" الإعراض ،وتصعير الخد ، واللامبالاة ".
يشطبون جهد أئمة الإسلام على مدى ألف عام إذا خالفت أهواءهم ، وكأن أولئك الأئمة لم ينفقوا أعمارهم في الطلب والتدقيق والتحقيق .
وكأنهم لم يكونوا جبالا في الحفظ والفهم للقرآن والسنة .
يسقطون أقوالاً بنيت على الدليل ،ويضربون بها عرض الحائط، بتأويلات ، وافتراضات لا قيمة لها في ميزان البحث .
فإن أتى العالم بدليل ينص على حكم المسألة صراحة ، قاموا بتأويل الدليل تأويلاً يناسب ما يطمحون إليه .
فإن قلت لهم : هذا يخالف قول العلماء المختصين
ردوا عليك بعبارة يحفظونها كما يحفظون أسماءهم ، ولا يزالون يكررونها بمناسبة وبغير مناسبة:
كلام العلماء ليس بمقدس .
يستخدمونها في كل مسألة
فإن أتيت لهم بقول أحد الصحابة الذين رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم ،وعايشوه ، واطلعوا على كثير مما خفي عنا من أمره ، ،وكان لا يناسب أهواءهم عمدوا إلى عبارتهم المعروفة مع تعديل بسيط :
كلام الصحابة ليس بمقدس .
فإن أتيت لهم بنص صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واضح في المسألة يرد قولهم :
طعنوا في سنده ولو كان في البخاري ومسلم .
فإن لم يستطيعوا الطعن فيه ردوه بنص عام من القرآن الكريم ، قد جاء تفصيله وبيانه في السنة
فالقصد تمرير ما يريدون بأي طريق ولو كان مصادماً للنص الشرعي.فكيف يكون التعامل معهم ؟!
الرد العلمي المبني على الأدلة لا يأبه له هؤلاء ،
بل يقابلونه بالاستخفاف والإعراض وتصعير الخد ،
والعامة لا جَلَد لهم في الجملة على قراءة الكلام العلمي الموثق بالأدلة ،
وأولئك يتكلمون بأسلوب قد يعجب البعض لخفته ، وسلاسته ، وقربه إلى أفهامهم ،وقد يعلق بقلوبهم وهو السم الزعاف .
في نظري أن الحل سهل ..
وهو متمثل في البيت المعروف
وداوها بالتي كانت هي الداء ..
كيف ؟
لماذا لانقلب السحر على الساحر !
ما يحصل الآن أنهم يطرحون أفكارهم ، فإذا راجعناهم فيما تحمله من خطأ قابلونا بالإعراض ، والابتسامات الصفراء ، وربما السخرية والاستهزاء ، وكأننا من كوكب آخر ، وكأن الشاذ الغريب كلامنا لا كلامهم .
لم لانفعل الشيء نفسه معهم بدلا من استجداء التجاوب منهم .
عندما نبحث أي موضوع من المواضيع التي نختلف معهم فيها نحتاج أن نجعل كلامنا عنهم أو عن
ما يطرحون موجها للجمهور لا لهم .
لنوجه الخطاب في ما نكتب إلى القارئ العادي وليس لأولئك ، فالقارئ العادي هو الذي يبحث عن الحق ، وهو الذي يطالع ما يُكتب طلباً للمعرفة والحقيقة ، أما أولئك فالكلام الموجه إليهم يعطيهم فرصة الإعراض عنه استخفافاً ، أو التعليق عليه تعليقاً وصفياً مترفعاً عن الخوض فيه .
لكن عندما يكون الكلام لغيرهم عنهم وعن ما يطرحونه ، فإنهم يضطرون إلى طلب الحوار لبيان وجهة نظرهم .
وهذا ما ندعوا إليه .
ولنأخذ مثالا على ذلك .
عرض قبل فترة برنامج حواري بين أحد العلماء الذين خبروا القوم وعرفوا ألاعيبهم ، وبين أحد هؤلاء الليبراليين .
كانا من مصر ، وكان الليبرالي يقول :
إن صلاة الجمعة من كل أسبوع تتسبب في خسائر بالمليارات للاقتصاد المصري ، حيث تغلق المحلات ، والمطاعم ، والمصانع أبوابها لمدة ساعتين تقريباً للذهاب للجامع ، وسماع الخطبة ، وأداء الصلاة !
وهذا يصيب الاقتصاد القومي بأضرار فادحة !
ماذا يريدنا هذا أن نفعل ؟!
كيف ترد على مثل هذا ؟!
الشيخ الذي كان يحاوره استخدم الأسلوب المناسب للرد عليه .
لم يسع إلى أن يدافع عن إقامة صلاة الجمعة ، ويثبت وجوب إقامتها.لا .
بل قلب الطاولة في وجهه.
قال الشيخ :
إن الله تعالى يقول :
" يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " .
فأنت ومن هم على مثل فكرك لا يعنيهم الخطاب ، ولا نلزمهم به ،فليفعلوا ما بدا لهم في وقت صلاة الجمعة ، فليبيعوا ، وليشتروا ، ولا يذهبوا للصلاة ، فالخطاب لا يعنيهم
إنما الخطاب في الآية للمؤمنين فقط .
قال الشيخ هذه العبارة التي كانت مقفلة من آخرها بحيث لا تستجدي تجاوباً ً من الطرف الآخر ، وسكت معرضاً .
فاضطر صاحبنا أن يحاور الشيخ ليدفع عن نفسه مأزق عدم الإيمان .
فقال : من قال أنني لست بمؤمن ؟!
أنا مؤمن .
كيف تقول أنني لست بمؤمن ؟!
فأجاب الشيخ بدهاء :
إذا تطيع الله تعالى عندما يقول :
" يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " .
فالمسألة أحد أمرين :
مؤمن : تذهب لصلاة الجمعة بنص القرآن .
لست بمؤمن : لم يطلب منك أحدٌ الذهاب .