الليمون .. نكهته الصيفية لا غني عنها
لا تزال اصول الليمون (الحامض) على انواعه مدار بحث وجدال، إذ لم يستقر العلماء على مكان محدد رغم قول الكثيرين بأنه من جبال شرق الهملايا والهند والصين واحيانا مناطق البنجاب بشكل عام.
الا ان الليمون الاصفر الذي نعرفه هذه الايام قد تم تأصيله على الارجح على يدي العرب في القرن الثاني عشر من النبتة الاصلية الخضراء اللون الليم Lime، لتخفف حدة حموضته.
ويقول هربرت وبر في كتابه الخاص بتاريخ صناعة الليمون: لقد انتشرت الانواع من هناك (آسيا) الى جميع انحاء العالم، ولقد كان استغلاله على نطاق واسع منذ قديم الزمان.
وفيما يقول عالم المورثات الروسي فافيلوف ان اصوله تعود الى بورما، يؤكد الكاتب في عالم الليمون روبرت هودجسون ان الليمون لا بد انه جاء من مناطق الهملايا الهندية التي تنتشر فيها الكثير من الانواع منذ زمن طويل.
وحسب الوثائق الرسمية الصينية التي يعود تاريخها الى سلالة «صنغ» Sung dynasty، أي بين عامي 960 الى 1279.
ورغم انه كان يقدم عصيره الى الاباطرة في الصين عبر الازمان، يشير بعض البحاثة، برثولد لوفر في كتاب: «الليمون في الصين واماكن اخرى»، الى ان الليمون دخل الى الصين في القرن الثاني عشر عبر اقليم كوانتانغ.
لكن قبل ذلك بكثير، كان الرومان من عشاق النبتة المتفردة، وقد عرفوه عن قرب واحبوه واستخدموه في زينة فسيفسائهم في قرطاجة وغيرها من المواقع والقصور القديمة، في القرن الثاني للميلاد.
ويقول س. تولكاوسكي في كتاب يعود الى الثلاثينات، انه من المؤكد ان الرومان كانوا يعرفون ويزرعون الليمون قبل القرن الرابع للميلاد، ويبدو هذا واضحا في فسيفساء احد سقوف قصور الامبراطور قسطنطين (بين 274 و337 للميلاد).
ويبدو ان هذه الفاكهة المفيدة قد اختفت عن المشهد الروماني او الايطالي بعد عام 568 أي بعد سيطرة اللومبارديين على جميع انحاء ايطاليا عنوة بالبيزنطيين، إذ ادت الحرب بين الجانبين الى تدمير حدائق القصور التي تمتلىء به وبساتينه المترامية الاطراف.
ويضيف تولكاوسكي، بأن اهالي مصر والعراق عرفوا زراعة الليمون قبل القرن التاسع للميلاد (يقال ان مشروب الليموناضة الشعبي المعروف جاء من مصر).
وعرفته الكثير من دول المتوسط والدول العربية وايران وتركيا، وعلى الارجح ان اسم الليمون بالإنكليزية Limone جاء من الاسم العربي «الليمون» Limone المستوحى او المأخوذ من الاسم الايراني نفسه (لكنه اقدم) «ليمون» Limone الذي تعود اصوله الى الجذر اللاتيني والفرنسية القديمة «ليموني» Limone.
ويبدو ان العرب قد أكنوا للنبتة المعطاءة احتراما ومحبة كبيرتين، إذ ورد في آدابهم وخصوصا اشعارهم.
وكان العرب الذين عرفوا الليمون على نطاق واسع بين عامي 1000 و1150 للميلاد، ولا يزالون حتى الآن يزينون حدائقهم بشجرة الليمون الجميلة. وقد ذاع صيته ايام الاندلس.
ويعتقد الكثير من البحاثة ان العرب وخصوصا اهل المغرب العربي ساهموا بنشر الليمون في اوروبا في القرن الثاني عشر عبر وجودهم في الاندلس.
كما ساهمت الحروب الصليبية بعد ذلك بالعثور على الكثير من الانواع وانتشارها في انحاء القارة الاوروبية.
ومن اسبانيا واوروبا كبقية انواع الحمضيات وعبر القراصنة ايضا، دخل الليمون العالم الجديد أي الى اميركا ايام كولومبوس 1494، حيث حمل معه بذور الليمون الى هايتي Haiti.
وتقول الوثائق المتوفرة، ان كولومبوس توقف برفقة 17 سفينة في جزر الكناري ومعه الكثير من انواع بذور الفاكهة والخضار ومنها بذار الليمون.
ويسجل ان الليمون كان متوفرا وبكثرة في «الوست انديز» West Indies وهايتي في منتصف القرن السادس عشر (1550)، وان البرتغاليين هم الذين قدموه الى اهل البرازيل عام 1583.
ومن هناك انتشر الليمون في دول اميركا اللاتينية ومنها البيرو التي كانت تعتني بالكبير والصغير منه منتصف القرن السابع عشر.
ويقول وبر في كتابه، انه يصعب معرفة تاريخ دخول الليمون الى ولاية فلوريدا في الشمال، لكنه يعتقد ان المستكشفين والمستوطنين الاسبان الاوائل (بين عامي 1513 و1565) كانوا وراء انتشاره هناك، أي عند تأسيس اول مستعمرة اسبانية في الولاية (مستعمرة سانت اوغسطين).
وظلت ولاية فلوريدا تحتكر زراعة الليمون على نطاق واسع في الولايات المتحدة حتى القرن التاسع عشر، إذ قضت الاحوال الجوية السيئة والعواصف الثلجية بين عامي 1835 و1895 الى القضاء على بساتين الليمون وانتاجه بشكل عام.
ولهذا تحتكر ولاية كاليفورنيا هذا الموقع، وتحوز اكبر نسبة في شمال اميركا. ويبدو ان بذور الليمون وصلت الى ولاية كاليفورنيا قبل عام 1849، حيث كان يستخدم على نطاق واسع ولغايات تصنيعية تجارية.
ويبدو ان انتشاره وانتشار صناعته في منتصف القرن التاسع عشر في كاليفورنيا وغيرها كان لاسباب طبية، إذ عاش الناس سنوات قحط وضيق طويلة وكان الطعام غير متوفر بكثرة وغالي الثمن، ولذا كان عمال المناجم يشترونه ليعالجوا امراض اللثة ونزيفها التي يتعرضون لها وللاستفادة منه لحماية الجسم ودعمه بفيتامين ج.
وتقول الموسوعة الإلكترونية الحرة، ان الليمون Citrus × limon الذي يعتبر ثمرة من الثمرات التي تنتمي إلى عائلة الحمضيات (بيضاوية الشكل وصفراء اللون)، يستخدم للأكل وغيره من الامور في جميع دول العالم، خصوصا الدواء لاحتوائه على كمية كبيرة من حامض الستريك (citric acid).
ودرج الناس على استخدامه لخواصه الطبية المهمة.
ويستخدم الليمون طازجا ويستخدم عصيره للسلطات والطبيخ وتنظيف البقع الصعبة، كما يجفف ويشرب مع السكر والشاي، ولا يزال المغاربة يستخدمونه خلال الطاجين المغربي وغيره.
ويعتبر الليمون من الفاكهة الضرورية في بعض البلدان التي يصعب الاستغناء عنها، خصوصا في اليونان وايطاليا واسبانيا ولبنان وفلسطين وتركيا وسورية وجزيرتي قبرص وكريت، إذ يستخدم بشكل يومي، خصوصا في السلطات ومع اللحوم المشوية وغيرها.
كما يصنع من الليمون المربى والحلوى والزيت. ومن المعروف ان اسبانيا وتركيا والمكسيك والهند والصين ومصر والبرازيل والارجنتين من الدول الكبرى التي تنتج وتصدر الليمون حول العالم.
وفي إطار فوائده واستخداماته الطبية، كشفت آخر الابحاث في استراليا ان الحامض من المواد الساحرة والمهمة، لأنه قادر على قتل فيروس «اتش إي في» المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة «الايدز ».
ويعتبر الليمون من أغنى الثمار بفيتامينات «ب» و«ج» (مهم جدا للعظام ونمو الاسنان ومنع امراض اللثة ونزيفها وتقوية الاوعية الدموية)، فمن المعروف ان فيتاميني «بي» و«بي 2» ومادة الـ «ريبوفلافين» من المواد المهمة جدا لتكوين كريات الدم الحمراء وإنتاج الأجسام المضادة.
وكذلك فيتامين «ب3» أو «النياسين» الذي يؤدي نقصه إلى الاصابة ببعض الامراض. ويحتوي الليمون ايضا على مواد نشوية وعدد من المركبات المعدنية مثل الكالسيوم والبوتاسيوم والحديد والمغنيزيوم والفسفور والزنك والنحاس والمنغنيز والسيلانيوم.
ويستخدم الليمون كدواء شاف من الاوبئة والامراض كالكوليرا والتيفوئيد والروماتيزم والنقرس (لتوفره على الأملاح والحوامض العضوية) والانتانات المعوية وامراض الكبد والانفلونزا.
وهو مفيد في تضميد الجروح والقروح ونزيف الانف وترميم الانسجة.
ومن خصائصه ايضا يساعد على احتراق الفضلات والاملاح، لذا يوصف في حالات الروماتيزم والنقرس وارتفاع الضغط الشرياني وتصلبها والدوالي وعرق النسا والالام العصبية المختلفة، كما يستعمل في الحمى وارتفاع درجة الحرارة ويزيد في ادرار البول ومقاومة التسممات وطرد الديدان والغازات والتعفنات المعوية، ويعتبر الليمون مرويا للعطش ومنعشا في الصيف، سواء كان طبيعيا او مغليا. وهو مطهر في حالة التهاب المسالك البولية والكلية والمثانة، حيث يغسلها وينظف مجاريها ويدر البول ويطرح الفضلات، ويقضي على الجراثيم. ويقال ايضا ان قشر الليمون يساعد على تعافي العضلات ونموها.
منوعات حول الليمون (تريفيا)
احد العاملين في قصر الملك الفرنسي لويس الخامس عشر، ذكر في مذكراته ان الملك كان يأكل الليمون مع البصل لإبعاد اللعنة عنه.
وكان يجلب الفرنسيون، خصوصا الاغنياء والملوك الليمون للولائم الكبيرة من البرتغال.
كان اهل البحر في الكاريبي وغيره مولعين بالليمون ويعتقدون انه حل لكل العلل والمشاكل والامراض خلال السفر.
وقد فرضت السلطات البريطانية – ومنذ زمن – وجود الليمون في السفن التجارية والحربية. وكانت السفن تلقب «عاصرو الليم» والبحارة «لايميز» أي «ليمونيون».
ولطالما ارتبط اسم الليمون عند بعض المجتمعات قديما بالخزي والعار، إذ يقال ان الرهبان في كتالونيا في اسبانيا حرموا الليمون لاعتقادهم بان الشيطان لم ينجح بجعله مستديرا بشكل كامل مثل البرتقال، ولذا خرج من يديه مشوها.
ونسب الشاعر الروماني فرجيل في ملحمة الإلياذة، الى الليمون مواصفات خارقة، مثل طرد الشياطين والارواح الشريرة.
الا ان كاسانوفا كان يعتبر الليمون من المآكل والفاكهة المحفزة جنسيا.
يستخدم الليمون احيانا في بعض المدارس مكان البطارية لتوليد الطاقة الكهربائية اثناء الاختبارات العلمية.
يستخدم البعض عصير الليمون لتخيف لون الشعر، ولترطيب البشرة وتنظيفها وتحسين لونها.
ويستخدم زيته لمعالجة العديد من انواع الخشب، خصوصا الآلات الموسيقية، والاكثر من هذا ان رائحته او رائحة زيته تمنح الفرد مزاجا طيبا وتجعله اكثر استرخاء كما دلت تجارب جامعة اوهايو الاخيرة في الولايات المتحدة.
محبتكم مخاويه الظيـــــــــــــم