التصنيفات
اسلاميات عامة

حديث النفس. – في الاسلام

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كُل مَركب مُقدر لهُ أن يغادر مَرساه ..
وكُل روح مكتوب لها أن تـُقطف مِن مغارسِها مهمَا امتدَت بها الأيام ..
لن تبقى مقاعد الدُنيا مَلأى بهذهِ الحُشود ..
ولن تبقى ساحاتها مُكتظة بهذه الجُموع .
الجالسُون على تلكَ المقاعد .. والسائرون في تيكَ المراكب ..
إنما مثلهُم مثل :
السائر على أرض مليئة
بالألغام .. خطوَة واحدة قد تفصله عَن الموت..
الموتُ الذي نفرُ منه مُلاقينا ..
الموتُ الذي يُرعبنا ذكرهُ سنعيشُ تفاصيل روايته ..
من : برودة الأطراف ..
وتمتماتِ الاحتضار ..
حتى لحظة النزع ..
نسألُ الله اللطفَ والرحمات ..
والغريب يقيننا بأخذتِه , وتفريطنا في الاستعداد لبَغتته ..
حتى الحَديث الذي يُذكرنا به نهابه ..
حتى المرض الذي قد يفضي بنا إليه نرهبه ..

في الأسبُوع الغابر ..
اعترتني نوبات تَعب شديدة ..
تارة طرقات الصُداع تشتد .. وحِينًا غاشيات الألم تتابع ..
وكانَ وَجعُ الحلق قد أخذ مني مأخذه ..
وساورني الشكُ أنَ هذهِ آياتُ : الكورونا ..
وإني لجالسَة حيال أمي في الهزيع الآخر من الليل ..
وَهي تصلي وأنا أقلبُ ورقات كتاب كان مَوضُوعًا ناحية الغرفة ..
إذ اشتدّ بي الكلال ..
واعترتني نوبَة عُطاس ..
وزملني إعياء غريب ..
لم أدرِ ما كنهه!
فأيقنتُ أنه فتك : الكورونا ..
وأخذ الفزع بمجامع قلبي ..
وظننتها ليلتيَ الأخيرة ..
كانت هدأة الليل وظلمته وسُكونه تزيد من كآبة رُوحي ..
وتذكرُني غياهب الحُفر ومنازل الراحلين.

الثانية ليلا ..
وكُل من في البيت نائم ..
ما خلا أمَّي تصلي ..
سابقتُ اللحظات ..
وأخذتُ هاتفي ..
كتبتُ وصيّتي في الملاحظات ..
كنتُ أسترقُ النظر لامي وهي على سجادتها ..
ماظننتُ أن لي معها ليلة أخرى.
صارحتها لما انتهت ..
معَ أني أعرف خوفها وفرقها أن يمسَّنا بأس ..
وأنها تكادُ تذوي شفقة ورحمَة بنا..
قلتُ لها :
" إني مُتعبة .. وأخشى هذا الذي اعتراني أن يكُون كورونا ..
وأن وصيَّتي موجُودة بالملاحظات ..
وأني قد أزلتُ رمزَ الحمايَة عَن الهاتف".
كنتُ أعرفُ أنها ستحزن ,
لكن خشيتُ أن تتفاجأ ,
وكنتُ أحتاج مَن أعلمه بمكان وصيّتي ولم يكُن إزائي غيرها.
وأنا ليس يفزعني من الموتِ
إلا :ذنوبي ..
وأن يبكيي والداي ..
كما أكرهُ والله أن أبكيهما.
لولا هذا والله :
لرجوتُ الله , أن يأخذني إلى مواطن السعَادة ..
وبُسُط الجنَّة ..
وأرائك الراحة.
يالله ..
دقائق قليلة تراءات لي فيها جَميع ذنوبي ..وتمثلت لي غدراتي ..
ورحتُ أستعرض شريط عُمري , هل ثمَّة عمـلٌ يُنجيني الله به من سياط السعير؟
هل في سجلاتِ حَياتي خبيئة يُؤنسُ الله بها وحشتي ليلة المبيت الأولى في القبر ؟
أنا أخاف الظلام أشد الخوف , وأكرهُ لأجله الليل ..
فـ هل عندي من الأعمال ما يضيء عتمات قبري إذا سكنته ؟
أنا أفرُ أشدَّ الفرار من الحشرات الصغيرة , وترعبُني العناكب الضئيلة ..
كيف لو اجتمعت عليَّ الضيقُ والديدان , وسياط النيران ؟
وأنا لا أملكُ الفرار ..
ولا أستطيع القيام.
أفكارٌ مُرعبة .. وخواطر مُفزعة .. كادت أن تمزقني قبل أن يقطف روحي مَرض أو أجل.
تذكرتُ هولَ الموضع ..
وشدَّة الموقف ..
وضيقَ القبر ..
لـمَ لـمْ أرتدع ؟!
كَم مِن عابر مرَّ بي يحملُ على أمتعَته ؟
لكنهُ أبدًا ليسَ بمثل نهايتي ,
له بيتٌ أعدَه , ومُستقرٌ يسكنُه ..
وقلوبٌ سـَتبكيه مآقيها ,
وآثارٌ سـَتنتحبُ عليه , ومحرابٌ سـَيحزن لـرحيله.
لم أكُن أتخيّل أن سـأموت هذا العام ..
وهل وافت المنيّة أحدًا فأخبرته
بـالعام الذي سَيموت فيه ؟!
لا أدري لم انهالت عليَّ كُل هذه التساؤلات ,
والأفكار المرعبة ..
لم أكن أتخيَّل أني أخاف الموت لهذه الدرجة!
لاحَ لي مَشهدُ الدفن ..
فكرتُ ..
هل سينشغلُ أهلي بالدعاء لي إبانهُ ..
أم بإتقانِ اللحدِ وموازاتهِ وسَدَّ فرجاتِه ..
حتى لايدخلَ عليَّ بصيصُ نور في ظلمةِ القبرَ ولا ومضَة ضَوء..
معَ علمهم أجمَعين بكُرهي للظلام!
كيفَ مَشهدُ مُنكر ونكير إذا جاءاني للسؤال ..
كيفَ لوخذلتني الذنوبِ في هذا المشهَد الهائل ؟
كيفَ لو أركَسني الله بما كَسبت ؟
أسلو بـالقراءَة لأحاربَ فكرة الموت ,
وأقلب أوراقَ الكتاب علَّى أتناسى الموقف..
فما أستطيع!
لماذا لم أستحضر هذه المعاني إلا ساعة الفراق ..
كم أمهلني الله ..
وكم مد ليَ العُمر ؟
كَم قرأتُ من المواعظ ..
وتلوتُ من العِبر ؟.
شعرتُ حينها أني على حافة انهيار .. على شفا هلكة ..
على حَد ضيْعة ..
وأني قد ضيعتُ الدُنيا ..
وضيعتُ الآخرة ..
وخـُيّل إليَّ أنها لحظات وسـَأبدأ في النَّزع ..
وأن روُحي حان قطافها ..
وأن الندمَ لن ينفعُني ..
فــَالموتُ لا يرثى لباكٍ ..
ولا يأبهُ بـمُنكسر.
وأنا في دجم تلك الخواطر ذهبت أمي تعدُ الدواء ..
تدُني عَصير الليمُون ..
وتجلبُ الزنجبيل ..
على قسمَاتِ وجهِها يبدوا الخوف .. تحاولُ أن تخفيه ..
فـتقول لي :
ما فيك إلا العافية.
يالله ..
ما أعذبَ الوالدين ..
وما أندى أرواحهُما :
ربِّ ارحمهُما كما ربيَّاني صَغيرًا.
خرجتُ من الغرفة قليلًا لامسَ مَسمَعي صوتُ دعواتها ,
تحسبُني لا أسمعها.
فلما عُدتُ ..
سألتني :
ما تحسنتي ؟!
أجبتها بنعَم – يغفرُ الله لي -.
لاحَ لي في خضم التأمُلات ..
مَشهدٌ هيّج في قلبي الحَسرة والألم ..
وكادَت الحياة أن تفر من قلبي لما تذكرتهُ ..
مشهدُ الزحام على أبواب الجنّة ..
مشهدُ العناق بعد الاشتياق .. والتلاقي بعد الفراق .. والأنس بعد المواجع ..
بينَ تلكَ الفياض الطاهرة .. والينابيع الباردة ..والأنهُر العَذبة ..
سيرونَ الرسُول صلى الله عليهِ وسلّم ..
والصحابة .. والأخيار .. والــخُلص ..
تراءَت لي كُل صَديقة أحبها ..
مُنى .. وملاك .. ورهامُ .. وإصلاح .. وبيان .. وزينب ..
وبشائر .. وحَنين ..
وغيرهنّ الكثير ..
كيفَ لو اجتمعنَ في ساحاتِ الجنة ..
وعلى سُررها المتقابلة ..
يُحلونَ الأسَاور ..
ويكتسُونَ الحـُلل ..
وأنا تنضجُني حممُ جهنّم ..
وهل إذا جلسنَ على ضفاف أنهُر الجنَة ولم يجدنني معهنَّ ..
ستراودهُم ذكراي وأني كنتُ يومًا ما معهُم ؟
أم أن لذَّة النعيم ..
وأصوات الطيور الفاتنة ..
والرياض اليانعة ..
والثمار الدانية ..
ستمحُو ذكري مَواجعي من عقولهن ..
كما تُنسينا نعمة الأمْن ..
وَ لذة الحياة ..
مَواجغ إخوَتنا في أمصَارَ قريبة.
واللهِ لو لم يكُن لهم من النعيم : إلا أنهُم سيرونَ الرسُول صلى الله عليهِ وسلم لغبطتهم ..
فكيفَ إن كانت لهُم الحُسنى وزيادة.
..
والله إن الأسى والحرمان :
أن يطوي المرءُ عُمرهُ يحب الرسُول والصحبَ والسلفَ والأخيار ..
ويقلبُ في سيرهم ما يملكُ مدامعه ..
فتحجبُه الذنوب أن يراهُم يومَ الفوز الأكبر.
وأن يُبغض الكفار والمنافقين , ويلسعُ فؤاده ظلمهم , ويكرهُهم أشدَّ الكُره ..
ثمَّ تجمعه الذنوب معهُم في دركٍ واحد في النار.
– نعُوذ بالله-
لم أكُن أظنُ أن أبقى لأكتبَ هذه الكلمات والله ..
ولا أن أخط هذهِ الأحاديث فيتلوها قارئ ..
لكنَّ الله يُمهلني لاتوب ..
سويعات قلية ..
يملائني فيها الخوف ..
والفزع .. والرجاء .. والمحاسبة ..
حتى أماط النهارُ بُرقع الظلام عَن وجهه , فـسُريَّ عني كثيرًا مما وجدتُ – بفضل الله –
وكانت روعَة هاجس الموت بقيَت مَعي , فـأطارت عني النوم ,
وفرَّ الكَرى ..
فــَأخذتني غفوة من شدة الونى دونَ مَقصد ..
فلما استيقظتُ منها ما كنتُ بشيء أشد فرحًا أني لم أمُت في نومتي تلكَ ..
وأنتَ تنام ماتدري أيُوقظكَ أهلك .. أم مُنكر ونكير ..
فإذا أيقظكَ أهلكَ فإن الله ردَ عليكَ روحكَ ..
ولم يمسكها عنكَ ..
وأذنَ لكَ بذكره ..
فـ اقدر هذه النعمَة قدرها ..
وإياكَ تنبُذها بـالعراء.
..
اللهمَّ ..
اكتبَ لي الشهادَة في سبيلك بعد عمر في طاعتك ومَسير إليك ..
على حال تحبُه ..
وفي مُقام ترضاه ..
من غير غرَقٍ ولاحرق.
اللهمّ ..
امنحني الأمان يومَ الفزَع .. والسلامَة عند الصْيحة ..
والنجَاة صبيحَة الموقف ..
والغِنى يومَ العيلة ..
ومجاوزة الجسر إلى الجنة.
اللهمّ ..
مُن عليَّ برضوانك قبل أن يحين القطاف ..
وآمن روعاتِنا إن حَان ..
وهوّن علينا غمراتِ الموت..
ووفقنا لعمل صالح متقبل ترضاهُ به عنا.
آمين .. آمين..
آمين.

من قراءاتي لليوم
" خواطر قلب "
كتبته ميمونة الهاشمي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.