كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة لكل الناس، رحمة لأصحاب الأمراض، رحمة للمخطئين، رحمة للعصاة، رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
مشكلة الحجر الأسود
يقول العلامة د. علي جمعة: "كان عليه السلام بفطنته ينهي منازع الخلاف بشكل قاطع, مع حماية المجتمع الإسلامي من آثار الأزمة, بل يعمل على الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة في الإصلاح والتطوير, واتخاذ إجراءات الوقاية لمنع تكرار الأزمة أو حدوث أزمات مشابهة لها، وإنك لتري آثار هذه الحكمة في تلك المعالجات في السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها".
وهنا يقول ابن هشام في سيرته: "إن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان عائذ أسن قريش كلها؛ قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا. فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد ؛ فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر ، قال صلى الله عليه وسلم: هلم إلي ثوبا، فأُتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده. ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا: حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده ، ثم بنى عليه"رواه أيضا أحمد، و الحاكم في المستدرك، وابن كثير في البداية، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه(أي الشيخين في الصحيحين).
ويعلق فضيلة الشيخ د. علي جمعة على ذلك: "وبهذا التفكير السليم والرأي الصائب حسم صلى الله عليه وسلم الخلاف بين قبائل مكة, وأرضاهم جميعا, وجنب بلده وقومه حربا ضروسا شحذت كل قبيلة فيها أسنتها".
الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحاب الأزمات:
وكم شعر النبي صلى الله عليه وسلم بأصحاب الأزمات وعاش معهم معاناتهم، بل وبذل وسعه في إخراجهم من أزماتهم، وعلى سبيل المثال:
يقول د. راغب السرجاني: "ومن أهم الأزمات التي لا بد لكل بشر أن يقع فيها أزمة المرض". ويقول: "كان الرسول إذا سمع بمريض أسرع لعيادته في بيته، مع كثرة همومه ومشاغله، ولم تكن زيارته هذه مُتكلَفة أو اضطرارية، إنما كان يشعر بواجبه ناحية هذا المريض. كيف لا، وهو الذي جعل زيارة المريض حقًّا من حقوقه؟!… قال رسول الله: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ" متفق عليه.
كارثة التبول في المسجد
وإليك كارثة وقعت أمام خير الورى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بال الأعرابي في المسجد، نعم بال، كارثة، تخيلتها حقيقة وصعب عليّ تخيلها، ولكن تراه صلى الله عليه وسلم فاق حد التخيل في رد فعله، والحديث في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي. فقام يبول في المسجد. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزرموه. دعوه" فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر. إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فأمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فشنه عليه".
لقد تجاوز النبي صلى الله عليه وسلم أزمة كادت أن تراق فيه دماء، ولكنه صلى الله عليه وسلم علم الرجل أمر دينه بكل رفق ولين.
وهنا يكتب أحد المبدعين: "لقد أبعد عليه الصلاة والســلام الحاجز الضبابي عن عين المخطئ: المخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ، وإذا كان بهذه الحالة وتلك الصفة فمن الصعب أن توجه له لوماً مباشراً وعتاباً قاسياً، وهو يرى أنه مصيب. إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً، حتى يبحث هو عن الصواب؛ لذا لابد أن نزيل الغشاوة عن عينه ليبصر الخطأ، وعندما نعرف كيف يفكر الآخرون، ومن أي قاعدة ينطلقون، فنحن بذلك قد عثرنا على نصف الحل. حاول أن تضع نفسك موضع المخطئ، وفـكــــر من وجهة نظره هو، وفكر في الخيارات الممكنة التي يمكن أن يتقبلها، فاختر له ما يناسبه".