بسم الله الرحمن الرحيم
يؤيد الله رسله وأنبياءه بالمعجزات والإرهاصات ، كما يؤيد أحبابه والصالحين من عباده بالكرامات ، وهذه الأشياء الثلاثة ، المعجزات ، والإرهاصات ، والكرامات ، تطلق علي خوارق العادات ، أو الأشياء غير العادية ، أي التي تخترق النواميس الكونيَّة ، والسنن الطبيعية ، والقوانين العلمية ، مثال ذلك :
نحن اعتدنا أن الشمس تغرب في الساعة الخامسة وعشر دقائق ، فمثلاً إذا وُجد من تتأخر الشمس لأجله ، أو بسببه للخامسة وعشرين دقيقة ، يكون ذلك شيئاً غريباً وغير عادي
فإذا كان الذي يؤخرها نبيٌّ ، وقد أرسل إليه ، فتسمي في هذه الحالة " معجزة " ، أما إذا كان نبيٌّ لكن لم يأت أوان نبوَّته ، ولم يكلف بعد من الله بتبليغ رسالته فنسميها " إرهاصاً " ، وإذا كان الذي جرت علي يده رجل من الصالحين المشهورين بالاستقامة ، نسميها " كرامة " ، لأنها تأييد من الله له
فإذا ظهرت علي يد فاسق فهي استدراج من الله سبحانه وتعالي له من باب قوله تعالى {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} القلم44
فكل ما ذكرناه في الأبواب السابقة مما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه ، كسقوط إيوان كسري ، ووقوع الأصنام علي وجهها عند ولادته وغيره ، فهي من باب الإرهاصات ، وكل ما أيده الله به بعد بعثته فهي معجـزات ، وهي كثيرة جداً ، وقد حاول بعض الأئمة الأعلام وهو الشيخ يوسف النبهاني رضي الله عنه أن يحصي معجزاته صلى الله عليه وسلم فعدَّ منها ثلاثة آلاف ، ثم عجز بعد ذلك ، لأن كل أحواله صلى الله عليه وسلم بليل أو بنهار من باب المعجزات
يبقي عندنا المبشرات : وهي العلامات والصفات التي ذكرت في الكتب السماوية عنه صلى الله عليه وسلم ، وهي من الكثرة بحيث لا يستطيع بشر حصرها ، ولكننا سنذكر بعضها لتستبشر نفوس المؤمنين بفضل الله علينا بهذا النبي الكريم ، ولنبدأ باليهود الذين جحدوه مع أنهم كما قال الله فيهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} الأنعام20
فقد عرَّفهم الله في التوراة كل شيء عنه صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ، حتى زمان ومكان مولده ، والموطن والوقت الذي سيهاجر فيه ، مما أدَّي ببعضهم وهم " بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضير " لما عرفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرفوا أنه سيظهر في مكة ، ويهاجر إلي المدينة ، واسمها طيبة وعلاماتها واضحة {فهي بين جبلين ، وذات نخل} وعرفوا صفاتها بالتفصيل ، فذهبوا إلي المدينة وأقاموا بها ، طمعاً أن يخرج منهم الرسول ، أو يكونوا أول أتباعه إذا ظهر
ولذلك عندما كانت تحدث بينهم وبين القبائل المجاورة حروب كانوا يقولون {اللَّهُمَّ بِحَقِّ النَّبي الُمنْتَظَر ، الذي قَرُبَ أوَانُ ظُهُورهِ ، انْصُرْنَا عَلَيْهِم ، فَيَنْتَصِرُون}[1]
وذلك ما أخبر به القرآن في قول الله {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} البقرة89
وكذلك عندما كان يحدث خلاف بينهم وبين الأوس والخزرج في المدينة كانوا يقولون لهم
بسم الله الرحمن الرحيم
{إن نبي آخر الزمان سيظهر عن قريب ، وسيمكننا الله به منكم ، ونذبَحكم ذبح عاد وإرم}[2]
وهذا ما جعل الأوس والخزرج يسارعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به ، لما علموا نبأ ظهوره في مكة ، لأنهم كانوا يسمعون عنه من اليهود ، وهذا أيضا ما دعاهم إلى دعوته للهجرة إلى مدينتهم ، لأنهم علموا من اليهود أنها مكان هجرته ولذلك لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، آمن كبار علماء اليهود به على الفور ، وأولهم في ذلك عبد الله بن سلام ، وكان رئيسهم في العلم