التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

التصديق بالنبي من غير تأويل السنة النبوية

التصديق بالنبي من غير تأويل

مقدمة: عادت جذعا

إن ما حدث أخيرا: أحيا كثيرا من القضايا المتعلقة بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم، كادت أن تغيب، فتموت بين الحوادث المتداخلة، من: حروب، واحتلال، وكوارث، وأموال وتجارات مهلية: أسهم، وملاهي.. وفتن وشهوات مفسدة، وغفلة عن الله تعالى والدار الآخرة !!.

لقد تسبب المسيئون في يقظة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيامها بدينها، واعتزازها بنبيها، وتعاليمه. فهمت حقيقة الصراع بين الإيمان والكفر، والولاء والبراء، وأدركت معاني الآيات:
– {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}.
– {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}
– {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}.

أدركت علو الإسلام على كل الأديان، وأنه الدين الحق وحده، وأن ما عداه باطل، لا يدانيه بحال.
هذه الأصول التي أراد لها الكافرون المحاربون لدين الله تعالى، أن تتوارى، وتندثر. تعاونهم فئة من الأمة، رضيت لنفسها أن تكون ضد نبيها، وقرآنها، ودينها، وأمتها..؟!!.
غير أن هذا الحدث، وما تبعها من حركة المسلمين، الممتلئة إيمانا، وتصديقا، ومحبة: أخرسهم، وحطم قدرا كبيرا من آمالهم، وقد كانوا قطعوا شوطا في إعادة صياغة الإسلام، في صورة تختفي منها قضية الولاء والبراء، وعلو الإسلام، فجاء هذا الحدث فأعادها جذعا، فصار لزاما عليهم أن يبدءوا هذا التحريف والخلط من جديد، وبأسلوب آخر، وبجهد وحيلة أكبر، لإصلاح ما أفسده عليهم أولئك الذين يتكلمون بحقيقة ما في ضميرهم، وما تكنه قلوبهم، لعلهم يقدرون على تغيير عقيدة المسلم..!!.
وأنى لهم ذلك، والمسلمون اليوم أكثر فهما وإدراكا لحقيقة الولاء والبراء، بما رأوه من عدوانهم وعدواتهم للإسلام والمسلمين، بالحرب، والاحتلال، والتدمير، والنهب والحصار.. ؟!!. فما لم يفهموه على أيدي علمائهم، ومن كلام ربهم: فهموه من ظلم وعدوان الكافر.
ومن الحقائق التي عادت جذعا اليوم: الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم.


* * *

أدلة التصديق.

الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم يتضمن أمرين:

– الأول: تصديقه في رسالته ونبوته؛ أي كونه رسولا نبيا.
– الثاني: تصديقه فيما أخبر به، وأمر به؛ أي قبول خبره وأمره.
وهو فرض على كل: إنسان، عاقل، بالغ، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، ولا يصح الإسلام إلا به.
فالإسلام لا بد فيه من خضوع وانقياد، ولا يكون ذلك إلا بالتصديق. فمن كذب النبي ولم يصدق به في خبره، وفي أمره: لم يخضع له، ولم ينقد. ومن ثم لا يكون مسلما، فمن أنواع الكفر: كفر التكذيب ( وهو ضد التصديق)، والإعراض ( هو ضد الخضوع والانقياد).

وأدلة هذا الوجوب: شرعية، ومنطقية عقلية.

فالأدلة الشرعية، منها قوله تعالى:
الدليل الأول: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}.
فهذا نص صريح في وجوب الإيمان برسوليته صلى الله عليه وسلم: {ورسوله}. وبرسالته: {والنور الذي أنزلنا}، لا شيء يصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب.
الدليل الثاني: {ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا}.
وهذا النص عكس السابق، هناك أمر، وهنا وعيد لمن لم يؤمن، وفي كليهما قرن بين الإيمان بالله ورسوله، لكن هنا توعد من لم يؤمن بهما بالكفر والسعير، ومفهوم المخالفة: أن من آمن بهما نجى من الكفر والسعير.
الدليل الثالث: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين * والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}.
ودلالة الآية: أن أظلم الظلم: الكذب على الله تعالى بنسبة الولد إليه والصاحبة، ونحو ذلك، وكذا التكذيب بما جاء من عنده من صدق؛ أي تكذيب الوحي الذي جاء به الرسول الأمين. فهؤلاء ظالمون، كافرون، مثواهم جهنم. وضدهم المتقون، وهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالصدق، وهو القرآن، والمؤمنون المصدقون له فيما جاء به. فهذا نص صريح في كفر من كذب برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.


* * *

في أي شيء يصدّق ؟.

إن مبنى تصديقه فيما أخبر، يقوم على الإقرار له صلى الله عليه وسلم بالرسالة، فمن أقر له بالرسالة، وجب عليه تصديقه مطلقا.
أما الإقرار بأنه رسول من عند الله مع رد خبره وأمره الثابت، فهو تناقض وكفر.
والأخبار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أنحاء:
1- ثابت يقينا، قد تلقته الأمة بالقبول، مثل ما في الصحيحين عموما.
2- باطل يقينا، كالموضوعات والأحاديث الضعيفة غير المنجبرة.
3- ما بين ذلك، للعلماء فيها نظر واختلاف.
فأما الباطل، فرده وتكذيبه هو الواجب الذي لا ينبغي غيره؛ لأنه كذب على صاحب الشريعة.
وأما المختلف فيه، فلا إثم على من رده فلم يقبله، اعتمادا على بحث ونظر أدى إلى تضعيفه ورده، أو ثقة في قول عالم، من علماء الحديث والجرح والتعديل، رده بعلم ودراية.
لكن الشأن في الثابت يقينا، فلا يجوز رده ولا تكذيبه، فمن فعل ذلك فهو مكذب بالنبي غير مصدق له، أو مصدق لكنه معاند، ومن أنواع الكفر: العناد.
ووصف الثابت يقينا: هو ما أجمع أهل العلم بالحديث والجرح والتعديل، من أهل السنة والجماعة، على تلقيه بالقبول والتصحيح، والإجماع من الحجج الشرعية، التي لا يخالف فيها أحد من أهل العلم، لقوله تعالى:
– {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.
وفي هذا رد على من رفض قبول تصحيح أهل العلم بالحديث، بدعوى أنهم بشر يخطئون، فليست الحجة في آحادهم، بل في مجموعهم، ومجموعهم لا يجتمع على ضلالة، كما دلت الآية.

ومن أمثلة هذا الثابت بيقين:

1- جملة ما في صحيح البخاري ومسلم، دون جميع أفرادها، حيث انتقد بعض أحاديثهما، من جمع من المحدثين الثقات، المعروفين بالسنة والعدالة، لكن لا يصح أن يكون ذلك سببا في الطعن في شيء فيهما.
2- الآثار التي المتواترة، وهي التي رواها الجمع الكثير عن الجمع الكثير، العشرة فما فوق، حيث يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب.
3- أصول الآثار التي استقر اعتقاد أهل السنة والجماعة عليها، في أبواب الاعتقاد والشريعة.
وفرق بين الذي يرد الحديث باجتهاد في التصحيح والتضعيف، نظرا منه واجتهادا في تطبيق قواعد الجرح والتعديل، وبين الراد له بدون قاعدة، بل بالهوى والمزاج، فهذا قد يرد جميع الحديث، فلا يقبل ولا واحدا منه، إلا ما لاءمه ووافق ميولاته، فهذا مكذب غير مصدق؛ لأنه إن كان مصدقا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن يصدق أن دينه محفوظ بمصادره، وهي الكتاب والسنة، لكن رده للسنة يتضمن إنكار أن يكون دينه محفوظا، وهذا فيه إنكار للرسالة من أصلها.


* * *

تأويل في معنى التكذيب.

والتكذيب كما يكون برد ما ثبت ردا صريحا، فكذلك يكون بتأويل الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم تأويلا يخرجه عن معناه، ويبطل دلالته بالكلية، بقصد وتعمد. وهو مسلك يتبعه المنافقون الذين يلقبون بالباطنية، وهم: القرامطة، والإسماعيلية، والنصيرية، والدروز، وطوائف من الصوفية، الذين يزعمون أن للشريعة ظاهرا وباطنا، فظاهرها للعوام، وباطنها للخواص، ويجعلون المعاني الباطنة مخالفة تماما لدلالات النصوص.
وهي أيضا: طريقة جماعة من المعاصرين، من أصحاب الفكر الحديث، المدعين التزام الإسلام وتعظيمه، لكن بتأويل الشريعة، تأويلا يعطل: دلالتها، ومعانيها، وأحكامها. فما من حُكم ولا خبر لا يوافق أهواءهم، إلا ردوه وأولوه بما يتوافق مع أهوائهم، وركبوا لأجل ذلك طرق التحريف:
– فهذا النص والحكم كان لزمن ولظرف خاص، ولا ينفع في هذا العصر؛ لأن الظرف تغير.
– وهذا النص له تفسيرات أخرى في اللغة.
– وهذا النص يتعارض مع الحرية، والحرية من أسس الإسلام، فلا بد من تأويله.
– وفي هذه الأحاديث لسنا ملزمين بالأخذ بتصحيح بشر يخطئون.

وهكذا ما تركوا أمرا ولا خبرا، إلا ردوه معتمدين أهواءهم، مستدلين بكلام بعض العلماء مبتورا، أو مسيئين الفهم، أو قاصدين إساءة الفهم، فما حالهم إلا حال المكذب، وما فعلهم إلا فعل المكذب.
فلا ريب أن هذا كفر، كفر التكذيب الصريح، بل هو أخبث، إذ يوهم أن صاحبه معظم للشريعة، عامل بها، بينما هو محرف لها، معطل لأصولها وحقائقها، وهذا النوع من التكذيب المبطن الخفي لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم يشتهر وينتعش في حالتين:
– في حال غلبة الشريعة وهيمنتها، فيخاف أولئك المحرفون من إظهار تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم علنا وجهارا، فليجئون إلى طريقة الشريعة الباطنة.
– وفي حال غلبة التدين على الناس، حيث تعتمد فئة هذا الأسلوب لإضلال الناس عن دينهم وصرفهم عنه، فيفعلون هذا بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما فعل بولس بشريعة عيسى عليه السلام.


* * *

أصول التصديق.

من أهم هذه الأصول:
اعتقاد هيمنة شريعته على سائر الشرائع، كما قال تعالى:
– {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
– {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}.

وهذا الأصل ينضوي تحته ما يلي:

1- تصديقه أنه خاتم الأنبياء والرسل.

ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما}. قال ابن كثير( التفسير6/423):
"هذه الآية نص على أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده، فلا رسول بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، ولا ينعكس، وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة".

فلو ادعى مدع أنه نبي فهو كاذب، والكذابون كثير، وهم على صنفين:
– الصنف الأول: من يدعي النبوة صراحة، فيتسمى بها، كمسيلمة والأسود العنسي.
– الثاني: من ادعى مقاما كمقام النبوة، ولو سماه بمقام الولاية، أو غير ذلك، يزعم فيه أنه يتلقى وحيا كوحي الأنبياء، ولو لم يسمه وحيا، بل: إلهاما، وكشفا، وفراسة. وهو كاذب، إذ النبوة اسم ومقام، يتلقى فيه الوحي من الله تعالى، ولا يكون لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع الأمة.
فكل من ادعاه فقد افترى كذبا، سواء ادعى الاسم، أو ادعى الحقيقة والمضمون.

2- تصديقه أنه أرسل للناس كافة.

ويشهد لهذا آيات في القرآن، كقوله تعالى:
– {وما أرسلنا إلا كافة للناس بشيرا نذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
– {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}.
– {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}.
فرسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة لجميع البشر، بل والجن، كما هو ثابت من أخبار الجن في القرآن في سورة الجن، وآخر الأحقاف، وليست خاصة، وهي ميزة تفرد بها عن سائر الأنبياء، وبذلك لا يسع أحدا من العالمين أن يخرج عن شريعته، أو يرفض دعوته، أو يدعي أنها لا تلزمه.

3- تصديقه أن من لم يتبعه ولم يؤمن به فهو من أهل النار، سواء كان يهويا أو نصرانيا أو غير ذلك.

ويشهد لهذا أدلة كثيرة، كقوله تعالى:
– {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
– وقال: {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد}.
– وقال عليه الصلاة والسلام: ( والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار).

4- تصديقه أن شريعته التي أتى بها هي أحسن الشرائع، وأن دين الإسلام هو أحسن الأديان وأعلاها، وأن اليهودية والنصرانية لا تساويها بحال.

ويشهد لهذا أدلة كثيرة منها:
– قال تعالى: {ولا تهنوا لا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
– وقال صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه).

5- تصديقه في أن دينه شامل لكل أوجه الحياة ونشاطاتها، صغيرها وكبيرها، فلا يخرج عنه.

ويشهد لهذا قوله تعالى:
{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
فهذه القضايا من الأصول التي يجب تصديقها، والإيمان بها، والحاجة إلى التذكير بها في الوقت ماسة، لكثرة من يدخل في نفوس الناس الريب فيها، ومن يريد تعطليها ومحوها، وليعلم أن محوها محو للإسلام من أصله، فلا إسلام إلا بعلو في الأرض، فهو دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده، قال تعالى:
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.


* * *

تصديق مطلق:

هذا وإن من التصديق التصديق المطلق، ولو لم تدرك الحكمة، فإن من صدق أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ائتمنه على الشريعة، فهو مأمون، لا يكذب ولا يفتري، والله تعالى شهد له بهذا، فإذا كان كذلك وجب تصديقه من غير تردد، ولو لم تتبد له الحكمة، هذا حال المؤمنين:
– {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}.
– {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
– {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
لما أسري برسول الله عاد فأخبر قومه فكذبوه وارتد كثير ممن أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: "هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أن قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة".
فقال لهم أبو بكر: " والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه".
فسمي يومئذ الصديق تهذيب السيرة ص102


* * *

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

فلاش اكثر من رائع فيه شرح لغزوات الرسول السنة النبوية

الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه
والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد ..
غزوات رسول الله الله عليه

تفضلوا أيها الأحبة
صور توضيحية لجميع غزوات الرسول بفضل الله
.
جزاهم الله خيرا ..
نبدأ بسم الله
فلاش اكثر من رائع فيه شرح لغزوات الرسول
صلى الله عليه وسلم بطريقه سهله وميسره
ادخل هنا
http://www.saaid.net/flash/ghazwat.swf
لكم ودي واحترمي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

بشارات النبي في التوراة والإنجيل وأخلاقه وأصدقاؤه قبل البعثة – سنة النبي

[BACKGROUND="100 #000000"]

بشارات النبي في التوراة والإنجيل وأخلاقه وأصدقاؤه قبل البعثة







بسم الله الرحمن الرحيم

هو الصادق الأمين :


أيها الأخوة، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكيماً غاية الحكمة في تصرفه في وضع الحجر الأسود في مكانه، عقب ذلك أصبح عند قومه الصادق الأمين، والشيء الذي يلفت النظر أن النجاشي حينما سأل سيدنا جعفر عن الإسلام, فقال:
أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، و نقطع الرحم، ونسيء الجوار، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه
[أخرجه أحمد عن أم سلمة في مسنده]
كأن هذه الصفات الثلاث الصدق والأمانة والعفاف أركان القيم الأخلاقية، هذا الإنسان إن حدثك فهو صادق، وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف، نعرف أمانته وصدقه وعفافه، أما النسب فتاج يتوج به المؤمن، ولا قيمة للنسب من دون إيمان، والدليل :
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)
[سورة المسد الآية : 1-2]
أيها الأخوة, شمائله كانت كريمة، وفكره كان صائباً، ورأيه كان راجحاً، ومنطقه كان صادقاً، ونهجه كان أميناً، حتى وصلت كمالاته إلى الذروة،
لذلك أثنى الله على خلقه, فقال:

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
[سورة القلم الآية : 4]
وقد يكون الإنسان ذا خُلق، أما أن يكون على خُلق، أيْ متمكن فصعب، أحياناً الإنسان يستفز، فينشأ عنده صراع، ينتقم أو لا ينتقم، لو أن في النهاية انتصر على نفسه، ولم ينتقم، نقول : فلان ذو خُلق، أما إذا كان على خُلق، أي ليس عنده صراع، الموقف الكامل بديهي عنده، هو في أعماق الكمال، هو في قيم الكمال،



شهادة قريش على خلق النبي قبل البعثة :


أيها الأخوة, النبي عليه الصلاة والسلام عرف بالصدق والأمانة، وصلة الأرحام، ومساعدة الضعفاء، والبذل في الخير، فكانت قريش تلقبه بالأمين .
الإنسان مقسم إلى ثلاثة أثلاث، الثلث الأول يعرفه كل الناس، فلان الفلاني ابن فلان ، طويل، قوي، مثقف، طبيب، مهندس، تاجر، عامل, فلاح، هذا الثلث الأول، وثلث آخر لا يعرفه إلا المقربون إليه، من هؤلاء زوجته، من هؤلاء شريكه، من هؤلاء من هو معه ليلاً نهاراً، وثلث ثالث لا يعلمه إلا الله، والخطورة دائماً في هذا الثلث الأخير، فالإنسان له الظاهر ، والله يتولى السرائر .
فالسيدة خديجة من ألصق الناس به، لما جاءه الوحي، وخشي النبي شيئاً, وذكر للسيدة خديجة وهي زوجته، قالت: والله لا يخزيك الله أبداً, هذه كلها دلالات على خلق النبي محمد عليه الصلاة والسلام قبل بعثته .



أصحاب النبي قبل البعثه :


أيها الأخوة، من هم أصدقاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة؟ قالوا: قل لي من تصاحب, أقل: من أنت؟ الإنسان دائماً يصاحب من كان على شاكلته، فالكامل يحب الكامل, والصادق يحب الصادق، والأمين يحب الأمين، والعفيف يحب العفيف .
كقاعدة علمية: كل شخصية فيها تقريباً ألف سمة، والشخصية الثانية فيها ألف سمة ، كم سمة مشتركة بين الشخصيتين؟ هذه وراء المحبة والألفة، فكلما زادت النقاط المشتركة بين شخصيتين ازدادت المحبة والألفة، فأنت مثلاً يمكن أن تجلس مع أخ مؤمن عشر ساعات دون أن تمل منه، السبب لأن نقاط التشابه في شخصيتك تقابل نقاط التشابه في شخصيته، هناك نقاط مشتركة بين الشخصيتين .
فأصدقاء النبي صلى الله عليه وسلم, أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، هؤلاء أصدقاءه قبل البعثة، وأقول لكم: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي، ولا تصاحب إلا من ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، لذلك اعتنِ عناية فائقة بأصدقائك، هم عونك على طريق الإيمان،
قال تعالى:

(يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً)
[سورة الفرقان الآية : 27]
(لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً)
[سورة الفرقان الآية : 28]
أيها الأخوة، أهم شيء في الحياة أن يكون أخ لك في الله ينصحك وتنصحه، ويرشدك وترشده، ويأخذ بيدك وتأخذ بيده، هؤلاء الثلاثة عُرفوا بالأخلاق العالية، والنظرة السليمة، والبعد عن الرذائل، والتثقف بثقافة حسنة من معرفة الأحساب والأنساب، كما عُرفوا بإكرام الضيف، والإنفاق بالخير، وهذه الخصال الحميدة قربتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا أصدقاءه قبل البعثة .
أقول لكم من أعماق قلبي: اعتنوا بأصدقائكم، ابحث عن صديق تزداد به علماً، وتزداد به قرباً من الله .
بالمناسبة أيها الآباء، أيتها الأمهات، دققوا في أصدقاء أولادكم، في الدراسة النفسية أن الطفل أو الشاب يتأثر 40 % من مجموع التأثير بمعلميه، وأبيه وأمه، ومرشده، وكل من معه، ويتأثر 60 % من أصدقائه، فالأب الصالح، والأم الصالحة يدققا في أصدقاء ابنهما، لأن هؤلاء الأصدقاء إما أن يأخذوه إلى الهلاك، أو إلى الرقي في الدنيا .



إليكم بعض نصوص التوراة والإنجيل التي تبشر بظهور النبي :


أيها الأخوة، بشارات النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة توراة السامرة، وإنجيل برنابا، في هذين الكتابين المقدسين نصوص صريحة تبشر بظهور النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نص إنجيل برنابا على التصريح برسالة محمد صلى الله عليه وسلم،
مثال ذلك ما ورد في الإصحاح الحادي والأربعين عن إخراج آدم وحواء من الجنة، حيث نص على ما يلي:

فاحتجب الله، وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس، فلما التفت آدم رأى مكتوباً فوق الباب لا إله إلا الله محمد رسول الله
هذا في إنجيل برنابا .
وقد أيدت المخطوطات التي عُثر عليها في منطقة البحر الميت حديثاً ما ورد من إنجيل برنابا المذكورة .
وحين تحدث السيد المسيح عليه السلام إلى الحواريين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرهم أنه قادم إلى العالم،

سأله الحواريون: يا معلم من عسى أن يكون ذلك الرجل الذي سيأتي إلى العالم؟ أجاب يسوع بابتهاج قلب: إنه محمد رسول الله
ومثل هذه البشارات تتكرر في إنجيل برنابا في مواضع كثيرة، إذاً: هناك بشارات في التوراة والإنجيل تبشر بظهور النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي الإصحاح الثاني من إنجيل لوقة,
قوله:

الحمد لله في الأعالي، وعلى الدنيا السلام، وللناس أحمد
هذا في إنجيل لوقة .
والإصحاح السادس عشر من إنجيل لوقة يرد قول المسيح:

إن لم أنطلق يأتيكم الفار قليط
الفار لقيط هو لفظ سرياني مشتق من فاران، بمعنى مكة، وجبل فاران هو جبل حراء ، والقليط بمعنى المتحنث المتعبد، ويأتي بمعنى الحامد وأحمد، هذا أيضاً في إنجيل لوقة،
أما القرآن الكريم فالآية فيه صريحة:

(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)
[سورة الصف الآية : 6]
أيها الأخوة, قبل أن أمضي في متابعة هذه الفكرة, أقول لكم هذه الآية:
(يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)
[سورة البقرة الآية : 146]
هل هناك معرفة أصدق، وأقوى، وأمتن، وأعمق، وأكثر بديهية من معرفة الأب لابنه؟ هل هناك أب على وجه الأرض, يقول لابنه من أنت؟
أيها الأخوة, أما صفات النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته فقد وردت في كل من التوراة والإنجيل بشكل صريح، كما أخبر الله تعالى في القرآن الكريم, بقوله :

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)
[سورة الأعراف الآية : 157]
من؟ رسول الله:
(يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
[سورة الأعراف الآية : 157]
نصوص كثيرة في التوراة والإنجيل، وآيتان واضحتان صريحتان صارختان في القرآن الكريم تؤكد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم، وتؤكد صفات النبي صلى الله عليه وسلم .
إذاً: فالأخبار متوافرة بمعرفة أهل الكتاب بصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله تعالى بذلك عن أهل الكتاب كما ورد في القرآن الكريم في
قوله تعالى:

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)
[سورة البقرة الآية : 89]
أيها الأخوة، هناك فكرة دقيقة جدا،
يقول ابن إسحاق عن رجال من الأنصار:

إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه, لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا هم أهل كتاب، عندهم علم ليس عندنا، وكانت لا تزال بيننا و بينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون, قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وارم،
ولاشك أن يهود المدينة كانوا يعرفون أن زمان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد اقترب، لكنهم توهموا أنه منهم، وكانوا يزعمون أنه منهم، ويتوعدون به العرب, وقد بين الله سبحانه وتعالى أنهم يعرفونه بصفاته، وإنما أنكروا نبوته وجحدوها لما تبين لهم أنه من العرب,
قال تعالى:

(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)
[سورة البقرة الآية : 89]
ملك الروم هرقل كان يقول حينما استلم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم:
وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم،
كنت أعلم أنه خارج، يعني سيظهر نبي، ولم أكن أظن أنه منكم أيها العرب .



العناية الإلهية بسيدنا محمد :


أخواننا الكرام، يقول علماء السيرة: الله جل جلاله كان يكلأ النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحفظه ويحوطه من جاهلية الجاهلية،
يا ترى هل هذا شيء خاص بالنبي؟ فكل واحد منا موضع عناية الله عز وجل، بل يمكن أن نقول: إن الإنسان في العناية المشددة، لك رب كريم يرعاك رعاية تامة, فبطولتك أن ترضى عنه في المكاره كما في إقبال الدنيا .
الآن الإنسان حينما يتحرك، حينما يدرس، أو حينما يعمل، أو حينما يتاجر، أو حينما يسافر، أو حينما يتزوج، هذه الحركة حركة الإنسان في الحياة تكشف معدنه، في الامتحان يدرس ويكتب، أو يغش بالامتحان، في التجارة يصدق أو يكذب،
فحركة الإنسان في الحياة مجال لامتحانه,
قال الله تعالى:

(وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ)
[سورة المؤمنون الآية : 30]
إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
كلٌّ ميسَّر لما خُلق له
[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]
يعني أي إنسان على الإطلاق ميسَّر لما خُلق له
لماذا خُلق الإنسان؟ خُلق لجنة عرضها السموات والأرض، الدليل:
قال الله تعالى:

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)
[سورة هود الآية : 119]
فما منا واحد من ذكر وأنثى إلا وخُلق للجنة، إلا وخُلق ليسعده في الدنيا والآخرة، لذلك ولأن الله يعلم حقيقة الإنسان، وخصائص الإنسان، فالله جل جلاله ييسر كل مخلوق لما خُلق له، أي ييسره للجنة، فقد يقتضي أن تكون من أب معين، ومن أم معينة، وقد يقتضي أن تكون في زمن معين، وقد يقتضي أن تكون في مكان معين، وقد يقتضي أن تكون ذكراً، وقد يقتضي أن تكون أنثى، وقد يقتضي أن تكون لك ملامح خاصة، فكل دقائق حياتك دليل من تصميم الله عز وجل، ليكون عوناً لك لما خُلقت، هذه حقيقة مطلقة، كل ميسر لما خُلق له
أنت خُلقت للجنة، أنسب شيء لك أن تكون كذا أو كذا، في المكان الفلاني، في الزمان الفلاني، من الأب الفلاني، من الأم الفلانية، بخصائص معينة، هذا كله في خدمة هدفك الذي خُلقت من أجله وهو الجنة، وليس في الإمكان أبدع مما كان، وكلما ازددت إيماناً ازددت رضا عن الله عز وجل,
قال تعالى:

(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)
[سورة البينة الآية : 8]
أيها الأخوة, النبي صلى الله عليه وسلم اشتغل بالتجارة، وقد روي أنه شارك السائب ابن أبي السائب قبل بعثته، كان له شريك، وكان تاجر، فلما كان يوم الفتح فتح مكة، جاءه السائب, فقال صلى الله عليه وسلم له:
مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري
[رواه وأحمد عن أبي السائب في مسنده]
يعني لا يجادل ولا يدافع، النبي صلى الله عليه وسلم كان شريكاً مضارباً بمال خديجة، ورعى الغنم، وذاق مر الحياة وحلوها، وذاق النصر والقهر، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وموت الولد، وطلاق البنات، فكل ما يعتري الإنسان في حياته ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مثلاً أعلى .
أيها الأخوة، دققوا في هذه القاعدة التي سأضعها بين أيديكم، البطولة ليس أن تنجو من مشكلة أو من مصيبة، أو من محنة، أو من امتحان، أو من ابتلاء، البطولة أن تقف الموقف الكامل من هذا الابتلاء، قد يبتلى الإنسان بزوجة سيئة، بطولته أن يقف الموقف الكامل منها فيصبر عليها فيرقى عند الله .
قد يبتلى بابن متعب، قد يبتلى بجار، قد يبتلى بصديق، قد يبتلى بالفقر، قد يبتلى بالمرض، قد يبتلى أن يفقد حريته لأمد، فليست البطولة ألا تصيبك مصيبة، ولكن البطولة أن تقف الموقف الكامل من أي شيء يصيبك .
شيء يلفت النظر، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم عصمه الله من الكفر قبل البعثة ، وجنبه عبادة الأوثان التي عبدها قومه، فلم يعبدها، ولم يقدم لها القرابين، ولم يكن يأكل مما يذبح على النصب، وكان يستمسك بإرث إبراهيم .
كان عليه الصلاة والسلام يطوف بالكعبة المشرفة، وقد طاف معه مولاه زيد بن حارثة مرة، فلمس زيد بعض الأصنام، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حلف زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مس منها صنماً حتى أكرمه الله بالوحي، وكان التعري عند الطواف مألوفاً في الكعبة، وعصم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطوف عرياناً.
مرةً استخدم أجيراً، فتعرى هذا الأجير ليغتسل أمام الملأ،
فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الأجير:

لا أراك تستحي من ربك خذ إجارتك لا حاجة لنا بك
[ورد في الأثر]
فقبل البعثة، وقبل الوحي كان عليه الصلاة والسلام قمة في الحياء، وقمة في الورع .




والحمد الله رب العالمين










[/BACKGROUND]

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

صفّوا النّــية

أروع قصة في صفاء النية

كان طلحة بن عبدالرحمن بن عوف
أجود قريش في زمانه
فقالت له امرأته يوما :
ما رأيت قوما أشدّ لؤْما منْ إخوانك .
قال :
ولم ذلك ؟
قالت :
أراهمْ إذا اغتنيت لزِمُوك ، وإِذا افتقرت تركوك !
فقال لها :
هذا والله من كرمِ أخلاقِهم !
يأتوننا في حال قُدرتنا على إكرامهم..
ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بِحقِهم !

علّق على هذه القِصة الإمام الماوردي فقال :

انظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فِعلهم حسنا ، وظاهر غدرِهم وفاء.

وهذا والله يدل على ان سلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة وهي من أسباب دخول الجنة .

(ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين )

اللهم أرزقنا قلوبا سليمة..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

لكنى أفقد جلبيبا من السنة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من الأمور التي أكدت عليها السنة النبوية أن ميزان الرجال لا يكون بالحسب والنسب، أو المال والمنصب، أو الصور والمناظر، ولكن بتقوى الله والعمل الصالح، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ( خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسط أيام التشريق في حجة الوداع، فقال: أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغتُ؟، قالوا : بلى يا رسول الله، قال : فليُبلغ الشاهدُ الغائب ) رواه أحمد، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم ) رواه مسلم .

ومن المواقف النبوية الدالة على أن الميزان الصحيح الذي يوزن به الرجال هو الدين والتقوى : موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صحابي فقير اسمه جليبيب ـ رضي الله عنه ـ، ليس من أعلام وكبار الصحابة، ومع ذلك قال عنه ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هذا مني وأنا منه ) .
قال عنه ابن الأثير: " جليبيب بضم الجيم، عَلَى وزن قنيديل، وهو أنصاري، له ذكر في حديث أَبِي برزة الأسلمي في إنكاح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابنة رجل من الأنصار، وكان قصيرًا دميمًا " .
وقال عنه ابن حجر: " غير منسوب .. أي لا يعرف نسبه "، ولكن ذكره أبو الفرج بن الجوزي في كتابه ( صفة الصفوة ) عن ابن سعد قال: " وسمعت من يذكر أن جليبيبًا كان رجلاً من بني ثعلبة حليفًا في الأنصار " .

أما قصته وموقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معه فيرويها أبو بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ ـ رضي الله عنه ـ فيقول : ( كانت الأنصار إذا كان لأحدهم أَيِّمٌ لَمْ يُزَوِّجْهَا حَتَّى يَعْلَمَ هل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها حاجة أم لا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لرجل من الأنصار: زوجني ابنتك، فقال: نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رسول الله، وَنُعْمَ عَيْنِى، فقال: إِنّى لسْتُ أُريدها لنفسي، قال: فَلِمَنْ يا رسول اللَّه؟ قال: لِجُلَيْبِيبٍ، قال: فقال: يا رسول الله أشاور أمها، فأتى أمها فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك، فقالت: نعم، ونعمة عيني، فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه، إنما يخطبها لجليبيب، فقالت: أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟، أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ؟! لاَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تُزَوَّجُهُ، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخبره بما قالت أمها، قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها، فقالت: أتردون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره، ادفعوني فإنه لم يضيعني، فانطلق أبوها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره، قال: شأنك بها، فزوجها جليبيبا، قال: فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة له، قال: فلما أفاء الله عليه، قال لأصحابه: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانا، ونفقد فلانا، قال: انظروا هل تفقدون من أحد؟، قالوا: لا، قال: لكني أفقد جليبيبا، قال: فاطلبوه في القتلى، قال: فطلبوه، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله، ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقام عليه، فقال: قتل سبعة وقتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه، مرتين، أو ثلاثا، ثم وضعه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ساعديه، وحفر له، ما له سرير إلا ساعدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم وضعه في قبره، ولم يذكر أنه غسله ) رواه أحمد .
قال النووي: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( هذا مني وأنا منه ): معناه المبالغة في اتحاد طريقتهما، واتفاقهما في طاعة الله تعالى " .

وفي الموقف النبوي مع جليبيب ـ رضي الله عنه ـ فوائد كثيرة، منها :

حب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ، وعنايته واهتمامه بأحوالهم، والسعي في قضاء حوائجهم، فكان لهم نِعْمَ الصاحب لأصحابه، يسعد لسعادتهم، ويحزن لحزنهم، ويسعى لتفريج كرباتهم، وقد ظهر ذلك في اهتمامه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأمر جليبيب ـ رضي الله عنه ـ ووساطته في زواجه .
ـ المكانة العظيمة التي تبوأها جليبيب ـ رضي الله عنه ـ وحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشديد له، مما جعله يتفقده ويسأل عنه، ثم يجعل ساعديه له سريرا بعد استشهاده، ويقول مرتين عنه: ( هذا مني وأنا منه )، وقبل ذلك ما ناله من شرف الشهادة في سبيل الله .
ـ منزلة الإنسان في ميزان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنته تكون على قدر تقواه، وبمقدار ما يقدم من تضحيات لأجل دينه، ولا عليه بعد ذلك أن يكون فقيرا، أو دميم الخِلقة، أو ضعيف النسب، وقد قال عن جليبيب ـ رضي الله عنه ـ: ( هذا مني وأنا منه ) رواه أحمد .

لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

فقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّرِيْفَ أَبَا لَهَبْ

ـ عاقبة طاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير في الدنيا والآخرة، فقد قال ابن كثير في حديثه عن قصة جليبيب ـ رضي الله عنه ـ: " وذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر في " الاستيعاب ": أن الجارية لما قالت في خِدرها: أتردون على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره؟ تلت هذه الآية: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا }(الأحزاب:36) " .
وقد قبلت الفتاة بالزواج من جليبيب ـ رضي الله عنه ـ رغم فقره ودمامة خلقته، طاعة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكان من آثار استجابتها وطاعتها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن دعا لها بقوله: ( اللَّهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا ) رواه البيهقي، فأدركتها بركة دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فما كان في الأنصار أيم ( من لا زوج لها ) أنفق منها، قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: " فما رأَيْتُ بالمدينةِ ثيِّبًا أنفَقَ منها ( أي كثيرة النفقة والخير والأموال )، وما كادت تنتهي عِدَّتها حتَّى تسابق إليها الرجال يخطبونها " .

ما فعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع جليبيب ـ رضي الله عنه ـ وقوله عنه بعد استشهاده: ( هذا مني وأنا منه )، نتعلم منه الميزان الصحيح الذي يوزن به الرجال وهو تقوى الله ـ عز وجل ـ، وأن مكانة الناس في قلوبنا تكون على حسب إيمانهم وتقواهم وصلاح أعمالهم، ولو كانوا فقراء ..

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

من نوادر الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله الهبدان

من نوادر الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله الهبدان




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لقد ضرب الجيل الفريد أروع الأمثلة، وأجمل الصور في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدقوا الله ما عاهدوه، من نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإعانته، فرضي الله عنهم وأرضاهم.
وهذه مجموعة من المواقف والأحداث التي تكشف لنا حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنبيهم عليه الصلاة والسلام، ومدى ما قدموه من بذلٍ للأنفس والأموال والأوقات، فمن تلك المواقف الرائعة:
لما رفع كفار قريش خبيباً رضي الله عنه على الخشبة ونادوه يناشدونه: "أتحبّ أن محمدمكانك؟!. قال: لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه، فضحكوا منه"(1).
وترّس أبو دجانة يوم أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره، والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرك(2).
ومصّ مالك الخدري جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنقاه، فقال له صلى الله عليه وسلّم: "مجه. قال: والله ما أمجّه أبداً" (3).
وقال زيد بن ثابت: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي: إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى لله عليه وسلم: كيف تجدك؟!.
قال: فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم، فقلت: يا سعد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟!.
فقال: على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام: قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة. وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف. وفاضت نفسه من وقته"(4).
وروت عائشة [ ] رضي الله تعالى عنها، أنه "لما اجتمع أصحاب النبي [ ] صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليهوسلم في الظهور، فقال: يا أبا بكر إنا قليل، فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى اللهعليه وسلم، وتفرّق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوهم في نواحي المسجد ضربًا شديدًا، ووُطئ أبو بكر وضُرِب ضربًا شديدًا، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، ويُحرِّفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر رضي الله عنه، حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاءت بنو تيم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولا يشكّون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة (والده) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار، فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئًا أو تسقيه إياه، فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالت: والله ما لي علم بصاحبك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله. فقالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعًا دنفًا، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح، وقالت: والله إن قومًا نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر، إنني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلا شيء عليك منها، قالت: سالم صالح. قال: أين هو؟! قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعامًا ولا أشرب شرابًا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجْل وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فأكب عليهرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورقَّ له رسول الله صلى اللهعليه وسلم رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي وأمي يا رسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولده، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها، عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاها إلى اللهفأسلمت"(1).
ولم يكن هذا التفاني، وذاك الحب [ ] خاصا بالرجال فحسب، بل حتى النساء [ ] ضربن أروع الأمثلة في البذل والفداء، والتضحية والعطاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهر من صدق الحب [ ] له عليه الصلاة والسلام من هن الشيء العظيم، والمواقف هي التي تكشف هذا الأمر، فمن تلك المواقف:
خرجت امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالوا: خيراً هو بحمد الله كما تحبين! قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل" (2).
و لما قدم أبو سفيان المدينة، دخل على ابنته أم حبيبة "فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟! "
قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس" (3).
وأخيراً: يجسد لنا عروة بن مسعود الثقفي مدى محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو الرجل الذي وفد على الكثير من الملوك، فيقول في ذلك:
"أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضٌوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدُّون إليه النظر تعظيماً له" (4).
فيا ترى: ما موقفنا من محمد صل الله عليه وسلم؟!.

__________________

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

30 قصة بلسان النبي صلى الله عليه وسلم السنة النبوية

في هذا الموضوع سنستعرض قصصاً رويت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم –
ويلي كل قصة بعض الثمرات التي تجتنى منها

نفعني الله وإياكم بها

القصة الأولى
النجـاة بصالح الأعمال


؛
القصة الثانية
القاتل التائب يرحمه الله

؛
القصة الثالثة
بالواحــد تهتدي أمـة



؛
القصة الرابعة
برحمته أحلت الغنائم

؛
القصة الخامسة
الشِّفاء بالرقية


؛
القصة السادسة
نزول القرآن والدعوة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

دمعات عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم – في الاسلام

دمعات عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم

كم أحبته القلوب ..
وذرفت لسيرته الدموع ..
وتتجمع أروع الأشواق عند ذكره ..
في ذروة المعركة لا احد فيهم يهتم بنفسه ..
كلهم همهم واحد ..
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
احدهم تقطع يديه اليمنى ثم اليسرى ..
وتسيل دمائه .. ويدخل السيف جوف قلبه
ولا يزيد عن .. وما محمد إلا رسول قد خلت من قبلة الرسل

كم أحبوك!!!
ويأتي احدهم يسير بين الطرقات .. يبحث عن النور
تحرك عيناه يمنة ويسره ..
ها قد وجده عليه الصلاة والسلام
يا رسول الله ستكون في أعلى درجات الجنة ..
ولن نراك يا رسول الله في الجنة ..
وإنا نحبك ونريد أن نكون معك في الجنة
فيقول له صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت
يقول الصحابة هذا أفضل ما سمعنا
سبحان الله
يخافون أنهم لن يروه في الجنة .. يريدون صحبته في الدنيا والآخرة
ونحن الله المستعان

هل وصلنا لهذا المنزلة ؟؟
نخاف أننا لن نراه في الجنة ؟؟
هل هذا احد همومنا ؟؟
والله إننا لنحبك يا رسول الله .. والله إننا لنحبك يا رسول الله

خرج حبيبنا عليه الصلاة والسلام إلى السوق
فرأى أحد أصحابه واسمه زاهرا ..!
وكان عليه أزكى صلاة وأتم تسليم يحبه
فأحتضنه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلفه ..
والرجل يحاول الفكاك ..والحبيب قابض عليه
فينادي عليه الصلاة والسلام في السوق بأعلى صوته ..
من يشتري هذا العبد ..من يشتري هذا العبد
والناس من حوله يجتمعون
وكم يتمنون أن الحبيب يحضنهم ويمازحهم
فينادي .. من يشترى هذا العبد
والصحابي يحاول الفكاك
فعرف الصحابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ..
أن خليل الله يحتضنه..أن الحبيب خلفه..أن النور يقبضه بيديه ..
أن الذي تتفطر قدماه من قيام الليل بجانبه ..
أن من يحادث جبريل خلفه ..

فتسيل دموع الصحابي فرحا وهيبة
يا رسول الله .. يا رسول الله..
إذن تجدني كاسدا
لا انفع أن تبيعني .. لست أهلا لأن أكون بضاعتك
إذن والله تجدني كاسدا
فيقول له الحبيب رافعا من قدره

لكنك عند الله لست بكاسد
أنت عند الله غال .. أنت عند الله غال
فما أحسن خلقك يا رسول الله .. وأحسن صحبتك .. وطيب مخالطك ..
وروعة مداعبتك

كم كان كريما معطاء
كانت عنده تسعون ألف درهم من الذهب
وضعها على حصير ..
فقسمها على الناس ولم يبقى منها شيء
جاءه رجل يهديه بضعًا من الرطب والقثاء
فأهداه الحبيب ملء يديه ذهبا
وجاءه احدهم يسأله مالاً ..
فيقول له ما عندي شيء ..ولكن أشتري ما شئت وأنا أقضيه عنك

يوم أحد
شجّت وجنتاه .. كسرت رباعيته ..شجّ رأسه .. الدماء تسيل منه
فإذا به يدعوا الله عز وجل
اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .. اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
كان ذات ليلة يردد
قام الليل يردد آية ..
(إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )

ما أرأفه بنا!!
تمر الشهور ولا توقد النار في بيته
كم صبر حبيبنا
صبر على الجوع .. صبر على فقد أحبابه ..صبر على البلايا
هل حقاً أننا نحبه ؟؟
هل اتبعنا ما جاء به ؟؟
هل افتخرنا بسنته ؟؟
هل نعتزّ بإسلامنا ؟؟

نعم انه لـ شرف لنا ..
اللهم ارزقنا محبته …
وارزقنا فـــي الجنه صحبته



منقول

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

رسول الله .. رقة الشعور ونبل العاطفة – سنة النبي

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعباء النبوة والدعوة، وهم الإنسانية والأحزان والأثقال التي لا تحملها الجبال الراسيات قد تجلى فيه الشعور الإنساني الرقيق، والعاطفة الإنسانية النبيلة، في أجمل مظاهرهما.
لم ينس صلى الله عليه وسلم أصحاب أحد
فمع صرامته وقوة عزيمته التي يمتاز بها الأنبياء، والتي كانت لا تقيم في سبيل الدعوة وإعلاء كلمة الله، وامتثال أوامره لشيء قيمة أو وزنا، لم ينس أصحابه الأوفياء الذين لبّوا دعوته، وبذلوا في سبيل الله مهجهم وأرواحهم، واستشهدوا في معركة أحد إلى آخر يوم من أيام حياته، فكان يذكرهم، ويدعو لهم، ويزورهم، وسرى هذا الحب إلى المكان الذي قامت فيه هذه المعركة، والجبل الذي شاهدها، والبلد الذي احتضنه، فروى عنه الصحابة رضي الله عنهم أنه قال: "هذا جبل يحبنا ونحبه" [1].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد، فقال: "هذا جبل يحبنا ونحبه" [2].
وعن أبي حميد قال: "أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك حتّى إذا أشرفنا على المدينة، قال: "هذه طابة، وهذا جبل يحبنا ونحبه" [3].
وعن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت [4].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر أصحاب أحد: "أما والله، لوددت أنّني غودرت مع أصحاب نحض [5] الجبل" [6].
مع عمه حمزة بن عبد المطلب
وقد احتمل شهادة عمه وأخيه في الرضاعة، والذي غضب له، ودافع عنه بمكة، واستشهد في معركة أحد، ومُثَّل به تمثيلا لم يمثّل بأحد من القتلى، فاحتمل كل ذلك في صبر أولي العزم من الرسل، ولكنه لمّا دخل المدينة راجعا من أحد، ومر بدار بني عبد الأشهل، فسمع البكاء، ونوائح على قتلاهم، فحرك ذلك في نفسه الشعور الإنساني النبيل، فذرفت عيناه، ثم قال: "لَكُنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ" [7].

ولكنّ هذا الشعور الإنساني النبيل لم يستطع أن يقهر الشعور بمسؤولية النبوة والدعوة والوقوف عند حدود الله، فقد روى أصحاب السير أنه لمّا رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما إلى دار بني عبد الأشهل أمر نساءهم أن يحتزمن، ثم يذهبن، ويبكين على عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلن، ولمّا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهن على حمزة، خرج عليهن، وهن في باب المسجد يبكين، فقال: "ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتنّ بأنفسكنّ".
وروي أنّه قال: "ما هذا؟" فأخبر بما فعلت الأنصار بنسائهم، فاستغفر لهم، وقال لهم خيرا، وقال: "ما هذا أردت، وما أحب البكاء" ونهى عنه [8].
مع وحشي بن حرب رضي الله عنه
وأدق من هذه المواقف كلها موقف وقفه مع وحشي، قاتل أسد الله وأسد رسوله حمزة رضي الله عنه، فلما فتح الله للمسلمين مكة، ضاقت على وحشي بن حرب المذاهب، وفكر في اللحوق بالشام واليمن وببعض البلاد، وأظلمت عليه الدنيا، فقيل له: ويحك إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه، فتشهد شهادة الحق، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه الإسلام، ولم يفزعه، وسمع منه قصة قتل حمزة، فلما فرغ من حديثه تحرّك فيه ذلك الشعور الإنساني الرقيق، من غير أن يزاحم طبيعة منصب النبوّة الرفيع، فيرفض إسلامه أو يثور فيه الغضب، فيقتله شفاء للنفس، ولم يزد أن قال:

"ويحك غيب عني وجهك، فلا أرينك" ، قال وحشي: وكنت أتنكَّب [9] رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلَّا يراني، حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلم [10].
وفي رواية البخاري: فلمّا رآني قال: "أنت وحشي؟" .
قلت: نعم.
قال: "أنت قتلت حمزة؟"
قلت: قد كان من الأمر ما بلغك.
قال: "فهل تستطيع أن تغيِّب وجهك عنِّي؟" [11].

عند قبر أمه آمنة بنت وهب
ومن مظاهر هذا الشعور الإنساني الرقيق، والعاطفة النبيلة أنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى رسم قبر فجلس، وأدركته الرقة، فبكى، وقال: "هذا قبر آمنة بنت وهب" ، وذلك حين مضت على وفاتها مدة طويلة

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان – سنة النبي

هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- في رمضان





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:


فقد أرسل الله-تعالى-رسوله محمد – عليه الصلاة والسلام – هادياً ومعلماً للناس جميعاً، ولا يحصل إسلامٌ صحيح للعبد إلا باتباع ما جاء به في كل صغيرة وكبيرة، فاتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – أحد ركائز دين الإسلام وأساسياته، ومن أعظم مسلَّمات الشريعة والأمور المعلومة منها بالضرورة، وقد استفاضت النصوص الشرعية في بيان ذلك والتأكيد عليه، ومن ذلك قوله -عز وجل-: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا سورة الحشر: 7، وقوله -عز وجل-: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا سورة النساء: 80.

والواجب على المسلم معرفة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته واتباعه والاقتداء به، قال -عز وجل-: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا سورة الأحزاب: 21. ومن ذلك هديه -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، واتباعه في ذلك ..

أولاً: القصد من الصوم:


قال ابن القيم -رحمه الله-: 1"لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه، وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئاً، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترَك محبوبات النفس، وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سرٌ بين العبد وربه لا يطّلع عليه سواه، والعبادُ قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمرٌ لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم، وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها, ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى كما قال-تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ سورة البقرة: 183.
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "الصوم جُنَّة2", وأمر من اشتد عليه شهوة النكاح، ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وجاء هذه الشهوة3.
وكان هدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيه أكمل الهدي، وأعظم تحصيل للمقصود، وأسهله على النفوس.


فرض صوم رمضان:



قال "ابن القيم" – رحمه الله -: وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد صام تسع رمضانات، وفرض أولاً على وجه التخيير بينه وبين أن يُطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصيام، فإنهما يفطران ويُطعمان عن كل يوم مسكيناً.


من هديه – صلى الله عليه وسلم – في شهر رمضان:


وقال – أيضاً-: وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل -عليه السلام- يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن, والصلاة، والذكر والاعتكاف.
وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور، حتى إنه كان ليواصل فيه أحياناً ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له: إنك تواصل، فيقول: "لست كهيئتكم إني أبيت" – وفي رواية: إني أظَلَّعند ربي يطعمني ويسقيني"4, وأيضاً: فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما نهاهم عن الوصال فأبوا أن ينتهوا واصل بهم يوماً، ثم يوماً، ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم"5 كالمنكِّل لهم حين أبوا أن ينتهوا عن الوصال.. وفي لفظ آخر: "لو مُد لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم" أو قال: "إنكم لستم مثلي، فإني أظَلُّ يطعني ربي ويسقيني"6, وقد نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الوصال رحمة للأمة، وأذن فيه إلى السَحَر.
وقال رحمه الله: وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – أن لا يَدْخُل في صوم رمضان إلا برؤية محققة، أو بشهادة شاهد واحد، كما صام بشهادة ابن عمر، وصام مرة بشهادة أعرابي، واعتمد على خبرهما، ولم يكلفهما لفظ الشهادة. فإن كان ذلك إخباراً فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد، وإن كان شهادة، فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة.
فإن لم تكن رؤية ولا شهادة، أكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً.
وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب، أكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صامه. ولم يكن يصوم يوم الإغمام، ولا أمر به، بل أمر بأن تكمَّل عدة شعبان ثلاثين إذا غُمَّ، وكان يفعل كذلك، فهذا فعله، وهذا أمره، ولا يناقض هذا قوله:"فإن غم عليكم فاقدروا له"7, فإن القدر: هو الحساب المقدر، والمراد به الإكمال، كما قال: "فأكملوا العدة" والمراد بالإكمال، إكمال عدة الشهر الذي غم، وقال – صلى الله عليه وسلم -: "الشهر ثلاثون، والشهر تسعة وعشرون، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين"8.
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم -، أمرُ الناس بالصوم بشهادة الرجل الواحد المسلم، وخروجهم منه بشهادة اثنين.. وكان من هديه إذا شهد الشاهدان برؤية الهلال بعد خروج وقت العيد، أن يفطر، ويأمرهم بالفطر، ويصلي العيد من الغد في وقتها..
وكان – صلى الله عليه وسلم – يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة، أدعى إلى قبوله.
وكان – صلى الله عليه وسلم – يفطر قبل أن يصلي، وكان فطره على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها، فعلى تمرات، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء.
ويذكر عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يقول عند فطره: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، فتقبل منّا إنك أنت السميع العليم وهو ضعيف9.. وروي عنه أنه كان يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"10.
ويذكر عنه – صلى الله عليه وسلم -: "إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد"11.
وأما فيما يخص بتحديد وقت الإفطار فقد قال "ابن القيم"- رحمه الله -: وصح عنه أنه قال: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم"12, وفُسِّر بأنه قد أفطر حكماً، وإن لم ينوه، وبأنه قد دخل وقت فطره، كأصبح وأمسى.
ولقد نهى – صلى الله عليه وسلم – الصائم عن الرفث، والصخب والسباب، وجواب السباب فأمره أن يقول لمن سابه: إني صائم، فقيل: يقوله بلسانه وهو أظهر، وقيل: بقلبه تذكيراً لنفسه بالصوم، وقيل يقوله في الفرض بلسانه، وفي التطوع في نفسه، لأنه أبعد عن الرياء.
وسافر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في رمضان، فصام وأفطر، وخيَّر الصحابة بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقوّوا على قتاله.. فتنبيه الشارع وحكمته، يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر، فكيف وقد أشار إلى العلة، ونبَّه عليها، وصرح بحكمها، وعزم عليهم بأن يفطروا لأجلها، ويدل عليه، ما رواه عيسى بن يونس عن شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمرو يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه يوم فتح مكة: "إنه يوم قتال فأفطروا"13. فعلل بالقتال ورتب عليه الأمر بالفطر بحرف الفاء، وكل أحد يفهم من هذا اللفظ أن الفطر لأجل القتال. وأما إذا تجرد السفر عن الجهاد فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في الفطر: "هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه"14.
وسافر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان في أعظم الغزوات وأجلِّها في غزاة بدر، وفي غزاة الفتح. قال عمر بن الخطاب: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم – في رمضان غزوتين: يوم بدر والفتح، فأفطرنا فيهما. ولم يكن من هديه – صلى الله عليه وسلم – تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد، ولا صح عنه في ذلك شيء.. وقد أفطر دحية بن خليفة الكلبي في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن صام: قد رغبوا عن هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -.
وكان الصحابة ينشئون السفر، فيفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون أن ذلك سنته وهديه – صلى الله عليه وسلم -. كما قال عبيد بن جبر: ركبت مع أبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفينة من الفسطاط في رمضان، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسُفرة.. قال: اقترب. قلت: ألستَ ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟15.
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله، فيغتسل بعد الفجر ويصوم.. وكان يُقبِّل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان.. وشبَّه قُبلة الصائم بالمضمضة بالماء.
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – إسقاط القضاء عمن أكل أوشرب ناسياً، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه16, فليس هذا الأكل والشرب يضاف إليه، فيفطر به، فإنما يفطر بما فعله، وهذا بمنزلة أكله وشربه في نومه، إذ لا تكليف بفعل النائم ولا بفعل الناسي..
قال أي ابن القيم": والذي صح عنه – صلى الله عليه وسلم -: "أن الذي يُفطر به الصائم، الأكل والشرب، والحجامة والقيء، والقرآن دال على أن الجماع مفطر كالأكل والشرب، لا يعرف فيه خلاف ولا يصح عنه في الكحل شيء..
وصح عنه أنه كان يستاك وهو صائم.. وذكر الإمام أحمد عنه، أنه كان يصب الماء على رأسه وهو صائم.. وكان يتمضمض ويستنشق وهو صائم، ومنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق. ولا يصح أنه احتجم وهو صائم..
وقال إسحاق: قد ثبت هذا من خمسة أوجه عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.. والمقصود، أنه لم يصح عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه احتجم وهو صائم، ولا صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره، بل قد روي عنه خلافه.
وروي عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه اكتحل وهو صائم، وروي عنه أنه خرج عليهم في رمضان وعيناه مملوءتان من الإثمد، ولا يصح، وروي عنه أنه قال في الإثمد: "ليتقه الصائم"17 ولا يصح18 .
فهذا شيء من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر الكريم، نسأل الله العون على التأسي به، والاقتداء بسنته، صلى الله عليه وسلم..

والحمد لله رب العالمين,,,


1 – زاد المعاد

2– أخرجه البخاري ومسلم.

3– إشارة إلى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فيلتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء.

4– رواه البخاري ومسلم.

5– رواه البخاري ومسلم.

6 – صحيح مسلم.

7 – رواه البخاري ومسلم.

8– رواه مسلم.

9– الحديث رواه أبو داود وهو ضعيف، انظر ضعيف أبي داود للألباني رقم 510 .

10– رواه أبو داود وهو حديث حسن، انظر صحيح أبي داود للألباني رقم 2066.

11– رواه ابن ماجه وهو حديث ضعيف، انظر ضعيف ابن ماجه للألباني رقم 387. لكن قد صح حديث: ثلاثة لا ترد دعوتهم.. وذكر منهم الصائم حتى يفطر

12– رواه البخاري ومسلم.

13 – رجاله ثقات كما قال محقق زاد المعاد.

14– رواه مسلم والنسائي.

15– رواه أبو داود وأحمد والدارمي وهو حديث صحيح، انظر صحيح أبي داود للألباني رقم 2109.

16– ثبت هذا عنه في البخاري ومسلم.

17 – رواه أبو داود، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود رقم 514.وقال في إرواء الغليل منكر رقم 936.

18– انظر زاد المعاد 2/53.










لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده