بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الكعبه قبلة الصلاه و السماء قبلة الدعاء
أمام الروضه الشريفه . . حيث قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم . . يقف المسلمون و هم يرفعون أيديهم إلى السماء بالدعاء . . لكن . . الشرطه الدينيه هناك ترفض ذلك السلوك الإسلامى . . و تطالب بأن يرفع المسلمون إيديهم إلى السماء و هم ينظرون للقبله . . لا إلى المقام الشريف . . و هو تعسف و قصر نظر و عدم فهم لأصول الدين .
إن الإمام فى صلاة الجمعه يعتلى المنبر و يعطى ظهره للقبله و يتجه إلى جموع المصلين أمامه . . و رغم ذلك يرفع يديه إلى السماء بالدعاء . . و لا أحد يعتبر تصرفه خطأ . . فالأصل فى الدعاء هو أن نرفع أيدينا إلى السماء و نقول " يا رب " . . مهما كان إتجاهنا . . و مهما كان موقعنا . . المهم ألا نغير إتجاه اليدين . . ولا نتوجه بالدعاء لغير الله .
لقد تغيرت القبله من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام فى ليلة النصف من شعبان . . فهل غير الله مكانه لنغير إتجاهنا إليه ؟ . . إن ذلك ما سيقوله السفهاء منا . . يقول سبحانه و تعالى : " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق و المغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم " . .
إن الله فى كل مكان . . و هو حر نتوجه إليه من الناحيه التى يريدها . . و من يعترض على التحويل و التعديل و التغيير يسمى سفيها . . و السفيه هو فاقد الأهليه .
و الدعاء يخفف من السيئات و يزيد الحسنات . . لكن . . هل يحدث ذلك فعلا . . و كل شىء مكتوب عند الله فى اللوح المحفوظ ؟ . . إن الله عنده اللوح المحفوظ . . مكتوب فيه ما سيحدث . . لكننا غير ملزمين به لأننا لا نعرفه . . لقد أثبت الله فيه علمه . . و العلم ليس أداة من أدوات القدره . . فالله أثبت كل شىء فى اللوح المحفوظ . . لكن . . قدرته تتجاوز ذلك . . فلو وقف الأمر عند ما فى اللوح المحفوظ ما كان للدعاء ما يبرره .
لقد كان مكتوبا فى اللوح المحفوظ أن الصلاه خمسون مره فى اليوم . . لكن الرسول فى المعراج طلب من الله التخفيف تسع مرات حتى وصلت الصلاه إلى خمس صلوات فى اليوم فقط . . فهل شطبت الخمسون صلاه من اللوح المحفوظ و أصبحت خمس صلوات ؟ . . لا . . بقيت كما هى . . و جرى التخفيف فى الألواح التى تتدلى من اللوح المحفوظ و التى تسمى ألواح المحو و الإثبات . . إن اللوح المحفوظ لا يعدل . . لكن . . التعديل فى ألواح المحو و الإثبات .
و يمكن أن يكتب شخص ما شقيا فى اللوح المحفوظ . . لكن الله يغيره فى ألواح المحو و الإثبات . . بالدعاء . . كذلك يمكن تغيير عمر شخص آخر . . ليطول بصلة الرحم . . و كل ذلك إظهار لطلاقة القدره الإلهيه . . لأن الله لو أستطاع أن يكتب و لا يستطيع أن يمحو لكان عليه سلطان . . و الله مطلق القدره و الإراده . . لا سلطان عليه .
يقول سبحانه و تعالى : " ما يبدل القول لدى " . . و لم يقل " ما يبدل قولى " المقصود بعدم تبديل القول لديه . . أن ما نقوله نحن فى الدنيا لا يتبدل عنده فى الآخره . . فلا يجرؤ أحد أن يطعن بالتزوير .
إن طلاقة القدره تعطى الله سبحانه و تعالى الحق فى أن يضيف و يمحو . . كما هو الحال بالنسبه للناسخ و المنسوخ من آيات القرآن . . و طالما وجدت ألواح المحو و الإثبات فإن الدعاء ضروره ملحه للتغيير .
اللهم إن كنت كتبتنى عندك فى أم الكتاب شقيا أو محروما أو مطرودا أو مقتر على فى الرزق فأمح اللهم بفضلك شقاوتى و حرمانى و إقتار رزقى و أكتبنى عندك فى أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات فإنك قلت و قولك الحق فى كتابك المنزل على نبيك المرسل " يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب " .
هذا الدعاء يراه البعض أنه باطل حيث إنه لم يرد به نص عن رسول الله و يراه البعض الآخر باطلا حيث أن كلماته غير معقوله . . مثل . ." أشطبنى " و " أكتبنى " . . كما أنه يوحى بالتلاعب فى اللوح المحفوظ . . و الرد على هؤلاء ببساطه أنه ليس كل دعاء ورد عن رسول الله . .
يقول سبحانه و تعالى " أدعونى أستجب لكم " . . و لم ينزل نصا معينا بالدعاء . . أما كون ألفاظه غير معقوله ففى الإلهيات لا مجال للمعقول و المنقول . . فهو سبحانه و تعالى يغير و لا يتغير . . كل فعل عنده ممكن . . و تركه ممكن . . و ليس عليه مستحيل . . فأى طلب يطلبه الأنسان من ربه حتى و إن بدا غير معقول عند الناس هو طلب مقبول عند الله . . نحن نطلب المعقول و غير المعقول من الله وهو مطلق الأراده يعطينى أو لا يعطينى .
إن تقييد العلاقه بين الله و عبده لا معنى له . . و لو حدث ذلك فإننا جميعا نكون قدريين . . كل ما كتب علينا ينفذ و لا يتغير . . لو قبلنا ذلك فإننا لا نؤمن بقدرة الله على المحو و الإثبات . . و هو القادر على أن يأتى بخلق آخر غيرنا . .
يقول سبحانه و تعالى : " إن يشاء يذهبكم و يأتى بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز " . . و يقول للنبى : " و لئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ثم لا يكون لك به علينا وكيلا " .
و لقد وصل الخلاف إلى رفع اليدين عند الدعاء فيقولون فى إتجاه القبله فقط . . و القبله هى الكعبه والكعبه هى قبلة الصلاه " فولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام " . .
أما قبلة الدعاء فهى السماء . . و السماء فى كل مكان . . ( أينما تولوا فثم وجه الله ) . . و ما أجمل أن يرفع الإنسان يديه إلى الله بالدعاء أمام قبر رسول الله . . يرفع يديه بالدعاء ووجهه إلى رسول الله . .
فلو كان المقصود برفع اليدين بالدعاء أمام القبر الشريف هو رسول الله لتغير الحال و لما رفعت الأيدى إلى السماء بل أتخذت إتجاه القبر الشريف و هو ليس فى السماء . .
إن الدعاء برفع اليدين إلى السماء يكون فى أى مكان . . و أمام أى إنسان سواء كان صالحا أم طالحا . . و الله موجود فى كل مكان و ليس فى السماء فقط . . لكننا وجدنا النبى يفعل ذلك و يرفع يديه عند الدعاء إلى السماء إجلالا و تعظيما و إشاره إلى السمو الإلهى .
كان الإمام مالك يجلس ووجهه إلى قبر رسول الله فجاء الخليفه المنصور و أستحى أن ينتقده أو يطلب منه تغيير جلسته لتكون فى إتجاه القبله فسأله سؤالا يفهم منه ما يريد . .
" هل أستقبل القبله وأدعو أم أستقبل رسول الله و أدعو ؟ . . فأجاب الإمام مالك رضى الله عنه : و لم تصرف و جهك عنه و هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم من قبل ؟ . . هكذا أجاب واحد من الأئمه الأربعه . .
و لا حول و لا قوة إلا بالله .