التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

الغزوات والسرايا قبل بدر دروس وعبر – سنة النبي

بمجرد الاستقرار الذي حصل للمسلمين بقيادة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة، وقيام المجتمع المسلم الجديد، كان لابد أن تنطلق الدعوة الإسلامية إلى نشر التوحيد، وإخراج الناس من الضلالة إلى الهدى، فليست الأمة الإسلامية جمعا من الناس تعيش بلا غاية، أو تسير في الحياة إلى أي وجهة، كلا، فالمسلمون أصحاب عقيدة تحدد صلتهم بالله، وتوجه سيرهم في الحياة، وتنظم شئونهم في الداخل والخارج، وفي السلم والحرب ..

ومن ثم أخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه في إعداد العدة وتجهيز القوة لمواجهة الكفر وأهله، وأراد المسلمون توجيه رسالة قوية إلى قريش من خلال حصارها، وكذلك إشعار يهود المدينة ومنافقيها والأعراب بأن المسلمين أقوياء، وأن فترة الاستضعاف السابقة قد أدبرت..

وكما هو معروف في فن الحروب، أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، وقريش مازالت مصممة على خوض المعركة مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، للقضاء على المجتمع المسلم الجديد في المدينة، فكان من حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أن جعل المبادرة في الحرب والقتال منه، فكثر في السنة الأولى بعد قدومه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة ، البدء بالهجوم على قريش في غزوات وسرايا، استمرت من رمضان في السنة الأولى إلى رمضان في السنة الثانية، وكلها حدثت قبل غزوة بدر، وكان من أهمها :

سرية سيف البحر

في رمضان من السنة الأولى، أمَّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذه السرية حمزة ـ رضي الله عنه ـ، وبعثه في ثلاثين رجلاً من المهاجرين، يعترضون عيراً لقريش جاءت من الشام، وفيها أبو جهل في ثلاثمائة رجل، فبلغوا سيف البحر، فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى مجدي بن عمرو الجهني ـ وكان حليفاً للفريقين جميعاً ـ بين هؤلاء وهؤلاء حتى حجز بينهم ، فأطاعوه وانصرفوا ولم يقع بينهم قتال .

سرية عبيدة بن الحارث

في شوال من السنة نفسها، سار عبيدة بن الحارث في ستين من المسلمين، فالتقى بمائتي مشرك على رأسهم أبو سفيان ، ووقعت مناوشات بين الطرفين على ماء بوادي رابغ، ورمى فيها سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ بسهم، فكان أول سهم رمي به في الإسلام.

سرية الخرار

الخرار مكان قرب الجحفة، ففي ذي القعدة خرج سعد بن أبي وقاص في نحو عشرين رجلا، يعترض عيرا لقريش ففاتته.

غزوة الأبواء أو ودَّان

ودان مكان بين مكة والمدينة، والأبواء موضع بالقرب منه، وهي أولى الغزوات التي غزاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنفسه ، وكان عدد المسلمين مائتين بين راكب وراجل، ولم يقع قتال في هذه الغزوة ، بل تمت موادعة ومعاهدة بني ضمرة (من كنانة)،وكان ذلك في صفر من السنة الثانية.

غزوة بُواط

وهو جبل من جبال جهينة، ففي ربيع الأول من السنة نفسها، خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه الغزوة في مائتين من أصحابه، وكان مقصده أن يعترض عيرا لقريش كان فيها أمية بن خلف في مائة رجل، وألفين وخمسمائة بعير ففاتته .

غزوة ذي العُشيرة

موضع بناحية ينبع، ففي جمادى خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى العشيرة، وأقام بها شهرا، ووادع فيها بني مدلج، ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا..

ثم أغار كُرز بن جابر الفهري على سرح المدينة (الإبل والأغنام) ، فنهب بعضها ، فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طلبه حتى بلغ واديا يقال له : سفوان من ناحية بدر، فلم يدركه، فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة ، ويسمي المؤرخون هذه (غزوة بدر الأولى) .

سرية عبد الله بن جحش ـ رضي الله عنه ـ إلى نخلة

وهي موضع بين مكة والطائف، في رجب من السنة الثانية بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن جحش ومعه ثمانية رجال من المهاجرين، إلى نخلة جنوب مكة للاستطلاع والتعرف على أخبار قريش، وكتب له كتابا وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولا يستكره أحدا من أصحابه، فسار عبد الله ثم فتح الكتاب بعد يومين فإذا فيه : ( إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة، فترصد بها قريش وتعلم لنا من أخبارها ) ، فقال عبد الله :" سمعا وطاعة ".. وسار بأصحابه حتى نزل بنخلة ، لكنهم تعرضوا لقافلة لقريش فظفروا بها وغنموها، وقتلوا عمرو بن الحضرمي وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وكان ذلك في آخر يوم من رجب الشهر الحرام .

وقد توقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه الغنائم حتى نزل قول الله تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (البقرة:217) .

لقد كان لكثرة السرايا والغزوات في مدة صغيرة قبل بدر، أهدافا وحكما كثيرة ينبغي الوقوف معها للاستفادة منها في واقعنا، ومنها :

أنها رفعت الروح المعنوية للمجاهدين بمنحهم أملا يقينيا بالنصر أو الجنة، وفي ظل هذا الأمل وهذه الغاية، يبذل المسلم كل طاقاته النفسية والجسدية والمالية، من أجل الانتصار في المعارك أو الموت في سبيل الله، ومن أقواله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حث أصحابه على الجهاد: ( ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة ) ( البخاري ) .

وأوضحت هذه الغزوات والسرايا، أهمية الاستطلاع العسكري، والإعداد للفتوحات الإسلامية القادمة، فقد استطاع المسلمون التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة والمؤدية إلى مكة، كما استطاعوا التعرف على قبائل المنطقة ومعاهدة بعضها، ومن ثم كانت الغزوات والسرايا مناورة حية لاكتساب المهارة القتالية، وإعدادا للفتوحات الإسلامية القادمة .

وفي خضم أحداثها، نزلت الآيات القرآنية للرد على قريش التي شنت حربا إعلامية ونفسية على المسلمين بقولها: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال .. فجاء الرد الرباني قاطعا لألسنة المشركين الذين يتخذون الحرمات ستارا لجرائمهم وكفرهم، ففضحهم القرآن الكريم، وأبطل احتجاجهم وأجاب على استنكارهم القتال في الشهر الحرام .

فالكفر بالله والصد عن سبيل الله أكبر وأشد من القتال في الشهر الحرام، فأوضحت الآيات القرآنية أن الشهر الحرام ـ وإن كان ـ لا يحل فيه القتال، لكن لا حرمة عند الله لمن كفر بالله، وصد عن سبيله وهتك الحرمات، فنزل قول الله تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَر } (البقرة: من الآية217) .

ومن الحكم الهامة في توجيه هذه الغزوات والسرايا على ذلك النحو المتتابع :

إشعار مشركي المدينة ويهودها والمنافقين وأعراب البادية، بأن المسلمين أقوياء،وأنهم تخلصوا من ضعفهم القديم، ذلك الضعف الذي مكن لقريش اضطهادهم في دينهم ومصادرة حرياتهم، واغتصاب دورهم وأموالهم، ومن حق الدولة المسلمة الجديدة أن تعتني وتفخر بهذه العمليات العسكرية على ضآلة شأنها، فإن المتربصين بالإسلام كُثر، ولن يصدهم عن النيل منه إلا الخوف وحده، كما قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } (الأنفال:60) .

وعلى الجانب الآخر توجيه إنذار لقريش التي حاربت الإسلام، ونكلت بالمسلمين بمكة، ولا زالت ماضية في غيها، فلا تسمح لأحد من أهل مكة أن يدخل في دين الله، فأحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يُشعر مكة وأهلها، أنه قد مضى ـ إلى غير عودة ـ ذلك العصر الذي كانوا يعتدون فيه على المؤمنين، وهم بمأمن من القصاص، وفي ذلك سلاح ردع للأعداء، وبسط لهيبة الدولة الإسلامية..

لقد كان من أهمية غزوات وسرايا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أن سلفنا الصالح ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا يتواصون بتعلمها وتعليمها لأبنائهم ، فكان علي بن الحسين ـ رضي الله عنه يقول : " كنا نُعلَّم مغازي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلم السورة من القرآن ". .

وكان الزهري رحمه الله يقول : " علم المغازي والسرايا علم الدنيا والآخرة " .

وكان إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ يقول: كان أبي يعلمنا المغازي ويعدها علينا، ويقول: " يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوها ".

كما أن تلك الغزوات والسرايا كانت تهيئة للمسلمين، وإعدادا وتمهيداً مهماً لغزوة بدر الكبرى.. كان لها الأثر البالغ على العصبة المؤمنة، حيث زادتهم يقيناً بنصر الله، وثباتاً على الحق، واعتقاداً بأن العاقبة للمتقين، كيف لا، وقد بشرهم الله تعالى بذلك فقال: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (النور:55) ، وقال: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(الحج: من الآية40) ..

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

التكليف بما يستطاع – سنة النبي

عن ابي هريرة رضي الله عنه ، قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم ) رواه البخاري و مسلم .
الشرح
لقد ارتضى الله سبحانه للبشرية الإسلام دينا ، وجعله الدين الخاتم الذي لا يُقبل من أحدٍ سواه ، وكان من سمات هذا الدين قوامه على الأوامر والنواهي ، فهو يأمر بكل فضيلة ، وينهى عن كل رذيلة ، ومن هنا جاء هذا الحديث ؛ ليبين الموقف الصحيح تجاه هذه الأوامر والنواهي.
وقد جاء في صحيح مسلم بيان سبب ورود هذا الحديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) ، فقال رجل : " أكل عام يا رسول الله ؟ " فسكت ، حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ) ثم قال : ( ذروني ما تركتكم ؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) ، وفي رواية أخرى : ( ذروني ما تركتكم ) ، فأرشد صحابته إلى ترك السؤال عما لا يُحتاج إليه .
ولا يُفهم من النهي عن كثرة السؤال ، ترك السؤال عما يحتاجه المرء ، فليس هذا مراد الحديث ، بل المقصود منه النهي عن السؤال عما لا يحتاجه الإنسان مما يكون على وجه الغلو أو التنطّع ، أو محاولة التضييق في أمرٍ فيه سعة .
وإذا نظرت إلى منهج الصحابة في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت أسئلتهم على قسمين :
القسم الأول : السؤال عما قد وقع لهم ، أو أشكل عليهم ، فمثل هذه الأسئلة مأمور بها شرعا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر عباده بسؤال أهل العلم ، وها هم الصحابة رضوان الله عليهم قد ترجموا هذا الأمر عمليا ، فقد سألوا عن الفأرة التي سقطت في سمن ، وسألوا عن متعة الحج ، وسألوا عن حكم اللقطة ، إلى غير ذلك .
القسم الثاني : سؤالهم عما يتوقعون حصوله فعلا ، ومن ذلك : ما رواه الإمام مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى " ، فقال : ( ما أنهر الدم ، وذكر عليه اسم الله فكُل ، ليس السن والظفر ) ، ومن ذلك أيضا سؤالهم عن الصلاة أيام الدجال ، عندما يكون اليوم كالسنة ، فأجابهم : ( اقدروا له قدره ) .
وفي الحديث إرشاد للمسلم إلى كيفية التعامل مع الأحكام والنصوص الشرعية ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم ( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) أمر باجتناب كل ما نهى عنه الشرع ، سواء أكان محرما أم مكروها ، وتأكيدا للمعنى السابق جاء التعبير بلفظة ( اجتنبوا ) ، فهي لفظة تعطي معنى المباعدة ، فكأنك تكون في جانب ، والمعاصي في الجانب الآخر ؛ لذلك هي أبلغ في معنى الترك .
أما فيما يتعلق بالأوامر ، فلم نُكلف إلا بما نستطيع ، وما يدخل في حدود الطاقة ، فإذا عجز المكلّف عن أمرٍ ، جاءه الشرع بالتخفيف ، وهذا يدل على يسر الإسلام وسماحته ، كما قال الله عزّوجل : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ( البقرة : 185 ) ، وانطلاقا من هذا المعنى ، استنبط العلماء قاعدة فقهيّة مهمة ، وهي قاعدة : ( المشقة تجلب التيسير ) ، وجعلوها مبدأ ترتكز عليه كثير من الأحكام الفقهيّة .
والملاحظ هنا أن الشريعة قد شددت في جانب المنهيات أكثر من المأمورات ، فعلقت تنفيذ الأوامر على الاستطاعة ، بخلاف النهي ، وذلك لأن الشريعة الغرّاء تسعى دائما للحد من وقوع الشر ، والحيلولة دون انتشاره ، ولا يكون ذلك إلا بالابتعاد عما حرّم الله عزوجل ، ولذلك يقول الله تعالى في محكم تنزيله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } ( النور : 21 ) ، فحرّم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ،ومن باب أولى تحريم الحرام نفسه.
ومن خلال ما سبق ، يتبين لك أيها القاريء الكريم خطأ كثير من المسلمين ، الذين يجتهدون في فعل الطاعات ، مع تساهل عظيم في ارتكاب المحرمات ، فتراه يصوم مع الناس إذا صاموا ، فإذا جنّ عليه الليل لم يتورّع عن مقارفة الذنوب ، وارتكاب المعاصي ، ناسيا – أو متناسيا – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرشدا أمته : ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) رواه الترمذي ، ولا يعني ذلك التهوين من أمر الطاعة ، أو التساهل في أمرها ، لكن كما قال الحسن البصري رحمه الله : " ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه " .
ومن دلالات هذا الحديث أنه يربي المسلم على الجدية في التعامل مع هذا الدين ، كما قال الله عزوجل : { إنه لقول فصل ، وما هو بالهزل } ( الطارق : 13-14 ) ، وهذه الجدّية تدعوه إلى أن يقبل بكليّته على تعلّم ما ينفعه من العلم ، ويجتهد في تربية نفسه وتزكيتها ، مجرّدا قلبه عن كل ما يشغله عن هذا الهدف الذي جعله نُصب عينيه.
وحتى يرسّخ النبي صلى الله عليه وسلم فيهم هذا المبدأ ؛ بيّن لهم خطورة الحيدة عن هذا المنهج الدقيق ، وأثر ذلك في هلاك الأمم السابقة ، والتي تكلّفت في أسئلتها ، واختلفت على أنبيائها ، فكان سؤالهم تشديدا عليهم ، وكان اختلافهم سببا لهلاكهم ، وخير مثال على ذلك ، ما كان عليه قوم موسى عليه السلام ، فإنهم لما طُلب منهم ذبح بقرة ، تنطّعوا في السؤال عن أوصافها ، وتكلّفوا في ذلك ، وكان في سعتهم أن يأتوا بأي بقرة ، ولكنهم أبوا ذلك ، فشدّد الله عليهم ، ولما اختلفوا على أنبيائهم ، لم تقبل منهم التوبة إلا بقتل أنفسهم ، وعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة ، والجزاء من جنس العمل .
وأخيراً : نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، والحمد لله أولا وآخرا .

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

تحويل القبلة دروس وعبر من السنة

بعد ما تميّز المجتمع المسلم في المدينة المنورة عن غيره من مجتمعات الجاهلية ـ كاليهود ومشركي العرب والنصارى وغيرهم ـ زاده الله تميّزاً، بأن ن‍زل الوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصرف المسلمين عن القبلة التي كان يشاركهم فيها اليهود وهي بيت المقدس، إلى قبلة الإسلام خاصة وهي الكعبة المشرفة .. ومن ثم كانت حادثة تحويل القبلة هي الفاصل بين الحرب الكلامية والتدخل الفعلي من جانب اليهود لزعزعة الدولة الإسلامية الناشئة ..

عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( .. أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده – أو قال أخواله – من الأنصار وأنه – صلى الله عليه وسلم – صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قِبل مكة، فداروا كما هم قِبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك )( الحاكم ).

وقد أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، من إثارة الشكوك والإنكار والتساؤلات قبل وقوعه .

وفي أمر تحويل القبلة قال الله تعالى :{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } ( البقرة آية:149-152) ..

لقد كان تحويل القبلة حدثا عظيما، فيه من الدروس والعبر الكثير، والتي ينبغي الوقوف معها للاستفادة، ومنها :

إثبات نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله اليهود عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قبل وقوع الأمر بالتحويل، ولهذا دلالته فهو يدل على نبوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ هو أمر غيبي، فأخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بآيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع، فدل ذلك على أنه – صلى الله عليه وسلم – رسول ونبي يخبره الوحي بما سيقع، إذ من الأدلة على صدق رسالة الرسول، أن يخبر بأمور غيبية ثم تقع بعد ذلك كما أخبر. وفي ذلك يقول الله تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } (البقرة:142) .

ومن خلال حدث تحويل القبلة ظهر درس هام ما أحوجنا إليه، ألا وهو:

التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى، ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

فالمسلم عبد لله تعالى، يسلم بأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك بحماس، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها، لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه.

والصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ في أمر تحويل القبلة، أمرهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتوجه في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى فتوجهوا وانقادوا، ولبثوا على ذلك مدة سنة وبضعة شهور، فلما أُمِروا بالتوجه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة، ضاربين المثل في الانقياد والتسليم المطلق لأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

فكان تحويل القبلة اختبارا وتربية للصحابة على السمع والطاعة، والتسليم لله ورسوله، كما قال تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ } (البقرة: من الآية143) .

وقد ثبتوا ونجحوا ـ رضي الله عنهم ـ، فسارعوا للاستجابة والتسليم لأمر الله ورسوله، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء، إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي – صلى الله عليه وسلم – قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة ) ( الترمذي ) .

كذلك أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له، فحينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بتحويل القبلة إلى الكعبة، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله ـ عز وجل ـ أن صلاتهم مقبولة .

فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( لما وجِّه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى:{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } )(البقرة: من الآية143) (يعني صلاتكم ) ..

ومن الدلالات والدروس الواضحة والهامة من حادثة تحويل القبلة مخالفة اليهود والنصارى، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة، وكان حريصا على أن يكون متميزاً عن أهل الديانات السابقة، الذين حرفوا وبدلوا وغيروا كاليهود والنصارى، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم، بل يأمر بمخالفتهم، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والانحراف، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يخالفهم في قبلتهم، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وهو أول بيت وضع للناس، وهذا كان ما يتمناه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

فالتميز في العبادة وعدم مشاركة الكفار بأي شعيرة من الشعائر، أو مظهر من المظاهر، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريصا على تربية الصحابة والمسلمين من بعدهم عليه، فكثيرا ما كان يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة ومواقف متعددة : ( خالفوا اليهود والنصارى )( ابن حبان ) .

قال ابن تيمية : " قد بالغ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات وصفات الطاعات، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم " .

ثم قال ـ رحمه الله ـ : " فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان، وهذا أمر محسوس " ..

ومن دروس حادثة تحويل القبلة الهامة، أنها عرفت المسلمين طبيعة الكفار ـ من يهود ونصارى وغيرهم ـ وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا بأن يتبعوهم ويكونوا مثلهم، قال الله تعالى: { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ }(البقرة:120).

لقد كان لحادثة تحويل القبلة أبعاداً كثيرة: منها السياسي، ومنها العسكري، ومنها الديني، ومنها التاريخي .

فبُعْدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث، وبعدها التاريخي أنها ربطت هذا العالم بالإرث العربي لإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وبعدها العسكري أنها مهدت لفتح مكة، وبعدها الديني أنّها ربطت القلوب بالحنيفية، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها .. ومن ثم كان تحويل القبلة نعمة من نعم الله علينا، كما قال الله تعالى: { وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (البقرة: من الآية150) ..

وهكذا كان حدث تحويل القبلة تربية للصحابة وللأمة، وتشكيلا للشخصية المسلمة المتميزة، التي لا ترضى إلا بالإسلام ديناً ومنهجا كاملا للحياة ..

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

صلح الحديبية وشروطه – في الاسلام

لم تخمد مشاعر المسلمين في المدينة شوقاً إلى مكة ، التي حيل بينهم وبينها ظلماً وعدواناً ، وما برحوا ينتظرون اليوم الذي تُتاح لهم فيه فرصة العودة إليها والطواف ببيتها العتيق ، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي برز فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ليخبرهم برؤياه التي رأى فيها دخوله لمكة وطوافه بالبيت ، فاستبشر المسلمون بهذه الرؤيا لعلمهم أن رؤيا الأنبياء حق ، وتهيّؤوا لهذه الرحلة العظيمة .

وفي يوم الإثنين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ، يريد العمرة ومعه ألف وأربعمائة من الصحابة ، وليس معهم إلا سلاح السفر ، فأحرموا بالعمرة من ذي الحليفة ، فلما اقتربوا من مكة بلغهم أن قريشاً جمعت الجموع لمقاتلتهم وصدهم عن البيت .

فلما نزل الرسول بالحديبية أرسل عثمان رضي الله عنه إلى قريش وقال له : أخبرهم أنا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً ، وادعهم إلى الإسلام ، وأَمَرَه أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيبشرهم بالفتح ، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة ، حتى لا يستخفى فيها بالإيمان . فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فقالوا : إلى أين ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام ، ويخبركم : أنه لم يأت لقتال ، وإنما جئنا عماراً . قالوا : قد سمعنا ما تقول ، فانفذ إلى حاجتك .

ولكن عثمان احتبسته قريش فتأخر في الرجوع إلى المسلمين ، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم عليه ، وخاصة بعد أن شاع أنه قد قتل ، فدعا إلى البيعه ، فتبادروا إليه ، وهو تحت الشجرة ، فبايعوه على أن لا يفروا ، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل الله فيها قوله : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } (سورة الفتح 18) .

وأرسلت قريش عروة بن مسعود إلى المسلمين فرجع إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت على الملوك -كسرى ، وقيصر والنجاشي- والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً . والله ما انتخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمر ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم ، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له ، ثم قال : وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها .

ثم أسرعت قريش في إرسال سهيل بن عمرو لعقد الصلح ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : قد سهل لكم أمركم ، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فتكلم سهيل طويلاً ثم اتفقا على قواعد الصلح ، وهي :

الأولى : رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عامه وعدم دخول مكة ، وإذا كان العام القادم دخلها المسلمون بسلاح الراكب ، فأقاموا بها ثلاثاً .
الثانية : وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين ، يأمن فيها الناس .
الثالثة : من أحب أن يدخل في عقد مع محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه .
الرابعة : من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده إليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرد إليه .

ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : هات اكتب بيننا وبينك كتاباً ، فدعا الكاتب -وهو علي بن أبي طالب – فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل : أما الرحمن ، فما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب : باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال صلى الله عليه وسلم : اكتب : باسمك اللهم ، ثم قال : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل : والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال : إني رسول الله ، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله، ثم تمت كتابة الصحيفة ، ودخلت قبيلة خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في عهد قريش .

فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل ، وقد خرج من أسفل مكة يرسف-يمشي مقيداً- في قيوده ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد، فقال : إذاً والله لا أصالحك على شئ أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي، قال : ما أنا بمجيزه لك . قال : بلى، فافعل، قال : ما أنا بفاعل . قال أبو جندل : يا معشر المسلمين ! كيف أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت ؟ -وكان قد عذب في الله عذاباً شديداً- قال عمر بن الخطاب : والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! ألست نبي الله ؟ قال : بلى، قلت : ألسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى . قلت : علام نعطى الدنية في ديننا ؟ ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال : إني رسول الله ، وهو ناصري ، ولست أعصيه . قلت : ألست كنت تحدثنا : أنا نأتي البيت ، ونطوف به . قال : بلى ، أفاخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قلت : لا، قال : فإنك آتيه ومطوف به . قال : فأتيت أبا بكر ، فقلت له مثلما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد علي كما رد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء ، وزاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق .

فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا، ثم احلقوا، وما قام منهم رجل ، حتى قالها ثلاث مرات . فلما لم يقم منهم أحد ، قام ولم يكلم أحداً منهم حتى نحر بدنه ودعا حالقه . فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً . ثم جاء نسوة مؤمنات ، فأنزل الله : {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} (سورة الممتحنة 10) . وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم : أنزل الله سورة الفتح : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } الآية ، فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال الصحابة : هذا لك يا رسول الله ، فما لنا ؟ فأنزل الله : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الآيتين إلى قوله : {فوزا عظيما} (سورة الفتح 1-5) .

ولما رجع إلى المدينة جاءه أبو بصير -رجل من قريش- مسلماً ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، وقالوا : العهد الذي بيننا وبينك ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا به ، حتى بلغا ذا الحليفة . فنزلوا يأكلون من تمر لهم . فقال أبو بصير لأحدهما: إني أرى سيفك هذا جيداً. فقال: أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت ، فقال : أرني أنظر إليه ، فقتله بسيفه ، ورجع أبو بصير إلى المدينة ، فقال : يا نبي الله ! قد أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ويل أمه مسعر حرب ، لو كان له أحد . فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر، وتفلت منهم أبو جندل ، فلحق بأبي بصير ، فلا يخرج من قريش رجل -قد أسلم- إلا لحق به ، حتى اجتمعت منهم عصابة . فما سمعوا بعير لقريش خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقاتلوهم وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن أتاه منهم فهو آمن .

وكان هذا الصلح فتحاً عظيماً ، ونصراً مبيناً للمسلمين ، وذلك لما ترتب عليه من منافع عظيمة ؛ حيث اعترفت قريش بالمسلمين ، وقوتهم ، وتنازلت عن صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية ، فلا عجب إذاً أن يسمّيه الله تعالى فتحا مبينا .

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

حجة الوداع – في الاسلام

فُتِحت مكة ، وأتم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إبلاغ الرسالة ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، وفرض الله الحج على الناس في أواخر السنة التاسعة من الهجرة ، فالحج أحد أركان الإسلام الخمسة ، قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }(آل عمران: من الآية97) .. وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان ) رواه البخاري .

وقد تعلَّم الناس من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاتهم وصيامهم وأمور حياتهم ، وما يتعلق بهم من عبادات وواجبات ، وبقي أن يعلمهم مناسكهم وكيفية الأداء لشعيرة الحج .

فعزم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على الحج وأعلن ذلك ، فتسامع الناس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يريد الحج هذا العام ، فقدم المدينة خلق كثير كلهم يريد أن يحج مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأن يأتم به .

وعُرِفت هذه الحجة في كتب السنة والسيرة بحجة الإسلام ، وحجة البلاغ ، وحجة الوداع لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودع الناس فيها ، حتى قال لمعاذ ـ رضي الله عنه ـ حين بعثه إلى اليمن في السنة العاشرة ـ التي حج فيها ـ : ( يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا .. ) رواه أحمد .
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أفاض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عرفة وعليه السكينة وأمرنا بالسكينة ، ثم قال : خذوا مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) رواه النسائي ، وفي رواية لمسلم : ( لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه ) .

قال النووي : " فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته – صلى الله عليه وسلم – ، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه ، وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين ، وبهذا سُميت حجة الوداع " .

وأجمع الأحاديث الصحيحة في بيان حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال :
( إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم ـ حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر ، فأرسلت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كيف أصنع قال : اغتسلي واستثفري(شدي عليكِ) بثوب وأحرمي .
فصلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء ، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء عملنا به ..
فأهلَّ بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك لبيك ، لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك .. وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليهم شيئا منه ، ولزم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تلبيته .
قال جابر – رضي الله عنه – : لسنا ننوى إلا الحج ـ لسنا نعرف العمرة ـ ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ، فرمل ثلاثا ومشى أربعا ، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم – عليه السلام ـ فقرأ : { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً }(البقرة: من الآية125) ، فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبى يقول ـ ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – : كان يقرأ في الركعتين : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } (الإخلاص:1) و { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }(الكافرون:1) ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ }(البقرة: من الآية158) : أبدأ بما بدأ الله به ..) .

فبدأ بالصفا فرقى عليه ، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى ، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال : لو أنى استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة .

فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله : ألعامنا هذا ، أم لأبد ؟ ، فشبك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة في الحج – مرتين – لا ، بل لأبد أبد .

وقدِم علىّ من اليمن بِبُدْن النبيَ – صلى الله عليه وسلم – ، فوجد فاطمة – رضي الله عنها – ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : إن أبى أمرني بهذا ، قال : فكان على ـ رضي الله عنه ـ يقول بالعراق ، فذهبت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُحَّرِشا على فاطمة للذي صنعت ، مستفتيا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما ذكرت عنه ، فأخبرته : أنى أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت ، صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ ، قال : قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ، قال : فإن معي الهدى فلا تحل ، قال : فكان جماعة الهدى الذي قدم به علىّ من اليمن ، والذي أتى به النبي – صلى الله عليه وسلم – مائة – .

قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن كان معه هدى . فلما كان يوم التروية توجهوا إلى مِنى فأهلوا بالحج ، وركب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنَمِرة ، فسار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية .

فأجاز رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل ، وربا الجاهلية موضوع ، وأول ربا أضع ربانا ، ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله .. فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مُبَرِّح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ، كتاب الله ، وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون ؟ ، قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ـ ثلاث مرات ـ ..

ثم أذن بلال ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصلِّ بينهما شيئا ، ثم ركب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ، وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رَحْلِه ، ويقول بيده اليمنى : أيها الناس السكينة ، السكينة .. كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح (يصلى صلاة تطوع) بينهما شيئا ..

ثم اضطجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى طلع الفجر وصلى الفجر ـ حين تبين له الصبح – بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ، فدعاه وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر(أضاء) جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ..

وأردف الفضل بن عباس ـ وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما ـ ، فلما دفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مرت به ظُعُن (نساء) يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يده من الشق الآخر على وجه الفضل ، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر .

حتى أتى بطن محسر ، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات ، يُكَّبر مع كل حصاة منها ـ مثل حصى الخذْف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ، ثم أعطى عليا فنحر ما غَبَر(ما بقي) وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قِدْر فطبخت ، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها .

ثم ركب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأفاض إلى البيت ، فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال : انزعوا (استقوا) بني عبد المطلب ، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه..

وهكذا أدى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحج قبيل وفاته ليلحق بالرفيق الأعلى ، فأرى المسلمين مناسكهم ، وأعلمهم ما فرض الله عليهم في حجهم ، من الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفة ، ورمي الجمار ، وما أحِلَّ لهم في حجهم ، وما حرم عليهم ، وأعلمهم بحقوق المسلم ، وأنه محرم الدم والمال والعِرض ، وأكد على حرمة الظلم والربا وكل عادات الجاهلية .. وكذلك أوصى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنساء ، والقيام بحقوقهن ، وأكد على حق الزوج على زوجته ..

ثم كانت وصيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمته التمسك بكتاب ربها والاعتصام به ، فهو سبيل العزة والهداية .. فكم حاجة المسلمين ـ بل البشرية ـ اليوم ماسة ، إلى الاهتداء بهدي ووصايا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي أرسله الله رحمة للعالمين ..

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

ركب الصحابة رضي الله عنهم عبد الله بن عباس السنة النبوية

عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: ”ما آسى على شيء فاتني من الدنيا إلاّ أنّي لم أحجّ ماشيًا حتّى أدركني الكبر، أسمع الله تعالى يقول: {يأتُوك رجالاً وعلى كلّ ضامر} الحجّ:72، رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه وابن سعد في الطبقات، وذكره البيهقي.

قال أبو وائل: ”والله لقد رأيت ابن عباس يوم عرفة يشرح سورة البقرة آية آية، من صلاة الظهر حتّى صلاة المغرب، لو سمعه اليهود والنّصارى لأسلموا عن بكرة أبيهم”.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

حدث في مثل هذا الاسبوع وفاة ام المؤمنين خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

وفاة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها في10 رمضان في السنة العاشرة للبعثة :
وهي أم المؤمنين، وسيدة نساء العالمين ، أم القاسم ابنة خويلد بن أسد، القرشية الأسدية، أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد .
وقد تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره ، بينما كانت في سن الأربعين ، وهي أول من تزوج وقد بقيت عنده خمسة وعشرين عاماً ، خمسة عشر قبل البعثة وعشرة بعد البعثة ، ولم يتزوج في حياتها غيرها. وقدمت الكثير في سبيل الدعوة رضي الله عنها .
وأنجبت له أولاده الذكور : القاسم ، الطيب ، الطاهر ، والبنات كلهن : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم وفاطمة .
كان السادات والرؤساء في مكة يحرصون على الزواج من خديجة، فتأبى ذلك عليهم، وتردهم جميعا، ولكنها وجدت ما تنشده في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهنا أفضت عما يدور في نفسها إلى صديقتها "نفيسة بنت منية".
فذهبت نفيسة إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وكلمته أن يتزوج الطاهرة فوافق ورجعت نفيسة إلى الطاهرة خديجة تحمل خبر نجاحها في مهمتها، وزفت إليها نبأ موافقة محمد صلى الله عليه وسلم بالزواج، فأرسلت الطاهرة خديجة إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها.
بعد أن نزل الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بغار حراء رجع إلى بيته مرتجفا ودخل على خديجة فقال: "زملوني، زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم أخبرها الخبر وقال: "لقد خشيت على نفسي"، فقالت له: كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل، وهو ابن عم خديجة، وكان امرءا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمى، فقالت له خديجة: أي ابن عم: اسمع من ابن أخيك ! فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة له: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم ؟ قال: نعم ! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي.
وعندما صدع النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة وجهر بها، قاطعت قريش، بني هاشم "اشتدت الأزمات، وتفاقمت الأحداث ، وظلت خديجة من وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم تشد أزره، وتشاركه في حمل الأذى من قومه بنفس راضية صابرة محتسبة ، حتى انتهى الحصار.
قضت السيدة خديجة في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحلة تقارب ربع قرن من الزمن ، فكانت أوفى زوجة لزوجها .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب".
و عندما خرجت السيدة خديجة من الحصار الظالم، لم تلبث إلا قليلا حتى لبت نداء ربها، وصعدت روحها الطاهرة إلى السماء راضية مرضية قبل الهجرة بثلاث سنين ودفنت رضي الله عنها في "الحجون" وكان عمرها عند وفاتها خمساً وستين سنة فرضي الله عنها وأرضاها .

منقول من اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

لحوق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الاعلى – في الاسلام

لما أكمل الله الدين، وأصبح له رجال تعهدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتربية، واستوى الأمر، واستقامت المحجة، أجرى الله على نبيه صلى الله عليه وسلم سنته الماضية في خلقه { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } (آل عمران:185) .

وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يودع الحياة بأقوال وأفعال دالة على ذلك ، منها قوله في حجة الوداع: ( إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) ، ومنها أيضا أن جبريل كان يدارسه القرآن مرة، وقد دارسه في العام الذي قبض فيه مرتين، ومنها نزول آية كمال الدين وتمامه { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة:3) ، ومنها نزول سورة النصر { إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} (النصر) .

قال ابن عباس رضي الله عنه هي نعي للرسول صلى الله عليه وسلم .فكل هذه الإشارات كانت تعنى دنو أجله صلى الله عليه وسلم .

وفي يوم الاثنين 19 صفر سنة 11 من الهجرة بدأه المرض، وكان صداعاً حاداً منعه الحركة أول يوم ، و كان في بيت أم المؤمنين ميمونه ، فلما اشتد به المرض استأذن زوجاته في أن يمرض في بيت أم المؤمنين عائشة فأذِنَّ له ، فخرج إلى بيت عائشة ورجلاه تخطان في الأرض من شدة المرض ، يساعده علي بن أبي طالب و الفضل بن عباس .

فمكث أياماً والوجع لا يفارقه، لكنه يخرج للصلاة، ويعود إلى فراشه ، وقبل الوفاة بخمسة أيام تحامل على نفسه، وخرج للناس وخطبهم، مذكراً أن الموعد معه على الحوض، وأنه ينظر إلى مقامه هناك، وحذرهم من التنافس في الدنيا، وأوصاهم بالنساء خيراً ، ثم قال : ( إنِّ عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ما عند الله ) ، فأخذ أبو بكر يبكي ويقول : فديناك بآبائنا فديناك بأمهاتنا، فعجب الناس من بكاء أبي بكر رضي الله عنه، وكان قد فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالمُخَيَّر هو رسول الله نفسه، فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه ونوه بفضله، ثم تحرياً منه للعدل دعا الناس قائلاً: " من كانت له مظلمة عندي فليقتصها الآن مني ، ومن كان له شيء عليّ فليأخذه الآن " ، ثم عاد إلى فراشه فدخل عليه جمع من الصحابة وهو يتألم ، فأوصاهم عليه الصلاة والسلام بثلاثة: إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وإجازة الوفود بمثل ما كان يجيزهم، وإنفاذ جيش أسامة إلى الروم .

ثم كان يشتد عليه الألم حتى يغمى عليه وعندما يفيق يقول: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا تجعلوا قبري وثناً يعبد) .

فلما رأت فاطمة ما به من الألم قالت: ( واكرب أباه ) ، فقال لها : ( ليس على أبيك كرب بعد اليوم ) ، ومع اشتداد الألم عليه أوصى أن يصلي أبي بكر بالناس فصلى بهم سبع عشرة صلاة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

وقبل الوفاة بيوم أعتق غلمانه ، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب أسلحته للمسلمين .

قالت عائشة رضي الله عنها كان إذا أفاق من ألمه يقول: ( اللهم الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى ) ، فعلمت أنه يفارقنا وكان يدعو اللهم اغفر لي و ارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ، اللهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وفي اليوم الأخير أزاح ستار البيت والناس في صلاة الفجر ، فنظر إليهم وتبسم ، وظن الناس أنه قد شفي، وكان أخر ما قال : ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ) .

ثم إنه في ضحى نفس اليوم الاثنين 12 ربيع الأول 11 هـ توفي صلى الله عليه وسلم وكان واضعاً رأسه الشريف على صدر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فخرجت في دهشة، وأخبرت الناس الخبر، والذي نزل عليهم كالصاعقة ، وذهل كبار الصحابة حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هدد بالقتل من يقول : إن محمداً مات، واعتبرها غيبة كغيبة موسى عليه السلام وسيعود، ولم يفق الصحابة من هول الصدمة إلى أن جاء أبو بكر رضي الله عنه ودخل على الرسول صلى الله عليه وسلم وقبَّله وخرج، فخطب الصحابة قائلاً: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين } (آل عمران:144)، فعاد الناس إلى صوابهم، واستيقنت أنفسهم .

وقد تولى تجهيز رسول صلى الله عليه وسلم عمه العباس بن عبدالمطلب و علي بن أبي طالب و الفضل بن عباس و قثم بن العباس ، و شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم ، و أسامة بن زيد رضي الله عنهم .

وهكذا غادر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا إلى النعيم المقيم ، والرفيق الأعلى بعد أن أدى الأمانة ، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركنا على المحجة البيضاء، نعتصم فيها بالقرآن المحفوظ، والسنة الشريفة ، وعمل الخلفاء الراشدين المهديين، فاللهم صل وسلم وبارك عليه، واجزه عنا خير ما جزيت به نبياً عن أمته، وشفعه فينا يا رب العالمين.

موقع مقالات اسلام ويب

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

الحاشر من أسماء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وليس من أسماء الله


من أسماء الرسول صلى الله عليه و سلم الحاشر لان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا الحاشر تحشر الناس على قدمي )أو كما قال صلى الله عليه و سلم. نرجو شرح هذا الحديث من فضلكم فانا اعلم أن الله تعالى يسمى الحاشر و هو الذي يحشر الناس للحساب يوم القيامة فنرجو منكم التوضيح و جزاكم الله خيرا و جعل هذا في ميزان حسناتكم.

الحمد لله :
حديث ( أنا الحاشر تحشر الناس على قدمي ) هو مما اتفق عليه الشيخان ، ولفظ كامل الحديث أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ ) رواه البخاري (4896) ومسلم (2354)
فأما قوله : (( أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي )) فمعناه على أثري أي أنه يحشر قبل الناس ، وهو موافق لقوله في الرواية الأخرى : (( يُحشر الناس على عقبي )) .
ويحتمل أن يكون المراد بالقدم الزمان ، أي وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر ، إشارة إلى أنه ليس بعده نبي . هذا مجمل ما ذكره الحافظ في الفتح ( 6 / 557 ) .
وقال ابن القيم في زاد المعاد ( 1 / 94 ) فكأنه بعث ليحشر الناس .
ثانياً : قولك : إن الله يسمى "بالحاشر" غير صحيح ؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية ، لا مجال للعقل فيها ، والواجب الوقوف على ما ورد في الكتاب والسنة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص :
1. لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (الإسراء:36) وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (لأعراف:33)
2. ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه ، أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص .
3. صفات الله سبحانه وتعالى أوسع من أسماءه ؛ لأن كل اسم متضمن لصفة .
مثال : من أسماء الله "السميع " هذا الاسم يتضمن إثبات السميع اسما لله تعالى ، واثبات صفة السمع لله .
وأما صفات الله الفعلية فلا تتضمن أسماء الله ؛ لأنها متعلقة بأفعال الله تعالى ، وأفعاله لا منتهى لها مثال : من صفات الله المجيء ، والإتيان والأخذ والإمساك والبطش ، قال تعالى : ( وجاء ربك ) ، (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ، ( فأخذهم الله بذنوبهم ) ، ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ) , ( إن بطش ربك لشديد ) …
فَنَصِفُ الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد ، ولا نسميه بها فلا نقول إن من أسمائه ( الجائي ) و( الآتي ) و( الآخذ ) و( الممسك ) و( الباطش ) .. وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به .
انظر رسالة القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله (2/283) من مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .

من موقع الإسلام سؤال وجواب


لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

من أنبل مواقف الرسول صلى الله عليه و سلم – في الاسلام

بينما كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالسا بين أصحابه ..

إذ برجل من أحبار اليهود يسمى زيد بن سعنه وهو من علماء اليهود

دخل على الرسول عليه الصلاة والسلام .. واخترق صفوف أصحابه .

حتى أتى النبي عليه السلام وجذبه من مجامع ثوبه وشده شدا عنيفا .

وقال له بغلظة : أوفي ما عليك من الدين يا محمد .. إنكم بني هاشم قوم تماطلون في

أداء الديون .

وكان الرسول عليه السلام .. قد استدان من هذا اليهودي بعض الدراهم ..

ولكن لم يحن موعد أداء الدين بعد ..

فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وهز سيفه وقال ائذن لي بضرب عنقه يا رسول الله

فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه

(مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء )

فقال اليهودي : والذي بعثك بالحق يا محمد ما جئت لأطلب منك دينا إنما جئت لأختبر

أخلاقك ..فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد ولكني قرأت جميع أوصافك في

التوراة فرأيتها

كلها متحققة فيك إلا صفة واحدة لم أجربها معك ..

وهي أنك حليم عند الغضب … وأن شدة الجهالة لاتزيدك إلا حلما .. ولقد رأيتها اليوم فيك ..

فأشهد أن لاإله إلا الله .. وأنك محمد رسول الله

وأما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة على فقراء المسلمين .

وقد حسن إسلام هذا اليهودي وأستشهد في غزوة تبوك

فاليكٌن قدوتنا جميعاً

اسأل الله لي ولكم مرافقته بالجنه

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده