لا تنتهي مواقف زهده هذا الصحابي الجليل "عمير بن سعد" ؛ فبعد أن أذن له أمير المؤمنين بالمكوث في قريته بين أهله ، أرسل إليه واحدا من ثقاته يدعى الحارث و طلب منه أن ينزل ضيفا عند عمير فإن رأى عليه آثار نعمة فليرجع كما ذهب ، و إن وجد حاله شديدة فليعطه مائة دينار.
و بالفعل انطلق الحارث حتى وصل إلى بيت عمير وأقام في ضيافته ثلاث ليالٍ ، فكان يُخرج له كل ليلة قرصا من الشعير .
فلما كان اليوم الثالث ، قال رجل من قوم عمير للحارث:
لقد أجهدت عميرا و أهله ؛ فليس لهم إلا هذا القرص الذي يؤثرونك به على أنفسهم ، و قد أضر بهم الجوع و الجهد ، فإن رأيت أن تتحول عنهم إليَّ فافعل…
عند ذلك أخرج الحارث الدنانير ، و دفعها إلى عمير .
فقال عمير : ما هذه؟
قال الحارث: بعث بها إليك أمير المؤمنين.
فقال : ردها إليه ، و اقرأ عليه السلام ، وقل له : لا حاجة لعمير بها .
فصاحت امرأته – و كانت تسمع ما يدور بين زوجهاو الحارث – و قالت:
خذها يا عمير فإن احتجت إليها أنفقتها ، و إلا وضعتها في مواضعها ، فالمحتاجون هنا كثير.
فلما سمع الحارث قولها ؛ ألقى الدنانير بين يدي عمير و انصرف ، فأخذها عمير و جعلها في صرر صغيرة و لم يبت ليلته إلا بعد أن وزعها بين ذوي الحاجات ، و خص منهم أبناء الشهداء.
التصنيفات