إنْ جمعتَ في هذه الدارِ أو افتقرتَ أو حزنتَ أو مرضتَ أو بخستَ حقاً أو ذقت ظلماً فذكِّر
بالنعيم ،
إنك إن اعتقدت هذه العقيدة َ وعملتَ لهذا المصيرِ ،
تحولتْ خسائرُك إلى أرباحِ ، وبلاياك إلى عطايا .
إن أعقلَ الناسِ هم ُ الذين يعملون للآخرةِ لأنها خيرٌ وأبقى ،
وإنَّ أحمق هذه الخليقة هم الذين يرون أنَّ هذه الدنيا هي قرارُهم ودارُهم ومنتهى أمانيهم ،
فتجدَهم أجزعَ الناسِ عند المصائبِ ،
وأندهم عندَ الحوادثِ ، لأنهمْ لا يرون إلاَّ حياتهمْ الزهيدة الحقيرة ،
لا ينظرون إلاَّ إلى هذهِ الفانيةِ ، لا يتفكرون في غيرِها ولا يعملون لسواها ،
فلا يريدون أن يعكّر لهم سرورُهم ولا يكدّر عليهم فرحُهم ،
ولو أنهمْ خلعوا حجاب الرانِ عن قلوبهِمْ ،
وغطاء الجهلِ عن عيونهِمْ لحدثوا أنفسهم بدارِ الخلدِ ونعيمِها ودورِها وقصورِها ،
ولسمعوا وأنصتوا لخطابِ الوحيِ في وصفِها ،
" إنها واللهِ الدارُ التي تستحقُّ الاهتمام والكدَّ والجهْدَ" .
هل تأملنا طويلاً وصف أهلِ الجنة بأنهم لا يمرضون ولا يحزنون ولا يموتون ،
ولا يفنى شبابُهم ، ولا تبلى ثيابُهم ،
في غرفٍ يُرى ظاهرُها من باطنِها ، وباطِنُها من ظاهرهِا ، فيها ما لا عينٌ رأتْ ،
ولا أُذُنٌ سمعتْ ، ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَرٍ ،
يسيرُ الراكبُ في شجرةٍ من أشجارهِا مائة عامٍ لا يقطعُها ،
طول الخيمَّةِ فيها ستون ميلاً ، أنهارُها مُطَّرِدةٌ قصورُها منيفةٌ ، قطوفُها دانيةٌ ،
عيونُها جاريةٌ ، سُرُرُها مرفوعةٌ ، أكوابُها موضوعةٌ ،
نمارقُها مصفوفَةٌ ، زرابيُّها مبثوثةٌ ،
تمَّ سروَرها ، عظُم حبورُها ، فاح عرْفُها ،عظُم وصْفُها ، منتهى الأماني فيها ،
فأين عقولُنا لا تفكرْ ؟! ما لنا لا نتدبَّرْ ؟!
إذا كان المصيرُ إلى هذه الدارِ ؛ فلتخفَّ المصائبُ على المصابين ،
ولتَقَرَّ عيونْ المنكوبين ، ولتفرح قلوبُ المعدمين .
فيها أيها المسحوقون بالفقرِ ، المنهكون بالفاقةِ ، المبتلون بالمصائب ،
اعملوا صالحاً ؛ لتسكنوا جنة اللهِ وتجاوروهُ تقدستْ أسماؤُه
قال تعالى
﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾
منقول للفائدة