اللهم صل وسلم على الحبيب المصطفى…
شرح حديث : " السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه .."
السؤال:
أريد شرح هذا الحديث : ( إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ) . ما معنى: ليهنئ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه .
الجواب :
الحمد لله
روى الإمام أحمد (15567) والدارمي (78) والطبراني في "المعجم الكبير" (871) والحاكم (4383) عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ فَانْطَلِقْ مَعِي ) ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ : ( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ ؛ لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ ، مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمْ اللَّهُ مِنْهُ ، أَقْبَلَت الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا الْآخِرَةُ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى ) قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ : ( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةِ ) ، قَالَ : قُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ ، قَالَ : ( لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ، لَقَدْ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةَ ) ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ ".
وفي إسناد الحديث ضعف . ينظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني (6447) ، وينظر أيضا : " مسند أحمد " ، ط الرسالة (25/376-378) .
وقوله ( لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ) يعني : هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم ومن كرامة الله ، في وقت توافدت على الناس فيه الفتن كقطع الليل المظلم ، فلو تعلمون ما نجاكم الله منه من تلك الفتن ، مع ما أصبحتم فيه من نعمة الله : لعلمتم عظيم فضل الله عليكم ، واصطفاءه إياكم ؛ حيث أصبحتم بفضله في هذا النعيم ، في حين أصبح الناس والفتن تقبل عليهم كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها .
وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه : ( لِيَهْنَ لكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ) رواه مسلم (810) وأبو داود .
قال العيني رحمه الله :
" ليَهْنِ ": من هَنُؤ الطعام يَهنؤ هَناءةً، أي: صَار هنيئًا " انتهى من "شرح أبي داود" (5 /376) .
والله تعالى أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
السؤال :
كأني لا أفهم صلاة وصيام داود عليه السلام ؛ ففي صحيح البخاري أنه كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه، فما هو ترتيب أفعاله هذه ؟ كما أرجو منكم الجمع بين هذا الحديث ، والحديث الذي فيه فضل الثلث الأخير من الليل ؛ لأن الظاهر من الأحاديث التي وقفت عليها أن أحب نوم وصلاة إلى الله تعالى هي نوم النصف الأول مع السدس الذي يليه ، ثم قيام الثلث الأخير إلى الفجر.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (1131) ومسلم (1159) عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ : ( أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ) .
ومعنى الحديث : أن أفضل صلاة الليل صلاة نبي الله داود عليه السلام ؛ حيث كان – أولا – ينام نصف الليل ، فمَن أراد أن يطبق ذلك اليوم فليحسب من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ، فينام نصف ذلك الوقت .
قال الشيخ عبد المحسن العباد :
" ينام نصف الليل يعني: بعد صلاة العشاء ، فيحسب من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، فنصفه يكون نوماً ، ثم بعد ذلك يكون ثلثه " انتهى .
"شرح سنن أبي داود" (13 /287) – ترقيم الشاملة .
ثم كان عليه السلام يقوم بعد ذلك للصلاة ، فيصلي ثلث الليل ، ثم ينام سدسه إلى الفجر .
والحكمة في ذلك : لئلا تصيب النفس السآمة ، وليقوم لصلاة الفجر وما يتلوها من أذكار الصباح نشيطا غير كسلان ، وليبدأ عمله اليومي كذلك ، فيستطيع أن يقوم بتأدية ما عليه من الحقوق تجاه أهله وولده والناس وتجاه عمله الذي يزاوله ، فلا يذهب إلى العمل والنوم يغالبه ، إلى غير ذلك من الفوائد والمصالح .
قال الحافظ رحمه الله :
" قَالَ الْمُهَلَّب : كَانَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام يُجِمّ نَفْسه بِنَوْمٍ أَوَّل اللَّيْل ، ثُمَّ يَقُوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادِي اللَّه فِيهِ : هَلْ مِنْ سَائِل فَأُعْطِيَهُ سُؤْله , ثُمَّ يَسْتَدِرْك بِالنَّوْمِ مَا يَسْتَرِيح بِهِ مِنْ نَصَب الْقِيَام فِي بَقِيَّة اللَّيْل . وَإِنَّمَا صَارَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَة أَحَبّ مِنْ أَجْل الْأَخْذ بِالرِّفْقِ لِلنَّفْسِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا السَّآمَة , وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّه لَا يَمَلّ حَتَّى تَمَلُّوا " وَاَللَّه أَحَبَّ أَنْ يُدِيم فَضْله وَيُوَالِي إِحْسَانه , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَرْفَق لِأَنَّ النَّوْم بَعْد الْقِيَام يُرِيح الْبَدَن وَيُذْهِب ضَرَر السَّهَر وَدُبُول الْجِسْم بِخِلَافِ السَّهَر إِلَى الصَّبَاح ، وَفِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَة أَيْضًا اِسْتِقْبَال صَلَاة الصُّبْح وَأَذْكَار النَّهَار بِنَشَاطٍ وَإِقْبَال , وَأَنَّهُ أَقْرَب إِلَى عَدَم الرِّيَاء لِأَنَّ مَنْ نَامَ السُّدُس الْأَخِير أَصْبَحَ ظَاهِر اللَّوْن سَلِيم الْقُوَى فَهُوَ أَقْرَب إِلَى أَنْ يُخْفِي عَمَله الْمَاضِي عَلَى مَنْ يَرَاهُ , أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن دَقِيق الْعِيد " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَحَبّ إِلَى اللَّه لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْف , وَهُوَ مَا يَتَخَلَّل الصِّيَام وَالْقِيَام مِنْ الرَّاحَة الَّتِي تجمّ بِهَا نَفْسه , وَيَسْتَعِين بِهَا عَلَى الْقِيَام بِالْحُقُوقِ " انتهى من "تهذيب سنن أبي داود" (1 /475) .
وقال ابن عثيمين رحمه الله :
" التهجد في الليل من أفضل العبادات وهو أفضل الصلوات بعد الفرائض ، فصلاة الليل أفضل من صلاة النهار ولاسيما في الثلث الأخير منه ، وأفضل تجزئة لليل صلاة داود : كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أحيانا بل الأغلب عليه ذلك ، وعلى هذا فنقول : أفضل صلاة الليل ما كان بعد النصف إلى أن يبقى سدس الليل " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (161 /1) ترقيم الشاملة .
ثانيا :
روى البخاري (1145) ومسلم (758) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ ) .
وروى مسلم (1163) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُهُ قَالَ : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ) .
وروى الترمذي (3579) وصححه عن عَمْرُو بْن عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ) وصححه الألباني .
فهذا يدل على أن جوف الليل الآخر أفضل أوقات صلاة الليل والدعاء .
والجمع بين هذه الأحاديث وحديث صلاة نبي الله داود : أن من صلى صلاة داود عليه السلام سيدرك الثلث الأخير ، وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (140434) أن الثلث الأخير هو عبارة عن السدسين : الخامس والسادس ، وأن أول هذا الثلث هو السدس الخامس .
فيحصل المقصود كله : إدراك التنزل الإلهي في الثلث الأخير من الليل ، وذلك باستيقاظ السدس الخامس ، وهو نصف هذا الثلث الأخير ؛ ثم النوم بالقدر الذي يصبح به الإنسان نشيطا غير كسلان ، فيصلي الصبح بحضور الذهن والقلب ، ولا يفتر عن أذكار الصباح .
وينظر جواب السؤال رقم : (140434) .
ثالثا :
قول السائل : " الظاهر من الأحاديث التي وقفت عليها أن أحب نوم وصلاة إلى الله تعالى هي نوم النصف الأول مع السدس الذي يليه ثم قيام الثلث الأخير إلى الفجر " قول غير صحيح ؛ لما تقدم من أن أفضل الترتيب : نوم النصف ، ثم قيام الثلث ، ثم نوم السدس ، ثم القيام لصلاة الفجر .
ومن قام هذا الثلث أدرك الثلث الأخير المفضل ، ولا يلزم إدراكه كله ، وإدراك نصفه ونوم نصفه أفضل لما تقدم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فإن قال قائل : لماذا لا تجعلون الأفضلَ ثُلُث الليلِ الآخرِ؛ لأنَّ ذلك وقت النُّزول الإلهي؟.
فالجواب : أنَّ الذي يقوم ثُلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك النُّزول الإلهي؛ لأنه سيدرك النصف الأول مِن الثلث الأخير ، فيحصُل المقصودُ ، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام هو الذي قال : ( أفضلُ الصَّلاة صلاة داود ) .
" انتهى من "الشرح الممتع" (4 /75-76) .
وقد روى البخاري (1133)، ومسلم (742) عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ : ( مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا ) تَعْنِى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم .
قال العيني رحمه الله :
" يعني ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم ، فعلى هذا كانت صلاته بالليل وفعله فيه إلى السحر ، ويقال : هذا النوم هو النوم الذي كان داود عليه الصلاة والسلام ينام ، وهو أنه كان ينام أول الليلة ، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي فيه الله عز وجل : هل من سائل ؟ ثم يستدرك من النوم ما يستريح به من نصب القيام في الليل ، وهذا هو النوم عند السحر على ما بوب له البخاري " .
انتهى من "عمدة القاري" (11 /284) .
وقال ابن الأثير رحمه الله :
" أي ما أتَى عليه السَّحَرُ إلا وهو نائم . تَعني بعد صلاة الليل " .
انتهى من "النهاية" (4 /530) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" وكان صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل فربما قام نصف الليل أو قبله ، فيصلي ؛ فإذا جاء السحر عاد إلى نومه ، وقد قال : ( أفضل الصلاة صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) ، وقد قيل إن سبب الصفرة في الوجه سهر آخر الليل ، فإذا نام الإنسان قبل الفجر لم تظهر عليه صفرة في الوجه ولا أثر في السهر " انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ص 1224) .
فتبين بذلك أن غالب أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ، يوافق صلاة نبي الله داود عليه السلام .
رابعا :
ينبغي التنبه إلى أن الإنسان يحرص على صلاة الليل بالصورة التي تناسب حاله ، وبالقدر الذي يغلب على ظنه أنه يداوم عليه ، فإن الناس تختلف أحوالهم ، فمنهم من ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا ، ومنهم من يكون عمله ووظيفته بالليل ، ومنهم من يعمل بالليل والنهار ، فليحرص كل مسلم على صلاة الليل ، بالقدر الذي يمكنه الوفاء به ، والثبات عليه ؛ حتى ولو لم يوافق ما تقدم من الحال الأفضل ، ثم ليكن حرصه على القيام لصلاة الفجر هو المقدم في كل الأحوال .
والله تعالى أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
الكلام على حديث : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَه ) سندا ومتنا .
السؤال :
قرأت في كتاب ( بيان أهل الاتباع في نقض شبهات أهل الابتداع ) تأليف د/عبدالله شاكر الجنيدي رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمصر صفحة 61 السطر 11و12 في كلامه عن فتوي للشيخ /عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر الاسبق (رقم الفتوي 3171جمادي الاولي 1359هجريه لقوله عليه الصلاة والسلام (من صلي علي جنازة في المسجد فلا أجر له) فهل هذا الحديث صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
روى أبو داود (3191) وابن ماجة (1517) وأحمد (9437) والطيالسي في "مسنده" (2429) وعبد الرزاق في "المصنف" (6579) من طرق عن ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَه ) .
ولفظ أبي داود : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) .
والمحفوظ اللفظ الأول ؛ ويدل عليه رواية الطيالسي وفيها : قَالَ صَالِحٌ: " وَأَدْرَكْتُ رِجَالًا مِمَّنْ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ إِذَا جَاءُوا فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ رَجَعُوا فَلَمْ يُصَلُّوا " .
راجع : "السلسلة الصحيحة" (5/ 462-463) .
وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم ، وعامتهم على تضعيفه وعدم ثبوته ومخالفته لما هو أصح منه ، وحجة من صححه أنه من رواية ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة ، وصالح كان قد خرف واختلط ، وسماع من أخذ عنه قبل الاختلاط صحيح ، وكان ابن أبي ذئب ممن سمع منه قبل الاختلاط ، قال ابن معين : ثقة حجة ، فقيل له : إن مالكا ترك السماع منه ، فقال : إن مالكا إنما أدركه بعد أن كبر وخرف ، والثوري إنما أدركه بعدما خرف وسمع منه أحاديث منكرات ، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف ، وقال الجوزجاني : تغير أخيرا فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لسنه وسماعه القديم ، وقال ابن عدي : لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد ، ومن سمع منه بآخره وهو مختلط – يعني فهو ضعيف.
"تهذيب التهذيب" (4/ 406)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ قَدِيمٌ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ ، فَلَا يَكُونُ اخْتِلَاطُهُ مُوجِبًا لِرَدِّ مَا حَدَّثَ بِهِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ " انتهى من "زاد المعاد" (1/ 482).
وحجة من ضعفه أن ابن أبي ذئب وإن كان من قدماء أصحابه ، إلا أنه روى عنه أيضا منكرات . قال الإمام أحمد : سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرا ، وروى عنه منكرا .
"تهذيب التهذيب" (4/ 406)
وقال البخاري :
سَمَاعُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ أَخِيرًا ، يُرْوَى عَنْهُ مَنَاكِيرُ.
"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (5/ 320) .
وقال ابن حبان :
" روى عَنْهُ ابن أَبِي ذِئْب وَالنَّاس ، تغير فِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة ، وَجعل يَأْتِي بالأشياء ألتي تشبه الموضوعات عَن الْأَئِمَّة الثِّقَات ، فاختلط حَدِيثه الْأَخير بحَديثه الْقَدِيم وَلَمْ يتَمَيَّز ، فَاسْتحقَّ التّرْك … وقال ابن معين : صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ قَدْ كَانَ خَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ فَهُوَ ثَبْتٌ ، قَالَ ابن حبان : هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو زَكَرِيَّا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ هُوَ كَذَلِكَ لَو تميز حَدِيثه الْقَدِيم من حَدِيثه الْأَخير ، فَأَما عِنْدَ عدم التَّمْيِيز لِذَلِكَ ، واختلاط الْبَعْض بِالْبَعْضِ ، يرْتَفع بِهِ عَدَالَة الإِنْسَان حَتَّى يصير غَيْر مُحْتَج بِهِ وَلَا مُعْتَبر بِمَا يرويهِ " .
"المجروحين" (1/ 366) .
وقد روى مسلم (973) أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها : "أَمَرَتْ أَنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي جَوَاز الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد , وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَد وَإِسْحَاق , وَقَالَ اِبْن أَبِي ذِئْب وَأَبُو حَنِيفَة وَمَالِك عَلَى الْمَشْهُور عَنْهُ : لَا تَصِحّ الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد بِحَدِيثِ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ ( مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ ) وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور حَدِيث سُهَيْل بْن بَيْضَاء , وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث سُنَن أَبِي دَاوُدَ بِأَجْوِبَةٍ :
أَحَدهَا : أَنَّهُ ضَعِيف لَا يَصِحّ الِاحْتِجَاج بِهِ , قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل : هَذَا حَدِيث ضَعِيف تَفَرَّدَ بِهِ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , وَهُوَ ضَعِيف .
وَالثَّانِي : أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخ الْمَشْهُورَة الْمُحَقَّقَة الْمَسْمُوعَة مِنْ سُنَن أَبِي دَاوُدَ " وَمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ " وَلَا حُجَّة لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ .
الثَّالِث : أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيث وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ : " فَلَا شَيْء له" لَوَجَبَ تَأْوِيله عَلَى " فَلَا شَيْء عَلَيْهِ " لِيَجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْن هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث سُهَيْل بْن بَيْضَاء , وَقَدْ جَاءَ ( لَهُ ) بِمَعْنَى ( عَلَيْهِ ) , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا .
الرَّابِع : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى نَقْص الْأَجْر فِي حَقّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِد وَرَجَعَ وَلَمْ يُشَيِّعهَا إِلَى الْمَقْبَرَة لِمَا فَاتَهُ مِنْ تَشْيِيعه إِلَى الْمَقْبَرَة وَحُضُور دَفْنه . وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من "شرح مسلم "(7/40) .
وقال الخطابي رحمه الله معالم السنن (1/ 312) :
" صالح مولى التوأمة ضعفوه وكان قد نسي حديثه في آخر عمره ، وقد ثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما صُلي عليهما في المسجد ، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما ، ففي تركهم إنكاره دليل على جوازه " انتهى .
وكان ممن ضعفه من العلماء : الإمام أحمد – كما في مسائل ابنه عبد الله (ص 142) – وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 416) ، والخطابي في " معالم السنن" (1/ 312) والبيهقي كما في "سننه" (4/86) وابن حزم في "المحلى" (3/ 391) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 414) ، وإسماعيل بن إسحاق – كما في "شرح صحيح البخارى" لابن بطال (3/ 311) – ،
، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 366): " هَذَا خَبَرٌ بَاطِلٌ " .
وممن حسنه : ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 482) وصححه الألباني في "الصحيحة" (2351) ثم تراجع عن تصحيحه وضعفه في "الثمر المستطاب" (ص: 768) حيث قال بعد أن حكى كلام ابن القيم المتقدم في الاحتجاج برواية ابن أبي ذئب خاصة عن صالح :
" وهذا هو الحق لو أن ابن أبي ذئب لم يسمع منه بعد ذلك ؛ وليس كذلك ؛ فقد قال الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل قال: سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرا ، وروى عنه منكرا ، حكاه ابن القطان عن الترمذي هكذا .
قلت: وفي هذا بيان لسبب تضعيف أحمد للحديث ، وهو أنه روى ابن أبي ذئب عنه بعد الاختلاط أيضا ، ولعله عمدة ابن حبان في قوله في كتاب الضعفاء : " اختلط بآخره ولم يتميز حديث حديثه من قديمه فاستحق الترك" ، ثم ذكر له هذا الحديث وقال:
إنه باطل ، وكيف يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد؟
فتبين بهذا علة الحديث وأنه ضعيف ، فلا يقاوم حديث عائشة الصحيح .
فالحق : أن إدخال الجنازة إلى المسجد والصلاة فيه جائز بدون كراهة ، لكن لم يكن ذلك من عادته عليه الصلاة والسلام ، بل الغالب عليه الصلاة عليها خارج المسجد فهو أولى " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (106423) .
والله أعلم
موقع الإسلام سؤال وجواب
[/BACKGROUND]