– 12-
عبد المجيد الزنداني
وقد حفظ المسلمون أقوال رسولهم ، وأعماله وتقريراته ، وحفظوا أوصافه الخلقية والجسدية ، وكل ما يتصل به، ووصفوا الخوارق التي أجراها الله على يده، والتي كانت سبباً في إسلام الكثير منهم ، وتناقلوا ذكرها جيلاً بعد جيل ، وانبرى علماء الحديث يدققون في الروايات في كل جيل ويضبطون الألفاظ، ويتحرون السند.
ولقد حدثت خوارق كثيرة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت في كتب الحديث ، نذكر منها الخوارق التالية:
1 ـ تكثير الماء القليل :
كان المسلمون بحاجة إلى ماء وهم في المدينة للوضوء قال أنس رضي لله عنه : (أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإناء ، وهو بالزوراء مع أصحابه ، فوضع يده في الإناء ، فجعل ينبع من بين أصابعه ، فتوضأ القوم ، قال قتادة : قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة) (48) .
وحدث مثل هذا والرسول مسافر مع سبعين من أصحابه . رواه البخاري.
وحدث مثل هذا في الحديبية والمسلمون ألف وأربعمائة ـ رواه البخاري ـ فزاد ماء البئر .
وحدث مثل هذا أيضاً في سفر الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، عندما مسح على مزادتي امرأة كانتا فارغتين من الماء ، فامتلأتا فشرب المسلمون وكان عددهم أربعين رجلاً ، ثم ملأ كل قربته فعادت المرأة تقول : لقيت أسحر الناس أو هو نبي كما يقولون ، فأسلم قومها (49).
2 ـ تكثير الطعام القليل :
كان الرسول صلى الله عليه وسلم جائعاً ، فجاءه أبو طلحة ببضعة أقراص من شعير ، فأمر الرسول بفتها ودعا الله ، وأمر أن يأكلوا منها عشرة عشرة، حتى شبع الجميع، وكان عددهم سبعين أو ثمانين رجلاً .
واشتد الجوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يحفرون الخندق ، فذبح جابر رضي الله عنه شاة لرسول الله وبعض أصحابه، فنادى الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الخندق كانوا ألفاً ، فبارك الله اللحم، والخبز، حتى شبعوا جميعاً (50).
في غزوة الخندق ، وفي غزوة تبوك . أصيب المسلمون بمجاعة فاستأذنوا الرسول أن يذبحوا الإبل ، فاقترح عمر رضي الله عنه أن يجمع المسلمون بقايا طعامهم ويدعو الرسول بالبركة ، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا، فبارك الله لهم في الطعام ، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه (51). فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أني رسول الله .
3 ـ حنين جذع النخلة وتسبيح الطعام :
لما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستناد في خطبة الجمعة إلى جذع النخلة ، الذي كان يستند إليه ، بعد أن صنع له المنبر ، حن الجذع كحنين الناقة ، حتى كاد يتصدع ، فجاء إليه رسول الله ، وضمه حتى سكن (52).
وروى البخاري والترمذي : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسمعون تسبيح الطعام وهو يؤكل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4 ـ حماية الرسول من أعدائه :
أقسم أبو جهل؛ أن يطأ رقبة محمد بقدمه إذا رآه يصلي ، فرآه يصلي، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفذ وعده ، فعاد على عقبه وهو يتقي بيديه، فقيل له : ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة .
وتآمرت يهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدست السم في شاة قدمتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم أنها مسمومة فمجها ، بينما أصاب السم بعض أصحابه .
5 ـ إخباره بالغيب :
لقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن في حياته، وبعد موته ، إلى قيام الساعة .
لقد كان سبب إسلام شعب اليمن أن الرسول صلى الله علهي وسلم أخبر الفرس واليمنيين بأن ملك الفرس قد قتله الله انتقاماً لرسوله ـ عليه وآله والصلاة والسلام ـ وحدد الرسول الليلة التي قتل فيها كسرى ملك الفرس، فكان هذا سبباً في إسلام شعب اليمن وإسلام الفرس الذين كانوا في اليمن ، ودخلوا في دين الله أفواجاً .
وقد كانت هذه البشارات سبباً في إقناع أجيال من النصارى ، والمجوس ، واليهود ، والهندوس ، إلا أن الذين أصروا على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم قاموا بالتحريف ، والتبديل لهذه البشارات ، وبرغم ذلك لا تزال في كتبهم بشارات، تشهد بصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ومن تلك البشارات:
ـ في التوراة :
جاء في التوراة : أن نبياً سيظهر في مكة , ( الديار التي سكنها قيدار) ـ وهو أحد أبناء إسماعيل عليه السلام ، وقيدار سكن مكة ، كما تحكي التوراة ذلك ـ وأن اسمه يرتفع فيها ، وأنه يركب الجمل ، وأنه يحارب بالسيف، وأنه ينتصر هو وأصحابه ، وأنه يبارك عليه في كل يوم ، (وهذا ما يفعله المسلمون عند التشهد) ، وأن ملوك اليمن تأتيه بالقرابين ، وأن علامة سلطانه على كتفه بقدر بيضة الحمام (وهذه العلاقة كانت على كتف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه أوصاف لا تنطبق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم).
كما جاء في التوراة : أن الله تجلى على الناس في أماكن ثلاثة ، وهي :
سيناء ، حيث أعطي موسى عليه السلام التوراة .
ساعير (جبال في فلسطين) حيث أعطى الإنجيل لعيسى عليه السلام .
مكة (فاران) ، حيث نزل القرآن على محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
تقول التوراة التي بين يدي اليهود إلى يومنا هذا : (جاء الرب من سيناء ، وأشرق لنا من ساعير ، وتلألأ من جبل فاران) ، وفاران هو الاسم القديم لمكة، كما تذكر التوراة نفسها في سفر التكوين(21: 22) .
وقد أشار بعض الباحثين ، إلى أن القرآن قد أشار إلى هذه الأماكن الثلاثة بقوله تعالى : ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1)وَطُورِ سِينِينَ(2)وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ ( التين: 1-3) .
التين والزيتون : إشارة إلى منابتهما في فلسطين .
طور سينين : سيناء .
هذا البلد الأمين : مكة .
ـ في الإنجيل :
جاء في إنجيل برنابا ، في الباب (220) : أن عيسى عليه السلام ، قال لأتباعه : (وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله).
وجاء في إنجيل يوحنا أن عيسى عليه السلام ، أخبر قومه بالنبي الذي سيأتي بعده ، فقال : (إن لي أموراً كثيرة ، أيضاً لا أقول لكم ، ولكن لا تستطيعون الآن أن تحتملوا ، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم ويخبركم بأمور آتية) .
ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بعد عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتكلم بالوحي ، وأخبر الناس بالغيب الذي سيأتي.
وقال أحد كبار العلماء من النصارى ، هو الأب عبد الأحد داود الآشوري، في كتابه (الإنجيل والصلب) : إن العبارة التي يرددها النصارى الآن (المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة) لم تكن هكذا من الأول بل كانت : (المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس أحمد)، قال تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الصف: 6) .
ـ في كتب الهندوس :
جاء في كتاب (السامافيدا) وهو كتاب مقدس عند البراهمة في الهند، في الفقرة السادسة، والثامنة من الجزء الثاني، ما نصه : (أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة) .
وجاء في كتاب (ادروافيدم) ـ وهو كتاب مقدس عند الهندوس ـ : (أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد(54) بين أظهر الناس ، وعظمته تحمد حتى في الجنة، وهو المحامد) (55) .
وجاء في كتاب (بهوش برانم) من كتب الهندوس المقدسة: (في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد(56) الملقب بأستاذ العالم(57) والملك يطهره بالخمس المطهرة)(58) ـ الجزء : 1 ـ فصل 3 ـ عبارات 3 ـ وما بعدها(59) .
ـ في كتب المجوس :
جاء في كتاب (زندا أفستا) (أن الله سيبعث رسولاً هذا وصفه: رحمة للعالمين، ويتصدى له عدو ويسمى أبا لهب ، ويدعو إلى إله واحد) . وصدق الله القائل: ﴿ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ﴾ (البقرة: 146) واليهود والنصارى هم أهل الكتاب ، والهندوس والمجوس أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن نسن بهم سنة أهل الكتاب ، غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم ، لأنه والله أعلم قد تطاول العهد على كتبهم، وكثر فيها التحريف ، ولقد كانت هذه البشارات وغيرها سبباً في إسلام الكثير من أسلاف اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والهندوس .
===============
(47) – "السكينة" : هي الطمأنينة . "أيده" : أي قواه .
(48) – رواه البخاري ومسلم .
(49) – رواه البخاري .
(50) – رواه البخاري .
(51) – رواه مسلم .
(52) – رواه البخاري والنسائي والترمذي .
(53) – "زبر الأولين" : أي كتب الأولين .
(54) – المحمد : أي محمد.
(55) – المحامد : أي محمد .
(56) – محامد : أي محمد ولكنه التحريف .
(57) – أستاذ العالم : أي رسول للعالمين .
(58) – الخمس المطهرة : الصلوات الخمس.
(59) – من كتاب التيارات الخفية في الديانات الهندية القديمة لمؤلفه (تي محمد) .