التصنيفات
خواطر وعذب الكلام

قصة العودة الى بغداد كلام راقي

*قبل الاقلاع الى بغداد…
ها و قد منحتني الدُنيا فرصة أخرى لأكحل عيناي برؤيتك ثانية…
أيام و ساعات تفصلني عن معانقة ترابك أيتها الغالية..

بغداد
مدينتي التي تسكنني كشبح بداخلي أروضهُ فيهدأ و يستكين حبهُ بداخلي تارة و يهيج فيتأجج عظيم شوقي له تارة اخرى..

*وعند الاقلاع الى بغداد..
كم عشتكِ يا بغداد طيلة سنوات عمري الماضية..
عشتكِ حلماً..و نغماً..و ألماً بداخلي
حلماُ بزيارة أرضكِ الغالية
نغماً تعزفه ذكرياتي بك لأيام غربتي
ألماً على ما آل اليه حالك..
عشت فخر المنصور لبنائك..
عشت تباهي الرشيد بأبنة اخيه الجميلة المتألقة (بغداد)
عشت سهر شهرزاد في ليالها الالف و الليلة و هي تروي قصص من وحي خيالها الى شهريارها..
عشت ألحان نصير شمة و طرب كاظم الساهر حين غنو و عزفو الحانهم عشقاً بك و الماُ عليكِ..
عشت ذكرياتي بك في عام 2022 التي قتلتني لتحيا هيَ بداخلي..
عشتكِ يا بغداد
عشت حلم الطفولة بريادة جامعة بغداد..عشتك بأجهاض هذا الحلم دون ذنب او سبب و حرماني من تحقيقه..
عشتك دم الشهيد الذي أزهق الارهاب روحه فأختلط دمه الغالي بترابك الاغلى..ومتزج الغاليين معاً ليسحقان أخر الاحلام..
عشتك صوته حين يخاطبني مستنكراً (أروح و أعوف بغداد..!!)…
آآآه كم عشتك يا بغداد..
عشتك حقيقة أمتزجت بالوهم… عشتك قصة أمتزجت بالخيال..عشتك فرحاً امتزج بالألم…

*و في بغداد..
حطت قافلة شوقي بأرض مطار بغداد..البسمة تكاد لا تفارق شفاهي لدرجة خجلت من نفسي..
أراقب كل تلك الوجوه…أسمع كل تلك الاصوات…أنظر لكل الزوايا…
كم وددت الصراخ (أنا عـــــــراقية) مثلي انتم و انا مثلكم من ذاك التراب…
دموعي كتمتها..احزاني أجلتها..مشاعري تبعثرت..كلماتي تلعثمت…
رفعت تلك النظارة التي كانت تغطي عيناي…واطلقت لهما العنان لتمليء نظرها من بغداد..

*وفي الطريق..
انظر للشوارع..للشرطة.. للشعارات (نعم للعراق)..(واعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقو..).. (ان تفرقنا لن نسود)..(القانون فوق الجميع)..(أُحترم تُحترم)..
عشت تلك القصة التي كتبتها عن زيارة شخص اماراتي لصديقه العراقي…أبكاني خيالي حين لقيتهُ قريب جداً من أرض الواقع..فتية يلعبون كرة القدم حفاة الأقدام… شرطة واقفين تحت أشعة الشمس الحارقة..أناس يرتقبون عودتي…
نظرت للسماء..للأرض..للنهر..لمصافي نفط الدورة..كل شيء أحسسته مبتسم مرحباً بي..

*وبعد الوصول..
أحزنني رؤية جسد بغداد مقسم بالسواتر و الأسوار..
أحزنني تقسيم منطقتي الى شقين سني و شيعي…
أرعبتني قصص أهلي و جيراني عن احداث العام 2022..لم أصدق مسامعي عن تلك البشاعة و ترويع الآمنيين..
و عن أبطال تلك القصص..كيف تجردو من أنسانيتهم ليصبحو وحوش تلتقط رزقها بأنتهاش لحم الآخرين..
الله أكبر يا عراق…
عجزت عن الكلام…وعجز خيالي عن التعبير…و كم وددت لو اكذب مسامعي..

*وعندما حان وقت شد الرحال..
بدأت رحلتي بأمل..أملتُ ان اجد قومي موحدين فعلاً.. و أملت ان تكون لوازم الحياة البسيطة العادية قد توفرت لكل مواطن عراقي دون ان تكون حق واجب المطالبة به لنيله..

ولكنها انتهت بألم..بألم بالغ على تلك الوجوه التي فرحت للأستقرار الأمني النوعي الحالي و لكنها خائفة ترتقب عودة ذوي الرداء الأسود..وما ادراك من هم ذوي الرداء الأسود…
أحزنني منظر طفلة تحلم بالذهاب لمدينة الألعاب..
أحزنني منظر طفلة ترقص فرحاَ عندما سمعت موسيقى عرس احد الجيران..نظرت اليها فأحسست من حق هذه الطفلة ان تحيا ببلد آمن موحد لا خوف على حياتها و مستقبلها بهِ..
و أدهشني منظر أمرأة قُتل زوجها و أبنها و أمها بأحداث العام 2022 ترتدي الثياب السوداء لعُرف نتبعهُ..و لكنها ما زالت كعهدي بها تتسلل الأبتسامة الى وجهها المنهك الحزين..

*سيسألوني كيف هي بغداد..؟
كما هي..زهرة لا تعرف الذبول..نخيل شامخ..نهر عذب..ناس صامدة..
عراقة و سحر و مجد دُفن تحت ترسانة الأسوار و القطع الكونكريتية..
مدينة تتنفس الصعداء و تمتد لها أيدي الخونة لتكتم نفسها بحلكة الليل….ولكنها عنيدة تتنفس رغم أنفهم…تتنفس بعد خروجها من ثلاث حروب و نصف…النصف الأخير كان حرب طائفية دامية مخزية دارت رحها بين أبناء الشعب الواحد…
بغداد..
شعرُ نخربشه لنستخرج منه اروع القصيد..
أنغام الطفولة
ذكريات والدي عن مجداً كان هنا..ناضل في صناعته و نيله..
صبا والدتي عن نجاحاً حققته…و بذراً زرعته هنا في نفوس طلبة العلم على ايديها…
بغداد
محل الأفراج عن خالي من معتقل دخلهُ فقط لأنه لم يساوم المحتل على بلده
بغداد
معتقل أخ الطفولة..صديق المراهقة..عشق الصبا..البطل (محمد السعدون) بطل في زمن ينعت الغيور المدافع عن أرض بلاده بالأرهابي..
بغداد..
تشييع شهيدا كان يحلم بلحظة تخريجه من الكلية..
بغداد
دموعي لترك مقاعد الدراسة بجامعة كم تمنيت الدخول بها..
بغداد..
مُتعبة حزينة..أتعبها العذاب الذي ذاقته على أيدي أبناءها…و أحزنها عقوق أبناءها…هذا هو حال بغداد اليوم..

*و عندما حان موعد توديع أهل بغداد..
يتمنون لي السلامة..وانا أسأل الله السلامة لهم و لمدينتهم الحبيبة..

*وقبل الرحيل من بغداد..
صرخ كاظم الساهر (مستقيلُ انا و بدمع العين سأطوي..هذه الصفحة من عمري و أمضي….)..وانا كذلك مضيت بطريقي للعودة الى غربة أصبحت كوطن آخر لي..

*وقبل الأقلاع من بغداد..
أستودعك ايتها الغالية أمانة عزيزة على نفسي عند الذي نفسي بيده..

*وبعد الأقلاع من بغداد…
سأشتاق و سيجيء بي شوقي اليك مرة اخرى…انا اعرف ذلك جيداً…

تقبلوا تحياتي
الــ ع ــ وردة ـراق

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.