التصنيفات
قصص وروايات

المصنع قصة حقيقية

المصنـــع

من الأدب التركي
الأستاذ جنيد السعاوي
ترجمة اورخان محمد علي

كان صديقي منذ الطفولة ، ما ان أنهي دراسته في الجامعة حتى دخل مع بعض أصدقائه مضمار الصناعة إذ أسسوا كما سمعت مصنعاً …
قابلته مرة في الطريق وسألته :
– كيف تجري الأمور ؟
قطب جبنيه وقال :
– الأوضاع سيئة جداً … بل تستطيع عدها كارثة … لقد أغلقوا مصنعنا بحجة انه يلوث البيئة.
قلت :
– أنا أسف لهذا … ولكن أيقوم فعلاً بتلويث البيئة ؟
قال :
– هو لا يختلف عن المصانع الأخرى … صحيح انه كان يلوث بعض الهواء وكمية من الماء للوادي الذي كنا نستعمله … كما ادعوا انه يسبب ضجيجا كبيراً.
سألته :
– حسناً ! … وماذا نويت أن تعمل ؟
أجاب متذمراً :
– سنضطر إلى اضافة أجهزة التصفية .. ولكن هذه الأجهزة ستكلفنا مبالغ طائلة … مئة مليار ليرة.
دهشت مما سمعت فسألته :
– أنت اذن في وضع لا تحسد عليه … كيف تستطيع حمل كل هذا العبء ؟
أجاب :
– لا سبيل أمامنا سوى زيادة أسعار منتجاتنا … لو كنت مكاننا أكنت تسلك سبيلاً آخر ؟
قلت :
– أنا أحمد الله لأن مصنعي لا يحتاج إلى أي أجهزة تصفية .
كانت الدهشة هذه المرة من نصيبه .. سألني :
– هل أسست انت أيضاً مصنعاً ؟
قلت :
– أسسته قبل ثلاث سنوات ، وبدأت في الانتاج في هذه الأيام.

سأل :
– أي نوع من المصانع ؟
أجبت :
– هو مصنع اوتوماتيكي تماماً … كل الأعمال تنجز من قبل عاملين أو ثلاثة عمال … وهو يعمل بهدوء ودون أي ضجيج ، وعلاوة على ذلك فان الهواء والماء المستعملان في المصنع يخرجان إلى الخارج وهما أكثر نقاءً وصفاءً.
كانت دهشته تزداد ، لذا كان يطرح السؤال تلو السؤال :
– ما أسم شركتكم ؟
– شركة ( المدركون ).
– من الذي أسس المصنع ؟ ومن يديره ؟
– أُعد أنا واضع المصنع ، ولكنه يُدار من قبل عالم كبير.
ولكي أُريحه قلت له :
– أتريد أن تري المصنع وتتجول فيه ؟ … هذه الجولة ستكون فرصة لك لبعض الراحة أيضاً.
قال :
– طبعاً أريد رؤيته … لقد أثرت فضولي حوله.
ركبنا السيارة وخرجنا إلى خارج البلدة ، وعندما وصلنا إلى منطقة يُكثر فيها الخضار أوقفت السيارة … قلت :
– وصلنا إلى ساحة المصنع … تستطيع النزول .
دفعه الفضول للنزول من السيارة قبلي ، وعندما نظر إلى الجهة التي أشرت إليها وقف في مكانه … أراد أن يقول شيئاً ثم تخلي عن نيته.

اقتربت منه وقلت له :
– أنصحك أن تأكل من إنتاج مصنعي ، فهو ألذ بما لا يقاس من نتاجات المصانع الأخرى ، وكذلك أجمل منها وأرخص.
شكرني ومد يده إلى عنقود من العنب المتدلي من الأغصان وبدأ يأكله … لقد رأى المصنع الذي أسسته في حديقتي … كان ينظر بإمعان إلى كل حبة عنب قبل ان يضعها في فمه ، ويتفحص العروق الجافة للكروم ، وينظر إلى التربة تحتها وينبشها قليلاً.
عندما أحس بأنني أنظر إليه قال :
– هل تسمح لي بالاشتراك في شركتكم ؟ … أريد أن أكون أيضاً من المدركين … سيكون هذا شرفاً كبيراً لي.

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.