التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

لوط عليه السلام – شريعة اسلامية

قصة لوط عليه السلام
نسبه عليه السلام

ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة قصة قوم لوط عليه السلام، وما حل بهم من النقمة العميمة.

وذلك أن لوطاً بن هاران بن تارح، وهو آزر, ولوط هو ابن أخي إبراهيم الخليل، فإبراهيم، وهاران وناحور إخوة كما ذكرنا فى قصة ابراهيم عليه السلام. ويقال: إنَّ هاران هذا هو الذي بنى حرّان. وهذا ضعيف والله تعالى أعلم.

وكان لوط قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بأمره له وأذنه، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور، زُغَر، وكان أمّ تلك المحله، ولها أرض ومعتملات وقرى، مضافة إليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوأهم طوية، وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

قصته مع قومه عليه السلام

و قوم لوط ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكران من العالمين، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.

فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات، والفواحش المنكرات، والأفاعيل المستقبحات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم، واستمروا على فجورهم وكفرانهم، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله في العالمين، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.

ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين، فقال تعالى في سورة الأعراف: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.

و سنورد الآن ما كان من أمرهم وما أحل الله بهم مجموعاً من الآيات والآثار وبالله المستعان.

وذلك أن لوطاً عليه السلام لما دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطي ما ذكر الله عنهم من الفواحش، لم يستجيبوا له ولم يؤمنوا به، حتى ولا رجل واحد منهم، ولم يتركوا ما عنه نهوا، بل استمروا على حالهم، ولم يرتدعوا عن غيهم وضلالهم، وهمّوا بإخراج رسولهم من بين ظهرانيهم.

{واستضعفوه وسخروا منه} وما كان حاصل جوابهم عن خطابهم إذ كانوا لا يعقلون إلا أن قالوا:

{أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}
فجعلوا غاية المدح ذماً يقتضي الإخراج، وما حملهم على مقالتهم هذه إلا العناد واللجاج.

فطهره الله وأهله إلا امرأته، وأخرجهم منها أحسن إخراج، وتركهم في محلتهم خالدين، لكن بعد ما صيّرها عليهم بحرة منتنة، ذات أمواج، لكنها عليهم في الحقيقة نار تأجج، وحرّ يتوهج، وماؤها ملح أجاج.

وما كان هذا جوابهم إلاّ لما نهاهم عن الطامة العظمى والفاحشة الكبرى، التي لم يسبقهم إليها أحد من أهل الدنيا. ولهذا صاروا مثلة فيها وعبرة لمن عليها. وكانوا مع ذلك يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويأتون في ناديهم، وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم، المنكر من الأقوال والأفعال، على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسهم، وربما وقع منهم الفعلة العظيمة في المحافل، ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلاً، ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر، ولا ندموا على ما سلف من الماضي، ولا راموا في المستقبل تحويلاً، فأخذهم الله أخذاً وبيلاً.

وقالوا له فيما قالوا:

{ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ}
فطلبوا منه وقوع ما حذّرهم عنه من العذاب الأليم وحلول البأس العظيم.

فعند ذلك دعا عليهم نبيهم الكريم، فسأل من رب العالمين وإله المرسلين، أن ينصره على القوم المفسدين.

فغار الله لغيرته، وغضب لغضبته، واستجاب لدعوته، وأجابه إلى طلبته، وبعث رسله الكرام، وملائكته العظام، فمروا على الخليل إبراهيم، وبشّروه بالغلام العليم، وأخبروه بما جاؤا له من الأمر الجسيم والخطب العميم

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ، قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}

وقال: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ}

وقال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}.

وذلك إنه كان يرجو أن يجيبوا أو ينيبوا ويسلموا ويقلعوا ويرجعوا. لهذا قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ، يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}.

أي أعرض عن هذا وتكلم في غيره فإنه قد حتم أمرهم ووجب عذابهم وتدميرهم وهلاكهم إنه قد جاء أمر ربك أي قد أمر به من لا يرد أمره ولا يرد بأسه ولا معقب لحكمه وإنهم آتيهم عذاب غير مردود.

وذكر سعيد بن جبير والسدي وقتادة ومحمد بن إسحاق أن إبراهيم عليه السلام جعل يقول "أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن

قالوا لا
قال فمائتا مؤمن
قالوا لا
قال فأربعون مؤمناً
قالوا: لا
قال فأربعة عشر مؤمناً
قالوا لا

قال ابن إسحاق: إلى أن قال: "أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد

قالوا لا"
قال: { إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} الآية.

قال الله تعالى:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.

قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم، في صُوَرِ شُبّانٍ حِسَانٍ اختباراً من الله تعالى لقوم لوط، وإقامة للحجة عليهم، فتضيفوا لوطاً عليه السلام وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشراً من الناس

{وسِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومحمد بن إسحاق، شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، كما كان يصنع بهم في غيرهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحداً، ولكن رأى من لا يمكن المحيد عنه.

وذكر قتادة أنهم وردوا عليه وهو في أرض له، يعمل فيها فتضيفوا، فاستحيا منهم، وانطلق أمامهم، وجعل يعرض لهم في الكلام لعلهم ينصرفون عن هذه القرية، وينزلون في غيرها

فقال لهم فيما قال: والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلاً ثم أعاد ذلك عليهم، حتى كرره أربع مرات. قال: وكانوا قد أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيّهم بذلك.

وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فأتوها نصف النهار، فلما بلغوا سدوم، لقوا ابنة لوط تستقي من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى "ريثا"، والصغرى "زغرتا"،

فقالوا لها: يا جارية هل من منزل؟

فقالت لهم: مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم، فرقت عليهم من قومها،

فأتت أباها فقالت: يا أبتاه،أرادك فتيان على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم قط هي أحسن منهم، لا يأخذهم قومك، فيفضحوهم.

وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلاً فقالوا: خل عنا فلنضف الرجال.

فجاء بهم، فلم يعلم أحد إلا أهل البيت

فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فقالت: إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قط فجاءه قومه يهرعون إليه.

وقوله: {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}.

أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة،

{قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}
يرشدهم إلى غشيان نسائهم، وهن بناته شرعاً لأن النبي للأمة بمنزلة الوالد، كما ورد في الحديث

وكما قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}

وفي قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم. وهذا كقوله: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}.

وهذا هو الذي نص عليه مجاهد وسعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة والسدّي ومحمد بن إسحاق وهو الصواب.

وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ}
نهى لهم عن تعاطي ما لا يليق من الفاحشة، وشهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل له مسكة، ولا فيه خير، بل الجميع سفهاء، فجرة أقوياء، كفرة أغبياء.
وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه من قبل أن يسألوه عنه.

فقال قومه عليهم لعنة الله الحميد المجيد. مجيبين لنبيهم فيما أمرهم به من الأمر السديد :

{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}

يقولون: عليهم لعائن الله، لقد علمت يا لوط إنه لا أربّ لنا في نسائنا، وإنك لتعلم مرادنا وغرضنا "من غير النساء".

واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم، ولم يخافوا سطوة العظيم، ذي العذاب الأليم. ولهذا قال عليه السلام

{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}
ود أن لو كان له بهم قوة، أو له منعة وعشيرة ينصرونه عليهم، ليحل بهم ما يستحقونه من العذاب، على هذا الخطاب

عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "رحمة الله على لوط، إن كان يأوي إلى ركن شديد، يعني الله عز وجل، فما بعث الله بعده نبي إلا في ثروة من قومه".

ذكر المفسرون وغيرهم أن نبي الله لوطاً عليه السلام جعل يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق، وهم يرومون فتحه وولوجه، وهو يعظهم وينهاهم من وراء الباب، وكل ما لهم في إلحاح وإنحاح، فلما ضاق الأمر وعسر الحال قال ما قال {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} لأحللت بكم النكال.

قالت الملائكة {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}

وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه، فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية، ولم يبق لها محل ولا عين، ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان الغد كان لنا وله شأن.

قال الله تعالى {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ، وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ}.

فذلك أن الملائكة تقدمت إلى لوط عليه السلام آمرين له بأن يسري هو وأهله من آخر الليل، ولا يلتفت منكم أحد، يعني عند سماع صوت العذاب إذا حلّ بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالسّاقة لهم.

وقوله: {إِلاَّ امْرَأَتَكَ} على قراءة النصب، يحتمل أن يكون مستثنى من قوله {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}، كأنه يقول: إلا امرأتك فلا تَسْرِ بها. ويحتمل أن يكون من قوله: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ}،

أي: فإنها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم. ويقويّ هذا الاحتمال قراءة الرفع، ولكن الأول أظهر في المعنى والله أعلم.

قال السهيلي واسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة".

وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفاً لكل خائن مريب:

{إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.

هلاك قوم لوط عليه السلام

فلما خرج لوط عليه السلام بأهله، وهم ابنتاه، لم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال: إن امرأته خرجت معه فالله أعلم.

فلما خلصوا من بلادهم، وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد. ومن البأس الشديد ما لا يمكن أن يصد.

قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.

قالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن، وكن سبع مدن بمن فيهن من الأمم، فقالوا: إنهم كانوا أربع مائة نسمة. وقيل: أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن والمعتملات، فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء، حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها. قال مجاهد: فكان أول ما سقط منها شرفاتها.

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}
والسجّيل فارسي معرب، وهو الشديد الصّلب القوي (منضود) أي يتبع بعضها بعضاً في نزولها عليهم من السماء

(مسومة) أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه، الذي يهبط عليه فيدمغه، كما قال: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}

وكما قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}.

وقال تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} يعني: قلبها فأهوى بها منكّسة عاليها سافلها، وغشاها بمطر من حجارة من سجيل، متتابعة مسومة مرقومة، على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه من الحاضرين، منهم في بلدهم والغائبين عنها من المسافرين، والنازحين والشاذين منها.

ويقال: إن امرأة لوط مكثت مع قومها.

ويقال: إنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة، وسقوط البلدة) التفتت إلى قومها، وخالف أمر ربها قديماً وحديثاً، وقالت: وا قوماه فسقط عليها حجر، فدمغها وألحقها بقومها، إذ كانت على دينهم، وكانت عيناً لهم، على من يكون عند لوط من الضيفان.

كما قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}

أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة، حاشا وكلا. فإن الله لا يقدر على نبي قط أن تبغى امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: ما بغت امرأة نبي قط. ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ خطأ كبيراً.

وقوله هنا: {وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} أي وما هذه العقوبة ببعيدة ممن أشبههم في فعلهم. ولهذا ذهب من ذهب من العلماء إلى أن اللائط يرجم سواء كان محصناً أو لا، ونصَّ عليه الشافعي وأحمد بن حنبل وطائفة كثيرة من الأئمة.

واحتجوا أيضاً بما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".

وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأراضي المتاخمة لفنائها، لرداءتها ودناءتها، فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته وعزته في انتقامه ممن خالف أمره وكذّب رسله واتّبع هواه وعصى مولاه. ودليلاً على رحمته بعباده المؤمنين في انجائه إياهم من المهلكات، وإخراجه إياهم من النور إلى الظلمات،

كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.

وقال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي من نظر بعين الفراسة والتوسّم فيهم، كيف غير الله تلك البلاد وأهلها، وكيف جعلها بعد ما كانت آهلة عامرة، هالكة غامرة.

كما روى الترمذي وغيره مرفوعاً "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". ثم قرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}.

وقوله {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} أي لبطريق مهيع مسلوك إلى الآن،

كما قال: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُون}

وقال تعالى: {وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}

وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}.

أي تركناها عبرة وعظة لمن خاف عذاب الآخرة وخشي الرحمن بالغيب، وخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فانزجر عن محارم الله وترك معاصيه وخاف أن يشابه قوم لوط. ومن تشبه بقوم فهو منهم، وإن لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه، كما قال بعضهم:

فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد

فالعاقل اللبيب الفاهم الخائف من ربه يمتثل ما أمره الله به عز وجل، ويقبل ما أرشده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، والجواري من السراري ذوات الجمال. وإياه أن يتبع كل شيطان مريد. فيحق عليه الوعيد. ويدخل في قوله تعالى: {وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

أنبياء اهل القرية عليهم السلام في الاسلام

أنبياء اهل القرية عليهم السلام

نبذة:

أرسل الله رسولين لإحدى القرى لكن أهلا كذبوهما، فأرسل الله تعالى رسولا ثالثا يصدقهما. ولا يذكر ويذكر لنا القرآن الكريم قصة رجل آمن بهم ودعى قومه للإيمان بما جاؤوا بهن لكنهم قتلوه، فأدخله الله الجنة.

المسيرة

سيرته:

يحكي الحق تبارك وتعالى قصة أنبياء ثلاثة بغير أن يذكر أسمائهم. كل ما يذكره السياق أن القوم كذبوا رسولين فأرسل الله ثالثا يعزرهما. ولم يذكر القرآن من هم أصحاب القرية ولا ما هي القرية. وقد اختلفت فيها الروايات. وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئاً في دلالة القصة وإيحائها. لكن الناس ظلوا على إنكارهم للرسل وتكذيبهم، وقالوا (قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ).

وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك, كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول. قد كانوا يتوقعون دائماً أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير.. أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها ?! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلىء بها الأسواق والبيوت ?!

وهذه هي سذاجة التصور والتفكير. فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة. فالرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية. وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي. النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به. وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجاً من الحياة يملكون هم أن يقلدوه.

وفي ثقة المطمئن إلى صدقه, العارف بحدود وظيفته أجابهم الرسل: إن الله يعلم، وهذا يكفي. وإن وظيفة الرسل البلاغ. وقد أدوه. والناس بعد ذلك أحرار فيما يتخذون لأنفسهم من تصرف. وفيما يحملون في تصرفهم من أوزار. والأمر بين الرسل وبين الناس هو أمر ذلك التبليغ عن الله; فمتى تحقق ذلك فالأمر كله بعد ذلك إلى الله.

ولكن المكذبين الضالين لا يأخذون الأمور هذا المأخذ الواضح السهل اليسير; ولا يطيقون وجود الدعاة إلى الهدى ويعمدون إلى الأسلوب الغليظ العنيف في مقاومة الحجة لأن الباطل ضيق الصدر. قالوا: إننا نتشاءم منكم; ونتوقع الشر في دعوتكم; فإن لم تنتهوا عنها فإننا لن نسكت عليكم, ولن ندعكم في دعوتكم: (لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ). هكذا أسفر الباطل عن غشمه; وأطلق على الهداة تهديده; وبغى في وجه كلمة الحق الهادئة!

ولكن الواجب الملقى على عاتق الرسل يقضي عليهم بالمضي في الطريق: (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ). فالقول بالتشاؤم من دعوة أو من وجه هو خرافة من خرافات الجاهلية. والرسل يبينون لقومهم أنها خرافة; وأن حظهم ونصيبهم من خير ومن شر لا يأتيهم من خارج نفوسهم. إنما هو معهم. مرتبط بنواياهم وأعمالهم, متوقف على كسبهم وعملهم. وفي وسعهم أن يجعلوا حظهم ونصيبهم خيراً أو أن يجعلوه شراً. فإن إرادة الله بالعبد تنفذ من خلال نفسه, ومن خلال اتجاهه, ومن خلال عمله. وهو يحمل طائره معه. هذه هي الحقيقة الثابتة القائمة على أساس صحيح. أما التشاؤم بالأمكنة أو التشاؤم بالوجوه أو التشاؤم بالكلمات، فهو خرافة لا تستقيم على أصل!

وقالوا لهم: (أَئِن ذُكِّرْتُم) أترجموننا وتعذبوننا لأننا نذكركم! أفهذا جزاء التذكير? (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ) تتجاوزون الحدود في التفكير والتقدير; وتجازون على الموعظة بالتهديد والوعيد; وتردون على الدعوة بالرجم والتعذيب!

ما كان من الرجل المؤمن:

لا يقول لنا السياق ماذا كان من أمر هؤلاء الأنبياء، إنما يذكر ما كان من أمر إنسان آمن بهم. آمن بهم وحده.. ووقف بإيمانه أقلية ضعيفة ضد أغلبية كافرة. إنسان جاء من أقصى المدينة يسعى. جاء وقد تفتح قلبه لدعوة الحق.. فهذا رجل سمع الدعوة فاستجاب لها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق والمنطق. وحينما استشعر قلبه حقيقة الإيمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوتاً; ولم يقبع في داره بعقيدته وهو يرى الضلال من حوله والجحود والفجور; ولكنه سعى بالحق الذي آمن به. سعى به إلى قومه وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون ويهددون. وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق, وفي كفهم عن البغي, وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين.

ويبدو أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان. ولم تكن له عشيرة تدافع عنه إن وقع له أذى. ولكنها العقيدة الحية في ضميره تدفعه وتجيء به من أقصى المدينة إلى أقصاها.

فقال لهم: اتبعوا هؤلاء الرسل، فإن الذي يدعو مثل هذه الدعوة, وهو لا يطلب أجراً, ولا يبتغي مغنماً. إنه لصادق. وإلا فما الذي يحمله على هذا العناء إن لم يكن يلبي تكليفاً من الله? ما الذي يدفعه إلى حمل هم الدعوة? ومجابهة الناس بغير ما ألفوا من العقيدة? والتعرض لأذاهم وشرهم واستهزائهم وتنكيلهم, وهو لا يجني من ذلك كسباً, ولا يطلب منهم أجراً? وهداهم واضح في طبيعة دعوتهم. فهم يدعون إلى إله واحد. ويدعون إلى نهج واضح. ويدعون إلى عقيدة لا خرافة فيها ولا غموض. فهم مهتدون إلى نهج سليم, وإلى طريق مستقيم.

ثم عاد يتحدث إليهم عن نفسه هو وعن أسباب إيمانه, ويناشد فيهم الفطرة التي استيقظت فيه فاقتنعت بالبرهان الفطري السليم. فلقد تسائل مع نفسه قبل إئمانه، لماذا لا أعبد الذي فطرني؟ والذي إليه المرجع والمصير? وما الذي يحيد بي عن هذا النهج الطبيعي الذي يخطر على النفس أول ما يخطر? إن الفطر مجذوبة إلى الذي فطرها, تتجه إليه أول ما تتجه, فلا تنحرف عنه إلا بدافع آخر خارج على فطرتها. والتوجه إلى الخالق هو الأولى.

ثم يبين ضلال المنهج المعاكس. مهج من يعبد آلهة غير الرحمن لا تضر ولا تنفع. وهل أضل ممن يدع منطق الفطرة الذي يدعو المخلوق إلى عبادة خالقه, وينحرف إلى عبادة غير الخالق بدون ضرورة ولا دافع? وهل أضل ممن ينحرف عن الخالق إلى آلهة ضعاف لا يحمونه ولا يدفعون عنه الضر حين يريد به خالقه الضر بسبب انحرافه وضلاله?

والآن وقد تحدث الرجل بلسان الفطرة الصادقة العارفة الواضحة يقرر قراره الأخير في وجه قومه المكذبين المهددين المتوعدين. لأن صوت الفطرة في قلبه أقوى من كل تهديد ومن كل تكذيب: (إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) هكذا ألقى بكلمة الإيمان الواثقة المطمئنة. وأشهدهم عليها. وهو يوحي إليهم أن يقولوها كما قالها. أو أنه لا يبالي بهم ماذا يقولون!

استشهاد الرجل ودخوله الجنة:

ويوحي سياق القصة بعد ذلك القوم الكافرين قتلوا الرجل المؤمن. وإن كان لا يذكر شيئاً من هذا صراحة. إنما يسدل الستار على الدنيا وما فيها, وعلى القوم وما هم فيه; ويرفعه لنرى هذا الشهيد الذي جهر بكلمة الحق, متبعاً صوت الفطرة, وقذف بها في وجوه من يملكون التهديد والتنكيل. نراه في العالم الآخر. ونطلع على ما ادخر الله له من كرامة. تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ .. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).

وتتصل الحياة الدنيا بالحياة الآخرة. ونرى الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء. وخطوة يخلص بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة. ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحق. ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم. ومن ظلمات الجاهلية إلى نور اليقين.

ونرى الرجل المؤمن. وقد اطلع على ما آتاه الله في الجنة من المغفرة والكرامة, يذكر قومه طيب القلب رضي النفس, يتمنى لو يراه قومه ويرون ما آتاه ربه من الرضى والكرامة, ليعرفوا الحق, معرفة اليقين.

إهلاك أصحاب القرية بالصيحة:

هذا كان جزاء الإيمان. فأما الطغيان فكان أهون على الله من أن يرسل عليه الملائكة لتدمره. فهو ضعيف ضعيف: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ .. إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ). لا يطيل هنا في وصف مصرع القوم, تهويناً لشأنهم, وتصغيراً لقدرهم. فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم. ويسدل الستار على مشهدهم البائس المهين الذليل!

تجاوز السياق أسماء الأنبياء وقصصهم ليبرز قصة رجل آمن.. لم يذكر لنا السياق اسمه. اسمه لا يهم.. المهم ما وقع له.. لقد آمن بأنبياء الله.. قيل له ادخل الجنة. ليكن ما كان من أمر تعذيبه وقتله. ليس هذا في الحساب النهائي شيئا له قيمته. تكمن القيمة في دخوله فور إعلانه أنه آمن. فور قتله.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

زكريا يناجي ربه – قصص انبياء

زكريا يناجي ربه بما يثقل كاهله

نشأ نبي الله زكريا عليه السلام، في وسط خضم متلاطم الاتجاهات، وعاش منذ فتوته على الوفاء بالعهد، قائما على الدعوة، حافظا للعقيدة. وكان همه الوحيد هو طاعة الله وعبادته،
وأمله هداية الناس وردهم إلى جادة الصواب، وكان دأبه التنقل بين محرابه وحانوته، سعيا وراء الرزق الحلال، فإن أصاب مالا سد رمق الجائع، ومسح دمعة البائس، ثم يرجع إلى
محرابه فارغ اليدين إلا من فضل الله، صامتا إلا عن ذكر الله.
هكذا عاش زكريا عليه السلام، حياة رائعة، حافلة بالمآثر والمزايا. فقد كان قنوعا، رضي النفس، نقي الضمير، لا تحرك دواخله نزعات النفس البشرية، وعلى رأسها الرغبة في
الذرية والامتداد، لقد اكتفى من حياته بالقيام على خدمة الهيكل، ورعاية شؤون الدين، فلم يؤرقه كبر سنه، وهو بلا ولد، بل كان يجد غنى كبيراً وهو عاكف على العبادة والتضحية
في شؤون الدنيا من أجل الآخرة التي هي بغية كل مؤمن موقن.
وكان زكريا قد صار في سن الشيخوخة، وبلغ من العمر التسعين عاما، ووهن العظم منه واشتعل رأسه شيباً عندما راودته فكرة احتلت حيز تفكيره، وملكت عليه مدار ضميره ومشاعره.
فقد صار على قاب قوسين أو أدنى من الموت، وهو لا يجد من يرث حكمته، ويضطلع بأمانة الدعوة إلى الله من بعده. إنه يخاف على الدين.
لقد كانت تلك الافكار تجول في خاطره، وتضطرب بين حنايا صدره. ولكنه ظل صابراً متجملاً إلا من زفرات يلفظها إذ أجث الليل، أو دعوات يرفعها إلى الله. كلما احتوته الوحدة والعزلة.
ويذهب زكريا عليه السلام يوماً إلى المحراب كعادته. ويدخل على كفيلته مريم بنت عمران في محرابها الخاص في الهيكل فيجد عندها رزقاً.
ويسأل تلك العابدة، عن مصدر رزقها، ويسمعها بعفوية خالصة تقول له “هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب”.

اعتكاف

اشتعلت في نفس زكريا الرغبة في المولود. فاعتكف في محرابه بعيداً عن الناس، وعن الوجود الأرضي، ورفع يديه إلى السماء، وسرح في إشراقة النفس وهو يناجي ربه في
الخفاء ويقول: (رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً، ولم اكن بدعائك رب شقياً. وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً، فهب لي من لدنك ولياً، يرثني
ويرث من آل يعقوب، واجعله رب رضياً”.
فما أجمل مناجاة زكريا، بعيداً عن عيون الناس، بعيداً عن أسماعهم، وفي غرفة منفردة، يخلص فيها لربه، ويكشف له عما يثقل كاهله ويكرب صدره، لأنه يضيق بوجود أولئك
الموالي من بعده، فهو يخافهم، لأنه يخاف على العقيدة منهم. وها هو ينادي ربه عن قرب واتصال، وبلا واسطة، وحتى إنه لم يستعمل حرف النداء. فهو على يقين بأنه لم يكن
يوما ليشقى بدعاء ربه، بل كان يستجيب له كلما دعاه. وها هو الآن يناجي.
هذه كانت حالة زكريا، وهو يشكو إلى ربه ما أصابه من وهن العظم واشتعال الرأس بالشيب، وهو على يقين بأن الله قد عوده على أن يستجيب له إذا دعاه، فلم يشق مع دعائه
لربه وهو في فتوته وقوته، فما أشد حاجته الآن وهو في هرمه وكبره إلى أن يستجيب الله له ويتم نعمته عليه.
وترتسم لحظة الاستجابة في رعاية وعطف ورضا. يستجيب الله في الملأ الأعلى وتنادي الملائكة زكريا وهو قائم يصلي في المحراب عن الله عز وجل قوله: (يا زكريا إنا نبشرك
بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا”.
والمتأمل للآية السابقة يجد أن الله سبحانه وتعالى لم يقف كرمه عند الاستجابة، بل تخطاه إلى تبشير عبده الصالح بأنه سيرزقه الولد، وبأنه اختار اسم هذا الولد وفقًا لرغبة أبيه.
وهل كانت رغبة زكريا إلا أن تبقى العقيدة قائمة حية، وهل اسم “يحيى” إلا حياة تلك العقيدة من بعد حافظها وحاملها. لقد اختار الله اسم الغلام ليدل على استجابته لعبده ونجواه،
وليريه من آياته الاختيار الفريد الذي لم يسبقه اختيار في الأرض كلها ومنذ وجود البشرية حتى ذلك التاريخ.

حرارة الاستجابة

تغمر زكريا حرارة الاستجابة، ولكنه وهو يثق بوعد الله، يريد أن يعرف كيف يكون تحقيقه، وهو رجل شيخ، بلغ من الكبر عتيا، وامرأته عاقر في مثل سنه، ولم تلد له في
فتوته وصباه. فقال ليطمئن قلبه: “رب أنىّ يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا، وقد بلغت من الكبر عتيا؟”.
ويأتيه جواب ربه الحاسم: “قال كذلك قال ربك هو عليّ هين”؟
نعم إنه أمر هين على الله، وسهل. وقد ذكر عبده بمثل قريب في نفسه وهو إيجاده وخلقه، وهو مثل لكل كائن حي، ولكل شيء في هذا الوجود، فقال عز وجل: “وقد خلقتك
من قبل ولم تك شيئا”.
إنه المثل الحي الناطق في كل منا، فنحن جميعا لم نك شيئا قبل إرادة الله سبحانه، التي ليس عندها هين وصعب في الخلق. إنها إرادة واحدة تقول للشيء: كن.. فيكون.
ويشاء الشيخ أن يزيد اطمئنانًا، فيطلب آية وعلامة على تحقق البشرى فعلا. ويعطيه الله سبحانه الآية التي تناسب الجو النفسي الذي كان فيه الدعاء، وكانت فيه الاستجابة،
ليؤدي بها حق الشكر لله الذي وهبه على الكبر غلاما.
وتلك العلامة هي أن ينقطع زكريا عن الناس، ويحيا مع الله، ثلاث ليال، لا ينطلق لسانه إلا إذا سبح ربه، ويحتبس إذا كلم الناس، وهو سوي معافى في جوارحه، لم يصب لسانه
عوج ولا آفة. فكان قول الله له عز من قائل: “آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا”.

وتتحقق الإرادة الإلهية، ويولد يحيى، ليحمل الأمانة فيحيا فيها وتحيا هي فيه حتى يقوم من بعد زكريا من يواصل الدعوة إلى الحق فتظل قائمة على مر الدهور والأزمان.
فسلام الله على زكريا إنه كان عبدا نقيا تقيا.

منقول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصة سيدنا اسماعيل عليه السلام – قصص انبياء

لسلام عليكم
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام

قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54-55].
ويترجح لدينا أن الله أرسله إلى القبائل العربية التي عاش عليه السلام في وسطها، وقد ذكر المؤرخون أن الله أرسله إلى قبائل اليمن وإلى العماليق.

حياة إسماعيل عليه السلام في فقرات:

(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:

-1 لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (86) سنة ولدت له أمَته المصرية "هاجر" ابنه إسماعيل. وهذه الأَمَة هي التي كان فرعون مصر قد وهبها لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام، فوهبتها سارة لإِبراهيم لعل الله أن يرزقه منها بولد، إذْ كانت هي حتى ذلك التاريخ عقيماً لم تلد، إلا أنها ولدت بعد ذلك بإسحاق، ببشارة الملائكة لإِبراهيم كما قدمنا عند الكلام على حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام.

-2 أَمر الله إبراهيم عليه السلام أن يُسكِن ولده الصغير -إسماعيل- وأمه في وادي مكة، فسافر بهما إلى هذا الوادي، وأسكنهما فيه طاعة لله تعالى، وانصرف عنهما عائداً إلى الشام، واستودعهما عند الله تعالى يرعاهما برعايته، ويكلؤهما بحفظه.

-3 ولما نفد الماء الذي كان معهما، اشتد الظمأ بالصبي، سعت أمه بين الصفا والمروة باحثةً عن الماء، لعل الله يخلق لها من الشدة فرجاً، فأرسل الله الملك فبحث في مكان زمزم فتفجر الماء، ولما رأت ذلك أقبلت وسقت ولدها إسماعيل، وقد امتلأ قلبها سروراً وفرحاً!!

-4 أحست قبيلة "جُرْهُم" -وهي من القبائل العربية- بأن الوادي أصبح فيه ماء، فوفدت إليه وضربت فيه خيامها إلى جانب الماء، بعد أن استأذنت من هاجر أم الصبي.

-5 شب إسماعيل وتعلَّم اللغة العربية، وتزوج امرأة من "جرهم"، ثم طلقها بإشارة من أبيه، لأن إبراهيم عليه السلام اختبرها فوجدها شاكية متضجرة من شظف العيش وشدَّته، ثم تزوج بأخرى.

قالوا: وقد وُلد لإِسماعيل اثنا عشر ولداً ذكراً وكانوا رؤساء قبائل -ومن نسله جاء العرب الذين يعرفون بالعرب المستعربة- كما وُلدت له بنت زوَّجها من ابن أخيه عيسو "العيص" بن إسحاق.

-6 ثم أمر الله إبراهيم -في منامه- أن يذبح ولده إسماعيل ابتلاءً لهما، فعرض الأب الرحيم على ابنه التقي البار أمر الله، فقال إسماعيل: "يا أبت افعل ما تؤمر"، وباشر تنفيذ أمر الله، إلاّ أن الله تعالى فداه بذِبْحٍ عظيم جاء به الملك جبريل عليه السلام.

-7 وقد عمل إسماعيل مع أبيه إبراهيم في عمارة الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، وقاما بأداء مناسكهما كما أمر الله تعالى.

-8 عاش إسماعيل عليه السلام (137) سنة، ومات بمكة ودفن عند قبر أمه هاجر بالحجر، وكانت وفاته بعد وفاة أبيه ب (48) سنة. والله أعلم.

(ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب من حياة إسماعيل عليه السلام، أهمها النقاط التالية:

-1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل إليه طائفة من الشرائع الربانية.

-2 إثبات أخلاقه الكريمة التي منها: صدق الوعد والصبر، والثناء عليه بأنه من الأخيار، ومن صبره عليه السلام طاعته وامتثاله أمر الله بذبحه، الذي أمر به أباه إبراهيم عليه السلام.

-3 مشاركته لأبيه إبراهيم في رفع القواعد من البيت الحرام، وفي التجاءاته ومناجاته لله تعالى، وفي أن الله عهد لهما أن يطهرا البيت للطائفين والعاكفين والركَّع والسُّجود.

-4 وعد الله بأن يكون من ذريته أمة مسلمة وأن يبعث فيهم رسولاً منهم.


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصة موت وزير النبي سليمان وموت النبي ادريس – شريعة اسلامية

وزير النبي سليمان وملك الموت

ذكر أن وزيراً جليل القدر .. كان عند داوود عليه السلام .. فلما مات داوود .. صار وزيراً عند سليمان بن داوود …. فكان سليمان عليه السلام يوما …. جالساً في مجلسه في الضحى .. وعنده هذا الوزير .. فدخل عليه رجل يسلم عليه .. وجعل هذا الرجل يحادث سليمان .. ويحد النظر إلى هذا الوزير .. ففزع الوزير منه …. فلما خرج الرجل …. قام الوزير وسأل سليمان ..

وقال : ( يا نبي الله ! من هذا الرجل .. الذي خرج من عندك ؟).. قد والله أفزعني منظره ؟..

فقال سليمان : هذا ملك الموت .. يتصور بصورة رجل .. ويدخل علي …..ففزع الوزير .. وبكى

وقال : يا نبي الله .. أسألك بالله .. أن تأمر الريح فتحملني إلي أبعد مكان .. إلى الهند .. فأمر سليمان الريح فحملته ..

فلما كان من الغد .. دخل ملك الموت على سليمان يسلم عليه كما كان يفعل ….

فقال له سليمان : قد أفزعت صاحبي بالأمس .. فلماذا كنت تحد النظر إليه ؟!

فقال ملك الموت : يا نبي الله.. إني دخلت عليك في الضحى .. وقد أمرني الله أن أقبض روحه بعد الظهر في الهند فعجبت أنه عندك..؟!!

قال سليمان : فماذا فعلت ؟!

قال ملك الموت : ذهبت إلي المكان الذي أمرني بقبض روحه فيه فوجدته ينتظرني .. فقبضت روحه..

قال-تعالى:
( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (الجمعة- الجزء الثامن والعشرون )

( أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ )

(النساء- الجزء الخامس)
************************************************** ***********

كيف مات النبي ادريس عليه السلام

نبي الله ادريس هو ثالث نبي ظهر على وجه الأرض من بني آدم بعثه الله بعد آدم وابنه شيث عليهما السلام " وكان أول من خط بالقلم " 0
كيف مات ؟

عن وفاة نبي الله ادريس تقول كتب التاريخ أن جبريل عليه السلام اجتمع ونبي الله ادريس فطلب ادريس من جبريل أن يكلم له ملك الموت ويسأله عما بقي من عمره ، فحمل جبريل نبي الله ادريس على جناحيه وطار به حتى وصل الى السماء الرابعة وهناك التقى وملك الموت فسأله جبريل عما تبقى من عمر النبي ادريس عليه السلام فقال ملك الموت لجبريل : وأين هو نبي الله ادريس ؟
قال جبريل : هو على ظهري 0
قال ملك الموت : ياللعجب لقد بعثت لأقبض روحه اللحظة 00 ولكن كيف لي أن اقبض روحه في السماء الرابعة وهو من أهل الأرض000
أعاد جبريل سؤاله : كم تبقى من عمره ؟
قال ملك الموت : انك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره طرفة عين 0
فنظر جبريل الى تحت جناحه حيث ادريس فاذا هو قد قبض أي أن ملك الموت قد استل روحه عليه السلام 00

**همســــــة**
ولم أر مثل الموت حقـا كـأنه **** اذا ما تخطته الأماني باطل
ترحل من الدنيا بزاد من الـتقى**** فعمرك أيـام تعـد قـلائل

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

قصص الأنبياء ـ زكرياء عليه السلام

[BACKGROUND="100 #999999"]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زكريا عليه السلام

نبذة:

عبد صالح تقي أخذ يدعو للدين الحنيف، كفل مريم العذراء، دعا الله أن يرزقه ذرية صالحة فوهب له يحيى الذي خلفه في الدعوة لعبادة الله الواحد القهار.

المسيرة
سيرتة:

امرأة عمران:

في ذلك العصر القديم.. كان هناك نبي.. وعالم عظيم يصلي بالناس.. كان اسم النبي زكريا عليه السلام.. أما العالم العظيم الذي اختاره الله للصلاة بالناس، فكان اسمه عمران عليه السلام.

وكان لعمران زوجته لا تلد.. وذات يوم رأت طائرا يطعم ابنه الطفل في فمه ويسقيه.. ويأخذه تحت جناحه خوفا عليه من البرد.. وذكرها هذا المشهد بنفسها فتمنت على الله أن تلد.. ورفعت يديها وراحت تدعو خالقها أن يرزقها بطفل..

واستجابت لها رحمة الله فأحست ذات يوم أنها حامل.. وملأها الفرح والشكر لله فنذرت ما في بطنها محررا لله.. كان معنى هذا أنها نذرت لله أن يكون ابنها خادما للمسجد طوال حياته.. يتفرغ لعبادة الله وخدمة بيته.

ولادة مريم:

وجاء يوم الوضع ووضعت زوجة عمران بنتا، وفوجئت الأم! كانت تريد ولدا ليكون في خدمة المسجد والعبادة، فلما جاء المولود أنثى قررت الأم أن تفي بنذرها لله برغم أن الذكر ليس كالأنثى.

سمع الله سبحانه وتعالى دعاء زوجة عمران، والله يسمع ما نقوله، وما نهمس به لأنفسنا، وما نتمنى أن نقوله ولا نفعله.. يسمع الله هذا كله ويعرفه.. سمع الله زوجة عمران وهي تخبره أنها قد وضعت بنتا، والله أعلم بما وضعت، الله.. هو وحده الذي يختار نوع المولود فيخلقه ذكرا أو يخلقه أنثى.. سمع الله زوجة عمران تسأله أن يحفظ هذه الفتاة التي سمتها مريم، وأن يحفظ ذريتها من الشيطان الرجيم.

ويروي الإمام مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

كفالة زكريا لمريم:

أثار ميلاد مريم بنت عمران مشكلة صغيرة في بداية الأمر.. كان عمران قد مات قبل ولادة مريم.. وأراد علماء ذلك الزمان وشيوخه أن يربوا مريم.. كل واحد يتسابق لنيل هذا الشرف.. أن يربي ابنة شيخهم الجليل العالم وصاحب صلاتهم وإمامهم فيها.

قال زكريا: أكفلها أنا.. هي قريبتي.. زوجتي هي خالتها.. وأنا نبي هذه الأمة وأولاكم بها.

وقال العلماء والشيوخ: ولماذا لا يكفلها أحدنا..؟ لا نستطيع أن نتركك تحصل على هذا الفضل بغير اشتراكنا فيه.

ثم اتفقوا على إجراء قرعة. أي واحد يكسب القرعة هو الذي يكفل مريم، ويربيها، ويكون له شرف خدمتها، حتى تكبر هي وهي تخدم المسجد وتتفرغ لعبادة الله، وأجريت القرعة.. وضعت مريم وهي مولودة على الأرض، ووضعت إلى جوارها أقلام الذين يرغبون في كفالتها، وأحضروا طفلا صغيرا، فأخرج قلم زكريا..

قال زكريا: حكم الله لي بأن أكفلها.

قال العلماء والشيوخ: لا.. القرعة ثلاث مرات.

وراحوا يفكرون في القرعة الثانية.. حفر كل واحد اسمه على قلم خشبي، وقالوا: نلقي بأقلامنا في النهر.. من سار قلمه ضد التيار وحده فهو الغالب.

وألقوا أقلامهم في النهر، فسارت أقلامهم جميعا مع التيار ما عدا قلم زكريا.. سار وحده ضد التيار.. وظن زكريا أنهم سيقتنعون، لكنهم أصروا على أن تكون القرعة ثلاث مرات. قالوا: نلقي أقلامنا في النهر.. القلم الذي يسير مع التيار وحده يأخذ مريم. وألقوا أقلامهم فسارت جميعا ضد التيار ما عدا قلم زكريا. وسلموا لزكريا، وأعطوه مريم ليكفلها.. وبدأ زكريا يخدم مريم، ويربيها ويكرمها حتى كبرت..

كان لها مكان خاص تعيش فيه في المسجد.. كان لها محراب تتعبد فيه.. وكانت لا تغادر مكانها إلا قليلا.. يذهب وقتها كله في الصلاة والعبادة.. والذكر والشكر والحب لله..

وكان زكريا يزورها أحيانا في المحراب.. وكان يفاجأه كلما دخل عليها أنه أمام شيء مدهش.. يكون الوقت صيفا فيجد عندها فاكهة الشتاء.. ويكون الوقت شتاء فيجد عندها فاكهة الصيف.

ويسألها زكريا من أين جاءها هذا الرزق..؟

فتجيب مريم: إنه من عند الله..

وتكرر هذا المشهد أكثر من مرة.

دعاء زكريا ربه:

كان زكريا شيخا عجوزا ضعف عظمه، واشتعل رأسه بالشعر الأبيض، وأحس أنه لن يعيش طويلا.. وكانت زوجته وهي خالة مريم عجوزا مثله ولم تلد من قبل في حياتها لأنها عاقر.. وكان زكريا يتمنى أن يكون له ولد يرث علمه ويصير نبيا ويستطيع أن يهدي قومه ويدعوهم إلى كتاب الله ومغفرته.. وكان زكريا لا يقول أفكاره هذه لأحد.. حتى لزوجته.. ولكن الله تعالى كان يعرفها قبل أن تقال.. ودخل زكريا ذلك الصباح على مريم في المحراب.. فوجد عندها فاكهة ليس هذا أوانها.

سألها زكريا: (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا)؟!

مريم: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).

قال زكريا في نفسه: سبحان الله.. قادر على كل شيء.. وغرس الحنين أعلامه في قلبه وتمنى الذرية.. فدعا ربه.

سأل زكريا خالقه بغير أن يرفع صوته أن يرزقه طفلا يرث النبوة والحكمة والفضل والعلم.. وكان زكريا خائفا أن يضل القوم من بعده ولم يبعث فيهم نبي.. فرحم الله تعالى زكريا واستجاب له. فلم يكد زكريا يهمس في قلبه بدعائه لله حتى نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا).

فوجئ زكريا بهذه البشرى.. أن يكون له ولد لا شبيه له أو مثيل من قبل.. أحس زكريا من فرط الفرح باضطراب.. تسائل من موضع الدهشة: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أدهشه أن ينجب وهو عجوز وامرأته لا تلد..

(قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) أفهمته الملائكة أن هذه مشيئة الله وليس أمام مشيئة الله إلا النفاذ.. وليس هناك شيء يصعب على الله سبحانه وتعالى.. كل شيء يريده يأمره بالوجود فيوجد.. وقد خلق الله زكريا نفسه من قبل ولم يكن له وجود.. وكل شيء يخلقه الله تعالى بمجرد المشيئة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

امتلأ قلب زكريا بالشكر لله وحمده وتمجيده.. وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. فأخبره الله أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق.. سيجد نفسه غير قادر على الكلام.. سيكون صحيح المزاج غير معتل.. إذا حدث له هذا أيقن أن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت.. وعليه ساعتها أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة.. وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء..

وخرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر.. وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق.. وعرف أن معجزة الله قد تحققت.. فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء.. وراح هو يسبح الله في قلبه.. صلى لله شكرا على استجابته لدعوته ومنحه يحيي..

ظل زكريا عليه السلام يدعوا
إلى ربه حتى جاءت وفاته.

ولم ترد روايات صحيحة عن وفاته عليه السلام. لكن ورايات كثير -ضعيفة- أوردت قتله على يد جنود الملك الذي قتل يحيى من قبل.
[/BACKGROUND]

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

حكاية الابرص والاقرع والاعمى في الاسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عن ابى هريرة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

(( ان ثلاث من بنى اسرائيل ابرص واقرع واعمى ارد الله ان يبتليهم فبعث الله ملكا"
فأتى الابرص فقال :
أى شىء أحب اليك ؟
فقال :
لون حسن وجلد حسن ويذهب عنى الذى قد قذرنى الناس
فمسحه فذهب عنة قذرة وأعطى لونا" حسنا" وجلدا" حسنا"
قال :
فأى المال احب اليك ؟
قال : الابل او قال البقر -شك الراوى
فأعطى ناقة عشراء فقال بارك الله لك فيها
ثم أتى الاقرع فقال :
أى شىء أحب اليك ؟
قال : شعرا" حسن ويذهب عنى هذا الذى قد قذرنى الناس
فمسحه فذهب عنه فأعطى شعرا" حسنا"
قال : فأى المال احب اليك ؟
قال : البقر
فأعطى بقرة" حاملا"
وقال : بارك الله لك فيها

فأتى الاعمى فقال : أى شىء أحب اليك ؟
قال : ان يرد الله الى بصرى فأبصر الناس
فمسحه فرد الله اليه بصره قال : فأى المال أحب اليك
قال : الغنم
فأعطى شاة والدا"

فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من الابل ولهذا واد من البقر ولهذا واد من الغنم
ثم انه اتى الابرص فى صورته وهيئته فقال :
رجل مسكين قد انقطعت بى الحبال فى سفرى فلا بلاغ لى اليوم الا بالله ثم بك أسألك بالذى اعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعير اتبلغ به فى سفرى
فقال : الحقوق كثيرة
فقال: كأنى اعرفك ألم تكن ابرص يقذرك الناس فقيرا" فأعطاك الله ؟
قال : انما ورثت هذا كابرا" عن كابر
فقال : ان كنت كاذبا" فى دعواك فصيرك الله الى ما كنت

واتى الاقرع فى صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد هذا فقال : ان كنت كاذبا" فصيرك الله -تعالى -الى ما كنت
واتى الاعمى فى صورته وهيئته فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بى الحبال فى سفرى فلا بلاغ لى اليوم الا الله ثم بك أسألك بالذى رد عليك بصرك شاة اتبلغ بها فى سفرى
فقال :
قد كنت اعمى فرد الله لى بصرى فخذ ما شئت ودع ما شئت فوالله لا اجهدك اليوم بشىء أخذته الله -عز وجل – فقال :
امسك مالك فانما ابتليتم فقد رضى الله عنك وسخط على صاحبيك ))– متفق عليه



لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

نوح عليه السلام في الاسلام

حال الناس قبل بعثة نوح:

قبل أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من أجداد قوم نوح، عاشوا زمنا ثم ماتوا، كانت أسماء الرجال الخمسة هي: (ودَّ، سُواع، يغوث، يعوق، نسرا). بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم، ومضى الوقت.. ومات الذين نحتوا التماثيل.. وجاء أبنائهم.. ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء.. ثم نسجت قصصا وحكايات حول التماثيل تعزو لها قوة خاصة.. واستغل إبليس الفرصة، وأوهم الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر.. وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل.

إرسال نوح عليه السلام:

كان نوح كان على الفطرة مؤمنا بالله تعالى قبل بعثته إلى الناس. وكل الأنبياء مؤمنون بالله تعالى قبل بعثتهم. وكان كثير الشكر لله عزّ وجلّ. فاختاره الله لحمل الرسالة. فخرج نوح على قومه وبدأ دعوته:

يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

بهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية.. وحقيقة البعث. هناك إله خالق وهو وحده الذي يستحق العبادة.. وهناك موت ثم بعث ثم يوم للقيامة. يوم عظيم، فيه عذاب يوم عظيم.شرح "نوح" لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غير إله واحد هو الخالق. أفهمهم أن الشيطان قد خدعهم زمنا طويلا، وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع، حدثهم نوح عن تكريم الله للإنسان. كيف خلقه، ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل، وليست عبادة الأصنام غير ظلم خانق للعقل.

تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته. لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء، وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة.. أما الأغنياء والأقوياء والكبراء، تأملوا الدعوة بعين الشك… ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه.. فقد بدءوا حربهم ضد نوح.

في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم:

فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا

قال تفسير القرطبي: الملأ الذين كفروا من قومه هم الرؤساء الذين كانوا في قومه. يسمون الملأ لأنهم مليئون بما يقولون.

قال هؤلاء الملأ لنوح: أنت بشر يا نوح.

رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك، وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلى الأرض رسولا من البشر، لأن الأرض يسكنها البشر، ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة لأرسل الله رسولا من الملائكة.. استمرت الحرب بين الكافرين ونوح.

في البداية، تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح لا تلبث أن تنطفئ وحدها، فلما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة بدءوا الهجوم على نوح من هذه الناحية. هاجموه في أتباعه، وقالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل.

هكذا اندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه. ولجأ الذين كفروا إلى المساومة. قالوا لنوح: اسمع يا نوح. إذا أردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة مع هؤلاء.

واستمع نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون، ورغم ذلك كان طيبا في رده. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين، لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنما هم ضيوف الله.. وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء، إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.

كان نوح يناقش كل حجج الكافرين بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه. وهو منطق الفكر الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة.

قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة. ولم يروا هم ما آتاه الله، وهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان برسالته وهم كارهون. إن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض على أحد من البشر. أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته، لا يطلب منهم مالا فيثقل عليهم، إن أجره على الله، هو الذي يعطيه ثوابه. أفهمهم أنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله، وأن له حدوده كنبي. وحدوده لا تعطيه حق طرد المؤمنين لسببين: أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله؟ ثم أنه لو طردهم لخاصموه عند الله، ويجازي من طردهم، فمن الذي ينصر نوحا من الله لو طردهم؟ وهكذا انتهى نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم.

وعاد نوح يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق، وأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله عز وجل، فهو لا يدعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله، وهي إنعامه على من يشاء من عباده، وهو لا يعلم الغيب، لأن الغيب علم اختص الله تعالى وحده به. أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا. بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة.. قال لهم نوح: إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل.. إن هؤلاء المؤمنين الذي تحتقرونهم لن تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم، الله أعلم بما في أنفسهم. هو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به.. أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا.

وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح.. حكى الله موقفهم منه في سورة (هود):

قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) (هود)

أضاف نوح إغواءهم إلى الله تعالى. تسليما بأن الله هو الفاعل في كل حال. غير أنهم استحقوا الضلال بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم.. فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه محتاج في صدورها عنه إلى ربه. بهذه النظرة يستقيم معنى مساءلة الإنسان عن أفعاله. كل ما في الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له، سواء أكان التيسير إلى الخير أم إلى الشر.. وهذا من تمام الحرية وكمالها. يختار الإنسان بحريته فييسر له الله تعالى طريق ما اختاره. اختار كفار قوم نوح طريق الغواية فيسره الله لهم.

وتستمر المعركة، وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم نوح وبينه إذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال، بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله:

قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60) (الأعراف)

ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:

قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62) (الأعراف)

ويستمر نوح في دعوة قومه إلى الله. ساعة بعد ساعة. ويوما بعد يوم. وعاما بعد عام. ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه. كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، يضرب لهم الأمثال. ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات، وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق. واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.

وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكافرين. وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل، وظل يدعو قومه ويجادلهم، وظل قومه على الكبرياء والكفر والتبجح. وحزن نوح على قومه. لكنه لم يبلغ درجة اليأس. ظل محتفظا بالأمل طوال 950 سنة. ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة، وربما يكون هذا العمر الطويل لنوح معجزة خاصة له.

وجاء يوم أوحى الله إليه، أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك:

وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) (نوح)برر نوح دعوته بقوله:

إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (26) (نوح)

:f55::laughter:

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

من هو أكثر الانبياء صبراً ؟ اسلاميات

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


من هو أكثر الانبياء صبراً


* صبر آدم على مفارقة الوطن الأول من الجنة،
* وصبر نوح على فقد الولد،
* وصبر إبراهيم على مقام ذبح الابن،
* وصبر يعقوب على فراق يوسف،
* وصبر موسى على أذى الطاغية،
* وصبر داود على مـــــرارة الندم،
*وصبر سليمان على فتــنة الدنيا،
* وصبر عيسى على ألم الفقر،


وأما رسولنا صلى الله عليه وســــلم فصبر عليها كلها،


وعاشـــــها كلها،
وذاقها كلــها،
ففــــاز بالمقامات كلها،


* صبر على فــــراق الوطن،
ومراتع الفتوة، وملاعب الصـــبا، وربــــوع الشـباب،
فترك الأهل والعشـــــيرة، والدار والمال،


* وصـــبر على فقد الولد،
فسالت أرواح أبنائه بين يديه،
وقعقعت أنفسهم أمام ناظريه.


* وصبر على ألم الأذى
فأوذي في المنهج والوطن،
والسمعة والخُلُق، والرسالة والزوجة.


* وصبر على شماتة العدو،
وتنكر الصديق، وعقوق القريب، ونيل الحـــــاسد، وتشفي الحاقد،
وتألب الخصــوم، وتكالُبِ الأحزاب، وتكاثر المنــاوئين،
وصولة الباطل، وقلة الناصر،


* وصبر على شظف العيــــش،
وجفـــاف الفقر، ومضض الحاجة،
وقــلة ذات اليد،وجـــدب النفـــقة، وعوز المعيشة،
وحـــرارة الجــــــوع، ومرارة الفاقة.


* وصبر على غلبة الخصم،
وقتل القريب، وأسر الحبيب،
وتشريد الأصحاب، والتنكيل بالأتباع،
والجراح في البدن، وفزع التهديد والوعيد،
وقعقــــعة الغارات، وأهوال الغزوات.


* وصبر على بطر الأغنياء،
وزهو الكبراء، وشراسة الأدعياء،
وجلافة الأعراب، وصلف الجهلة، وسوء أدب الجفاة.


* وصبر على خيانات اليهود،
ومراوغة المنافقين،
ومجابهة المشركين،
وبطء استجابة المدعوّين.


* صبر وهو يرى
الكنوز تفرّغ في أوعية الناس
فلم يأخذ منها درهماً واحداً.


* وصبر وهو يشاهد
القناطير المقنطرة من الذهب والفضة
يتقـــاسمها النــاس ولم يحمل منها قطميراً.


* ثم صبر على فرح الفتح،
وسرور الانتصار،
وجلبة إقبال الدنيا،
وإذعان الملوك،
واستسلام الجبابرة،
ودخول الناس في دين الله أفواجاً.


* صبر وهو يحوز
قطعان الإبل والبقر والغنم كالآكام،
ثم يوزعها على مسلمة الفتح،
ولم يظفر بجمل أو بقرة أو شاة


* وصبر على سكنى بيت الطين،
وعلى أكل الشعير، وعلى افتراش الحصير،
وعلى ركوب الحمار، وعلى لباس الصوف.


الأب
مات ولم يره،


والأم
توفيت ولم تتم رضاعه،


والجد
فــــارق الدنيا ولم يحطه برعاية،


والعـــم
ذهب وقت النضال،


وخديجة
ودّعت يوم الحزن،


والابن
ســــالت روحه يـــــوم تمام الحــــب،


وعائشـــة
تُرمى ساعة كمال الأنس،


وحمزة
يُقتل زمن المصاولة.


* أنِسَ بالمدينة
فنغَّص عليه المنافقون أُنسَه،


* استبشر بالنصر في بدر
فأسرعت إليه غصة الألم في أُحد،


* أزهر وجهه كالقمر ليلة البدر
فشجَّ بالسِّهام.


* وتلألأت أسنانه
كالبرد فكسرت ثنيتُه في المعركة،


* سبقت ناقته الإبل
فسبقها أعرابي على قعود،
ليبقى أجره في الآخرة موفوراً،
وسعيُه عند ربِّه مشكوراً.
وليلقى ربَّه مسروراً،


ليجتمع له الثواب كله،
أوَّله وآخِرُه، قديمه وحديثه،
في مقعد صدق عند مليك مقتدر.


واستحق ذلك لأنه صبر فله الزلفى،
وتمــــام الرفعة، والوسيلة، والفضـــيلة.
والمنــــازل الجلــيلة،
لأنه صبر.


وله المقام المحمود،
والحوض المورود،
واللواء المعقود،
لأنه صبر.


وله الشفاعة، والخطاب،
والقرب، والحظوة،
لأنه صبر.


* كذبوه،شـــــتموه، سبوه، آذوه،
فنـزل { اصبر على ما يقولون }. سورة ص 17


* حاربوه، نازلوه، طاردوه، قاتلوه،
فنـزل { واصبر وما صبرك إلا بالله }. سورة النحل 127


* هجــروه، وأعرضوا عنه،
وصدُّوا عن سبيله، ووقفوا في طريقه،
فنـزل{ فاصبر صبراً جميلاً }. سورة المعارج 5


* طال عليه المدى، ترقّب النصر، كثر العدو،
تزاحمت النكبات،
فنـزل { فاصبر كما صبر أُولُوا العزم من الرسل }. سورة الأحقاف 35


* فصَبر صبراً جميلاً في كل مقامات العبودية،
صبر في رضاه وغضبه،
وسلمه وحربه،
وغناه وفقره،


فصار إمام الصابرين،
وقدوة الشاكرين.


اللهم ثبِّتنا على سنته، ووفقنا لسيرته، وانصر بنا دعوته


اللهم آمين


الشيخ الدكتور عائض القرني


……….


" اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين "

منقووول
اخوكم
soma

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
قصص الانبياء و الرسل

لماذا اتخذ الله سيدنا ابراهيم خليلا دون سائر الانبياء؟ في الاسلام

ابراهيم خليل الرحمن مقولة شائعة ولكن اذا سأ لنا ماذا تعنى كلمة خليل؟يكون الرد السريع بأن خليل تعنىصديق!!


ولكن اذا سألت المجيب:وهل للرحمن اصدقاء من الانس او الجن.؟
يصعق المسؤل ببديهية السؤال وغرابة الاجابة فالله تعلى يقول:
(أَن دَعَوْالِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَوَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِيالرَّحْمَنِ عَبْدًا ) مريم
فكيف يكون العبد صديقا لسيده ومالكه؟ هل يعقل ان يتخذ الرحمن ابراهيم صديقا دون خاتم الانبياء وصفوة الرسل
محمدا خير الانام ومسك الختام!!
"وحتى نزيل الفهم الشائع الذى يغضب الله سبحانه وتعالى والذى كمن فى عقولنا عن جهل طوال تلك القرون فى معنى تلك الكلمة التى تتشابه
مع ماذهب اليه اخرين ف" دعوا للرحمن ولدا"وهو الامر الذى اغضب الله سبحانه فقال (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88)لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَمِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) مريم
فجاء علمائنا بدون قصد ولم يزيلوا من عقول الامة ويوضحواان الله تعالى لم يتخذ احد من رسله صديقا!!!
بل ان الامام الرازى فى التفسير الكبير(مفاتيح الغيب)فىتفسيره لتلك الكلمة يورد ان :بعض النصارىقال: انه لما جازإطلاق اسم الخليل على إنسان معين على سبيل الاعزاز والتشريف، فلم لا يجوزإطلاق اسم الابن في حق عيسى عليه السلام على سبيل الاعزاز والتشريف.
مقدمة
ان معرفة معنى الخلة التى اختص بها الله تعالى سيدنا ابراهيم دون باقى رسله ستجيب على اسئلة كثيرة يطرحها العقل وستسد مداخل الشيطان


ان دراسة حياة وشخصية ابراهيم عليه السلام….لاتكتسب اهميتها من كونه ابا الانبياء و أن شرع محمدعليه الصلاة والسلام كان قريباً من شرع إبراهيم ثم إن شرع إبراهيم مقبولعند الكل، وذلك لأن العرب لا يفتخرون بشيء كافتخارهم بالانتساب إلىإبراهيم، وأما اليهود والنصارى فلا شك في كونهم مفتخرين به، وإذا ثبت هذالزم أن يكون شرع محمد مقبولاً عند الكل فحسب ولكنه مثل مرحلة هامة من الاصطفاء والتميز العقلى وان الله اعطاه شرف اكتشاف ارض الاباء و ان يمشى على خطاهم ويكون اول من يدعو بنى ادم للعودة لبيت الاجداد وجعل الله عودتهم عبادة منذ عهد ابراهيم عليه السلام
ونود ان نشيران القران ماقص قصة نبى فى سياق واحد متكامل الا قصةيوسف عليه السلام لحكمة لا يعلمها الا الله ..ام باقى الرسل والامم فالقران يقتطف لنا مقتطفات من حياتهم بقدر ما يهمنا ان نعرف جانب من حياة نبى اورسول
وهناك ملاحظة هامة جدا تفوت على كثير من الناس هى انهم يقرءون قصص ما قبلنا بمفهوم اليوم..وهذا خطأ منطقى
كما ان القران لم يقص علينا تفاصيل الحياة اليومية لاى من الرسل…
وفى قصة سيدنا ابراهيم اكد القران انه قد دخل فى خلافات وجدل مع قومه على جميع المستويات الى ان ذاع صيته واشتهر عنه انه اتى بدين جديد وانه يعرف الاله الحق
وللوصول للفهم الصحيح لكلمة " خليلا"


يتعين علينا ان نجيب على الاسئلة الاتية:
واولا: مامعنى كلمة "خليلا"فى قواميس اللغة؟ وفى امهات التفاسير؟
ثانيا:دراسة شخصية سيدنا ابراهيم ومعرفة ما هواسلوبه فى البحث عن الاله ؟
ثالث: ماذا قدم سيدنا ابراهيم عليه السلام للبشرية ليستحق ان يتخذه الله خليلا بالمعنى الصحيح للكلمة؟

رابعا:المعنى الصحيح المقصود من كلمة"خليلا"


:
فماذا تعنى كلمة خليل؟

اولا: فى معاجم وقواميس اللغة العربيةوايضا فى كتب

التفاسير


اولا
***************
سنعرض هنا لمعنى الكلمة فى معاجم وقواميس اللغة العربية:


***********************
(1) مقاييس اللغة: كلمة (خل)تعنى الشئ الذى يتقارب فروعه ومرجع ذلك اما الى دقة اوفرجة فيقال فلان يأكل خلله وخلاله اى مايخرجه الخلال من اسنانه وانا سمى الصديق خليلا لتقارب الصلة بين الصديقين وضيق الفرجة بينهما .. و(الخلال)هو المشط الذى يستعمل لتفريق الشعر من بعضه
(2)لسان العرب:كلمة (خلال)تعنى العود الذى يتخلل به..و(الخلة)الصديق الذكر او الانثى …وتعنى (خلة)وقيل للصداقة خلة لان كل واحد منهما يسد خلل صاحبه فى المودة والحاجة اليه ..و(التخليل)تفريق شعر اللحية و اصابع الرجلين واليدين فى الوضوء..و(خليل) معد م فقير محتاج
(3)الصحاح فى اللغة: كلمة (الخلل)فساد فى الامروايضا هو الفرج بين الشيئين..كالخطأ والصواب مثلا وهى الكلمة التى نستعملها فى حالة وجود علة بسيطة او فرجة ضيقة فى جهاز نستعملة او ثوب نلبسه
(4)القاموس المحيط: كلمة(خليلة)بالضمة تعنى الصداقة المختصة لا خلل فيها تكون فى عفاف او دعارة….وكلمة(الخل والخلة)بكسرهما
المصادقة والاخاء
نخلص من عرض الكلمة على المعاجم والقواميس العربية انها لاتخرج عن احدى الامرين:
1-الصديق ذكرا كان اوانثى و تجمعهما صداقة لاخلل فيها وكل واحد منهما يسد خلل صاحبه فى المودة او الحاجة اليه وذلك لتقاربهما
2- او الخلة التىتخلخل وتحدث فارقا بين امرين وفرجة
ثانيا
كتب التفاسير


قبل ان نعرض لكتب التفاسير لبيان المقصود بكلمة خليلا نود ان نشير الى ان تلك الكلمة وردت ثلاث مرات كالاتى:
(1) سورة النساء – سورة 4 – آية 125


(ومن احسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا واتخذ الله ابراهيم خليلا)


(2) سورة الإسراء – سورة 17 – آية 73


)وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً
يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلاا ((3) سورة الفرقان – سورة 25 – آية 28
ولنعرض الان المقصود من كلمة (خليلا) فى التفاسير:
1تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ)
{ وَٱتَّخَذَٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبهكرامة الخليل عند خليله. والخليل: المخال، وهو الذي يخالك أي يوافقك فيخلالك، أو يسايرك في طريقك، من الخل: وهو الطريق في الرمل، أو يسدّ خللككما تسدّ خلله، أو يداخلك خلال منازلك وحجبك.
2-تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)
قوله تعالىٰ: { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } قال ثعلب: إنما سمي الخليلخليلاً لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللاً إلاَّ ملأته؛


وخليلفعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم. وقيل: هو بمعنى المفعول كالحبيببمعنى المحبوب، وإبراهيم كان محبّاً لله صلى الله عليه وسلم وكان محبوباًلله. وقيل: الخليل من الاختصاص فالله عزّ وجل أعلم ٱختص إبراهيم في وقتهللرسالة. واختار هذا النحاس قال: والدليل على هذا قول النبيّ صلى اللهعليه وسلم: " وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً " يعني نفسه. وقال صلى الله عليه وسلم: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " أيلو كنت مختصاً أحداً بشيء لاختصصت أبا بكر رضي الله عنه. وفي هذا رد علىمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ٱختص بعض أصحابه بشيء من الدين. وقيل: الخليل المحتاج؛ فإبراهيم خليل الله على معنى أنه فقير محتاج إلى اللهتعالىٰ؛ كأنه الذي به الاختلال
قال الزجاج: ومعنىالخليل؛ الذي ليس في محبته خلل؛ فجائز أن يكون سمي خليلاً لله بأنه الذيأحبه واصطفاه محبة تامة. وجائز أن يسمى خليل الله أي فقيراً إلى اللهتعالىٰ؛ لأنه لم يجعل فقره ولا فاقته إلاَّ إلى الله تعالىٰ مخلصاً فيذلك. والاختلال الفقر
3- تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
(. والكلمة مأخوذة من " الخاء ولام ولام ". و " الخَل " – بفتح الخاءهو الطريق في الرمل، وهو ما نسميه في عرفنا " مدقاً " ، وعادة يكون ضيقاً. وحينما يسير فيه اثنان فهما يتكاتفان إن كان بينهما ودّ عالٍ، وإن لم يكنبينهما ودّ فواحد يمشي خلف الآخر. ولذلك سموا الاثنين الذين يسيرانمتكاتفين " خليل " فكلاهما متخلل في الآخر أي متداخل فيه. والخليل أيضاًهو من يسد خلل صاحبه. والخليل هو الذي يتحد ويتوافق مع صديقه في الخلالوالصفات والأخلاق. أو هو من يتخلل إليه الإنسان في مساتره، ويتخلل هوأيضاً في مساتر الإنسان. والإنسان قد يستقبل واحداً من أصحابه في أي مكانسواء في الصالون أو في غرفة المكتب أو في غرفة النوم. لكن هناك من لايستقبله إلا في الصالون أو في غرفة المكتب.

{ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } أي اصطفاه الحق اصطفاءًخاصاً، والحب قد يُشارَك فيه، فهو سبحانه يحب واحداً وآخر وثالثاً ورابعاًوكل المؤمنين، فهو القائل:
{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ }
[البقرة: 222]

وسبحانه القائل:
{ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }
[آل عمران: 76]

وهو يعلمنا:
{ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ }
[آل عمران: 146]

ويقول لنا:
{ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }
[آل عمران: 148]

ويقول أيضاً:
{ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }
[الممتحنة: 8]

لكنه اصطفى إبراهيم خليلاً، أي لا مشاركة لأحد في مكانته، أما الحب فيعم، ولكن الخلَّة لا مشاركة فيها. ولذلك نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى قومه قائلاً: " أما بعد أيها الناس فلو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلا وإن صاحبكم خليل الله تعالى) يعني نفسه ".
4- تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ)
وذهب غير واحد منالفضلاء إلى أن الآية من باب الاستعارة التمثيلية لتنزهه تعالى عن صاحبوخليل، والمراد اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، وأما فيالخليل وحده فاستعارة تصريحية على ما نص عليه الشهاب إلا أنه صار بعدعلماً على إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وادعى بعضهم أنه لا مانع من وصفإبراهيم عليه الصلاة والسلام بالخليل حقيقة على معنى الصادق، أو من أصفىالمودة وأصحها أو نحو ذلك، وعدم إطلاق الخليل على غيره عليه الصلاةوالسلام مع أن مقام الخلة بالمعنى المشهور عند العارفين غير مختص به بل كلنبـي خليل الله تعالى، إما لأن ثبوت ذلك المقام له عليه الصلاة والسلامعلى وجه لم يثبت لغيره ـ كما قيل ـ وإما لزيادة التشريف والتعظيم كمانقول، واعترض بعض النصارى بأنه إذا جاز إطلاق الخليل على إنسان تشريفاًفلم لم يجز إطلاق الابن على آخر لذلك؟ وأجيب بأن الخلة لا تقتضي الجنسيةبخلاف البنوة فإنها تقتضيها قطعاً، والله تعالى هو المنزه عن مجانسةالمحدثات.
5- تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ)
ثم قال تعالى: { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } وفيه مسائل:

المسألةالأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها، وفيه وجهان: الأول: أن إبراهيم عليهالسلام لما بلغ في علو الدرجة في الدين أن اتخذه الله خليلاً كان جديراًبأن يتبع خلقه وطريقته. والثاني: أنه لما ذكر ملة إبراهيم ووصفه بكونهحنيفاً ثم قال عقيبه { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } أشعرهذا بأنه سبحانه إنما اتخذه خليلاً لأنه كان عالماً بذلك الشرع آتياً بتلكالتكاليف، ومما يؤكد هذا قوله
{
وَإِذَا ٱبْتَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا }
[
البقرة: 124] وهذا يدل على أنه سبحانه إنما جعله إماماً للخلق لأنه أتم تلك الكلمات.

وإذ ثبت هذا فنقول: لما دلت الآية على أن إبراهيم عليه السلام إنما كان بهذا المنصب العاليوهو كونه خليلاً لله تعالى بسبب أنه كان عاملاً بتلك الشريعة كان هذاتنبيهاً على أن من عمل بهذا الشرع لا بدّ وأن يفوز بأعظم المناصب فيالدين، وذلك يفيد الترغيب العظيم في هذا الدين.
المسألة الثانية: ذكروا في اشتقاق الخليل وجوهاً: الأول: أن خليل الإنسان هو الذي يدخل فيخلال أموره وأسراره، والذي دخل حبه في خلال أجزاء قلبه، ولا شك أن ذلك هوالغاية في المحبة.
قيل: لما أطلع اللهإبراهيم عليه السلام على الملكوت الأعلى والأسفل ودعا القوم مرة بعد أخرىإلى توحيد الله، ومنعهم عن عبادة النجم والقمر والشمس، ومنعهم عن عبادةالأوثان ثم سلم نفسه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان جعله اللهإماماً للخلق ورسولاً إليهم، وبشره بأن الملك والنبوة في ذريته، فلهذهالاختصاصات سماه خليلاً، لأن محبة الله لعبده عبارة عن إرادته لإيصالالخيرات والمنافع إليه.
الوجه الثاني في اشتقاق اسم الخليل: أنه الذي يوافقك في خلالك. أقول: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تخلقوا بأخلاق الله " فيشبه أن إبراهيم عليه السلام لما بلغ في هذا الباب مبلغاً لم يبلغه أحد ممن تقدم لا جرم خصه الله بهذا التشريف.

الوجهالثالث: قال صاحب «الكشاف»: إن الخليل هو الذي يسايرك في طريقك، من الخلوهو الطريق في الرمل، وهذا الوجه قريب من الوجه الثاني، أو يحمل ذلك علىشدة طاعته لله وعدم تمرده في ظاهره وباطنه عن حكم الله، كما أخبر الله عنهبقوله
{
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ }
[
البقرة: 131].

الوجه الرابع: الخليلهو الذي يسد خللك كما تسد خلله، وهذا القول ضعيف لأن إبراهيم عليه السلاملما كان خليلاً مع الله امتنع أن يقال: إنه يسد الخلل، ومن هٰهنا علمناأنه لا يمكن تفسير الخليل بذلك،
واخيرا…..وبعد ان عرضنا اراء كتب التفسير فى معنى كلمة"خليلا"
نخلص لمايلى:
1- ان المفسرين قد اختلفوا اختلاف كبيرا فى معنى كلمة ..خليلا
بحيث يكون من الصعوبة بمكان القول بان خلة سيدنا ابراهيم لله رب العالمين تعنى صداقته له
2- ان الشيخ الشعراوىوضح هذا الخلاف بقوله
(وجلس العلماء ليبحثوامعنى كلمة " خليلاً " ، ويبحثوا ما فيها من صفات، وكل الأساليب التي وردتفيها )
وهذا يعنى ان المعنى الشائع لدينا ان سيدنا ابراهيم هو خليل الرحمن اى صديقه محل خلاف وليس اتفاق وانهم اى العلماء يبحثوا عنى معنى الكلمة من خلال صفاتها ! والمفروض العكس اى من معنى الكلمة نعرف صفاتها !
3-الامام الرازى كان الوحيد الذى قطع فى هذا الخلاف بقوله
(الخليلهو الذي يسد خللك كما تسد خلله، وهذا القول ضعيف لأن إبراهيم عليه السلاملما كان خليلاً مع الله امتنع أن يقال: إنه يسد الخلل، ومن هٰهنا علمناأنه لا يمكن تفسير الخليل بذلك)
4-* ان التاويلات التى يقوم بها اهل الفقه والعلم فانها تكون نسبية بحسب ارضيتهم المعرفية فى كل زمان
5-ان السطور القادمة ستساعد على اختيار المعنى السليم لكلمة خليلا
ثانيا:ما هواسلوب سيدنا ابراهيم فى البحث عن الاله؟


استخدم سيدنا ابراهيم المنهاج الجدلى العلمى للبحث عن لاله..وهو ما يعرف بالاثبات بالنفى واتباع اسلوب الاستدلال وليس العاطفة او الاتباع الاعمى وهذا هو السلوب السليم للوصول الى الغيبيات لذلك روى لنا الله تعالى اسلوب بحثه
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79))الانعام
فهو هنا استخدم منهجا علميا للبحث لا يقبل نفى اى احتمال الابعد تجربته واثبات عدم صحته
وعندماخلص الى ان الخالق لا يمكن الوصول اليه بالعقل البشرى المحدود فوجه وجهه للذى فطر السماوات والارض..ويلاحظ هنا ان ابراهيم لم يوجه وجهه لله لانه لم يعرف الله بعد بهذا الاسم ..وانما عرفه بصفاته الظاهرة وهى انه هو الذى فطر السموات والارض..لذلك وصفه الله بانه ذو قلب سليم
(وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87))الصافات
اذا فان فطرة الانسان السليم يمكن ان توصله الى التيقن بوجود خالق للكون كما تقوده الى رفض تعدد الالهة
وبعدان عرف ابراهيم من هو الاله الحق اتبع نفس الاسلوب الجدلى فى نقل علمه الى ومه المشركين وهو اجتهد فى ان يدفعهم للتفكر والتدبر
(قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67))الانبياء فيلاحظ هنا انه لم يكتفى بالاسلوب الجدلى النظرى وانما لجأ الى الاثبات العملى وهو ان وضع الفاس على راس كبيرهم لعلهم يستحون من ضيق افقهم فهو هنا استعمل نظريته بنفى الالوهية عن المخلوقات العاجزة..وبالرغم من وضوح الحجة عليهم الا ان غرور قومه دفعهم لمعاقبته بدل من الاقرار بالحق المبين…
ثالثا: ماذا قدم ابراهيم للبشرية ؟


قبل الاجابة على هذا السؤال يتعين علينا ان نوضح امرا هاما سوف يكون لنا اكبر معين لتوضيح تلك الاجابة وهى تخلص…فى ان الله سبحانه وتعالى
ظل يرسل الانبياء لتعليم الانسان امورا هامة تعينهم على التعامل مع الطبيعة بالاضافة الى تكليف الانبياء بمهمة تطوير الانسان اخلاقيا وروحيا وربطه بخالقه….ولكن تلك الرسالات اختلفت بأختلاف الزمان والمكان ودرجة تطور المجتمع المرسل اليه روحيا وماديا…فلهذا فان بعض الرالات اشتملت على طفرات وتعاليم استفاد منها قوم الرسول المعنى ولم تدوم اوتتعدى اقوام اخرى.فى حين ان هناك رسالات اشتملت على علوم ودروس
افادت البشرية فى كل زمان ومكان ولتوضح المقصود نضرب امثلة لرسالات قبل وبعد سيدنا ابراهيم:
(1) رسول الله نوح عليه السلام علم قومه صناعة الفلك.. ولكن ذلك العلم تقتصر الاستفادة منه على سكان السواحل فقط
(2)رسول الله ادريس عليه السلام علم الانسان الزراعة فىمصر وهذه الفائدة عامة لكل البشر
(3)رسول الله يوسف عليه السلام علم قومه تفسير الاحلام وادارة الازمات
وهذا العلم لا يفيد الا القليل من البشر
(4)رسول الله داؤود عليه السلام علم قومه صناعة الحديد وهى طفرة استفادت منها البشرية
(5)رسول الله سليمان عليه السلام امتلك الجن والريح ولكن زال هذا العلم والسلطان بموته ولم يستفاد منه احد ..حتى ان اليهود اخرجوه من زمرة الانبياء واد خلوه فى زمرة الملوك
(6)رسول الله عيسى ابن مريم احيى الموتى بأذن الله وعالج امراض مستعصية واستفاد من علمه من اهل زمانه فقط وانتهتعجزاته بانتهاء عهده
(7)اما خاتم الرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فا ن كتاب الله الذى انزل عليه وفيه تبيانا لكل الامور هو معجزته الباقية لابد الدهروهى رسالة عامة تشمل جميع العالمين ويستفاد منها فى كل مكان وزمان
وبعد ان استعرصنا دور كل نبى فى مسيرة البشرية بأيجاز شديد يطل علينا السؤال الذى كنا قد طرحناه من قبل الاهو:
ماذا قدم سيد نا ابراهيم للبشرية حتى يطلق عليه خليل الرحمن دون باقى الانبياء ؟
قبل عهد سيدنا ابراهيم عليه السلام لم يكن الانسان لديه وسيلة(منهج علمى )يمكنه من دراسة وتطوير واقعه بصورة علمية وبسيطة.
وهذا المطلب يتخطى زمن سيدنا ابراهيم ويشمل كل زمان ومكان فالانسان يحتاج الى اسلوب علمى يكون دليله فى التفرقة بين الحقيقة والوهم فى تعامله مع الطبيعة والانسان الاخر وكان هذا المطلب ملح جدا.
وكان هذا المطلب يحتاج (الطفرة العقلية) كانت تحتاج الى مفكر او فليسوف
يكون مدرسة وحده(امة..اماما..)ليقوم بهذه الوثبة (الطفرة) الفكرية الكبيرة فى تاريخ الانسان الذى اصبح عقله متقبلا لها .
ومن هنا بعث الله سيدنا ابراهيم برسالته التى كانت من اهم صفاتها ان يخاطب العقل البشرى ويحرره من الخرافات والاساطير ويعلم الانسان منهاجا علميا يستطيع به ان( يفرج) بين الحقيقة والوهم كما راينا فى جوانب حياة سيدنا ابراهيم التى اشرنا اليها سابقا. فأتخذه الله خليلا


رابعا: المعنى المقصود من كلمة" خليلا"

الثابت مما اسلفنا ان المعنى الصحيح للكلمة بعد التدبر فى اللغة التى روى بها الله لناقصته ان سيدنا ابراهيم كان حريصا دائما على خلخلة الباطل باحداث فرجة تشكك فيه وتحر ر العقل من سلطان الجهل والخرافة الى حرية الفكرحتى يتسرب نور الحق الى عقول الناس وما المثال الذى ضربه يتكسير الاصنام ماعدا كبيرهم ومجادلته لقومه ماهو الا اكبر مثال لخلخلة الباطل من عقول الناس فهو يستخدم كما بينا اسلوب تمحيص الادلة واختيار المنطقى منها فاسلوبه العلمى كان بداية لتحرر الانسان من الخرافة واطلاق عقله للتدبر فى ملكوت السموات والارض كما ينادينا الله ويطالبنا فى كتابه العزيز بذلك وسيدنا ابراهيم هو امام والفليسوف وصاحب مد(رسة الحنفية التى تشع افكارها (الجدلية) مر العصور ولكل البشرفمدرسته هى التى مهدت بافكارها لفهم الرسالات السماوية والتى كان ختامها الرسالة المحمديةولهذا كان سيدنا ابراهيم جديرا ان يطلق عليه خليل الرحمن فهو مخلخل الباطل وصاحب مدرسة الحنفية التى تنادى بتحرير عقول البشر فى كل زمان ومكان

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده