التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

بشارات الانبياء بالحبيب صلى الله عليه وسلم من السنة

كانت رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعظم الرسالات وأشملها، لما حملته من خير للبشرية، وقد أحاطها الله بعنايته، وجعل لها دلائل وبشارات كثيرة، منها تبشير الأنبياء أقوامهم ومن يأتي بعدهم ببعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

فقد ذكر القرآن الكريم أن الله ـ تعالى ـ أنزل البشارة بمبعث الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – في الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء السابقين، فقال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } (سورة الأعراف، الآية: 157) .

وأعلم الله تعالى جميع الأنبياء ببعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأمرهم بتبليغ أتباعهم بوجوب الإيمان به واتباعه إن هم أدركوه، كما قال تعالى:{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ } (سورة آل عمران، آية:81).

فدعا إبراهيم ـ عليه السلام ـ ربه أن يبعث في العرب رسولاً منهم، فأرسل الله ـ عز وجل ـ محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ إجابة لدعوته، قال تعالى:{ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (البقرة:129) .

وبشر به عيسى ـ عليه السلام ـ، وأخبرنا الله تعالى عن بشارة عيسى بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } (سورة الصف، آية:6) .

وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ) ( أحمد ).

لقد تعددت البشارات في الكتب السماوية السابقة بخاتم النبيين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حيث بشر الأنبياء بقدومه، وأمروا أتباعهم بالإيمان به ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتصديقه إذا ظهر، ولولا ما حدث في هذه الكتب من تحريف وتزييف، وما أصاب علماء أهل الكتاب من كبر وحسد، لكانت النصوص الدالة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واضحة وضوح الشمس في وسط النهار .

عن عطاء بن يسار ـ رضي الله عنه ـ قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قلت: ( أخبرني عن صفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف ببعض صفته في القرآن: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } (الأحزاب:45) وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا ) ( البخاري ) .

يقول ابن تيمية : " قد رأيت أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – باسمه، ورأيت نسخة أخرى بالزبور فلم أر ذلك فيها، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي – صلى الله عليه وسلم – ما ليس في أخرى " .

وأخبر سلمان الفارسي – رضي الله عنه – في قصة إسلامه المشهورة عن راهب عمورية حين حضرته الوفاة فقال لسلمان : " إنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم ، يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل " .

ثم قصّ سلمان خبر قدومه إلى المدينة واسترقاقه، ولقائه برسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين الهجرة، وإهدائه له طعاماً على أنه صدقة، فلم يأكل منه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم إهدائه له طعاماً على أنه هدية وأكله منه، ثم رؤيته خاتم النبوة بين كتفيه، وإسلامه على أثر ذلك .

وقد أخبر بعض أحبار اليهود ورجالهم بقرب مبعثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن ذلك ما ذكره ابن هشام في سيرته، من قصة ابن الهيبان الذي خرج من بلاد الشام ونزل في بني قريظة ثم تُوفي قبل البعثة النبوية بسنتين، فإنه لما حضرته الوفاة قال لبني قريظة: " يا معشر يهود، ما ترونه أخرجني من أرض الخَمْر والخَمير(الشام) إلى أرض البؤس والجوع (الحجاز)؟ قالوا: أنت أعلم، قال: إني قدمت هذه البلدة أتوكَّفُ (انتظر) خروج نبي قد أظلَّ زمانه، وكنت أرجوا أن يبعث فأتبعه " .

وقال ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه(الأنصار) قولهم:

" إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه، لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيراً ما نسمع ذلك منهم . فلما بُعِث الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } (البقرة:89) .

وعن سلمة بن وقش ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان لنا جار من اليهود بالمدينة فخرج علينا قبل البعثة بزمان فذكر الحشر والجنة والنار، فقلنا له: وما آية ذلك؟ قال خروج نبي يبعث من هذه البلاد ـ وأشار إلى مكة ـ فقالوا متى يقع ذلك؟ قال فرمى بطرفه إلى السماء وأنا أصغر القوم، فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. قال فما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث الله تعالى نبيه، وهو حي ـ أي اليهودي ـ فآمنَّا به وكفر هو بغياً وحسداً ) ( أحمد ) .

وفي قصة هرقل مع أبي سفيان قول هرقل في آخرها: ( فإن كان ما تقول حقاً، فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم ) ( البخاري ).

قال ابن تيمية : " والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد – صلى الله عليه وسلم – عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم .." .

قال الإمام الماوردي في ( أعلام النبوة ): " .. تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء، بنبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما هو حجة على أممهم، ومعجزة تدل على صدقه عند غيرهم، بما أطلعه الله – تعالى – على غيبه، ليكون عونا للرسل، وحثا على القبول، فمنهم من عينه باسمه، ومنهم من ذكره بصفته، ومنهم من عزاه إلى قومه، ومنهم من أضافه إلى بلده، ومنهم من خصه بأفعاله، ومنه من ميزه بظهوره وانتشاره، وقد حقق الله – تعالى – هذه الصفات جميعها فيه، حتى صار جلياً بعد الاحتمال، ويقينا بعد الارتياب " .

وجاء فى ( منية الأذكياء فى قصص الأنبياء ) : " إن نبينا – عليه الصلاة والسلام – قد بشر به الأنبياء السابقون، وشهدوا بصدق نبوته، ووصفوه وصفا رفع كل احتمال، حيث صرحوا باسمه وبلده وجنسه وحليته وأطواره وسمته، ومع أن أهل الكتاب حذفوا اسمه من نسخهم الأخيرة إلا أن ذلك لم يجدهم نفعا، لبقاء الصفات التي اتفق عليها المؤرخون من كل جنس وملة، وهى أظهر دلالة من الاسم على المسمى، إذ قد يشترك اثنان في اسم، ويمتنع اشتراك اثنين في جميع الأوصاف . لكن من أمدٍ غير بعيد قد شرعوا في تحريف بعض الصفات ليبعد صدقها عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فترى كل نسخة متأخرة تختلف عما قبلها في بعض المواضع اختلافا لا يخفى على اللبيب أمره، ولا ما قصد به، ولم يفدهم ذلك غير تقوية الشبهة عليهم، لانتشار النسخ بالطبع وتيسير المقابلة بينها " .

لقد بشر الأنبياء بالحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان علماء أهل الكتب السابقة يعلمون قرب خروج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكانوا ينتظرونه ويبشرون به، فلما بُعِث ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم من آمن به، ومنهم من منعهم الحسد والكبر عن الإيمان به، فخسر الدنيا والآخرة ..

ومما لا شك فيه أن الدلالات على صدق نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تتوقف على هذه البشارات من الأنبياء السابقين، ومن علماء أهل الكتاب، فدلالات القرآن الكريم من الإعجاز البلاغي والعلمي، والتشريع الباهر، ودلالات السنة النبوية المطهرة الصحيحة على وقوع المعجزات الحسية، ومشاهدة الألوف من المسلمين لها، ودلالات السيرة النبوية، وشمائله وأخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيرها, كلها تقطع بصدق نبوة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

سلسلة أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام وشرحها – 14 – في الاسلام

[BACKGROUND="100 #CCCCCC"]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اكمالا لسلسة احاديث المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام
نلتقي بالحلقة14 منها

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح حديث : " السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه .."

السؤال:
أريد شرح هذا الحديث : ( إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ) . ما معنى: ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه .

الجواب :
الحمد لله
روى الإمام أحمد (15567) والدارمي (78) والطبراني في "المعجم الكبير" (871) والحاكم (4383) عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي ) ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ ؛ لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ ، مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللَّهُ مِنْهُ ، أَقْبَلَت الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى ) قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ ) ، قَالَ : قُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ ، قَالَ : ( لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ ) ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ ".
وفي إسناد الحديث ضعف . ينظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (6447) ، وينظر أيضا : " مسند أحمد " ، ط الرسالة (25/376-378) .

وقوله ( لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ) يعني : هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم ومن كرامة الله ، في وقت توافدت على الناس فيه الفتن كقطع الليل المظلم ، فلو تعلمون ما نجاكم الله منه من تلك الفتن ، مع ما أصبحتم فيه من نعمة الله : لعلمتم عظيم فضل الله عليكم ، واصطفاءه إياكم ؛ حيث أصبحتم بفضله في هذا النعيم ، في حين أصبح الناس والفتن تقبل عليهم كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها .
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه : ( لِيَهْنَ لكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ) رواه مسلم (810) وأبو داود .
قال العيني رحمه الله :
" ليَهْنِ ": من هَنُؤ الطعام يَهنؤ هَناءةً، أي: صَار هنيئًا " انتهى من "شرح أبي داود" (5 /376) .
والله تعالى أعلم .

موقع الإسلام سؤال وجواب
:t 024::t02 4:

معنى حديث : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ )

ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ) ، وورد في حديث آخر : ( لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبد اللات والعزى ) ، وفي رواية : ( حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة )
والإشكال : أنه في الحديث الأول يفهم أن الشرك لا يقع في الجزيرة العربية والحديث الثاني يدل على أنه سيقع ؟.

الحمد لله

من الأمور المقررة عند أهل العلم أن الشرك واقع في هذه الأمة كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة ، والواقع يؤيد ذلك .
وقد ارتد أكثر العرب بعد وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكثير منهم رجع إلى عبادة الأوثان .
وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان ، ثم ذكر بعض الأحاديث الدالة على ذلك .
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون … ) فللعلماء عليه أجوبة :
1- أن الشيطان قد أيس أن يجمع كل المصلين على الكفر .
واختار هذا القول العلامة ابن رجب الحنبلي . الدرر السنة (12/117)
2- أن هذا إخبار عما وقع في نفس الشيطان من اليأس لما رأى الفتوح ، ودخول الناس في دين الله أفواجاً ، فالحديث أخبر عن ظن الشيطان وتوقعه ، ثم كان الواقع بخلاف ذلك لحكمة يريدها الله عز وجل . واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله . القول المفيد (1/211)
3- أن الشيطان أيس من المؤمنين كاملي الإيمان ، فلم يطمع فيهم الشيطان أن يعبدوه ، واختاره الألوسي . وانظر دعاوى المناوئين . (224)
4- أن ( أل ) في كلمة ( المصلون ) للعهد ، والمراد بهم الصحابة .
والأقوال كلها قريبة ، وأقربها الثاني ، والله أعلم .
انظر " أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين " (2/232-238) .

الإسلام سؤال وجواب

:t 024::t02 4:

( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )

سؤال: ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنّه قال : ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ) "المعجم الأوسط للطبراني/ج2ص12/0 فما المقصود بهذه العبارة ؟ هل يا تُرى إذا جلس زائر المسجد النبوي بين القبر الشريف والمصلّى أو المنبر فقط سيدخل في روضة من رياض الجنة ! فلم حصرت هذه الروضة بين المنبر والضريح الشريف في هذه المسافة فقط ، أي لمَ لم تكن هذه الروضة في كل المسجد النبوي الشريف ؟! فالمسجد كلّه إنما صار شريفاً ومقدّساً بل كل تلك البقاع صارت مباركة بوروده صلى الله عليه وسلم عليها ، وسُكناه وحياته الشريفة فيها وبجوارها . وجزاكم الله كل خير .

الحمد لله
أولا :
هذا الحديث من الأحاديث المتواترة التي جاءت من طرق كثيرة ، منها ما يرويه الشيخان عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (1196) ومسلم (1391)
وأما لفظ ( ما بين قبري ومنبري ) ، فهذا جاء في رواية ابن عساكر لصحيح البخاري ، وما زال بعض العلماء – كالإمام النووي – يعزو هذا اللفظ لصحيح البخاري ، بل إن البخاري نفسه لما أخرج الحديث في كتاب "فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة" بلفظ : ( بيتي ومنبري ) بَوَّب عليه بقوله : باب فضل ما بين القبر والمنبر . وكذلك جاء هذا اللفظ في روايات أخرى في بعض الحديث .
غير أن العلماء حكموا على لفظ ( قبري ) بالضعف ، وذلك لسببين اثنين :
الأول : أنه مخالف لرواية الأكثرين من الرواة ، فيغلب على الظن أن من قال ( قبري ) إنما رواه بالمعنى وليس باللفظ .
الثاني : أنه لو كان هذا اللفظ صحيحا لعرف به الصحابة مكان دفن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتنازعوا فيه ، أو على الأقل احتج به بعضهم في ذلك الموقف ، ولكن ذلك لم يبلغنا وقوعه ، فدل على أن لفظ ( قبري ) خطأ من بعض رواة الحديث .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" والثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ) " هذا هو الثابت في الصحيح ، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال : قبري .
وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعد صلوات اللّه وسلامه عليه ، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة لما تنازعوا فى موضع دفنه ، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً فى محل النزاع " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (1/236)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وترجم بذكر القبر، وأورد الحديثين بلفظ البيت ؛ لأن القبر صار في البيت ، وقد ورد في بعض طرقه بلفظ : ( القبر ) ، قال القرطبي : الرواية الصحيحة ( بيتي ) ، ويروى ( قبري ) ، وكأنه بالمعنى ؛ لأنه دفن في بيت سكناه " انتهى.
"فتح الباري" (3/70)
ويقول أيضا رحمه الله :
" قوله : ( ما بين بيتي ومنبري ) : كذا للأكثر ، ووقع في رواية ابن عساكر وحده : (قبري) بدل ( بيتي ) ، وهو خطأ ، فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد بلفظ : ( بيتي ) ، وكذلك هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه .
نعم وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات ، وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر ، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله : ( بيتي ) أحد بيوته ، لا كلها ، وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره ، وقد ورد الحديث بلفظ : ( ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة ) أخرجه الطبراني في الأوسط " انتهى.
"فتح الباري" (4/100)
ثانيا :
أما معنى هذا الحديث ، فقد ذكر العلماء فيه أوجها ثلاثة :
الوجه الأول : أن هذا المكان يشبه روضات الجنات في حصول السعادة والطمأنينة لمن يجلس فيه .
الوجه الثاني : أن العبادة في هذا المكان سبب لدخول الجنة . اختاره ابن حزم في "المحلى" (7/284) ، ونقل ابن تيمية عن الإمام أحمد أنه يختار الصلاة في الروضة .
الوجه الثالث : أن البقعة التي بين المنبر وبيت النبي صلى الله عليه وسلم ستكون بذاتها في الآخرة روضة من رياض الجنة .
يقول القاضي عياض رحمه الله :
" قوله ( روضة من رياض الجنة ) يحتمل معنيين :
أحدهما : أنه موجب لذلك ، وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب ، كما قيل : الجنة تحت ظلال السيوف .
والثاني : أن تلك البقعة قد ينقلها الله فتكون في الجنة بعينها . قاله الداوودي " انتهى.
"الشفا" (2/92)
يقول ابن عبد البر رحمه الله :
" قال قوم : معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة .
وقال آخرون : هذا على المجاز . كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك ، شبه ذلك الموضع بالروضة ، لكرم ما يجتني فيها ، وأضافها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الجنة تحت ظلال السيوف ) : يعني أنه عمل يوصل به إلى الجنة ، وكما يقال : الأم باب من أبواب الجنة . يريدون أن برها يوصل المسلم إلى الجنة مع أداء فرائضه . وهذا جائز سائغ مستعمل في لسان العرب . والله أعلم بما أراد من ذلك " انتهى.
"التمهيد" (2/287)
ويقول الإمام النووي رحمه الله :
" ذكروا في معناه قولين :
أحدهما : أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة .
والثاني : أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة .
قال الطبري : في المراد بـ " بيتي " هنا قولان : أحدهما : القبر ، قاله زيد بن أسلم كما روي مفسرا : ( بين قبري ومنبري ) . والثاني : المراد : بيت سكناه على ظاهر.
وروي : ( ما بين حجرتي ومنبرى )
قال الطبري : والقولان متفقان ، لأن قبره في حجرته وهي بيته ." انتهى.
"شرح مسلم" (9/161-162)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قوله : ( روضة من رياض الجنة )
أي : كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة ، وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر ، لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم ، فيكون تشبيها بغير أداة .
أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة ، فيكون مجازا .
أو هو على ظاهره ، وأن المراد أنه روضة حقيقة ، بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة .
هذا محصل ما أوَّلَه العلماء في هذا الحديث . وهي على ترتيبها هذا في القوة " انتهى.
"فتح الباري" (4/100)

والخلاصة : أن لهذا المكان فضيلة ظاهرة ، تقتضي من المسلم الحرص على الجلوس فيها والصلاة فيها ، غير أن الأهم هو تقوى الله تعالى ، فذلك سبب دخول الجنة ، وليس الجلوس المجرد في الروضة أو في أي مكان آخر .
ولما كان الأمر تعبديا محضا لم نستطع تفسير سبب تخصيص هذا المكان دون سائر الأماكن، والله سبحانه وتعالى يختص ما يشاء من الزمان والمكان والأشخاص بالفضائل ، وله في ذلك الحكمة البالغة التي قد لا نطلع عليها .
والله أعلم .

موقع الإسلام سؤال وجواب

[/BACKGROUND]


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

شروحات احاديث المصطفى صل الله عليه وسلم 14 من السنة

[BACKGROUND="100 http://www.mobdi3ine.net/up/13660314803.png"]

اللهم صل وسلم على الحبيب المصطفى…

شرح حديث : " السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه .."
السؤال:
أريد شرح هذا الحديث : ( إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ) . ما معنى: ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه .

الجواب :
الحمد لله
روى الإمام أحمد (15567) والدارمي (78) والطبراني في "المعجم الكبير" (871) والحاكم (4383) عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي ) ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ ؛ لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ ، مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللَّهُ مِنْهُ ، أَقْبَلَت الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى ) قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ ) ، قَالَ : قُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ ، قَالَ : ( لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ ) ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ ".
وفي إسناد الحديث ضعف . ينظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (6447) ، وينظر أيضا : " مسند أحمد " ، ط الرسالة (25/376-378) .

وقوله ( لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ) يعني : هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم ومن كرامة الله ، في وقت توافدت على الناس فيه الفتن كقطع الليل المظلم ، فلو تعلمون ما نجاكم الله منه من تلك الفتن ، مع ما أصبحتم فيه من نعمة الله : لعلمتم عظيم فضل الله عليكم ، واصطفاءه إياكم ؛ حيث أصبحتم بفضله في هذا النعيم ، في حين أصبح الناس والفتن تقبل عليهم كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها .
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه : ( لِيَهْنَ لكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ) رواه مسلم (810) وأبو داود .
قال العيني رحمه الله :
" ليَهْنِ ": من هَنُؤ الطعام يَهنؤ هَناءةً، أي: صَار هنيئًا " انتهى من "شرح أبي داود" (5 /376) .
والله تعالى أعلم .



موقع الإسلام سؤال وجواب

شرح حديث : ( أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ )

السؤال :
كأني لا أفهم صلاة وصيام داود عليه السلام ؛ ففي صحيح البخاري أنه كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه، فما هو ترتيب أفعاله هذه ؟ كما أرجو منكم الجمع بين هذا الحديث ، والحديث الذي فيه فضل الثلث الأخير من الليل ؛ لأن الظاهر من الأحاديث التي وقفت عليها أن أحب نوم وصلاة إلى الله تعالى هي نوم النصف الأول مع السدس الذي يليه ، ثم قيام الثلث الأخير إلى الفجر.

الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (1131) ومسلم (1159) عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ : ( أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ) .
ومعنى الحديث : أن أفضل صلاة الليل صلاة نبي الله داود عليه السلام ؛ حيث كان – أولا – ينام نصف الليل ، فمَن أراد أن يطبق ذلك اليوم فليحسب من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ، فينام نصف ذلك الوقت .
قال الشيخ عبد المحسن العباد :
" ينام نصف الليل يعني: بعد صلاة العشاء ، فيحسب من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فنصفه يكون نوماً ، ثم بعد ذلك يكون ثلثه " انتهى .
"شرح سنن أبي داود" (13 /287) – ترقيم الشاملة .
ثم كان عليه السلام يقوم بعد ذلك للصلاة ، فيصلي ثلث الليل ، ثم ينام سدسه إلى الفجر .
والحكمة في ذلك : لئلا تصيب النفس السآمة ، وليقوم لصلاة الفجر وما يتلوها من أذكار الصباح نشيطا غير كسلان ، وليبدأ عمله اليومي كذلك ، فيستطيع أن يقوم بتأدية ما عليه من الحقوق تجاه أهله وولده والناس وتجاه عمله الذي يزاوله ، فلا يذهب إلى العمل والنوم يغالبه ، إلى غير ذلك من الفوائد والمصالح .
قال الحافظ رحمه الله :
" قَالَ الْمُهَلَّب : كَانَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام يُجِمّ نَفْسه بِنَوْمٍ أَوَّل اللَّيْل ، ثُمَّ يَقُوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادِي اللَّه فِيهِ : هَلْ مِنْ سَائِل فَأُعْطِيَهُ سُؤْله , ثُمَّ يَسْتَدِرْك بِالنَّوْمِ مَا يَسْتَرِيح بِهِ مِنْ نَصَب الْقِيَام فِي بَقِيَّة اللَّيْل . وَإِنَّمَا صَارَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَة أَحَبّ مِنْ أَجْل الْأَخْذ بِالرِّفْقِ لِلنَّفْسِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا السَّآمَة , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا " وَاَللَّه أَحَبَّ أَنْ يُدِيم فَضْله وَيُوَالِي إِحْسَانه , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَرْفَق لِأَنَّ النَّوْم بَعْد الْقِيَام يُرِيح الْبَدَن وَيُذْهِب ضَرَر السَّهَر وَدُبُول الْجِسْم بِخِلَافِ السَّهَر إِلَى الصَّبَاح ، وَفِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَة أَيْضًا اِسْتِقْبَال صَلَاة الصُّبْح وَأَذْكَار النَّهَار بِنَشَاطٍ وَإِقْبَال , وَأَنَّهُ أَقْرَب إِلَى عَدَم الرِّيَاء لِأَنَّ مَنْ نَامَ السُّدُس الْأَخِير أَصْبَحَ ظَاهِر اللَّوْن سَلِيم الْقُوَى فَهُوَ أَقْرَب إِلَى أَنْ يُخْفِي عَمَله الْمَاضِي عَلَى مَنْ يَرَاهُ , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن دَقِيق الْعِيد " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَحَبّ إِلَى اللَّه لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْف , وَهُوَ مَا يَتَخَلَّل الصِّيَام وَالْقِيَام مِنْ الرَّاحَة الَّتِي تجمّ بِهَا نَفْسه , وَيَسْتَعِين بِهَا عَلَى الْقِيَام بِالْحُقُوقِ " انتهى من "تهذيب سنن أبي داود" (1 /475) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" التهجد في الليل من أفضل العبادات وهو أفضل الصلوات بعد الفرائض ، فصلاة الليل أفضل من صلاة النهار ولاسيما في الثلث الأخير منه ، وأفضل تجزئة لليل صلاة داود : كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أحيانا بل الأغلب عليه ذلك ، وعلى هذا فنقول : أفضل صلاة الليل ما كان بعد النصف إلى أن يبقى سدس الليل " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (161 /1) ترقيم الشاملة .

ثانيا :
روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ ) .
وروى مسلم (1163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ) .
وروى الترمذي (3579) وصححه عن عَمْرُو بْن عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ) وصححه الألباني .

فهذا يدل على أن جوف الليل الآخر أفضل أوقات صلاة الليل والدعاء .
والجمع بين هذه الأحاديث وحديث صلاة نبي الله داود : أن من صلى صلاة داود عليه السلام سيدرك الثلث الأخير ، وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (140434) أن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين : الخامس والسادس ، وأن أول هذا الثلث هو السدس الخامس .
فيحصل المقصود كله : إدراك التنزل الإلهي في الثلث الأخير من الليل ، وذلك باستيقاظ السدس الخامس ، وهو نصف هذا الثلث الأخير ؛ ثم النوم بالقدر الذي يصبح به الإنسان نشيطا غير كسلان ، فيصلي الصبح بحضور الذهن والقلب ، ولا يفتر عن أذكار الصباح .
وينظر جواب السؤال رقم : (140434) .

ثالثا :
قول السائل : " الظاهر من الأحاديث التي وقفت عليها أن أحب نوم وصلاة إلى الله تعالى هي نوم النصف الأول مع السدس الذي يليه ثم قيام الثلث الأخير إلى الفجر " قول غير صحيح ؛ لما تقدم من أن أفضل الترتيب : نوم النصف ، ثم قيام الثلث ، ثم نوم السدس ، ثم القيام لصلاة الفجر .
ومن قام هذا الثلث أدرك الثلث الأخير المفضل ، ولا يلزم إدراكه كله ، وإدراك نصفه ونوم نصفه أفضل لما تقدم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فإن قال قائل : لماذا لا تجعلون الأفضلَ ثُلُث الليلِ الآخرِ؛ لأنَّ ذلك وقت النُّزول الإلهي؟.
فالجواب : أنَّ الذي يقوم ثُلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك النُّزول الإلهي؛ لأنه سيدرك النصف الأول مِن الثلث الأخير ، فيحصُل المقصودُ ، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام هو الذي قال : ( أفضلُ الصَّلاة صلاة داود ) .
" انتهى من "الشرح الممتع" (4 /75-76) .
وقد روى البخاري (1133)، ومسلم (742) عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ : ( مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا ) تَعْنِى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
قال العيني رحمه الله :
" يعني ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم ، فعلى هذا كانت صلاته بالليل وفعله فيه إلى السحر ، ويقال : هذا النوم هو النوم الذي كان داود عليه الصلاة والسلام ينام ، وهو أنه كان ينام أول الليلة ، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عز وجل : هل من سائل ؟ ثم يستدرك من النوم ما يستريح به من نصب القيام في الليل ، وهذا هو النوم عند السحر على ما بوب له البخاري " .
انتهى من "عمدة القاري" (11 /284) .

وقال ابن الأثير رحمه الله :
" أي ما أتَى عليه السَّحَرُ إلا وهو نائم . تَعني بعد صلاة الليل " .
انتهى من "النهاية" (4 /530) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" وكان صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل فربما قام نصف الليل أو قبله ، فيصلي ؛ فإذا جاء السحر عاد إلى نومه ، وقد قال : ( أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) ، وقد قيل إن سبب الصفرة في الوجه سهر آخر الليل ، فإذا نام الإنسان قبل الفجر لم تظهر عليه صفرة في الوجه ولا أثر في السهر " انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ص 1224) .

فتبين بذلك أن غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، يوافق صلاة نبي الله داود عليه السلام .
رابعا :
ينبغي التنبه إلى أن الإنسان يحرص على صلاة الليل بالصورة التي تناسب حاله ، وبالقدر الذي يغلب على ظنه أنه يداوم عليه ، فإن الناس تختلف أحوالهم ، فمنهم من ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا ، ومنهم من يكون عمله ووظيفته بالليل ، ومنهم من يعمل بالليل والنهار ، فليحرص كل مسلم على صلاة الليل ، بالقدر الذي يمكنه الوفاء به ، والثبات عليه ؛ حتى ولو لم يوافق ما تقدم من الحال الأفضل ، ثم ليكن حرصه على القيام لصلاة الفجر هو المقدم في كل الأحوال .

والله تعالى أعلم .


موقع الإسلام سؤال وجواب

الكلام على حديث : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَه ) سندا ومتنا .

السؤال :
قرأت في كتاب ( بيان أهل الاتباع في نقض شبهات أهل الابتداع ) تأليف د/عبدالله شاكر الجنيدي رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمصر صفحة 61 السطر 11و12 في كلامه عن فتوي للشيخ /عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر الاسبق (رقم الفتوي 3171جمادي الاولي 1359هجريه لقوله عليه الصلاة والسلام (من صلي علي جنازة في المسجد فلا أجر له) فهل هذا الحديث صحيح ؟

الجواب :
الحمد لله
روى أبو داود (3191) وابن ماجة (1517) وأحمد (9437) والطيالسي في "مسنده" (2429) وعبد الرزاق في "المصنف" (6579) من طرق عن ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَه ) .
ولفظ أبي داود : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) .
والمحفوظ اللفظ الأول ؛ ويدل عليه رواية الطيالسي وفيها : قَالَ صَالِحٌ: " وَأَدْرَكْتُ رِجَالًا مِمَّنْ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ إِذَا جَاءُوا فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ رَجَعُوا فَلَمْ يُصَلُّوا " .
راجع : "السلسلة الصحيحة" (5/ 462-463) .

وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم ، وعامتهم على تضعيفه وعدم ثبوته ومخالفته لما هو أصح منه ، وحجة من صححه أنه من رواية ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة ، وصالح كان قد خرف واختلط ، وسماع من أخذ عنه قبل الاختلاط صحيح ، وكان ابن أبي ذئب ممن سمع منه قبل الاختلاط ، قال ابن معين : ثقة حجة ، فقيل له : إن مالكا ترك السماع منه ، فقال : إن مالكا إنما أدركه بعد أن كبر وخرف ، والثوري إنما أدركه بعدما خرف وسمع منه أحاديث منكرات ، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف ، وقال الجوزجاني : تغير أخيرا فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لسنه وسماعه القديم ، وقال ابن عدي : لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد ، ومن سمع منه بآخره وهو مختلط – يعني فهو ضعيف.
"تهذيب التهذيب" (4/ 406)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ قَدِيمٌ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ ، فَلَا يَكُونُ اخْتِلَاطُهُ مُوجِبًا لِرَدِّ مَا حَدَّثَ بِهِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 482).
وحجة من ضعفه أن ابن أبي ذئب وإن كان من قدماء أصحابه ، إلا أنه روى عنه أيضا منكرات . قال الإمام أحمد : سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرا ، وروى عنه منكرا .
"تهذيب التهذيب" (4/ 406)
وقال البخاري :
سَمَاعُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ أَخِيرًا ، يُرْوَى عَنْهُ مَنَاكِيرُ.
"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (5/ 320) .
وقال ابن حبان :
" روى عَنْهُ ابن أَبِي ذِئْب وَالنَّاس ، تغير فِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة ، وَجعل يَأْتِي بالأشياء ألتي تشبه الموضوعات عَن الْأَئِمَّة الثِّقَات ، فاختلط حَدِيثه الْأَخير بحَديثه الْقَدِيم وَلَمْ يتَمَيَّز ، فَاسْتحقَّ التّرْك … وقال ابن معين : صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ قَدْ كَانَ خَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ فَهُوَ ثَبْتٌ ، قَالَ ابن حبان : هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو زَكَرِيَّا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ هُوَ كَذَلِكَ لَو تميز حَدِيثه الْقَدِيم من حَدِيثه الْأَخير ، فَأَما عِنْدَ عدم التَّمْيِيز لِذَلِكَ ، واختلاط الْبَعْض بِالْبَعْضِ ، يرْتَفع بِهِ عَدَالَة الإِنْسَان حَتَّى يصير غَيْر مُحْتَج بِهِ وَلَا مُعْتَبر بِمَا يرويهِ " .
"المجروحين" (1/ 366) .

وقد روى مسلم (973) أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها : "أَمَرَتْ أَنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي جَوَاز الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد , وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ اِبْن أَبِي ذِئْب وَأَبُو حَنِيفَة وَمَالِك عَلَى الْمَشْهُور عَنْهُ : لَا تَصِحّ الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد بِحَدِيثِ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ ( مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ ) وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور حَدِيث سُهَيْل بْن بَيْضَاء , وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث سُنَن أَبِي دَاوُدَ بِأَجْوِبَةٍ :
أَحَدهَا : أَنَّهُ ضَعِيف لَا يَصِحّ الِاحْتِجَاج بِهِ , قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : هَذَا حَدِيث ضَعِيف تَفَرَّدَ بِهِ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , وَهُوَ ضَعِيف .
وَالثَّانِي : أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخ الْمَشْهُورَة الْمُحَقَّقَة الْمَسْمُوعَة مِنْ سُنَن أَبِي دَاوُدَ " وَمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ " وَلَا حُجَّة لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ .
الثَّالِث : أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيث وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ : " فَلَا شَيْء له" لَوَجَبَ تَأْوِيله عَلَى " فَلَا شَيْء عَلَيْهِ " لِيَجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْن هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث سُهَيْل بْن بَيْضَاء , وَقَدْ جَاءَ ( لَهُ ) بِمَعْنَى ( عَلَيْهِ ) , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .
الرَّابِع : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى نَقْص الْأَجْر فِي حَقّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِد وَرَجَعَ وَلَمْ يُشَيِّعهَا إِلَى الْمَقْبَرَة لِمَا فَاتَهُ مِنْ تَشْيِيعه إِلَى الْمَقْبَرَة وَحُضُور دَفْنه . وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من "شرح مسلم "(7/40) .
وقال الخطابي رحمه الله معالم السنن (1/ 312) :
" صالح مولى التوأمة ضعفوه وكان قد نسي حديثه في آخر عمره ، وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صُلي عليهما في المسجد ، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما ، ففي تركهم إنكاره دليل على جوازه " انتهى .

وكان ممن ضعفه من العلماء : الإمام أحمد – كما في مسائل ابنه عبد الله (ص 142) – وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 416) ، والخطابي في " معالم السنن" (1/ 312) والبيهقي كما في "سننه" (4/86) وابن حزم في "المحلى" (3/ 391) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 414) ، وإسماعيل بن إسحاق – كما في "شرح صحيح البخارى" لابن بطال (3/ 311) – ،
، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 366): " هَذَا خَبَرٌ بَاطِلٌ " .

وممن حسنه : ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 482) وصححه الألباني في "الصحيحة" (2351) ثم تراجع عن تصحيحه وضعفه في "الثمر المستطاب" (ص: 768) حيث قال بعد أن حكى كلام ابن القيم المتقدم في الاحتجاج برواية ابن أبي ذئب خاصة عن صالح :
" وهذا هو الحق لو أن ابن أبي ذئب لم يسمع منه بعد ذلك ؛ وليس كذلك ؛ فقد قال الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل قال: سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرا ، وروى عنه منكرا ، حكاه ابن القطان عن الترمذي هكذا .
قلت: وفي هذا بيان لسبب تضعيف أحمد للحديث ، وهو أنه روى ابن أبي ذئب عنه بعد الاختلاط أيضا ، ولعله عمدة ابن حبان في قوله في كتاب الضعفاء : " اختلط بآخره ولم يتميز حديث حديثه من قديمه فاستحق الترك" ، ثم ذكر له هذا الحديث وقال:
إنه باطل ، وكيف يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد؟
فتبين بهذا علة الحديث وأنه ضعيف ، فلا يقاوم حديث عائشة الصحيح .
فالحق : أن إدخال الجنازة إلى المسجد والصلاة فيه جائز بدون كراهة ، لكن لم يكن ذلك من عادته عليه الصلاة والسلام ، بل الغالب عليه الصلاة عليها خارج المسجد فهو أولى " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (106423) .
والله أعلم



موقع الإسلام سؤال وجواب

[/BACKGROUND]

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

جبل يحبنا ونحبه..! السنة النبوية

لم تقف الدلائل والمعجزات النبويّة مع الجمادات عند حدود النطق والكلام والحركة، بل امتدّت لتشمل الحب والشوق، والمشاعر والأحاسيس، نعم ، لقد سمع الجبل كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأطاعه، وأحبه واشتاق إليه، إنها دلائل ومعجزات مع الجمادات التي لا روح فيها، أعطاها الله لنبيه وحبيبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، تأييداً لدعوته، وإعلاءً لقدره، الأمر الذي ترك أثره في النفوس، ولفت انتباه أصحابه نحو دعوته التي جاء بها، وأثبت لهم أنها دعوة صادقة مؤيدة من الله .

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( خرجت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خيبر أخدمه، فلمّا قدِم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ راجعا وبدا له أُحُد، قال: هذا جبل يحبّنا ) رواه البخاري .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن أُحُدا جبل يحبنا ونحبه ) رواه مسلم .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( صعد النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أُحُد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه برجله قال: اثبت أحد، فما عليك إلّا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيدان ) رواه البخاري .

وفي هذه الأحاديث فوائد كثيرة، منها:

ـ حب وشوق الجماد للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

إن كان عجيبا أن يحب النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما فيه روح مما لا يعقل، كالشجر الذي كان يعرفه ويسلم عليه، وجذع النخلة الذي اشتاق إليه، وبكي لفراقه، فالأعجب حقّا، أن يحب النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ليس فيه روح ولا عقل، شيء إن نظرتَ إليه ظننتَ أنه لا جماد، ولا يسمع ولا يرى، ولكنه في الحقيقة يسمع ويعقل، بل يشتاق ويحب، إنه جبل أحد الذي أحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وسمع كلامه ( اثبت أحد )، وأطاع أمره فسكن وثبت .
وقد رجح ابن حجر أن حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأحد، وحب أحد له هو على حقيقته، فقد قال في كتابه فتح الباري: " الحب من الجانبين على حقيقته وظاهره، وقد خاطبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مخاطبة من يعقل، فقال لما اضطرب: ( اسكن أحد ) "
وقال السهيلي: " كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب الفأل الحسن والاسم الحسن، ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية، قال: ومع كونه مشتقا من الأحدية فحركات حروفه الرفع، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه، فتعلق الحب من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ به لفظا ومعنى " .
وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: " الصحيح المختار أن معناه أن أحدا يحبنا حقيقة، جعل الله فيه تمييزا يحب به، كما قال: سبحانه وتعالى: { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }(البقرة: من الآية74) .

ـ الكلام مع الجماد :

أعطى الله ـ عز وجل ـ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ القدرة على مخاطبة الجمادات، ولو أنها لا تعقل كلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما كان لتوجيه الكلام لها من معنى، فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ مخاطبا جبل أحد: ( اثبت أحد ) .
قال ابن حجر: " فضربه برجله وقال: ( اثبت ) بلفظ الأمر من الثبات وهو الاستقرار، وأحد: مُنادَى، ونداؤه وخطابه يحتمل المجاز، وحمله على الحقيقة أولى " .

شعور وفرح :

لقد فرِح جبل أحُد حتى إنه ارتجف ( فرجف بهم )، وما يكون الرجف إلا هيبة وفرحا واستبشارا، ولا يتصوّر عِظم هذا الأمر إلا من رأى هذا الجبل الضخم الشامخ ، فيتخيل كيف اهتز واضطرب لصعود النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه .. ومن ثم تظهر كذلك قدرة الله ـ عز وجل ـ الذي جعل في الجماد الأصم إحساسا يحب به، وجعل له إدراكا يشعر ويعرف من يقف عليه فيضطرب لذلك .
حُبٌ ومعجزة :

وفي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن أُحُدا جبل يحبنا ونحبه ) بيان عظيم لحبّ الله ـ عز وجل ـ لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، إذ ألقى في الجمادات حبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
وفي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( فما عليك إلّا نبيّ، أو صدّيق، أو شهيدان ) معجزة ظاهرة، وهو إخباره أن عمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ سينالان الشهادة في سبيل الله ـ تعالى ـ، وقد وقع الأمر كما قال وأخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

نحن أولى بحبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

إذا كان جبل أحد يحب النبي ـ صلى الله عليه ـ وسلم حبّا على سبيل الحقيقة لا المجاز، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يُبْعَثْ إليه، وليس له عليه مِنَّة ظاهرة، كمِنَّته ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جميع الأمة، فكيف يجب أن يكون حبنا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذي شملتنا منّته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كل وجه، كما أن من السُنَّة أن نحب جبل أحد لحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياه .

لقد أجرى الله ـ تبارك وتعالى ـ على أيدي أنبيائه ورسله من المعجزات الباهرات والدلائل القاطعات التي تدل على صدق دعواهم أنهم رسل الله .. ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أكثر الرسل معجزة، للدلالة على علو شأنه ومنزلته عند ربه، فله من المعجزات ما لا يُعد ولا يُحد، ومنها حب الجبل له، وشوقه إليه، وطاعته إياه ـ صلوات الله وسلامه عليه.

اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

وقفة مع عام الوفود

لما فتح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة في العام الثامن للهجرة، وفرغ من تبوك، أقبلت الوفود إليه من كل مكان معلنة إسلامها، حتى زاد عدد تلك الوفود في ذلك العام على الستين وفدا، وكان أهم تلك الوفود: وفد عبد القيس، ووفد بني حنيفة ـ وفيهم مسيلمة الكذاب ـ، وفد الأشعريين وأهل اليمن، ووفد بني سعد بن بكر وفيهم ضمام بن ثعلبة ، ووفد نجران ..وكانت الوفادة إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قد بدأت قبل الفتح، إلا أن الوفادة العامة، وفي صورة متوالية مستمرة إنما وقعت بعد عام فتح مكة في السنة التاسعة، ولذلك سميت السنة التاسعة من الهجرة بعام الوفود ..
وقد اهتم النبي – صلى الله عليه وسلم – بتلك الوفود وحرص على تعليمها ، وكان – صلى الله عليه وسلم ـ يبعث مع بعضهم من يعلمهم أحكام دينهم ..

وفد عبد القيس :

كانوا من أول من أسلم خارج المدينة، فلما قدموا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، رحب بهم، وسألوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أمر واضح يعملون به، ويخبرون به من وراءهم .
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: من القوم؟ـ أو من الوفد؟ ـ، قالوا: ربيعة، قال مرحبا بالقوم أو بالوفد، غير خزايا ولا ندامى . فقالوا يا رسول الله: إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصْل(واضح)، نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة ، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس .. )( البخاري ) .
وكان فيهم عبد الله بن عوف الأشج الذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة ) ( مسلم ) .

وفد بني حنيفة :

جاء وفد بني حنيفة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا سبعة عشر رجلاً فيهم مسيلمة الكذّاب، فأسلموا ونزلوا في دار بنت الحارث التي كانت مخصّصة للوفود، أما مسيلمة فكان يطمع في المُلك والرياسة واستنكف عن الإسلام، وكان يقول لمن حوله: " إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته "، فلما سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ مقالته أقبل إليه ومعه ثابت بن قيس ، وفي يده ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطعةٌ من جريد النخل، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن أتعدى أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وهذا ثابت يجيبك عني، ثم انصرف عنه ) ( مسلم )..وفي رواية البخاري : ( ولن تعدو أمر الله فيك ) ..

قال النووي : قال القاضي : هما صحيحان، فمعنى الأول: لن أعدو أنا أمر الله فيك، من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة، ومن أني أبلغ ما أنزل إليَّ، وأدفع أمرك بالتي هي أحسن .. ومعنى الثاني : ولن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أمَّلته من النبوة وهلاكك دون ذلك، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك .
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ولئن أدبرت ليعقرنك الله ): أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله، وقتله الله تعالى يوم اليمامة وهذا من معجزات النبوة " ..

وفد الأشعريين وأهل اليمن :

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يقدم عليكم غدا أقوام هم أرق قلوبا للإسلام منكم، قال: فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري ، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: غدا نلقى الأحبة محمداً وحزبه، فلما أن قدموا تصافحوا ، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة )( أحمد ) .

وفد ضِمَام بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ عن قومه بني سعد بن بكر :

قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: ( بينما نحن جلوس مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله (ربطه)، ثم قال لهم: أيكم محمد؟، ـ والنبي – صلى الله عليه وسلم – متكئ بين ظهرانيهم ـ، فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: قد أجبتك، فقال الرجل للنبي – صلى الله عليه وسلم -: إني أسألك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليَّ (تغضب) في نفسك، فقال: سل عما بدا لك . فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم . قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم . قال: أنشدك بالله. آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم . قال: أنشدك بالله. آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها في فقرائنا؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: اللهم نعم. فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ) ( البخاري ).
ورجع ضمام بن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ إلى قومه مسلما، وأخبرهم بما أمره به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ودعاهم إلى الإسلام، فما أمسى من قومه رجل ولا امرأة إلا أسلم, وكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول :" فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة " ( أبو داود ).
وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: " ما رأيت أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام " ..

وفد نصارى نجْران :

كان هذا الوفد مؤلفا من ستين رجلا، بينهم العاقب وهو أميرهم الذين يمتثلون رأيه، والسيد وهو صاحب رحلتهم، وقد لبثوا عنده ـ صلى الله عليه وسلم ـ أياما يجادلونه في أمر عيسى ـ عليه السلام ـ، ووحدانية الله تعالى، وقد تلا عليهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قول الله تعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ . فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } (آل عمران59 :61) .. فلما أبوا أن يسلموا دعاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المباهلة ، أي الدعوة إلى أن يبتهل كل طرف إلى الله أن يجعل لعنته على الطرف الكاذب ، فخافوا وأبوا، فصالحهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على دفعهم الجزية ..

عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل ، فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا ، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين . فاستشرف له أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح ، فلما قام قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: هذا أمين هذه الأمة ) ( البخاري ) .
وذكر ابن سعد : " أن السيد والعاقب رجعا بعد ذلك فأسلما، ثم انتشر الإسلام فيهم "

وفد ثقيف :

قدموا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا، ومكثوا يختلفون إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهو يدعوهم إلى الإسلام، حتى سأل رئيسهم أن يكتب لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضية صلح بينه وبين ثقيف، يأذن لهم فيه بالزنا وشرب الخمور وأكل الربا، ويترك لهم اللات، وأن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أصنامهم بأيديهم، فأبَى ـ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبل شيئاً من ذلك، فخلوا وتشاوروا فلم يجدوا محيصاً عن الاستسلام لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فاستسلموا وأسلموا، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة يهدمان اللات، وبذلك تم القضاء على ثاني أكبر طواغيت الشرك في الجزيرة العربية ..
لطالما آذت ثقيف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أرسل الله ـ عز وجل ـ له مَلَك الجبال ليأمره بإهلاكهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( .. بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )( البخاري ).
ذلك هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لا يعرف انتقاما لنفسه، ولا يحمل ضغينة لأحد، بل يحمل هم هداية الناس ـ وإن آذوه ـ، والأخذ بأيديهم إلى الله ..

لقد تركت لنا تلك الوفود وغيرها منهجاً نبويَّا كريماً في تعامله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم، وبينت لنا اهتمامه – صلى الله عليه وسلم ـ بهم، وحرصه على تعليمهم أمور دينهم، وحكمته في تعامله ودعوته لهم مع اختلاف معتقداتهم وأفكارهم، فرجعت تلك الوفود دعاة هداة، يعلمون أقوامهم مما تعلموا فأسلموا، وبذلك تمت سيادة الإسلام على كافة أنحاء الجزيرة العربية في العام التاسع الهجري ..

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

أطلقوا ثمامة

في أول حملة عسكرية لتأديب الخصوم والأعداء بعد غزوة الأحزاب وبني قريظة ، أرسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ محمد بن مسلمة ـ رضي الله عنه ـ في ثلاثين راكبا لشن الغارة على القبائل النجدية من بني بكر بن كلاب الذين كانوا يقطنون القرطاء ، على مسافة سبع ليالٍ من المدينة ، وكان ذلك في العاشر من المحرم من السنة السادسة من الهجرة ، فسار إليهم يكمن النهار ويسير بالليل حتى دهمهم على غِرَّة ، فقتل منهم عشرة وفر الباقون ، وغنم المسلمون إبلهم وماشيتهم ..
وفي طريق عودة المسلمين أسروا ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، وهم لا يعرفونه ، فقدموا به المدينة وربطوه بسارية من سواري المسجد ، وقد اطلع عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعرفه وكلمه ، ثم أمر بإطلاق سراحه ، وقد تأثر ثمامة بجو المسجد ورؤيته للصحابة ، وموقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكريم بالعفو عنه وإطلاق سراحه ، فبادر بإعلان إسلامه ..

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خيلاً قِبَل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ ، فقال : عندي خير يا محمد ، إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت .. فتُرِك حتى كان الغد فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ ، فقال : ما قلت لك ، إن تنعم تنعم على شاكر .. فتركه حتى كان بعد الغد فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ ، فقال : عندي ما قلت لك ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أطلقوا ثمامة .. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد : والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب دين إليَّ ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ ، فبشره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأمره أن يعتمر .. فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت (خرجت من دينك) ؟ ، قال : لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ )(البخاري) ..

وقد برَّ ثمامة ـ رضي الله عنه ـ بقسَمِه ، فحبس عن أهل مكة ما كان يأتيهم منه من منافعهم وطعامهم ، فلما أضر بهم كتبوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحض عليها، وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضرَّ بنا ، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلى بيننا وبين ميرتنا فافعل ..
فاستجاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرجاء قومه بالرغم أنه في حالة حرب معهم ، وكتب إلى سيد بني حنيفة ثمامة : ( أن خَلِّ بين قومي وبين ميرتهم ) .. فامتثل ثمامة أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وسمح لبني حنيفة باستئناف إرسال المحاصيل إلى مكة ، فارتفع عن أهلها الخوف من المجاعة .

قال الحافظ ابن حجر : " وفي قصة ثمامة من الفوائد : ربط الكافر في المسجد ، والمنِّ على الأسير الكافر ، وتعظيم أمر العفو عن المسيء ، لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حباً في ساعة واحدة لما أسداه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليه من العفو والمن بغير مقابل ، وفيه الاغتسال عند الإسلام ، وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب ، وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم شرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير، وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام ـ ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه ـ .. وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم، والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه .. " ..

وفي قصة ثمامة ـ رضي الله عنه ـ ظهر عِظم أمر العفو عن المسيء كما قال الله تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } (فصلت:34). فقد صار ـ رضي الله عنه ـ من فضلاء الصحابة ، وهدى الله به خلقاً كثيراً من قومه ، وظل ما امتدت به الحياة وفيَّاً لدينه ، حافظاً لعهد نبيه ، فلما التحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرفيق الأعلى ، لم يرتد مع من ارتد من أهل اليمامة ، وقال لقومه محذرا لهم من مسيلمة الكذاب : " يا بني حنيفة إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه ، إنه والله لشقاء كتبه الله ـ عز وجل ـ على من أخذ به منكم ، وبلاء على من لم يأخذ به ، ثم قال : يا بني حنيفة إنه لا يجتمع نبيان في وقت واحد ، وإن محمدا رسول الله لا نبي بعده .." ..
وكان ذلك التحول في حياة ثمامة ـ رضي الله عنه ـ أثر من آثار حكمة وأخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال: ( أطلقوا ثمامة ) ..


موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

شواهد النبوة من عالم الجماد والحيوان




شواهد النبوة من عالم الجماد والحيوان

" نطق الحجر، وانقاد الشجر، وسبّح الطعام، وحنّ الجذع، واشتكى الجمل "، كلّها عباراتٌ ليست من قبيل المجاز اللغويّ، ولكنّها آياتٌ كريمة ومعجزاتٌ عظيمة سخّرها الله تعالى لتشهد بصدق النبي – صلى الله عليه وسلم – في دعوته، وتبيّن حقيقة تأثّر الحيوان والجماد فضلاً عن بني البشر بالقرب منه عليه الصلاة والسلام والاستماع إليه، في أخبار ثابتةٍ بالنصوص الصحيحة التي لا مجال للشكّ فيها .

فمن الجمادات التي أنطقها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم الطعام، وذلك في رحلةٍ سافر فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – مع بعض أصحابه، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفر، فقلّ الماء فقال : ( اطلبوا فضلة من ماء ) ، فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل " . رواه البخاري .

وجاءت عددٌ من نصوص السنة لتثبت تسليم الحجر والشجر وغيرهما من الجمادات على النبي – صلى الله عليه وسلم – بصوتٍ يسمعه من كان حاضراً، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله " رواه الترمذي ، وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( إني لأعرف حجراً بمكة، كان يُسلِّم عليّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .

وعندما حاول اليهود أن يقتلوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشاة المسمومة التي قدّموها له، أنطقها الله تعالى بقدرته، لتخبره عليه الصلاة والسلام بأنها مسمومة، رواه أبوداود .

ومن معجزات النبي – صلى الله عليه وسلم – انقياد الشجر له، فقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نزل واديا في إحدى أسفاره، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته، وتبعه جابر ليعطيه الماء، ولم يجد النبي – صلى الله عليه وسلم – شيئاً يستتر به سوى شجرتين متباعدتين، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال : ( انقادي علي بإذن الله ) ، فانقادت معه حتى وصل إلى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها وقال : ( انقادي علي بإذن الله ) فانقادت معه كذلك، ثم أمرهما النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يلتئما بإذن الله، فلما قضى حاجته وانصرف عادت كل شجرةٍ إلى موضعها، وتفاصيل القصّة مذكورة في صحيح مسلم .

وقد ورد ما يفيد تكرار تلك المعجزة في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفر، فأقبل عليهم أعرابي، فعرض عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الإسلام، فقال الأعرابي : " ومن يشهد على ما تقول؟ " فقال : ( هذه السمرة ) ، فدعاها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي بطرف الوادي فأقبلت تشقّ طريقها حتى وقفت بين يديه، فشهدت بصدق نبوّته، ثم عادت إلى موضعها، فأسلم الأعرابي وعاد إلى قومه داعيا لهم، رواه الدارمي .

ولا تقف المعجزات النبويّة عند حدود النطق والكلام والحركة من الجماد، بل امتدّت لتشمل المشاعر والأحاسيس، فجاءت النصوص لتثبت مدى محبّة جبل أحد للنبي – صلى الله عليه وسلم –، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) رواه البخاري ، وحين صعد – صلى الله عليه وسلم – الجبل بصحبة أبي بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم رجف بهم الجبل، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( اثبت أحد ؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) .

بل جاء في السنّة ما يشير إلى شوق الجمادات إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وجزعها من فراقه، فقد روى الإمام البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يخطب الجمعة إلى جذع نخلة، فقال أحدهم : " يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرا؟"، فقال : ( إن شئتم ) ، فجعلوا له منبرا، وفي الجمعة التالية وقف على المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه حتى سكنت، وفي رواية ابن ماجة قال عليه الصلاة والسلام:( لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة ) .

أما نطق الحيوان، فتلك معجزةٌ أخرى لنبيّنا عليه الصلاة والسلام، فقد اشتكى إليه جملٌ من ظلم صاحبه له، وذلك عندما دخل عليه الصلاة والسلام بستاناً لأحد الأنصار كان فيه جملٌ له، فإذا بالجمل تدمع عيناه عند رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – ويرفع صوته، ولم يتوقّف عن ذلك حتى مسح النبي – صلى الله عليه وسلم – على ظهره، وعاتب عليه الصلاة والسلام صاحب الجمل فقال له : ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكك الله إياها ؟، فإنه شكا إليّ أنك تجيعه وتُدئبه – أي تتعبه – ) رواه أبو داود .

والأعجب من ذلك إخبار الذئب بنبوّته – صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن راعياً رأى ذئباً يريد أن يعتدي على غنمه، فلما منعه من ذلك أنطق الله الذئب فقال : " يا عبد الله، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي ؟ "، فوقف الرجل مذهولاً مما سمعه، فقال الذئب : " ألا أخبرك بأعجب مني ؟، رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين الحرتين – أي في المدينة – يخبر الناس بأنباء ما قد سبق "، فانطلق الرجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخبره بما حصل له، فقال عليه الصلاة والسلام : ( صدق والذي نفسي بيده ) رواه الحاكم .


فسبحان من أنطق لنبيه الجماد والحيوان، والحجر والشجر، وجعلها معجزة تدل على صدق نبوته، وصحة دعوته .



لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

مسجد الضرار مؤامرة تتكرر – في الاسلام

من أعجب ما تفتقت عنه حيل المنافقين في مكرهم وكيدهم للإسلام والمسلمين بالمدينة المنورة، أن يبنوا مسجدا يلتقون فيه تحت ستار العبادة ورغبتهم في الخير، حيث ذهبوا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في طريقه إلى غزوة تبوك ليصلي بهم فيه، فاعتذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأرجأ ذلك لحين عودته ..
وفي أثناء عودة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة راجعا من تبوك نزلت عليه هذه الآيات: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } (التوبة: 107-108) .

ذكر ابن كثير في تفسيره قصة مسجد الضرار بتمامها في سبب نزول هذه الآيات :

" .. أنه كان بالمدينة رجل من الخزرج يقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب، وله شرف في الخزرج كبير، فلما قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مهاجرًا إلى المدينة واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، وأظهرهم الله يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة وظاهر بها، وخرج فارًّا إلى كفار مكة من مشركي قريش، فألبهم على حرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فاجتمعوا بمن وافقهم في أحياء العرب فكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم الله عز وجل، وكانت العاقبة للمتقين، وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين فوقع في إحداهن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصيب ذلك اليوم فجرح وكسرت رباعيته اليمنى والسفلى، وشج رأسه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار فخاطبهم، واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلما عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم الله بك عينا يا فاسق يا عدو الله، ونالوا منه وسبوه، فرجع وهو يقول: والله لقد أصاب قومي بعدي شر، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد دعاه إلى الله قبل فراره وقرأ عليه القرآن، فأبَى أن يسلم وتمرد، فدعا عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يموت بعيدًا طريدًا فنالته هذه الدعوة، وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد، ورأى أمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فوعده ومَنَّاه، وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم بجيش يقاتل به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويغلبه ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه، ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك .
فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم، ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال: إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله .
فلما قفل ـ عليه السلام ـ راجعًا إلى المدينة من تبوك ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم ـ مسجد قباء ـ الذي أُسِّس من أول يوم على التقوى، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة .. " .

ويقول ابن تيمية : " وكان مسجد الضرار قد بني لأبي عامر الفاسق الذي كان يقال له أبو عامر الراهب، وكان قد تنصر في الجاهلية، وكان المشركون يعظمونه، فلما جاء الإسلام حصل له من الحسد ما أوجب مخالفته للنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ وفراره إلى الكافرين، فقام طائفة من المنافقين يبنون هذا المسجد، وقصدوا أن يبنوه لأبي عامر هذا، والقصة مشهورة في ذلك، فلم يبنوه لأجل فعل ما أمر الله به ورسوله بل لغير ذلك ".

وذكر ابن هشام في سيرته أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر عمار بن ياسر ، و مالك بن الدخشم مع بعض أصحابه وقال لهم: ( انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرقوه، ففعلوا ) .
وقد روى الحاكم أن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ كان يقول: " رأيت الدخان من مسجد الضرار حين انهار " . وقد استجاب الله ـ عز وجل ـ لدعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أبي عامر ذلك المنافق، أن يموت بعيدًا طريدًا، فمات بالشام وحيداً غريباً .

لقد أراد المنافقون ببناء هذا المسجد تقوية النفاق والمنافقين، والإعداد لمحاربة المسلمين، والتفريق بين المؤمنين، وقد خيَّب الله مسعاهم، وأبطل كيدهم بأن نهى نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الصلاة فيه، فقال تعالى: { لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً }(التوبة: من الآية108)، ومن ثم فما قام به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الأمر بهدمه وإزالته هو التصرف الأمثل .

لقد سلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام طريق اللين والإغضاء، يقبل منهم أعذارهم على ضعفها وكذبها، فإذا وقع أحدهم في خيانة ربما تهدر دمه، تجاوز عنه حتى لا يقال: إن محمدا يقتل أصحابه، وما هم من صحبته في شيء، ولكن هكذا ربما يقول الناس .. ولو كان في هؤلاء المنافقين خير لأسرهم هذا الحلم والعفو والخلق النبوي، ولأقبلوا على الإسلام، غير أن هذا الأسلوب الكريم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزدهم إلا جرأة على نفاقهم وباطلهم، ومن ثم لم يبق بد من كشف خبثهم ومؤامراتهم .

وفي قصة مسجد الضرار ظهر أن الكفر كله ملة واحدة، والكافرون أولياء بعض، وقد تبين هذا في موقف أبي عامر الفاسق، إذ غضب غضبا شديدا، وتألم لهزيمة المشركين في بدر، فأعلن عداءه للرسول، وتوجه إلى مكة يحث أهلها على قتال المسلمين، وخرج مقاتلا معهم في أحد، وحاول تفتيت الصف الإسلامي، ثم ذهب إلى هرقل ملك الروم ليتحالف معه ويتقوى به، وصدق الله تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }(الأنفال: من الآية73) .
وهكذا حاول المنافقون ـ كعادتهم ـ الكيد والـتآمر على الإسلام والمسلمين ببنائهم لهذا المسجد، لأسباب مقنعة في الظاهر ـ من التيسير على ضعفاء المسلمين ـ، وهو أسلوب ماكر خبيث قد ينطلي على كثير من الناس، كما يفعل المنافقون وأعداء الإسلام اليوم .

فمسجد الضرار ليس حادثة في المجتمع الإسلامي الأول انتهت وانقضت، بل هي فكرة ومؤامرة مستمرة، يُخَطط لها، وتختار الوسائل الدقيقة لتنفيذها، في صور كثيرة ومختلفة، فلا يزال أعداء الإسلام ـ من المنافقين والمبشرين وغيرهم ـ يقيمون أماكن ظاهرها البناء والخير والإصلاح، وباطنها حرب على الله ورسوله، وهدفها الطعن في الإسلام، وتشكيك المسلمين في معتقداتهم، وإبعادهم عن قيمهم وآدابهم، فيقيمون مدارس باسم التعليم ليتوصلوا بها إلى بث سمومهم بين أبناء المسلمين، وصرفهم عن دينهم، ويعقدون الندوات والمدونة باسم الثقافة والتطوير، والغرض منها خلخلة العقيدة في القلوب، والقضاء على القيم في النفوس، ويبنون مستشفيات باسم المحافظة على الصحة والخدمات الإنسانية، والغرض منها التأثير على المرضى والفقراء وصرفهم عن دينهم، وقد اتخذوا من البيئات الجاهلة والفقيرة – لاسيما في بلاد إفريقيا – ذريعة للتوصل إلى أهدافهم ومؤامراتهم الخبيثة ..

ومن ثم فعلى المسلمين أن يأخذوا من سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدروس والعبر التي تساعد الأمة على معرفة الطريق إلى عز الإسلام والمسلمين، من خلال معرفة عوامل النهوض والنصر، وأسباب السقوط والهزيمة، ويتعرفون على هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تعامله مع الأعداء، وتربيته للأفراد، وبنائه للدولة

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

التسامح من حياة " النبي صلى الله عليه وسلم " – سنة النبي


اجتمع الصحابة في مجلس ولم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام

فجلس خالد بن الوليد .. وجلس ابن عوف .. وجلس بلال وجلس ابو ذر ..

وكان ابو ذر فيه حدة وحرارة فتكلم الناس في موضوع ما ..

فتكلم أبو ذر بكلمة إقتراح : أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا .

قال بلال : لا .. هذا الإقتراح خطأ .

فقال أبو ذر : حتى أنت يابن السوداء تخطئني .!!!

فقام بلال مدهوشا غضبانا أسفا ..

وقال : والله لأرفعنك لرسول الله عليه الصلاة والسلام

وأندفع ماضيا إلى رسول الله .

وصل للرسول عليه الصلاة والسلام ..

وقال : يارسول الله .. أما سمعت أبا ذر ماذا يقول في ؟

قال عليه الصلاة والسلام : ماذا يقول فيك ؟؟
قال : يقول كذا وكذا

فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ..

وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر .. فاندفع مسرعا إلى المسجد ..

فقال : يارسول الله .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

قال عليه الصلاة والسلام : يا أبا ذر أعيرته بأمه .. إنك امرؤ فيك جاهلية .!!

فبكى أبو ذر رضي الله عنه.. وأتى الرسول عليه الصلاة والسلام وجلس ..

وقال يارسول الله استغفر لي .. سل الله لي المغفرة !

ثم خرج باكيا من المسجد ..

وأقبل بلال ماشيا ..فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب ..

وقال : والله يابلال لا ارفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك .. أنت الكريم وأنا المهان ..!!

فأخذ بلال يبكي .. وأقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا .

****************************** ********

هذه هي حياتهم يوم تعاملوا بالإسلام رضي الله عنهم أجمعين.

ان بعضنا يسيء للبعض في اليوم عشرات المرات ..

فلا يقول : عفوا ويعتذر !

إن بعضنا يجرح بعضا جرحا عظيما ..

في عقيدته ومبادئه وأغلى شيء في حياته ..

فلا يقول .. سامحني !

إن البعض قد يتعدى بيده على زميله .. وأخيه ..
ويخجل من كلمة : آسف .!!

الإسلام دين التقوى لم يفرق بين لون أو حسب أو نسب ..
فلماذا يعجز أحدنا عن الإعتذار لأخيه ..

بهدية صغيرة .. أو كلمة طيبة .. أو في بسمة حانية ..
لنبقى دوما على الحب والخير أخوة

ـ

منقول للأجر والثواب

~~~~~~~~~~~~~~~~~

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

فتنة معركة صفين .بين الإمام علي ومعاوية (رضي الله عنهما).. عند المؤرخين..3و4 السنة النبوية

المبحث الثالث

نهاية القتال والدعوة للتحكيم

لقد وصل حال الجيشين بعد ليلة الهرير إلى حد لا يطاق من القتل وإزهاق الأنفس المسلمة، وجاءت خطبة الأشعت بن قيس زعيم كندة في أصحابه ليلة الهرير فقال: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ؛ فما رأيت مثل هذا قط، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، إن نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب، وضيعة الحرمات، أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحرب، ولكني رجل مسن، وأخاف على النساء والذراري غدًا، إذا نحن فنينا، اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ.
وجاء خبر ذلك إلى معاوية فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلن أهل فارس على أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهى، ثم قال لأصحابه: اربطوا المصاحف على أطراف القنا.

وهذه رواية عراقية لا ذكر فيها لعمرو بن العاص ولا للمخادعة والاحتيال، وإنما كانت رغبة كلا الفريقين، ولن يضير معاوية أو عمرًا شيء أن تأتي أحدهم الشجاعة فيبادر بذلك، وينقذ ما تبقى من قوى الأمة المتصارعة، إنما يزعج ذلك السبئية الذين أشعلوا نيران هذه الفتنة، وتركوا لنا ركامًا من الروايات المضللة بشأنها، تحيل الحق باطلاً، وتجعل الفضل – كالمناداة لتحكيم القرآن لصون الدماء المسلمة– جريمة ومؤامرة وحيلة، ونسبوا لأمير المؤمنين علي أقوالاً مكذوبة تعارض ما في الصحيح، ففي رواية أبي مخنف أن علياً قال عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبى معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبى سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال ويحكم إنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة فقالوا له ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله فقال لهم فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب فإنهم قد عصوا الله عز وجل فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك يا على أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه وإلا ندفعك برمتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان إنه علينا أن نعمل بما في كتاب الله عز وجل فقبلناه والله لتفلنها أو لنفعلنها بك قال قال: فاحفظوا عنى نهيي إياكم واحفظوا مقالتكم لي أما أنا فان تطيعوني تقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما بدالكم.

ومن الشتائم قولهم عن رفع المصاحف: إنها مشورة ابن العاهرة ( )، ووسّعوا دائرة الدعاية المضادة على عمرو بن العاص – رضي الله عنه – حتى لم تعد تجد كتابًا من كتب التاريخ إلاّ فيه انتقاص لعمرو بن العاص، وأنه مخادع وماكر بسبب الروايات الموضوعة التي لفّقها أعداء الصحابة الكرام، ونقلها الطبري، وابن الأثير وغيرهما، فوقع فيها كثير من المؤرخين المعاصرين مثل حسن إبراهيم حسن في تاريخ الإسلام، ومحمد الخضري بك في تاريخ الدولة الأموية، وعبد الوهاب النجار في تاريخ الخلفاء الراشدين وغيرهم كثير، مما ساهم في تشويه الحقائق التاريخية الناصعة. ( )

إن رواية أبي مخنف تفترض أن عليًا رفض تحكيم القرآن لما اقترحه أهل الشام، ثم استجاب بعد ذلك له تحت ضغط القرّاء الذين عُرفوا بالخوارج فيما بعد, وهذه الرواية تحمل سبًا من علي لمعاوية وصحبه يتنزه عنه أهل ذاك الجيل المبارك، فكيف بساداتهم وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي؟! ويكفى للرواية سقوطًا أن فيها أبا مخنف الرافضي المحترق؛ فهي رواية لا تصمد للبحث النزيه، ولا تقف أمام روايات أخرى لا يتهم أصحابها بهوى مثل ما يرويه الإمام أحمد بن حنبل عن طريق حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل أحد رجال علي بن أبي طالب فقال: كنا بصفين، فلما استحر القتل بأهل الشام قال عمرو لمعاوية: أرسل إلى عليٍّ المصحف؛ فادعه إلى كتاب الله، فإنه لا يأبى عليك، فجاء به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله سبحانه وتعالى "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ" ( ).

فقال علي: نعم، أنا أولى بذلك، فقام القُرّاء – الذين صاروا بعد ذلك خوارج – بأسيافهم على عواتقهم فقالوا: يا أمير المؤمنين، ألا نمشي إلى هؤلاء حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقام سهل بن حنيف الأنصاري -رضي الله عنه- فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، وذلك في الصلح الذي بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين المشركين، ثم حدثهم عن معارضة عمر-رضي الله عنه- للصلح يوم الحديبية ونزول سورة الفتح على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال علي: أيها الناس، إن هذا فتح، فقبل القضية ورجع، ورجع الناس. ( )
وأظهر سهل بن حنيف -رضي الله عنه- اشمئزازه ممن يدعون إلى استمرار الحرب بين الإخوة وقال: أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم, وبيّن لهم أنه لا خيار عن الحوار والصلح، لأن ما سواه فتنة لا تعرف عواقبها، فقد قال: ما وضعنا بسيوفنا على عواتقنا إلى أمر إلاّ أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسدّ منها خصمًا إلاّ تفجّر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له ( ) .وفي هذه الروايات الصحيحة رد على دعاة الفتنة، ومبغضي الصحابة الذين يضعون الأخبار المكذوبة، ويضعون الأشعار وينسبونها إلى أعلام الصحابة والتابعين الذين شاركوا في صفين؛ ليظهروهم بمظهر المتحمس لتلك الحرب ليزرعوا البغضاء في النفوس ويعملوا ما في وسعهم على استمرار الفتنة.

إن الدعوة إلى تحكيم كتاب الله دون التأكيد على تسليم قتلة عثمان إلى معاوية، وقبول التحكيم دون التأكيد على دخول معاوية في طاعة علي والبيعة له، تطوُّر فرضته أحداث حرب صفين؛ إذ إن الحرب التي أودت بحياة الكثير من المسلمين، أبرزت اتجاهاً جماعيًا رأى أن وقف القتال وحقن الدماء ضرورة تقتضيها حماية شوكة الأمة وصيانة قوتها أمام عدوها، وهو دليل على حيوية الأمة ووعيها وأثرها في اتخاذ القرارات.
إن أمير المؤمنين عليًا -رضي الله عنه- قَبِل وقف القتال في صفين، ورضي التحكيم وعدَّ ذلك فتحًا ورجع إلى الكوفة، وعلّق على التحكيم آمالاً في إزالة الخلاف، وجمع الكلمة، ووحدة الصف، وتقوية الدولة، وإعادة حركة الفتوح من جديد.

إن وصول الطرفين إلى فكرة التحكيم والاستجابة له ساهمت فيها عدة عوامل منها:
أنه كان آخر محاولة من المحاولات التي بُذلت لإيقاف الصدام وحقن الدماء سواء تلك المحاولات الجماعية أو المحاولات الفردية التي بدأت بعد موقعة الجمل ولم تفلح، أما الرسائل التي تبودلت بين الطرفين لتفيد وجهات نظر كل منهما، فلم تُجْدِ هي الأخرى شيئًا، وكان آخر تلك المحاولات ما قام به معاوية في أيام اشتداد القتال حيث كتب إلى علي -رضي الله عنه- يطالبه بوقف القتال فقال: فإني أحسبك أن لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بك ما بلغت لم نجنها على أنفسنا، فإنا إن كنا قد غُلبنا على عقولنا فقد بقي منا ما ينبغي أن نندم على ما مضى ونصلح ما بقي .
وكذلك تساقط القتلى وإراقة الدماء الغزيرة ومخافة الفناء، فصارت الدعوة إلى إيقاف الحرب مطلبًا يرنو إليه الجميع، والملل الذي أصاب الناس من طول القتال، حتى وكأنهم على موعد لهذا الصوت الذي نادى بالهدنة والصلح، وكانت أغلبية جيش علي في اتجاه الموادعة، وكانوا يردّدون: قد أكلتنا الحرب، ولا نرى البقاء إلاّ عن الموادعة . وهذا ينقض ذلك الرأي المتهافت الذي رُوِّج بأن رفع المصاحف كان خدعة من عمرو بن العاص، والحق أن فكرة رفع المصاحف لم تكن جديدة وليست من ابتكار عمرو بن العاص، بل رُفع المصحف في الجمل ورشق حامله كعب بن سور قاضي البصرة بسهم وقُتل.
والاستجابة لصوت الوحي الداعي للإصلاح، قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) ( ) ويؤيد هذا ما قاله علي بن أبي طالب حينما عُرض عليه الاحتكام إلى كتاب الله، قال: نعم أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله. ( )

المبحث الرابع

آراء المؤرخين في أحداث معركة صفين
ونقد بعض الروايات

لقد تخللت معركة صفين أحداث، ورويت عنها روايات تناولها العلماء والمؤرخون بالنقد والتمحيص، ومن هذه الآراء:

آراء العلماء والمؤرخين في مقتل الصحابي عمار بن ياسر:
قال ابن حجر تعليقاً على مقتل عمار بن ياسر:
"وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليًا لم يكن مصيبًا في حروبه. وقال أيضًا: دل الحديث: تقتل عمارًا الفئة الباغية، على أن عليًا كان المصيب في تلك الحروب؛ لأن أصحاب معاوية قتلوه".( )
ويقول الإمام النووي:
"وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة لهذا الحديث".( )
ويقول ابن كثير:
"كان عليّ وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبى سملة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير مني – يعني أبا قتادة- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» , وقال أيضًا: وهذا مقتل عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قتلة أهل الشام، وبان وظهر بذلك سر ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أنه تقتله الفئة الباغية، وبان بذلك أن عليًا محق، وأن معاوية باغٍ، وما في ذلك من دلائل النبوة". ( )
ويقول الذهبي:
"هم طائفة من المؤمنين، بغت على الإمام علي، وذلك بنص قول المصطفى صلوات الله عليه لعمار: "تقتلك الفئة الباغية".( )
ويقول ابن تيمية:
"وهذا يدل على صحة إمامة علي ووجوب طاعته، وأن الداعي إلى طاعته داعٍ إلى الجنة، والداعي إلى مقاتلته داعٍ إلى النار- وإن كان متأوّلاً- وهو دليل على أنه لم يكن يجوز قتال علي، وعلى هذا فمقاتله مخطئ – وإن كان متأوّلاً – أو باغٍ – بلا تأويل – وهو أصح القولين لأصحابنا، وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليًا، وهو مذهب الأئمة الفقهاء الذين فرعوا على ذلك قتال البغاة المتأوّلين, وقال أيضًا: مع أن عليًا أولى بالحق ممن فارقه، ومع أن عمارًا قتلته الفئة الباغية –كما جاءت به النصوص– فعلينا أن نؤمن بكل ما جاء من عند الله ونقر بالحق كله، ولا يكون لنا هوًى، ولا نتكلم بغير علم، بل نسلك سبل العلم والعدل، وذلك هو اتباع الكتاب والسنة، فأما مَن تمسّك ببعض الحق دون بعض، فهذا منشأ الفرقة والاختلاف". ( )

نقد تهويل عدد القتلى:

تضاربت أقوال العلماء في عدد القتلى: فتذكر الروايات أنه قتل بصفين سبعون ألفاً: من أهل الشام خمسة وأربعون آلفا، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً، وكان المقام بصفين مائة يوم وعشرة أيام.( ) وشهدت صفين تسعين وقعة بين الجيشين.( )
وأعتقد أن هذه الأرقام غير دقيقة، بل أرقام خيالية، فالقتال الحقيقي والصدام الجماعي استمر ثلاثة أيام مع وقف القتال بالليل إلاّ مساء الجمعة فيكون مجموع القتال حوالي ثلاثين ساعة، ومهما كان القتال عنيفًا، فلن يفوق شدة القادسية التي كان عدد الشهداء فيها ثمانية آلاف وخمسمائة، وبالتالي يصعب عقلاً أن نقبل تلك الروايات التي ذكرت الأرقام الكبيرة.

نقد الروايات الشيعية التي مجدت الإمام علي، وانتقصت من قدر معاوية:

تقدم الروايات صورة واحدة لعلي، يبدو التأثير الشيعي واضحاً فيها، فهو المحارب المقدام، والبطل الذي لا ينازع، ذو القوة الجسدية الخارقة، ورجل المآثر والمواقف الصعبة، وهو الصحابي الزاهد، والرحيم والعالم، وهو الأديب والشاعر الذي يمتلك اللغة الرصينة، والأسلوب الرائع. وقدم البلاذري واليعقوبي تفاصيل دقيقة لهذه الصورة، فعلي لديهما هو بطل العقيدة والعدل والحرب، وهو صاحب الحق والعلم والتقوى، والصدق دائماً، وعزز صاحب الإمامة والسياسة هذه الصورة، ويبدو دفاعه أقل حرارة من البلاذري واليعقوبي، وهو لا يتورع عن انتقاد علي أو معسكره.
وأما الطبري، المؤرخ والفقيه، فقدم صورة أقرب إلى التواضع على صفات علي وبطولته وقدرته، إذ حرص على التعامل معه كأحد الصحابة الأوائل، الذين وقع على كاهلهم انتشار الإسلام وانتصاره.
أما معاوية فشخصيته لا تحافظ على دماء المسلمين وترفض الاستجابة لدعوات علي المتكررة للمصالحة، وتحث قواتها على القتل والتنكيل، وهو رجل لا يمتلك من المزايا الحربية ما يؤهله ليكون قائداً، فهو يخاف مبارزة علي وقتاله، وهو سرعان ما يفكر بالهرب من ساحة المعركة عندما يشتد ضغط الجبهة العراقية على قواته، ولا يشارك معسكره القتال، بل "يجلس وعلى رأسه رجل قائم معه ترس ذهب يستره من الشمس"، وهو إنسان مخادع عديم الرحمة، يمنع الماء عن جند العراق العطاش، ويعرض الرشوة باستمرار على قيادات علي وجنده، بهدف إغوائهم للانضمام له، كما أنه يرفض دفن جثث القتلى العراقيين، ويدعو إلى قتل الأسرى، وتتسم قيادات جيشه بالجبن والخداع، وفي مقدمته عمرو بن العاص، أما قبائل الشام؛ فهي مترددة في قتالها، لأنها لا تقاتل عن الإيمان أو الهدف، إنما تقاتل حمية، ولذلك فإنها إن حققت مكاسب قتالية، فذلك ناجم عن أخطاء طارئة من الجانب العراقي. ( )
وعلى هذا فيجب التمعن جيداً في أخذ الروايات الشيعية التي رواها أبو مخنف، ونصر بن مزاحم، والتي وردت في الكثير من الكتب التاريخية، لأنها تعبر عن انحياز واضح لصالح علي ضد معاوية رضي الله عنهما.

نقد رواية باطلة تناولت عمرو بن العاص بصفين:


قال نصر بن مزاحم الكوفي: وحمل أهل العراق وتلقَّاهم أهل الشام فاجتلدوا وحمل عمرو بن العاص.. فاعترضه علي وهو يقول:
قد علمت ذاتُ القرونِ الميل والخصر والأنامل الطفول
إلى أن يقول: ثم طعنه فصرعه واتقاه عمرو برجله، فبدت عورته، فصرف علي وجهه عنه وارتُثَّ. فقال القوم: أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. قال: وهل تدرون من هو؟ قالوا: لا. قال: فإنه عمرو بن العاص تلقّاني بعورته فصرفت وجهي. ( )
وذكر القصة ابن الكلبي كما ذكر ذلك السهيلى في الروض الأنف. وقول عليّ: إنه اتقاني بعورته فأذكرني الرحِمَ إلى أن قال:… ويُروى مثل ذلك عن عمرو بن العاص مع علي -رضي الله عنه- يوم صفين، وفي ذلك يقول الحارث بن النضر السهمي كما رواه ابن الكلبي وغيره:
أفي كلِّ يومٍ فارسٌ غيرُ منتهٍ وعورتُه وسط العجاجةِ باديـةْ
يكف لهـا عنـه علـيٌّ سنـانَهُ ويضحكُ منه في الخلاءِ معاويةْ ( )

والرد على هذا الافتراء والإفك المبين كالآتي:

أن راوي الرواية الأولى نصر بن مزاحم الكوفي صاحب وقعة صفين شيعي جلد لا يستغرب عنه كذبه وافتراؤه على الصحابة، قال عنه الذهبي في الميزان: نصر بن مزاحم الكوفي رافضي جلد، تركوه ، قال عنه العقيلى: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير، وقال أبو خيثمة: كان كذابًا ( ) وقال عنه ابن حجر: قال العجلي: كان رافضيًا غاليًا..ليس بثقة ولا مأمون. ( )
وأما الكلبي؛ هشام بن محمد بن السائب الكلبي؛ فاتفقوا على غلوه في التشيع، قال الإمام أحمد: من يحدث عنه؟ ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه. وقال الدار قطني: متروك ( ), وعن طريق هذين الرافضيْن سارت هذه القصة في الآفاق وتلقفها من جاء بعدهم من مؤرخي الشيعة، وبعض أهل السنة ممن راجت عليهم أكاذيب الرافضة, وتُعدّ هذه القصة أنموذجًا لأكاذيب الشيعة الروافض وافتراءاتهم على صحابة رسول الله؛ فقد اختلق أعداء الصحابة من مؤرخي الرافضة مثالب لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصاغوها على هيئة حكايات وأشعار لكي يسهل انتشارها بين المسلمين، هادفين إلى الغضّ من جناب الصحابة الأبرار– رضي الله عنهم– في غفلة من أهل السنة الذين وصلوا متأخرين إلى ساحة التحقيق في روايات التاريخ الإسلامي، بعد أن طارت تلكم الأشعار والحكايات بين القصّاص، وأصبح كثير منها من المسلمات، حتى عند مؤرخي أهل السنة للأسف.( )

مرور أمير المؤمنين عليّ بالمقابر بعد رجوعه من صفين:
لما انصرف عليّ أمير المؤمنين -رضي الله عنه- من صفين مرّ بمقابر، فقال: «السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكن تبعٌ، وبكم عمّا قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم، الحمد الله الذي جعل الأرض كفاتًا، أحياءً وأمواتًا، الحمد لله الذي خلقكم وعليها يحشركم، ومنها يبعثكم، وطوبي لمن ذكر المعاد وأعدّ للحساب، وقنع بالكفاء.( )

الخاتمة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم:
من خلال هذا البحث نستدل إلى أن معركة صفين كانت مفصلاً في تاريخ الأمة الإسلامية، حدث خلالها وبعدها خلاف سياسي أثر على التاريخ الإسلامي، وما زال تأثيرها ماثلاً للعيان حتى يومنا هذا، فانبثقت الاتجاهات والجماعات المختلفة مثل الشيعة والخوارج بعد هذه المعركة.
والدارس لهذه المعركة لابد أن يلتزم بشروط بمحددات معينة قبل أن يستنتج النتائج ومن هذه المحددات، أنه يدرس حياة رجال ليسوا كباقي الرجال، فمنهم رجال الصحابة الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وتتلمذوا على يديه، علاوة على أن طرفي الصراع كانوا من المسلمين، حيث يقول الله عز وجل في حقهم: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين . إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم".
فلهذا نستنتج أن الفريقين اجتهدا لمصلحة الأمة والدين، ولم تكن أهدافهما دنيوية، فالإمام علي كان الخليفة الشرعي الذي تجب طاعته، ومعاوية أراد الثأر من قتلة عثمان، ولكن الإمام علي كان أحق من معاوية، وقد دلّ استشهاد الصحابي عمار بن ياسر وأكد أن معسكر علي كان أصوب من معسكر معاوية، وأن معسكر معاوية كان هو الباغي، والحديث هو "ويح عمار تقتله الفئة الباغية".
كما نستنتج أن كثير من الروايات كانت خاطئة وردت من مصادر شيعية متطرفة مثل أبي مخنف ونصر بن مزاحم، وهدفها تمجيد الإمام علي ومعسكره على حساب معاوية ومعسكره، فجاء في بعض الروايات أن عمرو كشف عن سوأته ليمنع الإمام علي من قتله، لأن الإمام علي كان معروفاً بالحياء، وهذه الرواية مغالية في الاتهام، فهي تنال من أحد كبار الصحابة المعروف بأنه من قادة المجاهدين الذين شاركوا في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وحروب الردة، وأحد قادة فتح الشام، وفاتح مصر وبرقة.
وكذلك الحال بالنسبة للصحابي معاوية بن أبي سفيان، فقد تناولته الروايات الشيعية بكثير من القدح والإساءة مما فندنا بعضها في هذا البحث.
وبناءً عليه فيجب أن تعاد صياغة التاريخ الإسلامي خاصة فيما يتناول أحداث الفتنة، على صعيد التعليم المدرسي والجامعي، وعلى صعيد الإعلام، وكتب الثقافة العامة.
وأخيراً أدعو الله تعالى أن يوفقني للصواب، إن ولي ذلك والقادر عليه..


المصادر والمراجع

أولاً: المصادر

– ابن الأثير، أبو الحسن عز الدين الشيباني (ت630هـ):
1. الكامل في التاريخ، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، بيروت، دار الكتب العلمية.
– أحمد بن حنبل (ت241هـ):
2. المسند، بيروت، دار الفكر.
– البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي (ت256هـ):
3. الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، المعروف بـالجامع الصحيح، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط1.
– البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين (ت458هـ):
4. دلائل النبوة، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، ط1، 1997م.
– التبريزي، محمد بن عبد الله الخطيب:
5. مشكاة المصابيح، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1443هـ=1985م.
– الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى،
6. الجامع الكبير، تحقيق: د. بشار عواد معروف، بيروت، دار الجيل + دار العرب الإسلامي، ط2، 1998م.
– ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد (ت728هـ):
7. مجموع فتاوى، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط1.
– الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد اللّه (ت405هـ):
8. المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار المعرفة.
– ابن حجر العسقلاني: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر (ت852هـ):
9. الإصابة في تمييز الصحابة، بيروت، دار الجيل، 1412هـ=1992م.
10. لسان الميزان، بيروت، مؤسسة الأعلمي.
– الحميري، محمد بن عبد المنعم:
11. الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، مؤسسة ناصر للثقافة، ط2، 1980م.
– خليفة بن خياط العصفري (ت240هـ):
12. تاريخ، تحقيق: سهيل زكار، بيروت، دار الفكر، 1414هـ=1993م.
– الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748هـ):
13. العبر في خبر من عبر، دار الفكر، ط1، 1997م.
14. سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وحسين الأسد، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط9، 1413هـ=1993م.
15. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر.
– السهيلي، عبد الرحمن أبو القاسم (ت581هـ):
16. الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، دار الكتب العلمية، 1999م.
– الشافعي، محمد بن إدريس (ت204هـ):
17. الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، القاهرة، مكتبة الحلبي، 1358هـ=1940م.
– ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ابن أبي بسكر العبسي (ت235هـ):
18. المصنف، دار الفكر.
– الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب،
19. المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الموصل، مكتبة العلوم والحكم، ط2، 1404هـ=1983م.
– الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت310هـ)،
20. تاريخ الرسل والملوك، القاهرة، دار المعارف.
– ابن عديم، أبو القاسم،
21. بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، بيروت، دار الفكر، 1988م.
– ابن العربي، أبو بكر (ت543هـ)،
22. العواصم من القواصم، الرياض، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ط1، 1419هـ.
– الفسوي، أبو يوسف يعقوب بن سفيان (ت277هـ):
23. المعرفة والتاريخ، نشر مكتبة الدار، المدينة المنوّرة ـ 1410هـ.
– ابن كثير، أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت774هـ):
24. البداية والنهاية، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1408هـ=1988م.
– ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد (ت273هـ):
25. سنن، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، 1995م.
– المزي، جمال الدين أبي الحجاج يوسف (ت742هـ):
26. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، ط4، 1406هـ=1985م.
– الم*****، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت345هـ):
27. مروج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، منشورات الجامعة اللبنانية، 1975م.
– المقريزي، تقي الدين (ت845هـ):
28. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، دار الكتب العلمية، ط1، 1997م.
– ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم بن علي بن منظور (ت711هـ)
29. مختصر تاريخ دمشق، دار الفكر المعاصر للطباعة والنشر، ط1، 1998م.
– نصر بن مزاحم المنقري (ت212هـ):
30. وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت، دار الجيل، 1410هـ=1990م.
– النووي، أبو زكريا محيي الدين بن شرف (ت676هـ):
31. تهذيب الأسماء واللغات، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الفكر.
– ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هـ):
32. معجم البلدان، بيروت، دار صادر، 1993م.
ثانياً: المراجع
• عدنان ملحم، المؤرخون العرب والفتنة الكبرى، القرن الأول – القرن الرابع الهجري، دراسة تاريخية منهجية، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1، 1998م.
• الصلابي، علي بن أبي طالب شخصيته وعصره، دار المعرفة، ط5، 2022م.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده