدعو المخلوق إلى عبادة خالقه, وينحرف إلى عبادة غير الخالق بدون ضرورة ولا دافع? وهل أضل ممن ينحرف عن الخالق إلى آلهة ضعاف لا يحمونه ولا يدفعون عنه الضر حين يريد به خالقه الضر بسبب انحرافه وضلاله?

والآن وقد تحدث الرجل بلسان الفطرة الصادقة العارفة الواضحة يقرر قراره الأخير في وجه قومه المكذبين المهددين المتوعدين. لأن صوت الفطرة في قلبه أقوى من كل تهديد ومن كل تكذيب: (إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) هكذا ألقى بكلمة الإيمان الواثقة المطمئنة. وأشهدهم عليها. وهو يوحي إليهم أن يقولوها كما قالها. أو أنه لا يبالي بهم ماذا يقولون!

استشهاد الرجل ودخوله الجنة:

ويوحي سياق القصة بعد ذلك القوم الكافرين قتلوا الرجل المؤمن. وإن كان لا يذكر شيئاً من هذا صراحة. إنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها, وعلى القوم وما هم فيه; ويرفعه لنرى هذا الشهيد الذي جهر بكلمة الحق, متبعاً صوت الفطرة, وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل. نراه في العالم الآخر. ونطلع على ما ادخر الله له من كرامة. تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ .. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).

وتتصل الحياة الدنيا بالحياة الآخرة. ونرى الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء. وخطوة يخلص بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة. ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحق. ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم. ومن ظلمات الجاهلية إلى نور اليقين.

ونرى الرجل المؤمن. وقد اطلع على ما آتاه الله في الجنة من المغفرة والكرامة, يذكر قومه طيب القلب رضي النفس, يتمنى لو يراه قومه ويرون ما آتاه ربه من الرضى والكرامة, ليعرفوا الحق, معرفة اليقين.

إهلاك أصحاب القرية بالصيحة:

هذا كان جزاء الإيمان. فأما الطغيان فكان أهون على الله من أن يرسل عليه الملائكة لتدمره. فهو ضعيف ضعيف: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ .. إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ). لا يطيل هنا في وصف مصرع القوم, تهويناً لشأنهم, وتصغيراً لقدرهم. فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم. ويسدل الستار على مشهدهم البائس المهين الذليل!

تجاوز السياق أسماء الأنبياء وقصصهم ليبرز قصة رجل آمن.. لم يذكر لنا السياق اسمه. اسمه لا يهم.. المهم ما وقع له.. لقد آمن بأنبياء الله.. قيل له ادخل الجنة. ليكن ما كان من أمر تعذيبه وقتله. ليس هذا في الحساب النهائي شيئا له قيمته. تكمن القيمة في دخوله فور إعلانه أنه آمن. فور قتله.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

إسماعيل عليه السلام – شريعة اسلامية

كان إبراهيم -عليه السلام- يحب أن تكون له ذرية صالحة تعبد الله -عز وجل- وتساعده في السعي على مصالحه، فعلمت السيدة سارة ما
يريده زوجها، وكانت عاقرًا لا تلد فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها؛ لعلها تنجب له الولد، فلما تزوجها إبراهيم -عليه السلام- حملت منه، وأنجبت له إسماعيل، وبعد مرور فترة من ولادة إسماعيل أمر الله -عز وجل- إبراهيم أن يذهب بزوجته هاجر وولده إلى مكة، فاستجاب إبراهيم لأمر ربه، وسار بهما حتى وصلوا إلى جبال مكة عند موضع بناء الكعبة، وظل معهما فترة قصيرة، ثم تركهما في هذا المكان وأراد العودة إلى الشام، فلما رأته زوجته هاجر عائدًا أسرعت خلفه، وتعلقت بثيابه، وقالت له: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يرد عليها إبراهيم -عليه السلام- وظل صامتًا، فألحت عليه زوجته هاجر، وأخذت تكرر السؤال نفسه، لكن دون فائدة، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم: نعم، فقالت هاجر: إذن لن يضيعنا، ثم رجعت.
وسار إبراهيم -عليه السلام- وترك زوجته وولده، وليس معهما من الطعام والماء إلا القليل، ولما ابتعد عنها إبراهيم، رفع يده داعيًا ربه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم واصل السير إلى الشام، وظلت هاجر وحدها، ترضع ابنها إسماعيل، وتشرب من الماء الذي تركه لها إبراهيم حتى نفد ما في السقاء، فعطشت، وعطش ابنها فتركته وانطلقت تبحث عن الماء، بعدما بكى الطفل بشدة، وأخذ يتلوى، ويتمرغ أمامها من شدة العطش.
وأخذت هاجر تمشي حتى وصلت إلى جبل الصفا، فصعدت إليه ثم نظرت إلى الوادي يمينًا ويسارًا؛ لعلها ترى بئرًا أو قافلة مارة من الطريق فتسألهم الطعام
أو الماء، فلم تجد شيئًا، فهبطت من الصفا، وسارت في اتجاه جبل المروة فصعدته وأخذت تنظر بعيدًا لترى مُنقِذًا ينقذها هي وابنها مما هما فيه، إلا أنها لم تجد شيئًا كذلك، فنزلت من جبل المروة صاعدة جبل الصفا مرة أخرى لعلها تجد النجاة وظلت هكذا تنتقل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا سبع مرات.
وقد أصبح هذا السعي شعيرة من شعائر الحج، وذلك تخليدًا لهذه الذكرى، قال تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم } [البقرة:158] وبعد أن تعبت هاجر، وأحست بالإجهاد والمشقة، عادت إلى ابنها دون أن يكون معها قطرة واحدة من الماء، وهنا أدركتها رحمة الله -سبحانه- فنزل الملك
جبريل -عليه السلام- وضرب الأرض، فتفجرت وتدفقت منها بئر زمزم وتفجر منها ماء عذب غزير، فراحت هاجر تغرف بيدها وتشرب وتسقى ابنها، وتملأ سقاءها، وشكرت الله -عز وجل- على نعمته، وعلى بئر زمزم التي
فجرها لها.
ومرت أيام قليلة، وجاءت قافلة من قبيلة جرهم -وهي قبيلة عربية يمنية- فرأت طيرًا يحوم فوق مكان هاجر وابنها، فعلموا أن في ذلك المكان ماء، فأقبلوا نحو المكان الذي يطير فوقه الطير، فوجدوا بئر زمزم فتعجبوا من وجودها في هذه المكان، ووجدوا أم إسماعيل تجلس بجواره، فذهبوا إليها، وعرفوا قصتها فاستأذنوها في الإقامة بجوار هذه البئر، فأذنت لهم، وعاشت معهم هي وابنها وتعلم منهم إسماعيل اللغة العربية، وأخذت هاجر تربي ابنها إسماعيل تربية حسنة وتغرس فيه الخصال الطيبة والفضائل الحميدة، حتى كبر قليلاً، وصار يسعى في مصالحه لمساعدة أمه.
وكان إبراهيم -عليه السلام- يزور هاجر وولده إسماعيل من حين لآخر لكي يطمئن عليهما، وذات يوم رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل الذي جاء بعد شوق طويل، فلما قام من نومه، علم أن ما رآه ما هو إلا أمر من الله؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، فذهب إبراهيم إلى ابنه، وقال له: {يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات:102] فقال إسماعيل: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات:102]..
وأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل وذهب به إلى مِنَى ثم ألقاه على وجهه كي لا يرى وجهه عند الذبح، فيتأثر بعاطفة الأبوة، واستسلم إسماعيل لأمر الله ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل ليذبحه، وقبل أن يمر السكين سمع إبراهيم نداء الله تعالى يقول له: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات:104-106] وبعد لحظات من النداء الإلهي رأى إبراهيم الملك جبريل -عليه السلام- ومعه كبش عظيم، فأخذه إبراهيم وذبحه بدلاً من ابنه إسماعيل.
لقد أراد الله -عز وجل- أن يختبر إبراهيم في التضحية بابنه إسماعيل، فلما وجده قد امتثل لأمره دون كسل واعتراض كشف الله هذا البلاء، وفدى إسماعيل بكبش عظيم، وقد أصبح يوم فداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا للمسلمين يسمي بعيد الأضحى، يذبح فيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله وتخليدًا لهذه الذكري الطيبة، وعاد إبراهيم بولده إلى البيت، ففرحت الأم بنجاة ولدها فرحًا شديدًا، وكبر إسماعيل حتى أصبح شابًّا قويًّا، وتزوج امرأة من إحدى القبائل التي استقرت حول بئر زمزم.
وذات يوم زار إبراهيم -عليه السلام- ابنه إسماعيل، فلم يجده في بيته، ووجد زوجته وكانت لا تعرفه، فسألها إبراهيم عن زوجها إسماعيل، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقًا، فسألها عن عيشهم، فقالت: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إبراهيم : إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه، فلما عاد إسماعيل سأل زوجته: هل زارنا أحد اليوم؟ قالت له: نعم، زارنا شيخ صفته كذا وكذا، فقال إسماعيل: هل قال لك شيئًا؟قالت: سألني عنك وعن حالتنا وعيشتنا، فقال لها: وماذا قلت له؟ قالت: قلت له: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إسماعيل: وهل أوصاك بشيء؟ قالت: قال لي: قولي لزوجك عندما يعود أن يغير عتبة بابه، فقال إسماعيل: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فألحقي بأهلك فطلقها إسماعيل، وتزوج بغيرها.
ومرت فترة من الزمن، ثم عاد إبراهيم لزيارة ابنه إسماعيل، ولم يجده أيضًا، ووجد زوجته، وكانت هي أيضا لا تعرفه، فسألها أين زوجك إسماعيل؟ قالت له: خرج يبتغي لنا رزقًا، فقال إبراهيم: وكيف أنتم؟ قالت: نحن بخير وسعة، ففرح إبراهيم بهذه الزوجة، واطمأن لحالها، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي له مني السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل أخبرته زوجته بما حدث، وأثنت على إبراهيم، فقال إسماعيل: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك. [البخاري].
وعاد إبراهيم إلى فلسطين، وظل بها مدة طويلة يعبد الله -عز وجل- ثم ذهب لزيارة إسماعيل، فوجده يبري نبلاً له قرب بئر زمزم، فلما رآه إسماعيل قام إليه واحتضنه واستقبله أحسن استقبال، ثم قال إبراهيم لابنه: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمرٍ. فقال إسماعيل: اصنع ما أمرك به ربك، فقال إبراهيم: وتعينني عليه؟ قال إسماعيل: وأعينك عليه، فقال إبراهيم: إن الله أمرني أن أبني هنا بيتًا، كي يعبده الناس فيه، فوافق إسماعيل أباه، وبدأ ينقل معه الحجارة اللازمة لبناء هذا
البيت، وكان إبراهيم يبني، وإسماعيل يعينه، حتى إذا ما ارتفع البناء واكتمل جاء جبريل بحجر من الجنة، وأعطاه لإبراهيم، ليضعه في الكعبة، وهو ما يسمى بالحجر الأسود.
وبعد أن انتهى إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- من بناء الكعبة وقفا يدعوان ربهما: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128] وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل -عليه السلام- ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة، وأنه كان يأمر أهله بأدائها، قال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} [مريم:54-55].
وكان إسماعيل رسولاً إلى القبائل التي سكنت واستقرت حول بئر زمزم، وأوحى الله إليه، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة:163] وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} [النساء:163] وكان إسماعيل -عليه السلام- أول من رمى بسهم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشجع الشباب على الرمي بقوله: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا) [البخاري].
وإسماعيل -عليه السلام- هو جد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو العرب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم].

موسوعة الإسرة المسلمة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصه نبينا نوح عليه الصلاه والسلام

من القصص المثيرة في القرآن الكريم قصة نبي الله نوح عليه السلام، وهو الذي أثبت القرآن بأنه لبث في قومه يدعو 950 سنة، ومعلوم ان الانبياء ما كان الوحي ينزل عليهم ولا يبعثون إلا بعد سن الاربعين، ويعني هذا انه عاش ألف سنة على الاقل.

تصور لو عاش أي منا هذه السن فكم من المشاكل يواجهها؟ ألا يتمنى ان يموت عندئذ كي يتخلص من العذاب؟ إذن الموت نعمة كما ان الحياة نعمة، والله سبحانه وتعالى كان أعرف بمصلحة العباد عندما كتب عليهم الموت.

وبالفعل فإن نبي الله “نوح” عندما عمر هذا العمر لقي المكابرة والعناد من قومه وفي النهاية لم يلق منهم الا اليأس فدعا عليهم قائلا: “رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا، انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا” (نوح: 26 27).

ورد ذكر نوح في سبع سور من القرآن هي: الاعراف وهود ويونس والشعراء والصافات ونوح والقمر.

وإذا كان آدم عليه السلام هو أول نبي على الأرجح فإن نوحا عليه السلام هو أول رسول، والفرق بين النبي والرسول واضح عند أهل العلم. نعم وجاء نوح ليقول للناس اعبدوا الله وحده، وهذه كانت دعوة كل الانبياء والرسل من بعده. لكن تميزت بعثة نوح بأن بعثه الله ليزيل النظام الطبقي وقضية التفاضل بين الناس التي كانت سائدة في عهده، وذلك واضح في قول الله تعالى على لسان قومه: “وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي، وما نرى لكم علينا من فضل”. ويقولون كما ورد في آية اخرى: “أنؤمن لك واتبعك الأرذلون”.

أقول: ولا تزال البشرية متمسكة بأذيال العنصرية والطبقية، رغم أنهم رأوا كيف لقي أولئك المستعلون في الارض مصيرهم، وان المتكبرين يبتليهم الله بمن هو أشد تعاليا وتكبرا، وقد صدق الشاعر اذ يقول:

مثل الجاهل في إعجابه

مثل الناظر من أعلى الجبل

ينظر الناس صغارا وهو في

أعين الناس صغيرا لم يزل

ونقف مع نوح عدة وقفات أيضا، فهو لم يكن انسان عاديا لأنه عمر طويلا وطويلا وصبر طويلا وطويلا.

ثم إنه لم يكن النبي الثاني بعد آدم أبي البشر بحكم ان أدريس عليه السلام كان قبله كما تقول الروايات.

الا انه أبو البشر أيضا بعد آدم عليه السلام بحكم انه صاحب الطوفان الذي عم الارض كلها، فلم يسلم حينئذ الا من كان معه في السفينة.

ومعلوم ان الناس الموجودين بألوانهم وجنسياتهم كلهم من ذرية أبناء نوح الثلاثة الذين هم: سام وحام ويافث، وقد قال أحد الشعراء:

عرب وفارس وروم فاعلمن

أبناء سام فيهم الخير كمن

والترك والبربر والسودان

أبناء حام ذلك البيان

يأجوج مأجوج مع الصقالبة

ليافث لا خير فيهم قاطبة

ووقفة اخرى مع نوح انه كان يدعو للاصلاح ولا يهتم بسخرية الناس منه واستهزائهم به، وهذا يعني ان صاحب المبدأ يجب ان يثبت على مبدئه، وما عليه من الناس، فالقافلة تسير والكلاب تنبح فكم كانوا يتعرضون له بالضرب والايذاء بالقول. ومع ذلك كان كبيرا في معنوياته لا يعرف الاحباط والملل، بل يوجد لهم عذرا فيقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

ووقفة اخرى مع نوح عندما علم قومه الاستغفار وكان قد اصابهم القحط والجفاف قال تعالى على لسان نوح: “استغفروا ربكم انه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا”.

وبالمناسبة فإن كتب التفسير تروي بأن الامام مالك جاءه قوم يشكون القحط فأمرهم بالاستغفار، وجاءه آخر يشكو الفقر فأمره بالاستغفار، وآخر شكا العقم فأمره بالاستغفار، وآخر شكا مزرعته التي صارت قليلة البركة فأمره بالاستغفار أيضا، فتعجب طلبته من الشكاوى المختلفة والعلاج واحد، فاستشهد الامام بهذه الآية.

فهل يا ترى انتبه الناس الى هذه الصيدلية الالهية المفتوحة بالمجان أم ما زالوا يبحثون عن العلاج؟

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

البخلاء – قصة أسد بن جاني ! في الاسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

البخلاء . قصة أسد بن جاني !

فأما أسد بن جاني فكان يجعل سريره في الشتاء من قصب مقشر؛ لأن البراغيث تزلق عن ليط القصب، لفرط لينه وملاسته.
وكان إذا دخل الصيف، وحر عليه بيته، أثاره حتى يغرق المسحاة. ثم يصب عليه جراراً كثيرة من ماء البئر. ويتوطؤه حتى يستوي. فلا يزال ذلك البيت بارداً ما دام ندياً.
فإذا امتد به الندى، ودام برده بدوامه، اكتفى بذلك التبريد صيفته. وإن جف قبل انقضاء الصيف، وعاد عليه الحر، عاد عليه بالإثارة والصب.
وكان يقول: خيشتي أرض، وماء خيشتي من بئري، وبيتي أبرد، ومؤنتي أخف. وأنا أفضلهم أيضاً بفضل الحكمة وجودة الآلة.

وكان طبيباً فأكسد مرة، فقال له قائل: السنة وبئة، والأمراض فاشية، وأنت عالم، ولك صبر وخدمة، ولك بيان ومعرفة. فمن أين تؤتى في هذا الكساد؟ قال: أما واحدة فإني عندهم مسلم، وقد اعتقد القوم قبل أن أتطيب، لا بل قبل أن أخلق، أن المسلمين لا يفلحون في الطب! واسمي أسد، وكان ينبغي أن يكون اسمي صليباً، ومرايل، ويوحنا، وبيرا، وكنيتي أبو الحارث، وكان ينبغي أن تكون أبو عيسى، وأبو زكريا، وأبو إبراهيم. وعلى رداء قطن أبيض، وكان ينبغي أنت يكون رداء حرير أسود. ولفظي لفظ عربي، وكان ينبغي أن تكون لغتي لغة أهل جنديسابور.

قال الخليل السلولي: أقبل علي يوماً الثوري، وكان يملك خمسمائة جريب، ما بين كرسي الصدقة إلى نهر مرة. ولا يشتري إلا كل غرة، وكل أرض مشهورة بكريم التربة، وشرف الموضع، والغلة الكثيرة. قال: فأقبل علي يوماً فقال لي: هل اصطبغت بماء الزيتون قط؟ قال: قلت: لا والله لو فعلته ما نسيته! قال: قلت: أجل، إني والله لو فعلته لما نسيته! وكان يقول لعياله: لا تلقوا نوى التمر والرطب، وتعودوا ابتلاعه، وخذوا حلوقكم بتسويغه؛ فإن النوى يعقد الشحم في البطن، ويدفئ الكليتين بذلك الشحم! واعتبروا ذلك ببطون الصفايا وجميع ما يعتلف النوى! والله لو حملتم أنفسكم على البزر والنوى، وعى قضم الشعير، واعتلاف القت، لوجدتموها سريعة القبول! وقد يأكل الناس القت قداحاً، والشعير فريكا ونوى البسر الأخضر، ونوى العجوة.
فإنما بقيت الآن عليكم عقبة واحدة: لو رغبتم في الدفإلا لتمستم الشحم. وكيف لا تطلبون شيئاً يغنيكم عن دخان الوقود، وعن شناعة العكر، وعن ثقل الغرم؟ والشحم يفرح القلب، ويبيض الوجه. والنار تسود الوجه. أنا أقدر أن أبتلع النوى، وأعلفه النساء. ولكني أقول ذلك بالنظر مني لكم.
وكان يقول: كلوا الباقلي بقشوره، فإن الباقلي يقول: من أكلني بقشوري فقد أكلني، ومن أكلني بغير قشوري فأنا الذي أكله! فما حاجتكم إلى أن تصيروا طعاماً لطعامكم، وأكلاً لما جعل أكلاً لكم؟ وكان يعين مالاً عظيماً. ولم يكن له وارث. فكان يسخر ببعضهم، فيقول عند الإشهاد: قد علمتم أن لا وارث لي. فإذا مت فهذا المال لفلان! فكان قوم كثير يحرصون على مبايعته لهذا.
وقد رأيته أنا زماناً من الدهر، ما رأيته قط إلا ونعله في يده، أو يمشي طول نهاره في نعل مقطوعة العقب، شديدة على صاحبها! قال: فهو ذا المجوس، يرتعون البصرة وبغداد وفارس والأهواز والدنيا كلها، بنعال سندية. فقيل له: إن المجوسي لا يستحل في دينه المشركة، فأنت لا تجده أبداً إلا حافياً، أو لابساً نعلاً سندية. وأنت مسلم، ومالك كثير.
قال: فمن كان ماله كثيراً، فلابد له من أن يفتح كيسه للنفقات وللسراق؟ قالوا: فليس هاتين منزلة؟ قال الخليل: جلس الثوري إلى حلقة المصلحين في المسجد. فسمع رجلاً من مياسيرهم يقول: بطنوا كل شيء لكم، فإنه أبقى. ولأمر جعل الله دار الآخرة باقية، ودار الدنيا فانية. ثم قال: ربما رأيت المبطنة الواحدة تقطع أربعة أقمصة، والعمامة الواحدة تقطع أربعة أزر؛ ليس ذلك إلا لتعاون الطي، وترافد الأثناء. فبطنوا البواري؛ وبطنوا الحصر، وبطنوا البسط، وبطنوا الغداء بشربة باردة! ل فقال الثوري: لم افهم مما قلت إلا هذا الحرف وحده! قال الخليل: حم الثوري وحم عياله وخادمه، فلم يقدروا مع شدة الحمى على أكل الخبز. فربح كيلة تلك الأيام من الدقيق، ففرح بذلك، وقال: لو كان منزلي سوق الأهواز، أو نطاة خيبر، أو وادي الجحفة، لرجوت أن أستفضل كل سنة مائة دينار! فكان لا يبالي أن يحم هو وأهله أبداً، بعد أن يستفضل كفايتهم من الدقيق!وكان يقول: أول الإصلاح – وهو من الواجب – خصف النعل، واستجادة الطراق، وتشحيمها في كل الأيام، وعقد ذؤابة الشراك، من زي النساك، لكيلا يطأ عليه إنسان فيقطعه. ومن الإصلاح الواجب قلب خرقة القلنسوة إذا اتسخت، وغسلها من اتساخها بعد القلب. واجعلها حبرة، فإنها مما له مرجوع! ومن ذلك اتخاذ قميص الصيف جبة في الشتاء، واتخاذ الشاة اللبون إذا كان عندك حمار.
واتخاذ الحمار الجامع خير من غلة ألف دينار: لأنه لرحلك، وبه يدرك البعيد من حوائجك، وعليه يطحن، فتستفضل عليه ما يربحه عليك الطحان. وينقل عليه حوائجه وحوائجك، حتى الحطب. ويستقي عليه الماء. وهذه كلها مؤن إذا اجتمعت كانت في السنة مالاً كثيراً ثم قال: أشهد إن الرفق يمن، وإن الخرق شؤم.
واشتريت ملاءة مذارية، فلبستها ما شاء الله رداء وملحفة. ثم احتجت إلى طيلسان، فقطعتها – يعلم الله! – فلبسته ما شاء الله. ثم احتجت إلى جبة فجعلته – يعلم الله! – ظهار، جبة محشوة، فلبستها ما شاء الله.ثم أخرجت ما كان فيها من الصحيح، فجعلته مخاد، وجعلت قطنها للقناديل. ثم جعلت ما دون خرق المخاد للقلائس. ثم عمدت إلى أصح ما بقي، فبعته من أصحاب الصينيات والصلاحيات.وجعلت السقاطات، وما قد صار كالخيوط وكالقطن المندوف، صمائم لرؤوس القوارير.
وقد رأيته وسمعت منه في البخل كلاماً كثيراً. وكان من البصريين، ينزل في بغداد مسجد ابن رغبان. ولم أر شيخاً ذا ثروة اجتمع عنده وإليه من البخلاء ما اجتمع له: منهم إسماعيل بن غزوان، وجعفر بن سعيد، وخاقان بن صبيح، وأبو يعقوب الأعور، وعبد الله العروضي، والحزامي عبد الله بن كاسب.
وأبو عبد الرحمن هذا شديد البخل، شديد العارضة، عضب اللسان. وكان يحتج للبخل، ويوصي به، ويدعو إليه. وما علمت أن أحداً جرد في ذلك كتاباً إلا سهل بن هارون.
وأبو عبد الرحمن هذا هو الذي قال لابنه: أبي بني، إن إنفاق القراريط، يفتح عليك أبواب الدوانيق، وإنفاق الدوانيق، يفتح عليك أبواب الدراهم، وإنفاق الدراهم، يفتح عليك أبواب الدنانير. والعشرات تفتح عليك أبواب المئين، والمئون تفتح عليك أبواب الألوف، حتى يأتي ذلك على الفرع والأصل، ويطمس على العين والأثر، ويحتمل القليل والكثير! أي بني، إنما صار تأويل الدرهم: دار لهم، وتأويل الدينار: يدني إلى النار الدرهم إذا خرج إلى غير خلف، وإلى غير بدل، دار لهم على دوانق مخرجة. وقيل: إن الدينار يدني إلى النار، لأنه إذا أنفقته في غير خلف، وأخرج إلى غير دل، بقيت مخفقاً معدماً وققيراً مبلطاً. فيخرج الخارج، وتدعو الضرورة إلى المكاسب الردية، والطعم الخبيثة. والخبيث من الكسب يسقط العدالة، ويذهب بالمروءة، ويوجب الحد، ويدخل النار.
وهذا تأويل الذي تأوله للدرهم والدينار ليس له، إنما هذا شيء كان يتكلم به عبد الأعلى إذا قيل له: لم سمي الكلب قليطاً؟ قال: لأنه قل ولطى! وإذا قيل له: لم سمي الكلب سلوقياً؟ قال: لأنه يستل ويلقي! وإذا قيل له: لم سمي العصفور عصفوراً؟ قال: لأنه عصى وفر! وعبد الأعلى هذا هو الذي كان يقول في قصصه: الفقير…مرفقته سلبة، وجردقته فلقة، وسمكته سلته؛ في طيب له كثير.
وبعض المفسرين يزعم أن نوحاً النبي عليه السلام، إنما سمي نوحاً، لأنه كان ينوح على نفسه؛ وأن آدم سمي آدم، لأنه حذي من أديم الأرض – وقالوا: كان لونه في أدمته لون الأرض – وأن المسيح سمي المسيح لأنه مسح بدهن البركة. وقال بعضهم: لأنه كان لا يقيم في البلد الواحد. وكان كأنه ماسح يمسح الأرض.
ثم رجع الحديث إلى أعاجيب أبي عبد الرحمن: وكان أبو عبد الرحمن: وكان أبو الرحمن يعجب بالرءوس، ويحمدها ويصفها. وكان لا يأكل اللحم إلا يوم أضحي، أو من بقية أضحيته، أو يكون في عرس أو دعوة أو سفرة. وكان سمى الرأس عرساً، لما يجتمع فيه من الألوان الطيبة. وكان يسميه مرة الجامع، ومرة الكامل.
وكان يقول: الرأس شيء واحد. وهو ذو ألوان عجيبة، وطعوم مختلفة. وكل قدر وكل شواه فإنما هو شيء واحد. والرأس فيه الدماغ، فطعم الدماغ على حدة. وفيه العينان، وطعمهما شيء على حدة. وفيه الشحمة التي بين أصل الأذن ومؤخر العين، وطعمها على حدة. على أن هذه الشحمة خاصة أطيب من المخ، ونعم من الزبد، وأدسم من السلاء.وفي الرأس اللسان، وطعمه شيء على حدة. وفيه الخيشوم، والغضروف الذي في الخيشوم، وطعمهما شيء على حدة. وفيه لحم الخدين، وطعمه شيء على حدة – حتى يقسم أسقاطه الباقية.
ويقول: الرأس سيد البدن: وفيه الدماغ، وهو معدن العقل، ومنه يتفرق العصب الذي فيه الحس، وبه قوام البدن. وإنما القلب باب العقل – كما أن النفس هي المدركة، والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة، وإنما الأنف والأذن بابان.
ولولا أن العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه.
وفي الرأس الحواس الخمس.
وكان ينشد قول الشاعر:
إذا ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري … وغودر عند الملتقى ثم سائري
وكان يقول: الناس لم يقولوا: هذا رأس الأمر، وفلان رأس الكتيبة، وهو رأس القوم، وهم رؤوس الناس وخراطيمهم وأنفهم، ويستقوا من الرأس الرياسة، والرئيس، – وقد رأس القوم فلان – ، إلا والرأس هو المثل، وهو المقدم.
وكان إذا فرغ من أكل الرأس عمد إلى القحف، وإلى الجبين، فوضعه بقرب بيوت النمل والذر. فإذا اجتمعت فيه أخذه فنفضه في طست فيها ماء. فلا يزال يعيد ذلك في تلك المواضع، حتى يقلع أصل النمل والذر من داره. فإذا فرغ من ذلك ألقاه في الحطب، ليوقد به سائر الحطب.
وكان إذا كان يوم الرءوس، أقعد ابنه معه على الخوان. إلا أن ذلك بعد تشرط طويل، وبعد أن يقف به على ما يريد! وكان فيما يقول له: إياك ونهم الصبيان، وشره الزراع، وأخلاق النوائح. ودع عنك خبط الملاحين والفعلة، ونهش الأعراب والمهنة. وكل ما بين يديك؛ فإنما حقك الذي وقع لك، وصار أقرب إليك.
وأعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريف، ولقمة كريمة، ومضغة شهية، فإنما ذلك للشيخ المعظم، والصبي المدلل. ولست واحداً منهما. فأنت قد تأتي الدعوات والولائم، وتدخل منازل الإخوان، وعهدك باللحم قريب، وإخوانك أشد قرماً إليه منك. وإنما هو رأس واحد. فلا عليك أن تتجافى عن بعض وتصيب بعضاً. وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم، فإن الله يبغض أهل البيت اللحمين.
وكان يقول: إياكم وهذه المجازر، فإن لها ضراوة، كضراوة الخمر.
وكان يقول: مدمن اللحم كمدمن الخمر.
وقال الشيخ ورأى رجلاً يأكل اللحم، فقال: لحم يأكل لحماً! أف لهذا عملاً! وذكر هرم بن قطبة اللحم، فقال: وإنه ليقتل السباع.
وقال المهلب: لحم وارد على غير قاوم، هذا الموت الأحمر.
وقال الأول: أهلك الرجال الأحمران: اللحم والخمر، وأهلك النساء الأحمران: الذهب والزعفران.
أي بني، عود نفسك الأثرة، ومجاهدة الهوى والشهوة. ولا تنهش نهش الأفاعي، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدم الأكل إدامة النعاج، ولا تلقم لقم الجمال، قال أبو ذر لمن بذل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخضمون ونقضم، والموعد الله.
إن الله قد فضلك. فجعلك إنساناً؛ فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعاً. واحذر سرعة الكظة، وسرف البطنة. وقد قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعد نفسك في الزمني.
وقال الأعشى: " والبطنة مما تسفه الأحلاما " .
واعلم أن الشبع داعية البشم، وأن البشم داعية السقم، وأن السقم داعية الموت. ومن مات هذه الميتة، فقد مات ميتة لئيمة. وهو قاتل نفسه، وقاتل نفسه ألوم من قاتل غيره. وأعجب، إن أردت العجب! وقد قال الله جل ذكره: " ولا تقتلوا أنفسكم " . – وسواء قتلنا أنفسنا، أو قتل بعضنا بعضاً، كان ذلك للآية تأويلاً.
أي بني، إن القاتل والمقتول في النار. ولو سألت حذاق الأطباء لأخبروك أن عامة أهل القبور إنما ماتوا بالتخم. واعرف خطأ من قال: أكلة وموتة! وخذ بقول من قال: رب أكلة تمنع أكلات. وقد قال الحسن: يا بن آدم كل في ثلث بطنك، واشرب في ثلث بطنك، ودع الثلث للتفكر والتنفس. وقال بكر بن عبد الله المزني: ما وجدت طعم العيش حتى استبدلت الخمص بالكظة، وحتى لم ألبس من ثيابي ما يستخدمني، وحتى لم آكل إلا ما لا أغسل يدي منه.
يا بني، والله ما أدى حق الركوع، ولا وظيفة السجود ذو كظة، ولا خشع الله ذو بطنة. والصوم مصحة، والوجبات عيش الصالحين.
ثم قال: لأمر ما طالت أعمار الهند، وصحت أبدان الأعراب. لله در الحارث ابن كلدة، حين زعم أن الدواء هو الأزم، وأن الداء هو إدخال الطعام في أثر الطعام!أي بني لم صفت أذهان العرب؟ ولم صدقت أحساس العرب؟ ولم صححت أبدان الرهبان، مع طول الإقامة في الصوامع؟ وحتى لم تعرف النقرس، ولا وجع المفاصل، ولا الأورام، إلا لقلة الرزق من الطعام، وخفة الزاد، والتبلغ باليسير.
أي بني، إن نسيم الدنيا وروح الحياة أفضل من أن تبيت كظيظاً، وأن تكون لقصر العمر حليفاً. وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك صحة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعى، وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة؟ أي بني، لم صار الضب أطول شيء عمراً إلا لأنه إنما يعيش بالنسيم؟ ولم زعم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصوم وجاء إلا ليجعل الجوع حجازاً دون الشهوات.
افهم تأدب الله؛ فإنه لم يقصد به إلا مثلك.
أي بني، قد بلغت تسعين عاماً ما نقص لي سن، ولا تحرك لي عظم، ولا انتشر لي عصب، ولا عرف دنين أذن، ولا سيلان عين، ولا سلس بول! ما لذلك علة إلا التخفيف من الزاد.
فإن كنت تحب الحياة، فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تحب الموت، فلا يبعد الله إلا من ظلم.
هذه كانت وصيته في يوم الرءوس وحده! فلم يكن لعياله إلا التقمم ومص العظم! وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر، لمكان زيادة الدماغ. وكان لا يشتري إلا راس فتي، لوفارة الدماغ؛ لأن دماغ الفتي أوفر، ويكون مخه أنقص، ومخ المسن أوفر، ودماغه أنقص.
ويزعمون أن للأهلة والمحاق في الأدمغة والماء عملاً معروفاً، وبينها في الربيع والخريف فضلاً بيناً.
وتزعم الأعراب والعرب أن النطفة إذا وقعت في الرحم في أول الهلال، خرج الولد قوياً ضخماً، وإذا كان في المحاق خرج ضئيلاً شختاً.
وأنشد قول الشاعر:
لقحت في الهلال عن قبل الطه … ر وقد لاح للصباح بشير
ثم نمى ولم ترضع فلوا … ورضاع المحج عيب كبير
وكان أبو عبد الرحمن يشتري ذلك الرأس من جميع رءاسي بغداد، إلا من رءاسي مسجد ابن رغبان. وكان لا يشتريه إلا يوم سبت. واختلط عليه الأمر قيما بين الشتاء والصيف. فكان مرة يشتريه في هذا الزمان، ومرة يشتريه في هذا الزمان.
وأما زهده في رءوس مسجد ابن رغبان، فإن البصريين يختارون لحم الماعز الخصي على الضأن كله. ورءوس الضأن أشحم وألحم، وأرخص رخصاً وأطيب. ورأس التيس أكثر لحماً من رأس الخصي؛ لأن الخصي من الماعز يعرق جلده، ويقل لحم رأسه. ولا يبلغ جلده، وإن كان ماعزاً، في الثمن، عشر ما يبلغ جلد التيس. ولا يكون رأسه إلا دوناً. ولذلك تخطاه إلى غيره.
وأما اختياره شراء الرءوس يوم السبت، فإن القصابين يذبحون يوم الجمعة أكثر، فتكثر الرءوس يوم السبت، على قدر الفضل فيما يذبحون؛ ولأن العوام والتجار والصناع لا يقومون إلى أكل الرءوس يوم السبت، مع قرب عهدهم بأكل اللحم يوم الجمعة؛ ولأن عامتهم قد بقيت عنده فضلة، فهي تمنعه من الشهوة؛ ولأن الناس لا يكادون يجمعون على خوان واحد بين الرءوس واللحم.وأما اختلاط التدبير عليه في فرق ما بين الشتاء والصيف، فوجه ذلك أن العلل كانت تتصور له، وتعرض له الدواعي على قدر قرمه، وحركة شهوته، صيفاً وافق ذلك أم شتاء.
فإن اشتراه في الصيف، فلأن اللحم في الصيف ارخص. والرءوس تابعة للحم؛ ولأن الناس في الشتاء لها آكل، وهم لها في القيظ أترك. فكان يختار الرخص على حسن الموقع.
فإذا قويت دواعيها في الشتاء قال: راس واحد شتوي كرأسين صيفيين! لأن المعلوفة غير الراعية. وما أكل الكسب في الحبس موثقاً، غير ما أكل الحشيش في الصحراء مطلقاً.
وكان على ثقة أنه سيأتي عليه في الشتاء، مع صحته وبدنه، وفي شك من استبقائه في الصيف. ولنقصان شهوات الناس للرءوس في الصيف، كان يخاف جريرة تلك البقية، وجناية تلك الفضلة، وكان يقول: إن أكلتها بعد الشبع لم آمن العطب، وإن تركتها لهم في الصيف ولم يعرفوا العلة، طلبوا ذلك مني في الشتاء.
حثني المكي قال: كنت يوماً عند العنبري، إذ جاءت جارية أمه ومعها كوز فارغ. فقالت: قالت أمك: بلغني أن عندك مزملة، ويومنا يوم حار. فابعث إلي بشربة منها في هذا الكوز.
قال: كذبت! أمي اعقل من أن تبعث بكوز فارغ، ونرده ملآن! اذهبي فاملئيه من ماء حبكم، وفرغيه في حبنا. ثم املئيه من ماء مزملتنا، حتى يعود شيء بشيء!قال المكي: فإذا هو يريد أن تدفع جوهراً بجوهر، وعرضاً بعرض، حتى لا تربح أمه إلا صرف ما بين العرضين، الذي هو البرد والحر. فأما عدد الجواهر والأعراض فمثلاً بمثل.
وقال المكي: دخلت عليه يوماً، وإذا عنده جلة تمر، وإذا ظئره جالسة قبالته. فلما أكل تمرة رمى بنواتها إليها، فأخذتها فمصتها ساعة ثم عزلتها.
فقلت للمكي: أكان يدع على النواة من جسم التمر شيئاً؟ قال: والله لقد رأيتها لاكت نواة مرة بعد أن مصتها، فصاح بها صيحة لو كانت قتلت قتيلاً ما كان عنده أكثر من ذلك؟! وما كانت إلا في أن تناول الأعراض، وتسلم إليه الجوهر. وكانت تأخذ حلاوة النواة، وتودعها ندوة الريق.
قال الخليل: كان أبو قطبة يستغل ثلاثة آلاف دينار. وكان من البخل يؤخر تنقية بالوعته إلى يوم المطر الشديد، وسيل المثاعب، ليكتري رجلاً واحداً فقط، يخرج ما فيها ويصبه في الطريق، فيجترفه السيل، ويؤديه إلى القناة! وكان بين موضع بئره والصب قدر مائتي ذراع. فكان لمكان زيادة درهمين، يحتمل الانتظار شهراً أو شهرين، وإن هو جرى في الطريق، وأوذي به الناس! وقال: ونظر يوماً إلى الكساحين، وهو معنا جالس في رجال من قريش، وهم يخرجون ما في بالوعته، ويرمون به في الطريق، وسيل المثاعب يحتمله، فقال: أليس البط والجداء والدجاج والفراخ والدراج، وخبز الشعير والصحناء والكراث والجواف جميعاً، يصير إلى ما ترون؟ فلم يغالي بشيء بصير هو والرخيص في معنى واحد؟ قال: وهم ثلاثة إخوة: أبو قطبة والطيل وبابي، من ولد عتاب بن أسيد – واحد منهم كان يحتج عن حمزة، ويقول: استشهد قبل أن يحج. والآخر كان يضحي عن أبي بكر وعمر، ويقول: أخطأ السنة في ترك الضحية. وكان الآخر يفطر عن عائشة أيام التشريق، ويقول: غلطت – رحمها الله – في صومها أيام العيد. فمن صام عن أبيه وأمه، فأنا أفطر عن عائشة.
حدثتني امرأة تعرف الأمور، قالت: كان في الحي مأتم اجتمع فيه عجائز من عجائز الحي. فلما رأين أن أهل المأتم قد أقمن المناحة، اعتزلن وتحدثن. فبينا هن في حديثهن، إذ ذكرن بر الأبناء بالأمهات، وإنفاقهم عليهن. وذكرت كل واحدة منهن ما يوليها ابنها.
فقالت واحدة منهن، وأم فيلويه ساكتة – وكانت امرأة صالحة، وابنها يظهر النسك، ويدين بالبخل، وله حانوت في مقبرة بني حصين، يبيع فيها الأسقاط. – قالت: فأقبلت على أم فيلويه قلت لها: ما لك لا تحدثين معنا عن ابنك كما يتحدثن؟ وكيف صنع فيلويه فيما بينك وبينه؟ قالت: كان يجري علي في كل أضحى درهماً! فقالت: وقد قطعه أيضاً! قالت: ما كان يجري علي إلا ذاك. ولقد ربما أدخل أضحى! فقالت: فقلت: يا أم فيلويه، وكيف يدخل أضحى في أضحى؟ قد يقول الناس: إن فلاناً أدخل شهراً في شهر، ويوماً في يوم. فأما أضحى في أضحى، فهذا لا يشركه فيه أحد!

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

هناك شيئا ينتظركم بعد الصبر ليبهركم فينسيكم مرارة الالم

جاءت امرأة إلى داوود عليه السلام فقالت: يا نبي الله.. أربك ظالم أم عادل ؟!
فقال داود: ويحك يا امرأة! هو العدل الذي لا يجور!
ثم قال لها: ما قصتك؟؟
قالت: أنا أرملة عندي ثلاث بنات أقوم عليهن من غزل يدي فلما كان أمس شدّدت غزلي في خرقة حمراء وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه وأبلّغ به أطفالي فإذا أنا بطائر قد انقض عليّ و أخذ الخرقة والغزل وذهب، وبقيت حزينة لا أملك شيئاً أبلّغ به أطفالي..
فبينما المرأة مع داود عليه السلام في الكلام إذا بالباب يطرق على داود فأذن له بالدخول وإذا بعشرة من التجار كل واحد بيده: مائة دينارفقالوا: يا نبي الله أعطها لمستحقها ..
فقال لهم داود عليه السلام: ما كان سبب حملكم هذا المال قالوا يا نبي الله كنا في مركب فهاجت علينا الريح وأشرفنا على الغرق فإذا بطائر قد ألقى علينا خرقة حمراء وفيها غزل فسدّدنا به عيب المركب فهانت علينا الريح وانسد العيب ونذرنا لله أن يتصدّق كل واحد منا بمائة دينار وهذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت، فالتفت داود – عليه السلام – إلى المرأة وقال لها: ربٌ يتاجرُ لكِ في البر والبحر وتجعلينه ظالمًا ، و أعطاها الألف دينار
وقال: أنفقيها على أطفالك ..

– إن الله لا يبتليك بشي إلا وبه خير لك .. حتى وإن ظننت العكس .. فأرح قلبك

-لَولا البَلاء ??
لكانَ يُوسف مُدلّلا فِي حضن أبيه
ولكِنّـه مَع البلَاء صار.. عَزِيز مِصر

-أفنضيـق بعد هذا ..؟!

كُونوا عَلى يَقينَ ..أنْ هُناكَ شَيئاً يَنتظْرُكمَ بعَد الصَبر .. ليبهركم فيْنسيّكم مَرارَة الألَمْ ..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

عبد الله بن ياسين – الزعيم الدينى لدولة المرابطين اسلاميات


عبدالله بن ياسين



(الزعيم الديني لدولة المرابطين)






"""" من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُممَّن قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا """"

انه رجلا امة قد قدراللهان يكون دولة من اقوى الدول بعهده دولة المرابطين
لولا تلك الدولة لضاعت المغرب العربى كما ضاعت الاندلس انه الدين الذى
يصنع رجال تخط التاريخ بدماءها وارواحها الامام الجليل عبد الله بن ياسين
من منا يعلم شئ عن ذلك العلم الجليل والقائدالديني الفذ والامام القدوة
الاسلام صانع الدول والامم والبلاد
والان مع الامام



نسبه ونشأته

هو عبدالله بن ياسين الجزولي أصله من قرية تماماناوت في طرف صحراء
الملقب بالزعيم الديني لدولةالمرابطين. نشأ الشيخ عبدالله بن ياسين الاقائم بأمر
دولة المرابطين الملقب بالزعيم الديني لدولة المرابطين في طلب العلم، فقد كان
من طلبة أوكاد بن زلوه اللمطي، في داره، التي بناها بالسوس للعلم والخير،
وسماها دار المرابطين، ويتضح أن الشيخ عبد الله بن ياسين كان لديه من
الصفات القيادية، والشخصية، والأخلاقية التي أهلته لأن يبعثه شيخه مع جوهر
بن سكن ليعلم قومه، إذ كان الدين عندهم قليلاً، وأكثرهم جاهلية، وليس عند
أكثرهم غير الشهادتين، ولا يُعرف من وظائف الإسلام سواهما.



حياته التعليمية:

قضى طفولته في مسقط رأسه، وبعد ذلك تردّد على مدن العلم في المغرب، ثم
رحل إلى الأندلس، وتلقى العلم بها، وكان في ذلك الوقت يحكم الأندلس حكام
الطوائف، وكانت البلاد الأندلسية ممزقة مشتتة يطمع فيها الصليبيون الغربيون
من أسبانيا وفرنسا

سكتت المراجع عن أن تذكر شيئاعن تعليم عبد الله، وعن الفقهاء والعلماء
الذين تلقى العلم عليهم وأثروا فيه، وأيضالم يذكروا الشيوخ الذين لازمنهم
وتأثر بهم.

ولقد عرفناه مفسرا للقرآنوراوياً للحديث وعن طريق التحدث والرواية تتلمذ
عليه كثير من أصحابه، ثم إنه درسالفقه وأصوله وفروعه لدرجة أنه كان يفتي
ويتصرف في النصوص بما يتفق وأصول هذا الدينالقويم، ولا يعقل أن يكون
هذا العلم الغزير قد تعلمه في يوم وليلة أو بدون معلم، بللا نكون مبالغين إذ
قلنا إنه فاق علماء عصره.


ويظهر هذا التفوق في أنه نقلما يمكن نقله، وكل ما عرفه إلى الدور العملي؛
مخالفا بهذا ما كان عليه الفقهاءوالعلماء في عصره ومن قبل عصره، حتى
استحق أن يلقب بالداعية، بل كان الداعية الأولفي المغرب.

صادف – كما قلنا – زمن خروجعبدالله إلى بلاد الأندلس أن كانت واقعة في
محنة حكام الطوائف الذين قسموا البلادفيما بينهم، وكان ذلك بعد بداية القرن
الخامس الهجري، الذي يتفق وعمر عبدالله. ولقد رأى ما آل إليه الحكم فيهذه
البلاد، وطغيان هؤلاء الذين اغتصبوا الحكم، وما فعله بعضهم ببعض،
وكيف التحق بالحكام الشعراء والفقهاء والعلماء من هزيلي العقيدة؛ فأباحوا
لهم المنكر وحللوالهم الحرم.

وكان في المغرب والأندلس فئةقليلة ابتعدت عن طريق الحكام الطائفيين في،
وتمسكوا بأهداب الدين القويم، ولم تغرهمالمناصب، ولم تسول لهم نفوسهم أن
يقتربوا من هؤلاء الحكام تحت تأثير تأويل منالتأويلات المريضة التي يظنون
أنهم بها يحسنون صنعا، وهم في الحقيقة قد ضلّ سعيهم, لم تكن تلك الصفوة
التي اختارها الله لتحافظ على الحق إلا سوطا يلهب أحيانا ظهورالحكام الخارجين
على تعاليم الإسلام، كانت مخلصة محافظة على نشر مبادئها، لا تعرفالمراءاة
والمداهنة، وكثيرا ما كانوا يتحسرون على ما آل إليه أمرهم من الفرقةوالانقسام
وارتماء حكامهم في أحضان غير المسلمين. رضي هؤلاء الكرام بشظف العيش
وخشونة الحياة؛ يقيمون في المساجد، يفسرون القرآن ويروون، الحديث ويدعون
الناس إلىالتمسك بنهج السلف الصالح، وكثيرا ما كانوا يعرّضون بالحكام
ويصورون للناس أعمالهم بصورة لا يجدون لهم منها مخرجا إلا الاستسلام للأعداء
الملة؛ لذلك فقد حاربهم أداةالحكم الفاسد، ولكنهم لم يرهبوهم فكانوا يخاطبون
الناس ويجهرون بالقول ويحرضون المسلمين على الخروج على الطغاة, لذلك
فهم على استعداد إما للتقل أو للاستسلام أوالتمثيل بهم.

هذا ما كان عليه حال الأندلسإبان طلب عبد بن ياسين للعلم، و ربما صرفه عنا
لاشتراك مع شيوخه في الدور السياسي في الأندلس شعوره بأن هناك مكانا آخر
أولى به وهو المغرب, فخير مكان ينشر فيهمبادئه وعلمه إنما هو بين
قومه وأهله.ومرت الأيام.. سبع سنوات.., نهل فيها عبد الله ما شاء له، وعرف
الكثير مما عليه حال المسلمين، ووعى كل ذلك بفهمالدارس لكل ما وقع
تحت سمعه وبصره.




حياته العملية:

قرر عبدالله الرجوع إلى وطنه،وأراد أن يكمل المسيرة، ويرى بنفسه ما آلت إليه
البلاد، ويطلع على أحوال أخطر جماعةعلى الإسلام، وفشل كل محاولات الولاة
بالمغرب في القضاء عليها، لكنهم لم يتمكنوا منذلك، واستشرى أمرها، وأصبح
في استطاعتها الهجوم على من حولها، وتغيير وجه الشريعةالإسلامية بإدخالهم
عليها من الكذب والبهتان ما يمكن أن يشوه حقيقتها هؤلاء
من (البرغوطيون).
وسوف نتعرض لهم بشئ من التفصيل بعد.

لقد مر على تلك الأقوام، ورأىما آل إليهم من الأمر، وتمنى لو أوتي من القوة ليقضى
على هؤلاء القوم، ويطهر أرض المغرب من عبثهم ومكرهم وخطتهم التي يسيئون
إلى الإسلام بالتغيير والتبديل، وكانمعهم على موعد؛ فقد حقق الله وعده, فسيرجع
إليهم بجيش كبير من المرابطين.

لم تطل إقامته عند أهلهوقبيلته بجزولة، ويعتقد أنه لم يجلس معهم طويلا, فربما
لم يجد في شبابهم من يستطيعأن يكون عوناً له على أداء رسالته؛ ففضل أن يكمل
تعليمه بتهذيب النفس وتأديبهابالانقطاع للعبادة في رباط من الربط القديمة
ليزداد خبرة وعلما، وليتعرف أكثر علىأحوال القوم،وإن في اختلاطه بمن
هو أكبر منه سنا وعلما يكون مدعاة للاستفادة التيقد تنفع في المستقبل
الذي خطط له


لقد اختار رباط نفيس, فإنشهرته عمت الصحراء، قد فاق علمه وأخلاقه ومكانته
الآفاق، وإن وجوده فيه ضرب من تخطيط القدر الذي قد يمر البعض مر العابر
إلاأن الذين لهم أثر في تغيير مجرى الحوادث يكون اهتمام القدر بهم أكثر،
ولا شك أن القدر له مع عبد الله موعد في رباط نفيس.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

خبر نبي الله شمويل

السؤال

من سورة البقرة آية 246و247 إن الله بعث نبيا بعد موسى لبني

إسرائيل اسمه (شمويل) والذي قال لبني إسرائيل إن الله بعث لكم

ملكا لكم اسمه طالوت الذي غلب جالوت السؤال من هو(شمويل)؟

هل له اسم آخر ؟

ومن هو طالوت هل هو النبي داود نفسه أم ملكا فقط ؟

لأن النبي داود غلب جالوت وجنوده في آية أخرى من سورة

البقرة ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما

بعـد:

فالنبي الذي أشارت إليه الآيات القرآنية المذكورة ولم تذكره

بالاسم هو نبي الله شمويل كما ذكر المفسرون. وقال ابن كثير في

قصص الأنبياء: اسمه سمويل بالسين، ويقال: أشمويل بن بالي

بن علقمة بن يرخام. وهو من ورثة هارون، وأسمويل معناه

بالعبرانية: إسماعيل، ونقل عن الثعلبي وغيره أنه لما غلب

العمالقة على بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقا كثيرا وسبوا من

أبنائهم جمعا كثيرا، وانقطعت النبوة، بعث الله تعالى فيهم نبيهم

اشمويل فكان من أمره معهم ما قصه الله علينا في كتابه.

قال تعالى: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ

قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (البقرة: 146)

إلى قوله تعالى: [وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ] (البقرة: 251).

ثم قال: والملك الذي عينه لهم نبيهم اشمويل هو طالوت بن قيس

بن أفيل بن صارو بن تحورت بن أفيح بن أنيس بن بنيامين بن

يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.

وأما داود عليه السلام فكان من جنود طالوت في ذلك الوقت

ورجال حربه ولم يكن هو الملك، وإنما آل إليه الأمر بعد طالوت.

وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك فقال تعالى: [وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ

وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ] (البقرة: 251).

وبهذا تعلم أن طالوت هو الملك الذي عينه النبي شمويل بأمر من

الله تعالى، وأن داود كان من جنوده وليس هو الملك المعين.

والله أعلم.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

يحيى عليه السلام – شريعة اسلامية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حيى -عليه السلام- نبي من أنبياء بني إسرائيل، ظهرت آية الله وقدرته فيه حين خلقه، حيث كان أبوه نبي الله زكريا -عليه السلام- شيخًا كبيرًا، وكانت أمه عاقرًا لا تلد، وكان يحيى -عليه السلام- محبًّا للعلم والمعرفة منذ صغره، وقد أمره الله تعالى بأن يأخذ التوراة بجد واجتهاد، فاستوعبها وحفظها وعمل بما فيها، والتزم بأوامر الله سبحانه وابتعد عن نواهيه، قال تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا} [مريم: 12].
وقد ابتعد يحيى عن لهو الأطفال، فيحكى أنه كان يسير وهو صغير إذ أقبل على بعض الأطفال وهم يلعبون فقالوا له: يا يحيى تعال معنا نلعب؛ فرد عليهم
يحيى -عليه السلام- ردًّا بليغًا فقال: ما للعب خلقنا، وإنما خلقنا لعبادة
الله، وكان يحيى متواضعًا شديد الحنان والشفقة والرحمة وخاصة تجاه والديه، فقد كان مثالاً للبر والرحمة والعطف بهما، قال تعالى عن يحيى: {وحنانًا من لدنَّا وزكاة وكان تقيًّا . وبرًّا بوالديه ولم يكن جبارًا عصيًّا} [مريم:13-14].
وحمل يحيى لواء الدعوة مع أبيه، وكان مباركًا يدعو الناس إلى نور
التوحيد ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإسلام، وكان شديد الحرص على أن ينصح قومه ويعظهم بالبعد عن الانحرافات التى كانت سائدة حين ذاك، وذات يوم جمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس ثم صعد المنبر، وأخذ يخطب في الناس، فقال: (إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن.. أولهنَّ أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق (فضة) فقال: هذه
داري، وهذا عملي فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟!
وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم، فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وآمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك، فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله -تعالى- من ريح المسك، وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله، فإن
مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى على حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا
بذكر الله) [الترمذي].
وكان يحيى يحب العزلة والانفراد بنفسه فكان كثيرًا ما يذهب إلى البراري والصحاري، ليعبد الله عز وجل فيها وحده، وروي أن يحيى -عليه السلام- لم يأت بخطيئة قطُّ، ولم يقبل على ذنب أبدًا، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يحيى بن زكريا ما هم بخطيئة ولا عملها) [أحمد] ولقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحيى -عليه السلام- ليلة المعراج في السماء الثانية يجلس مع عيسى بن مريم، يقول صلى الله عليه وسلم: (…. ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل من هذا؟ قال: جبريل.. قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم.. فلما خلصت إذا بيحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردَّا، ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح) [البخاري] وروي أنه مات قتيلاً على يد بني إسرائيل.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

بشرية الرسل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لقد جرت السنة الإلهية على اختيار الرسل رجالا من بني البشر يتمتعون بكافة خصائص الجسد البشري وصفاته لما كانوا يتعاطون مستلزمات الجسد واحتياجاته من طعام وشراب وتناسل فإذاً لابد أنهم بشر طبيعيون يصيبهم ما يصيب بني جنسهم من صحة ومرض وحزن وفرح وجوع وشبع وحياة وممات قال الله تعالى : (( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ))

لماذا كان الرسل من البشر ?
1/ إن البشر أقدر على القيادة والتوجيه وهم الذين يصلحون، قدوة وأسوة وهذه الحكمة تظهر حين التأمل في رسالة أي رسول منهم .
2/ صعوبة رؤية الملائكة نسبة لاختلاف طبيعته الملائكة وطبيعة البشر إذ الاتصال بالملائكة فيه عناء وجهد شديدين لا يحتمله جميع البشر فقد جاء في الحديث إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعاني من التنزيل شدة وكان إذا نزل عليه الوحي تغير لونه وتصبب عرقه وارتعدت فرائصه وكان من حوله يرون ذلك فيه فكان إرسال الرسل من البشر ضروريا كي يتمكنوا من مخاطبتهم والفقه عنهم والاختلاط بهم ولو أرسل الله ملائكة لما أمكنهم ذلك .
3/ إن الرسالة تقوم على تكليف المرسل إليهم ودعوتهم لامتثال ما يأمرهم به الرسول فلو كان الرسول من الملائكة لأمكن الناس أن يحتجوا بعدم قدرتهم على هذه التكاليف نسبة لاختلاف طبيعة الملك المرسل إذ يرون أنهم لا يستطيعون تحمل تلك التكاليف لأنها تناسب طبيعتهم . لذا قال الله تعالى : (( وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً . قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ))

مقتضى بشرية الرسل : لما كانت الرسل بشرا فقد استلزم ذلك أن يتصفوا بكل صفات البشر مما لا ينافي النبوة ومن ذلك :
1- أنهم خلقوا من جسد كسائر البشر تحتاج أجسادهم إلى ما يحتاجه سائر البشر من طعام وشراب واحتماء من البرد والحر والإصابة بالمرض والموت قال الله تعالى : (( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين )) وقال الله تعالى على لسان خليله إبراهيم عليه السلام : (( والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين )) وقد أخرج من أرضه وأهله.
وابتلي عيسى عليه السلام بالكيد له لقتله حتى رفعه الله تعالى إليه وجعل مكانه رجلا يشبهه فصلب وابتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيذاء الشديد من قومه والذين أخرجوه من أهله وغير ذلك . وقد سأل الصعب بن سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) ومن أهم لوازم البشرية أن الرسل ليسوا بآلهة ولا فيهم شيء من صفات الألوهية ذلك أن صفات البشرية تنافي الألوهية في كل شيء لذلك فإن الرسل جميعهم لا يدعون لأنفسهم شيئا من الألوهية ويتبرؤن مما ينسب إليهم لذلك قال الله تعالى : (( وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله )) وقال : (( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون )) وقال تعالى مبينا براءة عيسى بن مريم عليه السلام مما ينسب إليه : ((وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب . ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ))

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده