.
.
..
راية الدولة الغزنوية
الدولة الغزنوية
اسمها مشتق من اسم عاصمتها وهى مدينة ‘غزنة’ الموجودة حالياً بأفغانستان
وأصل هذه الدولة يرجع إلى القائد ‘سبكتكين’ الحاجب التركي الذي عمل
في خدمة الأمير ‘عبد الملك بن نوح السامانى’ وترقى في المناصب وارتفعت
به الأطوار حتى نال رضا أمراء ‘السامانية’ فعينوه والياً على ‘خراسان’
و’غزنة’ و’بيشاور’، فكون نواة الدولة ‘الغزنوية’ وتفرغ لمحاربة أمراء وملوك
‘الهند’ وخاصة ملوك شمال ‘الهند’، وأكبرهم الملك ‘جيبال’ الذي قاد ملوك وأمراء
الشمال الهندي، واصطدم مع المسلمين بقيادة ‘سبكتكين’ سنة 369هجرية،
وكان النصر حليفاً للمسلمين، فرسخ بذلك ‘سبكتكين’ الوجود الإسلامي
وكذا أركان دولته الوليدة ببلاد ‘الأفغان’ و’طاجيكستان’ .
وكل ما قام به ‘سبكتكين’ كان باسم ‘السامانيين’ وملوك ما وراء النهر،
ولم يعلن استقلاله حتى وقتها، ثم قام بأداء أعظم مهمة لصالح الدولة ‘السامانية’
عندما قضى على قوة ‘البوبهيين’ الشيعة بنيسابور’ سنة 383 هجرية، فقام الأمير
‘نوح بن نصر السامانى’ بتعين ‘محمود بن سبكتكين’ والياً على ‘نيسابور’ن
وبالتالي غدت الدولة ‘الغزنوية’ أوسع من الدولة ‘السامانية’ نفسها، ومات
‘سبكتكين’ سنة 388 هجرية، وخلفه ابنه ‘محمود’ لتدخل المنطقة عهداً جديداً من الفتوحات، لم تعرف مثله منذ أيام الخليفة ‘الفاروق’ .
الفاتح الكبير
لم يكد الأمر يستقر للقائد الجديد ‘محمود بن سبكتكين’ حتى بدأ نشاطاً
جهادياً واسعاً أثبت أنه من أعاظم الفاتحين في تاريخ الإسلام، حتى
قال المؤرخون أن فتوحه تعدل في المساحة فتوح الخليفة ‘عمر بن الخطاب’،
وقد اتبع سياسة جهادية في غاية الحكمة تقوم أساساً على تقوية
وتثبيت الجبهة الداخلية عسكرياً وسياسياً وعقائدياً وهو الأهم فعمل على ما يلى :
1- القضاء على كل المذاهب والعقائد الضالة المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة مثل الاعتزال والتشيع والجمهية والقرامطة والباطنية ، والعمل على نشر عقيدة السلف الصالح بين لبلاد الواقعة تحت حكمه.
2- قضى على الدولة ‘البويهية’ الشيعية والتي كانت من عوامل التفرق والانحلال في الأمة الإسلامية كلها، حتى بلاغ بها الأمر في التفكير بالعودة للعصر
‘الساسانى’ الفارسى، واتخاذ ألقاب المجوس مثل ‘شاهنشاه’ وبالقضاء على تلك الدولة الرافضية قدم السلطان ‘محمود’ أعظم خدمة للإسلام .
3- أزال الدولة السامانية’ التي بلغت حالة شديدة السوء من الضعف
والانحلال أثرت بشدة على سير الحملات الجهادية والفتوحات
على الجبهة الهندية .
4-أدخل بلاد الغور وسط ‘أفغانستان’ وهى مناطق صحراوية شاسعة في الإسلام،
وأرسل إليهم معلمين ودعاة وقراء، وقضى على دولة ‘القرامطة’
الصغيرة بالملتان، وكان يقودها رجل اسمه ‘أبو الفتوح داود’
وأزال عن هذه البلاد العقائد الضالة والفرق المنحرفة
مثل الباطنية والإسماعيلية .
5- أعلن خضوع دولته الضخمة وتبعيتها للخلافة العباسية ببغداد
وخطب للخليفة العباسي ‘القادر بالله’ وتصدى لمحاولات وإغراءات
الدولة الفاطمية للسيطرة على دولته، وقام بقتل داعية الفاطميين ‘التاهرتى’
الذي جاء للتبشير بالدعوة الفاطمية ببلاد ‘محمود بن سبكتكين’، وأهدى
بغلته إلى القاضي ‘أبى منصور محمد بن محمد الأزدى’ وقال
‘كان يركبها رأس الملحدين، فليركبها رأس الموحدين’ .
وهكذا ظل السلطان ‘محمود بن سبكتكين’ يرتب للبيت من الداخل
ويقوى القاعدة إيمانياً وعقائدياً وعسكرياً، ويكون صفاً واحداً
استعداداً لسلسلة الحملات الجهادية الواسعة لفتح بلاد ‘الهند’ .
فتوحات الهند الكبرى
بدأ السلطان محمود فتوحاته الكبيرة ببلاد ‘الهند’ من مركز قوة
بعد أن ثبت الجبهة الداخلية لدولته، فقد كان يسيطر على سهول
‘البنجاب’ فكانت مداخل الجبال وممر خيبر الشهير في يده، وكذلك
لم يكن هناك مناؤى أو معارض داخلي للسلطان ‘محمود’
يعيق حملاته الجهادية، والهضبة الإيرانية كلها تحت حكمه وسيطرته،
لذلك البداية في غاية القوة .
بدأت الحملات الجهادية بحملة كبيرة على شمال ‘الهند’ سنة 392 هجرية،
حيث انتصر السلطان ‘محمود’ على ملك الهند الكبير والعنيد ‘جيبال’
وجيوشه الجرارة، ووقع ‘جيبال’ في الأسر، فأطلقه السلطان ‘محمود’
لحكمه يعلمها الله ثم هو : وهى إذلاله نتيجة حروبه الطويلة ضد المسلمين
منذ أيام والده السلطان ‘سبكتكين’، وكان من عادة الهنود أنه إذا وقع
منهم في أيدي المسلمين أسيراً لا تنعقد له بعدها رياسة، فلما رأى ‘جيبال’
ذلك حلق رأسه ثم أحرق نفسه بالنار، فاحترق بنار الدنيا قبل الآخرة.
غزا السلطان ‘محمود’ بعد ذلك أقاليم : ‘ويهنده’، و’الملثان’،
و’بهاتندة’، ثم حارب ‘أناندابال’، وانتصر عليه، وأزال حكمه من شمال
‘الهند’ تماماً وقضى على سلطانه في ‘البنجاب’ وبعد ذلك مباشرة عمل
على نشر الإسلام الصحيح في كل نواحى ‘السند’ إلى حوض ‘البنجاب’ .
تصدى السلطان ‘محمود’ لمحاولة أمراء شمال ‘الهند’ استعادة ما أخذ المسلمون،
وانتصر عليهم في معركة هائلة سنة 398 هجرية، وفتح أحصن قلاع ‘الهند’
قلعة ‘بيهيمنكر’ على جبال ‘الهملايا’، وأخضع مدينة ‘ناردبين’ أحصن وأقوى
مدن إقليم ‘الملتان’ .
وفي سنة 408 هجرية فتح السلطان ‘محمود’ إقليم ‘كشمير’،
وحوله لبلد مسلم، وكان لهذا الفتح صدى بعيد نتج عنه دخول العديد من أمراء
‘الهند’ في الإسلام، وعبر السلطان ‘محمود’ بجيوشه نهر ‘الكنج’ أو ‘الجانح’
وهدم نحو عشرة آلاف معبد هندوسى، ثم هاجم أكبر مراكز ‘البراهمة’ في
‘موجهاوان’ وواصل تقدمه وهو يحطم أية قوة هندية تبرز له، ويحول المعابد
الهندوسية إلى مساجد يعبد الله فيها وحده، وقد أخذ السلطان ‘محمود’
على عاتقه نشر الإسلام في بلاد الهند والقضاء على الوثنية فيها،
وبلغ في فتوحاته إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به قط سورة ولا آية .
فتح سومنات
استمر السلطان ‘محمود بن سبكتكين’ في حملاته وفتوحاته لبلاد ‘الهند’
وكان كلما فتح بلداً أو هدم صنماً أو حطم معبداً قال الهنود :
إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله ‘سومنات’
ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء، ولم يعر السلطان ‘محمود’ الأمر
اهتمامه حتى كثرت القالة، وأصبحت يقيناً عند الهنود، فسأل عن ‘سومنات
‘ هذا فقيل له : إنه أعظم أصنام وآلهة الهنود، ويعتقد الهنود
فيه أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه على عقيدة التناسخ
فيعيدها فيمن شاء، وأن المد والجزر الذي عنده إنما هو عبادة البحر له .
يقع ‘سومنات’ على بعد مائتي فرسخ من مصب نهر ‘الجانح’ بإقليم
‘الكوجرات’ في غرب الهند، ولهذا الصنم وقف عشرة آلاف قرية،
وعنده ألف كاهن لطقوس العبادة، وثلاثمائة رجل يحلقون رءوس ولحى زواره،
وثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون على باب الصنم،
وأما الصنم ‘سومنات’ نفسه فهو مبنى على ست وخمسين سارية
من الصاج المصفح بالرصاص، و’سومنات’ من حجر طوله خمسة أذرع،
وليس له هيئة أو شكل بل هو ثلاث دوائر وذراعان .
عندما اطلع سلطان الإسلام السلطان ‘محمود’ على حقيقة الأمر
عزم على غزوه وتحطيمهن وفتح معبده : ظناً منه أن ‘الهند’ إذا فقدوه
ورأوا كذب ادعائهم الباطل دخلوا في الإسلام، فالسلطان ‘محمود’ لا يبغى
من جهاده سوى خدمة ونشر الإسلام فاستخار الله عز وجل،وخرج بجيوشه
ومن انضم إليه من المتطوعين والمجاهدين وذلك في 10 شعبان سنة
416 هجرية، واخترق صحارى وقفار مهلكة لا ماء فيها ولا ميرة،
واصطدم بالعديد من الجيوش الهندية وهو في طريقه إلى ‘سومنات’،
مع العلم أنه أعلم الجميع بوجهته وهدفه، ليرى الهنود إن كان ‘سومنات’
سيدفع عن نفسه أو غيره شيئاً .
بلغ السلطان ‘محمود’ بجيوشه مدينة ‘دبولواره’ على بعد مرحلتين من
‘سومنات’، وقد ثبت أهلها لقتال المسلمين ظناً منهم أن إلههم ‘سومنات’
يمنعهم ويدفع عنهم، فاستولى عليها المسلمون، وحطموها تماماً، وقتلوا
جيشها بأكمله، وساروا حتى وصلوا إلى ‘سومنات’ يوم الخميس
15 ذي القعدة سنة 416 هجرية، فرأوا حصناً حصيناً على ساحل النهر،
وأهله على الأسوار
يتفرجون على المسلمين واثقين أن معبدوهم يقطع دابرهم ويهلكهم .
وفي يوم الجمعة 16 ذي القعدة وعند وقت الزوال كما هي عادة المسلمين
الفاتحين زحف السلطان ‘محمود’ ومن معه من أبطال الإسلام،
وقاتلوا الهنود بمنتهى الضراوة، بحيث إن الهنود صعقوا من هول الصدمة
القتالية بعدما ظنوا أن إلههم الباطل سيمنعهم ويهلك عدوهم، ونصب المسلمون
السلالم على أسوار المدينة وصعدوا عليها وأعلنوا كلمة التوحيد والتكبير
وانحدروا كالسيل الجارف داخل المدينة، وحينئذ اشتد القتال جداً وتقدم جماعة من
الهنود إلى معبدوهم ‘سومنات’ وعفروا وجوههم وسألوه النصر،
واعتنقوه وبكوا،
ثم خرجوا للقتال فقتلوا جميعاً وهكذا فريق تلو الآخر يدخل ثم يقتل
وسبحانه من أضل هؤلاء حتى صاروا أضل من البهائم السوائم، قاتل الهنود
على باب معبد الصنم ‘سومنات’ أشد ما يكون القتال،
حتى راح منهم خمسون ألف قتيل، ولما شعروا أنهم سيفنون بالكلية
ركبت البقية منهم مراكب في النهر وحاولوا الهرب، فأدركهم المسلمون
فما نجا منهم أحد، وكان يوماً على الكافرين عسيراً، وأمر السلطان ‘محمود’
بهدم الصنم ‘سومنات’ وأخذ أحجاره وجعلها عتبة لجامع غزنة الكبير
شكراً لله عز وجل .
أعظم مشاهد المعركة
لهذا المشهد نرسله بصورة عاجلة لكل الطاعنين والمشككين في سماحة
وعدالة الدين الإسلامي، وحقيقة الجهاد في سبيل الله وأن هذا الجهاد لم يرد به
المسلمون أبداً الدنيا وزينتها، بل كان خالصاً لوجه الله، ولنشر دين الإسلام
وإزاحة قوى الكفر وانطلاقاً من طريق الدعوة الإسلامية .
أثناء القتال الشرس حول صنم ‘سومنات’ رأى بعض عقلاء الهنود
مدى إصرار المسلمين على هدم ‘سومنات’ وشراستهم في القتال حتى ولو قتلوا
جميعاً عن بكرة أبيهم، فطلبوا الاجتماع مع السلطان ‘محمود’ ،
وعرضوا عليهم أموالاً هائلة، وكنوزاً عظيمة في سبيل ترك ‘سومنات’ والرحيل عنه،
ظناً منهم أن المسلمين ما جاءوا إلا لأجل الأموال والكنوز فجمع السلطان
‘محمود’ قادته، واستشارهم في ذلك، فأشاروا عليه بقبول الأموال للمجهود الضخم والأموال الطائلة التي أنفقت على تلك الحملة الجهادية، فبات السلطان ‘محمود’
طول ليلته يفكر ويستخير الله عز وجل، ولما أصبح قرر هدم الصنم ‘سونمات’،
وعدم قبول الأموال وقال كلمته الشهيرة {وإنى فكرت في الأمر الذي ذكر،
فرأيت إذا نوديت يوم القيامة أين ‘محمود’ الذي كسر الصنم ؟ أحب إلى من أن يقال
: الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا ؟ ! }
وهكذا نرى هذا الطراز العظيم من القادة الربانيين الذين لم تشغلهم الدنيا
عن الآخرة، ولا أموال الدنيا وكنوزها عن نشر رسالة الإسلام وخدمة الدعوة إليه،
والذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في بيان نصاعة وصفاء العقيدة الإسلامية،
وأظهروا حقيقة الجهاد في سبيل الله وغايات المسلمين بالفتوحات..
م . ن