[BACKGROUND="100 #CCCCCC"]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
إن كل إنسان تراه معك في حيِّز هذه الأرض، هو إنسان له مشاعر وأحاسيس، يستنشق هواء سعادته من خلال كلمة، ويبني مستقبله في لحظات كثيرة بكلمة، وتكتب عليه أحزان الزمن وملمَّات الدهر وكواهل الحياة كلمة؛ ذلك أنه إنسان.
إن الكلمة مهما قصرتْ ألفاظُها، تظل لها مدلولات تعانِق إنسان الفضاء فرحًا وتألُّقًا، وترمي بآخر في غياهب الأحزان والأمراض، والمشكلات النفسية والاجتماعية، ما لا يمكن تخيُّله إلا لمن سبر أحوال الناس وعاش قضاياهم.
وتظل هذه الكلمةُ في أحيان كثيرةٍ في حياة إنسان، هي وراء كل عوالم الخير والتوفيق الذي تراه في جوانب حياته، وهي ذاتها في أثر الحرمان والمعاناة التي يعيشها إنسانٌ آخر.
إنك ترى في حياتك اليومية شخْصًا يبدو في ظاهرِه أنيقًا للدرجة التي تأسرك إلى الإعجاب به، فما أن يتكلم حتى تمنيتَ أنه لَم ينطقْ بكلمة، ذهَب كل ذلك البهاء في لحظةٍ، ولم يغنِ عنه بعد كلمته ملبسٌ جميل وأناقة ظاهرة جميلة، وقد قال الأول:
وَكَائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ
إنَّ ديننا من الجمال بالدرجة التي يُعنى فيها بالكلمة، ويحرص على أن تكونَ أنيقة في أذن سامعها؛ يقول الله تعالى في هذا المعنى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53]، ولم يأمرهم بالحسن، وإنما أمرهم بما هو أرفع وأعلى وأجلُّ وأكبر أثرًا؛ بالكلام الأحسن، وهذه الإشارة من كتاب الله تعالى تحتاج إلى صفحات متينة تعرض فيها كلّ معانيها التي أشار إليها القرآنُ الكريم.
إن الإنسانَ وهو يتحدث قد يجد مترادفات تؤدِّي نفس المعنى، لكن قد يكون منها ما هو أبلغ أثرًا، وأعمق في النفس، وحين يعرف المتكلِّم الكلمة الأحسن منَ الكلمة الحسنة، فهو مأمور من الله تعالى بالكلمة الأحسن؛ لأنها الأعمق أثرًا في نفْس سامعها، وهي مقصود دينك أولاً.
ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – يدعونا للكلمة الطيبة بطريقة رائعة، حين يغرينا بها في صورة صدقة؛ فيقول – صلى الله عليه وسلم -: ((والكلمةُ الطيبة صدقة))، ويقول – صلى الله عليه وسلم – في ذات المعنى: ((ويعجبني الفأل))، فيقال له: "وما الفأل؟"، فيقول – صلى الله عليه وسلم -: ((الكلمة الطيبة))، وهو بذلك يعطينا درسًا رائعًا في أثَر الكلمة الطيبة للدرجة التي تعجبه – صلى الله عليه وسلم – فيأنس بها، ويُسَرُّ مِن أجلِها.
بل وصلتْ عنايته – صلى الله عليه وسلم – بأناقة الكلمة إلى معنى كبير ورائع؛ فنهى – صلى الله عليه وسلم – عن قول الإنسان: خبثت نفسي، وأرشد قائلها إلى استبدالها بكلمة: ((لقِسَتْ نفسي))، والمعنى واحد وهو الغثيان الذي يقع بالنفس، لكن حرص على تجنب كلمة الخُبث، ولما أخرج الغضب على لسان امرأة كلمة "لعنها الله"، تقصد بذلك ناقتها، غضب النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال: ((خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة)).
إن كلَّ هذا يدلك على عناية الشارع بالكلمة، وحرصه على تهذيب الألسن أن تخرج عن مسارها، فتجرح إنسانًا أو تؤذيه في لحظةٍ مِن حياته، ولذلك كانتْ كلمة الطلاق أبغض الحلال؛ لأنها كلمة تعنِي الفراق.
وقد عبَّر الشافعي – رحمه الله تعالى – عن ذات المعنى لتلميذه المُزَني، حين قال في علم من أعظم العلوم أثرًا في الدِّين: "فلان كذاب"، فقال الشافعي: "يا أبا إبراهيم، اكْس ألفاظك أحسنها، لا تقل: فلان كذاب، قل: فلان ليس بشيء.
إن الداعية معنيٌّ باختيار كلماته التي يُوجِّهها إلى عامة الناس؛ لأن كلمته تلبس لباس الشرع؛ ولذلك وجب أن تكون فائقة في المعنى؛ حتى تكون رائقة في الآذان، ومثل ذلك الأب الذي يتعامل مع أبنائه يجب عليه أن يُعنى باختيار كلماته غاية العناية، ومثلهما المُرَبِّي في أوساط طلابه عليه أن يتنبَّه ألا تغادرَ كلمتُه مِن فمه إلا وهو يعلم صلاحيتها للتوجيه والتربية في أوساط طلابه.
وكلَّما كان الإنسانُ أنيقًا في اختيار عباراته، كان أكثر قبولاً في أوساط الناس، وأعظم تأثيرًا في حياتهم، وحسبك بذلك غنيمة، وقبل ذلك وبعده أودُّ أن أقول لك: يكفي هذا المعنى، وغيره ما لا يمكن حصره في مكان كهذا، يدل دلالة عميقة على أناقة هذا الدين وجماله وروعته، ليس في الكلمة فحسب، وإنما في كل شيء، وإنما قربت لك هذا الجمال بالكلمة.
[/BACKGROUND]