تفكر ساعة……
ماءً طهورا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله وصحبه ومن والاه. أما بعد…
قال تعالى في كتابه الكريم…
بسم الله الرحمن الرحيم
((وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدةً ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً)) (الفرقان: 48-49)
ماءً طهورا
الحياة على هذه الأرض كلها تعيش على ماء المطر إما مباشرة، وإما بما ينشئه من جداول وأنهار على سطح الأرض، ومن ينابيع وعيون وآبار من المياه الجوفية المتسربة إلى باطن الأرض منه. والله سبحانه وتعالى الخالق الرازق المنعم هو الذي يقدر الأسباب الموجبة لنزول المطر رحمة بالناس وبالأنعام والمخلوقات الأخرى، من إرسال الرياح وإثارة السحب وتكاثف بخار الماء وتكوين قطرات المطر وإنزالها إلى الأرض.
فالله سبحانه وتعالى هو الذي يرسل الرياح مبشرة بنزول الغيث والمطر فتسوق الرياح السحب إلى الأماكن المقدر فيها أن ينزل المطر، فينزل الماء الطهور، أي الطاهر المطهر الذي يشرب منه الناس ويتطهرون به، وليحيي به الله أرضاً ميتة لا زرع فيها ولا نبات، ويسقي به مخلوقاته، لأن الماء حياة كل حي، والناس محتاجون إليه غاية الحاجة لشربهم وزرعهم وسقي مواشيهم.
التفاته لطيفة
إن التعبير القرآني هنا يبرز معنى الطهارة والتطهير "وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً" وهو بصدد ما في الماء من حياة "لنحيي به بلدة ميتة ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً" فيلقي على الحياة ظلاً خاصاً، ظل الطهارة، فالله سبحانه وتعالى أراد الحياة طاهرة نقية وهو يغسل وجه الأرض بالماء الطهور الذي ينشئ الحياة في الموات ويسقي الأناس والأنعام.
ليطهركم به
يروي لنا القرآن الكريم قصة واقعية كان فيها المطر جندياً من جنود الله ومدداً من عنده لدعم المؤمنين وإسنادهم في المعركة، قال تعالى في سورة الأنفال، بسم الله الرحمن الرحيم: ((إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام)) (الأنفال: 11).
هذه قصة إمداد الله تعالى للمؤمنين يوم بدر قبيل المعركة، فالمدد هنا مدد مزدوج مادي وروحي إذ أمطر الله عليهم مطراً شديداً، فشرب المسلمون وتطهروا وأذهب عنهم رجز الشيطان بتثبيت قلوبهم بسبب هذه الكرامة وهذا الإمداد، وثبت الرمل حين أصابه المطر، ومشى عليه الناس والدواب فسكنت القلوب بوجود الماء، واطمأنت الأرواح المؤمنة بالطهارة التي تمكنهم من الصلاة والعبادة والحالة النفسية والمعنوية العالية للوضوء والطهور، فأذهب عنهم رجز الشيطان، وثبتت الأقدام بثبات الأرض وتماسك الرمال.
حقائق علمية تتجلى فيها قدرة الله في إنزال المطر
يهطل سنوياً حوالي (10 مليون بليون) لتر من مياه الأمطار على سطح الأرض، وهو ما يكفي لغسل كل شخص من سكان الأرض (40) مرة في اليوم الواحد!!.
أكثر مناطق الأرض مطراً في العالم هي جزيرة صغيرة من جزر هاواي حيث يصل عدد الأيام الممطرة فيها إلى (335) يوم سنوياً!!.
في تشيلي منطقة تسمى كالاما، في هذه المنطقة ظل الجفاف وانحباس المطر فيها قائماً من سنة 1570م ولغاية سنة 1971م، أي لمدة (400) سنة. وفي العاشر من شهر شباط لسنة 1972م نزلت أمطار غزيرة جداً سببت طوفاناً عظيماً فاضت بسببه المدينة وتعرضت لأضرار بالغة.
شهد الناس غالباً نزول الضفادع وبعض أنواع الحشرات مع مياه الأمطار، لكن الغريب في الأمر أنه في سنة 1859م حدث شيء عجيب في ويلز، حيث نزلت أنواع من الأسماك مع مياه الأمطار، ووصل نزول هذه الأسماك حداً من الغزارة بحيث غطت الأسماك ملعباً لكرة القدم بكامله.
من نتائج طغيان الإنسان في ميزان البيئة
منذ عشرات السنين تحول الغلاف الجوي المحيط بالأرض إلى مستودع للنفايات الغازية، ألقى الإنسان فيها ولا يزال عدة مليارات من الأطنان من الغازات السامة التي تنفثها معامله وسياراته وبقية مصادر توليد الطاقة التي ابتكرها. وبالرغم من أن المولى عز وجل قد جعل في الغلاف الجوي طرقاً تسلكها الغازات المتصاعدة من معامل الاحتراق الأرضية، فإن طغيان الإنسان في الميزان الدقيق الذي وضعه المولى عز وجل في الغلاف الجوي الأرضي تبدو اليوم آثاره واضحة من خلال بروز ظاهرة الأمطار الحامضية التي تدمر الثروة النباتية والحيوانية في مختلف البلدان الصناعية.
قال تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: ((وَالسَّمَاءَ رَفعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ألا تطغوا فِي الْمِيزَان وَأقيمُوا الْوَزْنَ بالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ )) (الرحمن:7-9).
ظاهرة الأمطار الحامضية
نحن نلوث الهواء بعدة طرق، منها السيارات والمعامل وحرق الغابات التي تساهم جميعاً في تلوث الهواء. فالسيارات تولد مجموعة من المواد الملوثة المختلفة مثل السخام والغازات السامة كأول أوكسيد النتروجين، كما إن إضافة الرصاص إلى بعض أنواع البنزين يؤدي إلى نفوذ هذا الفلز السام داخل الهواء أيضاً. وتولد محطات توليد الطاقة التي يتم تشغيلها باحتراق الفحم كميات كبيرة من المواد الملوثة مثل أوكسيد النتروجين وثاني أوكسيد الكبريت الذي هو غاز أكال. وعندما تدخل هذه الغازات الخطرة داخل الجو تتحلل في رطوبة الهواء مولدة بذلك المطر الحامضي، وبهذا تصبح جزءً من دورة الماء.
يغير المطر الحامضي من كيمائية التربة، ليتسبب في قتل مساحات شاسعة من الغابات، كما ينساب إلى مياه الجداول والبحيرات، وهناك يتسبب في هلاك الأسماك والحيوانات الأخرى. وقد أضحى المطر الحامضي اليوم مشكلة عالمية وذلك لأن المواد الكيماوية المتحررة في جزء من قارة واحدة سرعان ما تنتشر في القارات الأخرى، وقد وجد العلماء آثاراً للرصاص المنبعث من عوادم السيارات في جليد القارة القطبية الجنوبية.
من أجل ماءً طهورا
بدأت العديد من الدول الصناعية الآن بتقليل إنتاجها من ثاني أوكسيد الكبريت، كما صنعت سيارات حديثة أقل تلويثاً للهواء، وبدأت الجهود العالمية الجدية من أجل تنقية هواء الأرض، كل ذلك من أجل ماءً طهورا.
بسم الله الرحمن الرحيم
((وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً لنحيي به بلدةً ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً))
(الفرقان: 48-49)
منقول من مواضيع د.عماد عطا البياتي
اخصائي الوبائيات والسيطرة على الامراض الانتقالية
العراق- بغداد