عتيق الرحمن " او عتيق مثل مانحب ان نطلق عليه اختصاراً في الاسم .. هو عامل
من باكستان وصل الى المملكة العربية السعودية حاملاً احلام بالثراء السريع في "
ارض الثروة " كما يطلق على بلدنا حفظها الله . اترككم مع ماحصل من البداية …
وقف عتيق ببنيته المتوسطة اسفل سلم الطائرة وجال بنظره في مطار الملك
عبدالعزيز قبل ان يتوجه للباص المخصص لنقل الركاب من الطائرة الى صالات المطار
، استغرب عتيق حال دخوله صالات المطار حيث انها ليست بالمستوى الذي تخيله ..
بوابة الحرمين ومطارها سيء !!
" الله يعز حكومتنا توي دريت اننا بنعمة " قال لنفسه قاصداً مطاراتهم في باكستان ..
استقبله احد موظفي مكتب الاستقدام واخذه الى المكتب حيث قابل كفيله " صالح "
الذي رحب به واخذه معه في سيارته ليقله الى سكنه ..
(شوف شغل يمين يسار ماينفع معي خلك تمام معي اعطيك عيوني تلعب بذيلك
معي قسم العن خير خيرك تفهم ولا لا يا ابوبكس ؟) قال صالح وهم متجهين الى
منزل عتيق فماكان من عتيق الا ان حرك رأسه يمنة ويسرة في اشارة الى انه فهم
الدرس .
اوصله كفيله الى غرفة في عمارة كان قد استأجرها له .. وقبل ان يوصله مر به على
مكان عمله " كفتيريا السعاده " .. حيث شرح له انه سيعمل ابتداءً من الغد ان شاء
الله في هذا البوفيه .. وظيفته سهلة جداً فقط يعد بعض اصناف الطعام ثم يحشوها
في الخبز ويضع عليها مايرغب به الزبون من شطة وكاتشب او طماطم وغيرها .. يلف
الساندوتش بورقتين ويضعه في كيس ويسلمه للزبون .. باختصار هذه هي وظيفتك
ياعتيق وهذا ماستقوم به طيلة فترة وجودك هنا .
دخل عتيق الغرفة ليجدها غرفة صغيرة جداً (3×3 متر) موضوعاً فيها فراش للنوم
وبجانبه منبه مؤقت على الساعه 5 فجراً ومكيف وملحقاً بها دورة مياه ومطبخ صغير .
وضع شنطته جانباً وتمدد على الفراش ولم يشعر الا بصوت المنبه معلناً بداية يوم
جديد هو يومه الاول في العمل بالبوفيه .. استيقظ عتيق وغسل وجهه ثم ارتدى
ملابسه وتوجه الى البوفيه .. استخدم نسخته من المفاتيح والتي وفرها له كفيله
صالح وقام بفتح ابواب البوفيه ومن ثم الانارة وبدأ في تحضير اصناف الطعام المطلوبة
منه .. حضر الشكشوكة وحضر الكبدة واللحم المفروم والتونه وماخلافه ..
استمرت الايام وعتيق يعمل على هذا المنوال حتى انتهى شهره الاول .. كان قد
اتفق مع كفيله صالح على راتب يقدر بـ 800 ريال نظير اعماله .. لم تكن مصاريف
عتيق بتلك المصاريف الكثيرة .. كان يأكل من الطعام الذي يعده في البوفيه .. واما
الايجار والسكن فقد كان كفيله صالح ملزوماً به فلذلك لم يكن يصرف عتيق الا القليل
القليل ..
من راتب شهره الاول توجه مع زميل له كان قد تعرف عليه اثناء عمله في البوفيه
وهو " رشيد " احد ابناء جنسه .. توجها الى محل في شارع حائل في جدة .. هذا
المحل مالكه باكستاني الجنسية وقريب من رشيد .. اشتروا من عنده رسيفر من
ارخص الانواع .. وتلفزيون مستعمل قديم .. ولم تكلفه سوا 200 ريال لكليهما .. الله
يديم الرخص !!!
عادا الى منزلهما واتفقا مع البواب بنقالي الجنسية على ان يصعد بهما الى سطح
العمارة مدعياً ان رشيد هو كهربائي اتى لاصلاح بعض الانوار في سطح العمارة ..
حينها يقوم رشيد بكل بساطه بسحب سلك من اي طبق دش وتوصيله الى غرفة
عتيق ليستطيع مشاهدة الدش كما يرغب بدون ان يصرف مبالغ زائدة او يشتري
لنفسه طبقاً جديداً .. اختار رشيد طبقاً يحتوي على 3 رؤوس اهمها الاوروبي .. مو
هين هالرشيد !!!
استمرت الايام وعتيق مابين عمله في البوفيه ونومه في الغرفة .. مرت 5 اشهر منذ
قدومه الى هنا وكون رأس مال يقارب الخمسة الاف ريال .. من هنا كانت البداية ..
توجه عتيق الى صالح وطلب منه التحدث اليه .. كانت نية عتيق ان يطلب من صالح
استئجار البوفيه مقابل مبلغ شهري معتبر .. سيسلمه 2022 ريال شهرياً ولن يطلب
منه اي راتب او مصاريف عن البوفيه .. اي ان صالح الذي كان يكسب سابقاً بعد تسديد
الايجار وشراء المستلزمات قرابة الـ 2022 ريال يذهب منها جزء كبير كراتب لهذا
العامل .. سيوفر ماكان يدفعه للعامل وللمستلزمات وغيره .. وسيأتيه الربح بارد مبرد
.. صفقة ماتتفوت .. قال صالح بنفسه .. وتم الموضوع .
اصبح عتيق الان المستأجر للبوفيه وهو المسؤول الاول والاخير عن اي ارباح او
خسائر تلم بالبوفيه .. فكل مايهم صالح هو ان يصله المبلغ الشهري المتفق عليه ..
وكل هم عتيق ان يوفر المبلغ الشهري الخاص بصالح بالاضافة لارباح .. فكر عتيق
بطريقة لزيادة ربحه وتوصل لها ..
ذهب عتيق الى حراج الصواريخ وقام بشراء " صاج " و " فرامة " و " ستاند المونيوم "
ووضعها في البوفيه .. وطلب من رشيد ان يرسل له اي شخص باكستاني الجنسية
يرغب بالعمل في البوفيه مقابل راتب 600 ريال " عنده وطنية ودعم لابناء بلده " وقد
ارسل له رشيد احد الاشخاص الباكستانيين واتفق معه على العمل لديه .
سبحان الله تحول عتيق من عامل مأجور قدم لهذه البلاد لايملك الا ملابسه الى
مستأجر ومدير بوفيه بفترة بسيطة ..
اصبح عتيق الان يقدم اكثر من صنف .. فـ على الصاج اصبح يعد الفطائر والمطبق
والمعصوب .. والعامل الأجير لديه يعد الساندويشات .. واصبح دوام عتيق من بعد
العصر حيث يعمل على الصاج .. واما الصباح فقضى اول الايام ينام .. لكن فكر بينه
وبين نفسه بأعمال صباحية يستطيع القيام بها لزيادة دخله .. وتوصل لفكرة جداً
ممتازة .
قام بشراء سيارة بيجو موديل 80 بالف وخمسمائة ريال .. ولم يكلف نفسه حتى عناء
نقل ملكيتها .. اذ ان صاحبها السابق باكستاني الجنسية وقد قبل ان يبيعها له ويكتب
له ورقة بلغتهم انه مالك السيارة الحالي .. وانه قد استلم كامل قيمة السيارة منه ..
اتفق عتيق مع عدة اشخاص في الحي ان يوصل ابناءهم صباحاً الى المدارس مقابل
طالب يأخذهم صباحاً يومياً ويعيدهم ظهراً .. وجميعهم في مدرسة ابتدائية واحدة
لذلك فكان المشوار كله لايكلف عتيق اكثر من ربع ساعه ذهاباً ومثلها اياباً …
اصبح دخل عتيق شهرياً يقارب السبع الاف ريال صافية في جيبه بعد خصم مبلغ
صالح وراتب الأجير لديه في البوفيه والايجار وماخلافه .. خلال ستة اشهر فقط جمع
عتيق 40 الف ريال ..
هنا قرر ان يتجه لصالح مرة اخرى .. حاملاً عرض اكبر هذه المرة لصالح .. عرض عتيق
على صالح ان يقوم بفتح بوفيهين اخرى بإسم صالح ورأس مال من عتيق وسيقدم له
ايجار شهري 6000 الاف ريال عن كل البوفيهات الثلاث ..
"6000 ريال شهرياً وانا حاط رجل على رجل ؟ " قال صالح لنفسه ودون ان يفكر اجاب
بموافقته .. وحين هم ان يبدأ بالاجراءات طلب منه عتيق ان يرتاح على الاخر ويسلمه
صورة من بطاقة احواله ومن سجله التجاري وسيتكفل عتيق بتوفير معقب ينهي
الموضوع ويتكفل ايضاً بكافة مصاريف المعقب .. " والله انه مية مية هالعتيق " اردف
صالح لنفسه ..
في المقابل طلب عتيق من صالح ان يوقع له على عقود بيع للبوفيهات ليضمن حقه ..
تكون خانة البائع مجيرة بإسم صالح بينما خانة المشتري بدون اسم .. وافق صالح
ووقعها له .. هنا تغير الوضع وقال عتيق لصالح بالحرف : ((شوف انا مايبغى شغل
تعبان انت لاتلف وتدور مع انا عشان انا صير كويس مع انته ويعطي انته كل شهر
فلوس)) فما كان من صالح الا ان اردف " ابشر طال عمرك " … سبحانه يُغير ولا يتغير
!!!
جهز عتيق باقي البوفيهات بنفس التجهيزات التي جهز بها البوفيه الاول .. واصبح الان
يعمل تحت يده قرابة الـ 6 عمال في كل بوفيه عاملين .. وتفرغ عتيق بالكامل الان
لمتابعتهم والاشراف عليهم .
تبقى من الاربعين الف قرابة العشرة الاف ريال في دولاب عتيق .. وهو حالياً متفرغ
بالكامل .. امضى يومان يفكر اين يمكن ان يستثمر هذه العشرة الاف ؟؟ ليتوصل للحل
سريعاً .. حراج السيارات .
اصبح عتيق شريطياً .. يذهب من قبل صلاة العصر الى الحراج ويعود بين المغرب
والعشاء .. يشتري السيارات الصغيرة والقديمة ويبيعها بمكسب طيب .. وهكذا ..
اصبح دخل عتيق شهرياً من توصيل الطلاب وشغله في حراج السيارات بالاضافة
للبوفيهات يقارب العشرين الف ريال شهرياً .
لن اقول مازال الطمع يغري عتيق لمزيد من المشاريع .. لكن سأقول مازال الطموح
يغري عتيق ليبدأ في العديد من المشاريع الاخرى .. الان اصبح لديه رأس مال ممتاز ..
قرابة الخمسين الف ريال في دولابه .. ويعرف تماماً من أين تؤكل الكتف .. ما الذي
يمنعه من ان يزيد ويزيد في دخله الشهري ؟
اتفق عتيق مع صالح على ان يفتح 3 محلات خضار في حواري لايوجد وسطها اي
محل خضار .. على ان يسلم لصالح عن كل محل خضار 1000 ريال شهرياً .. اي 3
الاف ريال غير الـ 6 الاف الخاصة بالبوفيهات .
وافق صالح كالعادة فهو يظن انه استطاع بذكاء ان يضمن مبلغ وقدره 9 الاف ريال
شهرياً في حسابه متجاهلاً المسكين ان عتيق يدخل اضعاف اضعاف هذا المبلغ
شهرياً من وراءه .. وان الذي يحصل على الفتات ليس عتيق " بتفكير صالح " بل هو
للأسف صالح المواطن السعودي …
سلم عتيق سيارته البيجو لاحد ابناء جنسه ليعمل في توصيل الطلاب يومياً بدلاً من
عتيق براتب شهري .. واشترى سيارة هايلوكس موديل 2022 كاش .. واصبح يومياً
في الفجر يداوم في حلقة الخضار .. يشتري بسعر الجملة كل ماتحتاجه المحلات
والبوفيهات .. ويزيد عليها كمية زائدة يقوم ببيعها على المحلات الاخرى بسعر اقل من
اسعار باقي الموزعين .
هل تصدق عزيزي القاريء ان دخل عتيق الشهري قفز من 20 الف الى 40 الف فقط
من محلات الخضار ؟
اصبح عتيق الان مالكاً لـ 6 بوفيهات .. و 3 محلات خضار .. وشريطي سيارات مُعتبر ..
ومالكاً لـ هايلوكس 2022 .. ومستأجراً في شقة 4 غرف مؤثثة أثاث راقي جداً ..
ومازال عتيق لايترك فرصة الا واستفاد منها في " أرض الثروة " ، ومازال يزيد غناهـ
ورصيده " الدولابي " ، وربما اصبح يُسلف بعض ابناءنا بل وكبارنا في حين احتياجهم
لمبلغ ما .
وعلى النقيض نجد شبابنا مازال ينظر لعتيق نظرة ازدراء واحتقار لانه باكستاني "
يُوصل " الخضار يومياً للمحلات او يبحث عن سيارة في الحراج … بينما مازالوا يطلبون
مصاريفهم من والدهم او والدتهم .. تاركين الجو والجمل بما حمل لعتيق وامثاله …
كل ماذكرته في القصة اعلاه هي مشاريع مشروعة ومباحة ، لم يكسب عتيق ريالاً
من تجاره محرمة او مخالفة للقانون .. بل كل ماكونه وكسبه كان من تجارة مشروعة
قانونية يستطيع اي شاب منا ان يقوم بها ، لكن " ليت قومي يعلمون " …
ربما نجد الكثير من امثال صالح .. يرضى بمبلغ شهري مقابل ان يكفل العامل او بإيجار
شهري لمحله .. متغافلاً ان هذا العامل ربما يكون اغنى منه .. وان الفتات الذي يحصل
عليه ويظن انه كافٍ له .. هذا العامل يحصل على اضعاف اضعاف اضعاف هذا المبلغ
شهرياً .
ولاتنسى .. ان بلدنا بالفعل هي ارض الثروة لمن يريد ويطمح ان يكون صاحب ثروة ..
بينما المتكاسل النائم .. ستمر عليه الايام والاجيال وهو على حاله .. وربما نجده في
يوم من الايام مع طوابير الناس عند باب شقة عتيق ينتظرون شرهة او سلفة منه .
اعجبني فسرته لكم
تحياتي