التصنيفات
قصص وروايات

إيلاف جـ 2 | وسام |

[20]

إنتظرت " إيلاف " رسالة أو إتصال من " راكان "
بعد أن قرّر إخبارها بـ أمر وجوده الدائم معها ..
ومرّت ثلاثة أيّام .. دون أن يحدث شيء ..
حمقاء !
تركته يرحل عنها !
ولكنّها لم تجبره أن يخبرها .. !
على كلٍ هو لم يخبرها بعد !
إذن سـ تصبر .. !
و في منتصف اليوم الثالث ..
إتصل بها ..
( إيلاف .. هل تحبّيني ؟ )
صرخت :
( أحـبــك !! )
وإسترسل ..
( إيلاف .. زوجتي قرّرت الإبتعاد عنّي ..
لأنّها وجدتني مع إمرأة أخرى ..
إمرأة أحبّها ..
وكان الوضع بيننا صعب التفسير ..
لذا قرّرت هي أن تنهي ما بيننا ..
و ما جعل العلاقة عالقة هو : حملها )
أغلقت " إيلاف " الهاتف ..
صمتت .. بكت .. إختنقت ..
توقف تفكيرها ..
ما الأمر ؟
وجدته مع إمرأة !
وأنا !
سحقًا سحقًا !
أوّل ما تذكّرته الآن ..
هو كلام أختها " تراتيل "
ومبدأها .. ( كلّ الرجال خائنون ! )
حسنًا هي أيضًا كانت راضية على القيام بـ دور العشيقة التي مارسته معه ..
حسنًا " راكان " حبيبها على أي حال ..
وليست خيانة ..
وأي جنون ما قام هو به ؟
مع إمرأة أخرى .. !
و يحبّها !!
لن تستمر معه .. !
فلْـ يذهب إلى الحجيم هو ومن كانت معه !
ما أغباها .. !
عجزت على تصديق ما يحدث !
و قتلتها التساؤلات :
لماذا ؟
ومتى ؟
وأين !
وكيف سمح لـ نفسه أن يعود لها .. !
والكلمات التي تلفّظ بها أمامها !
والوعود !
من هي في حياته ؟
لن تلفّ حبل الخذلان أكثر على عنقها !
وإتخذت قرار بـ الإبتعاد عنه ..
وسـ تشنق أي ذكرى تمرّها ..
بـ المقابل : رحل هو ..
وإنقطعت أخباره عنها .. !
إلى أن أعادته ( الصدفة ) !

[21]

إلتقت " راكان " في مقر عملها : صدفة ..
ألقى عليها تحيّة باردة ..
فـ بادلته التحيّة بـ إبتسامة باهتة ..
جلس !
نظرت إليه بـ إستغراب ..
بدأ حديثه معها بـ ( إيلاف مادامت الأقدار جمعتنا ..
سـ أسألكِ عن أمر ..
بعد أيّام قليلة ..
سـ يرزقني الله : طفلة ..
ما رأيك لو أسميتها بـ إسمك ؟ )
صرخت " إيلاف " ..
( لا !
لا أريد أن يحدث هذا الأمر ..
عد يا راكان من حيث أتيت ..
تعيسة هذه الأقدار التي جمعتنا ..
أنا الآن أمارس طقوس محوك من ذاتي ..
ولن تجدي أيّة محاولة منك ..)
تجاهل راكان حديثها كلّه وكرّر سؤاله ..
( إيلاف ؟
ما رأيك لو أطلقت عليها ذات الإسم ؟ )
إبتسمت " إيلاف " ..
ونظرت إلى عينيه مباشرة ..
رحابة نظرته تجبرها على العودة ..
ونسيان كلّ ما حدث ..
ولكن هناك صوت ما بـ داخلها يرفض ..
قالت له : ( راكان ..
إنسى أمر التسمية ..
تلك نبوءة بـ موتي ..)
صرخ هو : ( إيلاف !!
أتؤمنين بـ الخرافات ..؟
لم أعهدك مجنونة ! )
إبتسمت ..
( لا أؤمن بـ الخرافات ولا أصدّقها ..
ولكن هذا الأمر لن يحدث ..
كفّ عن اللهو بي ..
وإرحل .. )
و رحل .. كما أرادت هي ..
تجسّست على خطواته الثابتة ..
ودّعته بـ لا وداع ..
فلْـ يرحل ..
في البدء كان حبّه الهواء ..
كان صوته المأوى ..
كان ذاتها .. !
والآن باتت تشكّ إن كانت تريد ذاتها دونه !
لا !
لن تحطّمها الصدف ..
ولن تسمح لـ عينيه بـ إحتلالها من جديد ..
لحظات الصمت عميقة | ظلماء | مجحفة
وكم هي موحشة بلا " راكان " ..
ولكنّه لا يستحق العودة ..!
لايستحقّ عناء التفكير ..
لايستحقّ أن تكفّن ذاتها وتقبر روحها من أجله ..
إبتسمت ..
أرادت أن تحدّث أختها " تراتيل " ..
ولا تعلم عن أسباب هذا الجنون ..
لمَ " تراتيل " ..
لا تعلم .. !
وإتصلت بها لـ تخبرها عن حاجتها لـ الحديث معها ..
تلك المجنونة .. !

[22]

جلست " إيلاف " مع أختها ..
بادرت بـ السؤال ..
( تراتيل لمَ يخون الرجل ؟ )
صمتت تراتيل ..
ونظرت إليها ..
( لأنّه رجل ..
هكذا ببساطة جدًا !
يمتلك قلب إحداهن وحين يضمنه ..
يكسر عهد الأمانة بـ فأس الخذلان
ليس كلّ الرجال بـ الطبع
ولكن من يمنعه من الحديث أو النظر إلى إحداهن
أتعلمين ؟
مازال سالم يخونني مع ذات النساء
حفظت مواعيدهم
والأسماء والوجوه
وهو بـ المقابل يظنّني لا أعلم
و يظنّ بـ أنّني زوجة وفيّة )
أنصتت " إيلاف " ..
و سألت : ( ولمَ لستِ وفيّة ؟
ما الجميل في الخيانة ؟
وأنت مرتبطة بـ رجل ..
لاينقصه شيء .. ؟ )
إبتسمت " تراتيل "
( ينقصه : الوفاء ..
ومن خلال هذا النقص .. فرّطت أنا فيه أيضًا
ماعاد يهمّني في شيء البتّة
لمَ أجرح قلبي وأحبّه ..؟
إيلاف لن أتحمّل الخيانة إن كنتُ وفيّة
لذا تجرّعت ذات الكأس )
أرادت " إيلاف " أن تخبرها أنّه بـ إستطاعتها
الغفران لـ سالم لـ تظفر بـ توبته من جرم الخيانة ..
ولكنّها تعلم أنّها سـ تجد إجابة و حلّ و ألف عذر لـ أختها ..
لذا صمتت ..
وعادت تحدّث نفسها ..
( إن تزوّجت بـ أحدهم لن أكرّر ما فعله بي راكان ..
ولن أسمح لـ من سيتزوجني بـ القيام بـ أدوار البطولة التي يقوم بها سالم
أعرف كيف أمتلك قلبه ..
أعرف كيف ألقّنه مناهج الوفاء ..
لا أعرف فقط .. بل واثقة من ذلك .. ! )
راحت تحدّث والدتها عن رغبتها بـ الزواج ..
إبتسم والدها ..
و أنصت لـ حديثهم ..
أخبرتها والدتها عن حكاية زواجها من والدها ..
وكيف كان يعشقها ..
وكيف إنتظر العمر المناسب والوقت المناسب لـ خطبتها ..
و أول سنة ..
وأول طفلة ..
و " إيلاف "
أنصتت " إيلاف " لحديث والدتها حتّى نامت بين أحضانها ..

[23]

ما ملّ " راكان " من إرسال رسالة كلّ ليلة ..
بعضها قرأتها " إيلاف " ..
والبعض الآخر كان مصيره الحذف دون قراءة ..
إنشغلت في العمل ..
والتنزّه مع " نور " كـ العادة ..
قرّرت أن تغيّر رقم هاتفها ..
وأن تتغيّر معه ..
كان يرعبها إسمه في كلّ رسالة تصل ..
باتت علاقتهم رثّة ..
وإهترء كلّ حبل وصل بينهم ..
حتّى باتت تشكّ أنّها تتذكّر ملامح وجهه ..
جلست تحدّث " نور " ..
( نسيت ملامحه يا نور ..
ما عاد حبّه يعني لي ..)
ضحكت " نور "
طيشهم | جنونهم | فراغهم ..
كانوا أحد الأسباب ..
( نور !
كفى !
إنظري إنظري !
وصلتني لـ التوْ رسالة من " خالد " )
" خالد " إبن عمّها ..
وهو أصغر منها بـ أربع سنوات من العمر ..
أنصتت " نور " ..
( إنظري !
يقول أنّه يريد أن يتحدّث معي
مالذي يريده ؟)
أخبرتها " نور " أنّه ربّما يكون هناك أمر يتعلّق بالعائلة ..
أو من المحتمل أنّه يريد أن يأخذ رأيها في أمر آخر ..
إتّصلت تخبر والدها عن الأمر فـ وافق ..
وأرسلت " إيلاف " تخبره عن موافقتها على الحديث ..
وكان الغد موعد لهما ..
بدء " خالد " الحديث ..
( إيلاف بـ إختصار شديد ..
أنا أحبّكِ منذ الصغر ..
وأريد أن أرتبط بكِ ..! )
ذُهلت " إيلاف " ..
( خالد ؟
أتعني ما تقوله ؟
لالا !
نحن أخوة لا أكثر !
لن نرتبط !
أنت أخي يا خالد ولا زلت كذلك ..
ولا أرى أيّة علاقة أخرى تربطنا ! )
إبتسم " خالد " ..
وأخبرها أنّه لا يريد الرد الآن ..
وأنّه مستعد لـ الإنتظار ..
و إبتسمت هي بـ المقابل ..
وعادت ..
هل تفكّر بـ الأمر ؟
أم تغلق باب التفكير !
أم لعلّ من الخير أن تحدّث أحدهم عن الأمر ..
بل يجب أن تتحدّث مع أحدهم !!

[24]

قرّرت " إيلاف " أن تخبر والدها عن الأمر ..
و بعد أن أخبرته ..
لم يصلها إتصال من " خالد "
وفهمت أنّ أبيها قد أنهى الموضوع ..
زارتها " نور " لـ قضاء نهاية الأسبوع معها ..
راحوا يتحدّثون عن أكثر من أمر ..
سألت " نور " ..
( إيلاف .. ما رأيك لو إتصلت بـ راكان ..
دعينا نمارس الجنون ..
ما رأيك ؟ )
رفضت " إيلاف " الفكرة ..
كانت تعلم أنّه سيحدّثها و لم تستبعد منه أن يطلب اللقاء أيضًا ..
عادت " نور " لـ تسأل ..
( إيلاف ؟
ما رأيك لو إتصلنا بـ يوسف ؟
أتذكرينه ؟
حبّك الأول ؟ )
وافقت " إيلاف " كانت هذه المرّة تعلم أنه لن يستجيب لها ..
وتذكّرت " يوسف " و وعده لها بـ العيش وحيدًا ..
و أيّامه .. و ذكراه .. و رفض عائلتها له ..
إتصلت " نور " ..
و إستجاب " يوسف " ..
نظرت " نور " إلى " إيلاف " لـ ترى ردّة فعلها ..
وإبتسمت الأخيرة بـ سخرية ..
ردّدت بـ داخلها …
( كاذب !
هه !
لا يهمني في شيء ..
ولكن لمَ وعدني أنّه سيبقى وحيدًا !
لمَ ! )
أغلقت " نور " الهاتف ..
و عادت لـ تتحدّث مع " إيلاف " متجاهلة أمر " يوسف " وما تفوّه به معها ..
( إيلاف ؟
أتعلمين ؟
تراتيل أخبرتني أنّها تريد أن تلتقي بـ شخص ..! )
نظرت إليها " إيلاف "
إبتسمت وقالت : ( حسنًا ؟
وما الجديد في الأمر ؟
أعلم بـ أنّها تخون زوجها !
و بـ المقابل هو على أتمّ إستعداد لـ خيانتها ومعي أيضًا !
تخيّلي ؟
أخت زوجته !
الأمور كلّها باتت مقرفة ! )
لم تستفسر " نور " عن أمر " سالم " ..
ولم تستغرب " إيلاف " الأمر ..
فـ ربّما أنّه وجّه لها نظرات إعجاب أيضًا ..
من يعلم ؟ !

[25]

قرّرت " إيلاف " هَجْر جنونها ،
و أخبرت " نور " عن رغبتها بـ الإمتناع عن التنزّه وإرتكاب الحماقات ،
فراق " راكان " لن يحطّمها ولن تحبّ رجال العالم لـ تكرهه هو ،
دنياها ما زالت ملوّنة ولن تسمح لـ السواد بـ إقتحامها ،
سافرت مع أسرتها ..
ضحكت كـ الأطفال معهم ،
غنّت | رقصت ،
رافقتها رسائل " نور " المجنونة ..
و رسائل شكوى أختها " تراتيل " من الوحدة دونهم ..
و رسالة بغيضة من " سالم " زوج أختها كتب فيها ( إشتقتك ) ..
قضت أجمل ثلاثة أسابيع في السفر بين بلدة وأخرى ..
و إحتفظت بـ الكثير من الصور والذكريات الجميلة ،
وعادوا ..
أوّل من إستقبلهم " تراتيل " و " سالم " ..
تحاشت " إيلاف " النظر إلى الأخير ،
و ظلّت منصتة لـ حديث والدها و إخباره إيّاهم عن الرحلة وأحداثها ،
وأخيرًا وجدت نفسها في غرفتها ..
نامت الليل كلّه ..
لم تكن تملك مساحة خالية في تفكيرها لـ تمكّنها من تذكّر أي ماضي ،
( حمدًا لله على نعمة النسيان )،
أكثر جملة ردّدتها " إيلاف " في داخلها ،
وأثناء إنشغالها بـ الْ لاشيء ..
وصلتها رسالة عبر هاتفها ..
كان محتواها بـ اللغة الإنجليزية : ( miss u )
والرقم المرسل لا تعرفه ..
من يا ترى هذا الذي يشتاق لها ؟
فكّرت " إيلاف " في ذلك كثيرًا ..
وإحتارت بين أن ترسل لـ ذات الرقم لـ تعرف هوّيته ..
أو أن تتجاهل الأمر كلّه ..
فـ ربّما تكون مجرّد رسالة خاطئة ..
وبعد ساعة من الإرسال والتفكير ..
وصلتها أخرى ..
والمحتوى كان : ( قلت : إشتقتُ لكِ ) !
إذن ليست رسالة خاطئة ..
وبلا تفكير أرسلت هي ( من أنت ؟ )
و بعد عدّة ثوان وصلتها رسالة تقول : ( لا يهم من أنا .. المهم أنّني مشتاق )
أغلقت " إيلاف " الهاتف ..
وقرّرت أن تنام كي لا تنشغل بـ جنون آخر !

[26]

حين فتحت " إيلاف " هاتفها ..
وصلتها سبعة رسائل من ذات الرقم ..
الأولى ( أتعلمين ؟ … أحبّك )
الثانية ( لمَ لا تردّين على رسالتي ؟ )
الثالثة ( حسنًا سـ أنام إذن )
الرابعة ( صباح الخير )
الخامسة ( نائمة ؟ )
السادسة ( ؟؟ )
السابعة ( أينك ! )
تسمّرت " إيلاف " أمام هاتفها ..
من يكون هذا الذي ترك كلّ هذه الرسائل ..
أي مجنون هذا !
هل هو مجرّد عبث !
أم أنّها المقصودة !
إختلست النظر إلى الرسائل من جديد ..
أهي صالحة لـ الجنون والحب ..
بعد كل ما حدث لها ..
تساوت بعينها الأشياء ..
أهو " راكان " ؟
أم أنّه " سالم " ..؟
أم أنّه شخص مجهول . .
لم يعد صوت الذكرى يخيفها ..
لذا أرسلت .. ( من أنت ؟ )
و لم تمر بضع دقائق حتّى وصلها الرد ..
( أنا إنسان وقع في غرامك )
أرسلت " إيلاف "
( لا أحبّ عبث الأطفال ) !
فـ أرسل ..
( إذن سـ تحبّيني ) !
ذُهلت " إيلاف " ودار بـ داخلها تساؤل ،
أتخوض التجربة هذه ..
أم تمتنع عنها ..
قرّرت المضي مع هذا المجهول ..
و أرسلت : ( واثق ؟ )
أرسل لها : ( yes )
أرسلت : ( من أنت ؟ )
هو : ( قلتُ لكِ ) !
من يكون هذا الذي ظهر في حياتها ..
أهو " راكان " ؟
نعم " راكان " !!
قرّرت أن تتصل به ..
و إتصلت ..
كان صوته مختلف تمامًا ..
صمتت ..
تحدّث هو ..
( لمَ إتصلتِ ؟ أكنتِ تظنّين أنّني شخص تعرفينه ؟ )
أرادت " إيلاف " أن تجيبه ..
ولكنّ شيء ما منعها من التحدّث .. !
سمعت ضحكة منه ..
فـ أغلقت الهاتف ..

[27]

( تريدين أن تعرفين من أكون .. ؟ )
كانت هذه رسالة إستقبلتها " إيلاف " ..
و إحتارت أترسل نعم !
أم تتجاهل الأمر بـ أكمله !
و أرسلت : ( كيف سـ أعرف ؟ )
هو : ( تريدين معرفتي ؟ )
هي : ( نعم ! )
هو : ( إذن وافقي على لقائي )
شهقت " إيلاف " !
ما الأمر !
وقفت على باب الحيرة بين أن توصده أو أن تشرّع قلبها لـ المجهول !
حسنًا حسنًا !
لن تخسر شيء إن قابلته !
فـ أرسلت : ( موافقة )
كان الموعد بعد يوم واحد ..
تحديدًا في المساء : الساعة السادسة ..
قرّرت " إيلاف " أن تبقي الأمر سر ..
لن تبوح له بـ أحد إلى أن تعرف من هو ..
إتصلت بها " نور " تحدّثت عن كل شيء ..
و أثناء حديثها قالت : ( إيلاف ؟
لدي إحساس بأنّك اليوم مختلفة !
نبرة صوتك أعرفها !
ما الأمر ؟ )
إبتسمت " إيلاف " ..
ولم ترد عليها ..
وهكذا مرّ هذا اليوم بـ سلام ..
وأتاها الغد ..
بينها وبين السادسة حقول من القلق | الجنون و الفضول ..
ترى من يكون ؟
صوته لم تسمعه من قبل ..
صوته دافئ جدًا ..
مختلف !
فكّرت أنّه ربّما يعرفها ..
لا بل من المؤكّد أنّه يعرفها !
كيف إذن لا تعرفه ؟
ماذا إن كان الأمر كلّه مجرّد مقلب من " راكان " !
راكان راكان !
تبًا !
ألا تملك أحدًا غيره في تفكيرها !
أيكون إذن " سالم " ؟
لا لا !
لا هذا ولا ذاك !
الساعة الآن الثانية !!
تفصلها عن الموعد أربعة ساعات !
ما أجحف الوقت إن كنت تنتظر مروره !
الثالثة !
وبعد سنين أتتها الساعة الرابعة !
ذهبت لـ ترتدي ملابسها ..
أيّ لون تختار ؟
و هل تتبرّج كثيرًا ؟
أم تضع قليل من المساحيق فقط !
إختارت اللون الأزرق ..
سـ يجعلها هذا اللون هادئة ..
سـ يخفي براكين الإرتباك بـ داخلها ..
و وضعت القليل من المساحيق فقط ..
الآن الساعة الخامسة ..
أتخرج الآن ؟
أم تنتظر قليلاً .. !
أتذهب إليه قبل الموعد بـ زمن ؟
أم تتأخر كي لا تفضح فضولها !
سـ تكون عنده في السادسة تمامًا ..
و خرجت لـ لقائه !

[28]

ذهبت " إيلاف " في الوقت المحدّد بينهما ..
إختارت الجلوس بعيدًا عن روّاد المقهى ..
كان رقم الطاولة : 10 ..
وإنتظرت عدّة دقائق ..
ما ملّت النظر إلى عقارب ساعتها ..
السادسة و خمسة عشرة دقيقة ..
أينه !
راحت تقرأ رسائله ..
الواحدة تلو الأخرى ..
وبينما هي مشغولة بـ القراءة والإبتسام لـ الهاتف ..
أحسّت بـ ظل يقترب من أمامها ..
كان هو .. !
أرادت النظر بسرعة ولكنّها تمهّلت ..
رفعت عيناها إلى الأعلى كي تراه ..
سقط الهاتف من يدها .. !
( عذرًا ) قالتها بـ صوت منخفض ..
أجاب هو : ( لا بأس لا بأس )
و إنحنى يلتقط الهاتف لـ يعيده إليها ..
صمتت ..
يالـ رهبة حضوره .. !
إبتسم ..
وعجزت هي أن تبتسم ..
أهو حلم ؟
أم أنّه حقيقة !
حسنًا ..
سـ تبدأ هي الحديث معه ..
( لمَ تأخرت ! )
لم تكن تقصد تأخره عن هذا اللقاء الأول ..
كانت تقصد تأخره عن حياتها كلّها !
صمت هو وأجابها :
( ألن تعذريني ؟ )
كادت تصرخ : بلاااااا !
و إبتسمت فقط ..
( من أنت ؟
قلت أنّني سـ أعرفك حين أراك !
لكنّني فشلت ! )
: ( مالذي تريدين معرفته إذن ؟
إسمي ؟
عمري ؟
عنواني ؟
أم ماذا ؟ )
كيف يتحدّث معها هكذا !
ما زالت لا تستطيع مقاومة نبرته !
و ردّت : ( كلّ شيء ! )
: ( كلّ شيء في أول لقاء ؟
لا لا !
إمهليني .. !
أنا ما زلت عاجز عن مقاومة النظر إليكِ ! )
إرتبكت " إيلاف " !
يجب أن ترحل عنه الآن !
من يكون هذا الرجل !!
: ( أخبرني من أنت !!
كيف وصلت إليْ ؟
وما الذي تريده منّي ؟ )
: ( لن أبوح لكِ بـ إسمي ولا عمري ولا تفاصيل أخرى عنّي
فقط سـ أخبرك أنّني كنت أحد المسافرين معكِ أنتِ وعائلتك
حاولت مرارًا أن ألفت إنتباهكِ هناك ..
ولكنّكِ كنتِ كـ الأطفال لا تنظرين أمامك
ولا تنتبهين لـ أحد )
إبتسمت ..
: ( حسنًا يجب أن أرحل الآن .. ! )
: ( إرحلي و سـ أنتظر مكالمة منكِ )
ورحلت .. !

[29]

إنشغل تفكير " إيلاف " بـ هذا الرجل ..
أرادت أن تعرف كلّ شيء عنه ..
راحت تدندن لـ وحدها أغنية ،
( راجعين يا هوى
راجعين )
لمحت " تراتيل " فرح أختها ..
لم تسأل عن السبب ..
الذي سألها " سالم " ..
واجهها بـ صفعة جديدة ..
( إيلاف مابالك ؟
ما سر هذا التغيير ؟ )
أجابته :
( سالم !
أي تغيير ؟
أظنّ أنّني سمعت تراتيل تناديك )
ورّدت الصفعة بـ صفعة أخرى ..
فلْـ يبتعد عنها .. !
راحت تنظر إلى هاتفها وتترقّب إتصال أو رسالة ..
كم تتوق إليه !
وكم لاح طيفه أمامها ..
يالـ جنون هذا الحب .. !
إتصل بها !
سـ تسأله عن كلّ شيء .. !
والآآآن !
: ( كيف إنتِ بعد لقائي ؟ )
مغروووور !
أجابت بـ سرعة ..
( بخير ! وكيف سـ أكون ؟ )
: ( ستكونين أكثر من سعيدة ! )
( لمَ ؟ )
: ( لأنّكِ رأيتني !
هكذا ! )
( حسنًا سعيدة .. )
وإبتسمت ..
( ما إسمك ؟
تصوّر أنّك تعرف كل شيء عنّي
وأنا بالكاد أعرفك ! )
: ( علي )
( ردّدت علي ؟
إسمك علي ؟ )
: ( إيلاف ؟ ! )
( حسنًا كم عمرك ؟ )
: ( 32 )
تنهّدت .. وصمتت ..
: ( أينك ؟ )
( أنتظرك ! )
: ( أريد أن أراكِ ! )
حسنًا كل الأمور محتومة مع هذا الْ علي .. !
وقابلته ..
مرّة ،
تلو الأخرى ..
و مرّ على هذا الحب شهر !
أو ربّما أكثر ..
إلى أن أخبرها ذات يوم بـ أنّه ينوي أن يرتبط بها .. !
صرخت : ( أحبّك أحبّك أحبّك
هل أخبرتك عن حبّي لك ؟
هل تعلم كم أنا مجنونة بك ؟
هل تعلم ؟ )
أسبوع واحد فقط وسـ يأتي مع عائلته لـ خطبتها !

[30]

كانت " إيلاف " تجلس وحيدة حين أتت إليها والدتها ..
قالت : ( إيلاف يا حبيبتي أريد أن أخبرك بـ أمر )
إلتفتت " إيلاف " إليها وقالت ..
( ما الأمر أمّي ؟ )
: ( هناك من إتصلّت لـ الحضور إلينا ..
قالت أنّها تريد أن تتعرّف عليكِ ..
وتنوي خطبتكِ لـ إبنها )
إبتسمت " إيلاف " ..
كانت تعلم بـ الأمر ..
فـ فسّرت والدتها تلك الإبتسامة بالموافقة ..
ألم يكن الصمت دومًا علامة لـ الرضى !
و لم يمرّ يومان حتّى حان موعد زيارة أسرة " علي " ..
وحضروا جميعهم ..
الأم ، الأخت ، إبنة الخالة و الجدّة ..
و بعد أسبوع من اللقاء ..
إتصلت والدة " إيلاف " لـ تخبرهم بالموافقة ..
و حدّدوا موعدًا لـ الخطبة ..
أرادت " إيلاف " أن يكون يوم عقد قرانها يحمل تاريخ مميّزًا ..
و أراد " علي " أقرب تاريخ لهذا الحدث ..
إختاروا الثامن من أغسطس ،
ولم يكن يتبقّى على هذا التاريخ سوى شهرًا واحدًا فقط ..
علّقت " إيلاف " أحلامها كلّها على هذا الْ " علي " ..
محت كلّ رجل دخل إلى حياتها قبله ..
وحده حبّه إستطاع أن ينسيها كل الرجال ..
لا حب قبله ولا بعده ..
وحده هذا الرجل الذي يستحق قلبها | مشاعرها | و صبرها ،
وغرقت في أحلام اليقضة ..
ستسافر معه إلى أجمل البلدان لـ قضاء شهر العسل ،
سـ تنسيه كلّ الكون ما عداها ،
حضّرت كلّ شيء ،
ومر نصف الشهر بإنشغالها في أمور ما قبل الزواج ..
إصطحبت معها " نور " في أغلب مشاويرها ..
و في بعض الأحيان كانت ترافقها " تراتيل " ..
كانت سعيدة !
لا !
كانت أكثر من سعيدة .. !
إتصل بها " علي " لـ يخبرها أنّهم يجب أن يبتعدوا قليلاً لـ يزداد الشوق ..
كـ عادة العشاق قبل اللقاء ..
وردّت عليه هي بـ الرفض التاااام !
لن تكون كـ أحد !
لا تريد أن تكون كـ العشاق ..!
يجب أن تكون علاقتهم مختلفة ..
همست له : ( علي
إنسى أمر الإبتعاد عنك ..
حتّى وإن كان الزفاف غدًا ..
سـ أقضيه بالسهر معك .. )
ضربت بـ عادات العشّاق عرض الحائط ..
أخبرته أنّها تكره الثواني حين تمر دونه !
فما باله بـ الأيّام ؟
وبدأ العد التنازلي لـ التاريخ المنتظر ..
8.8.2017 .
يومها ويومه ..
يجب أن لا يمر هذا التاريخ على العالم أجمع مرور الكرام !

[31]

ليلة الزفاف : الثامن من أغسطس . .
كانت ليلة كـ الأحلام . .
وبدأت حياتهم الجديدة . .
أصرّ " علي " على السفر إلى ذات البلد التي إلتقاها فيها . .
مرّت العشرة أيّام هناك خياليّة . .
مجنون هذا الْ " علي " . .
سلب عقلها وتمكّن من إنتزاع قلبها بـ سحر كلامه . .
أهداها الفرح وألبسها عقود السعادة والهناء . .
إزدهر العشق على شفاة أيّامهم . .
وطرّزوا غرامهم على الطرقات الدافئة . .
همس لها ذات حلم . .
( إيلاف : سـ أبوح لكِ بـ سر ! )
إبتسمت وإنتظرت لحظة إفصاحه عنه . .
فـ إسترسل هو :
( أ ح بّ كِ . . هل بـ إستطاعتكِ جمعها ؟ )
ضحكت ..
قالت له :
( كنت أعلم بـ هذا السر . .
أخبرني حبيبي : أنت ملك من ؟ )
صمت .. !
و نظر إليها ..
قال : ( إمممم لا أعلم ! )
صرخت : ( علي ! )
ضحك : ( أنتِ أنتِ .. )
ومرّ شهر آخر / لم يفارقهم فيه حبّهم | لهفتهم و ذلك الشوق . .
وكان الشتاء يحمل معه وشاية بـ الفرح . .
ركضت " إيلاف " تخبره عن أمر حملها . .
طفل منه !
و أمنية تحقّقت لها . .
أخبرها عن أمنيته بـ طفله تشبهها . .
( سـيكون إسمها : " حبيبه " .. )
و ردّت " إيلاف " : ( وإن كان ولد ؟ )
: ( سـ أسمّيه عبدالله )
إبتسمت راضية . .
وعلّقت الآمال على وعد الْ أحبّكِ ..
عدّة أشهر فقط . .
( علي أنا محسودة على حبّك لي )
: ( و أنا أيضًا .. من أشدّ سعادة منّي ؟ )
الحب وحده حدّد لهم مسارهم ..
و إنهال الفرح عليهم . .
بشرى تلو الأخرى . .
و ألف خبر يحمل في طيّاته السعادة . .
أحاديثهم العاشقة | وعودهم . .
أمنياتهم .. والوفاء ..
و عهود الدفء الخالدة . .
خمسة أشهر مرّت . .
وكانت البشرى : " حبيبه "
( علي سـ تكون طفله كما أردت أنتْ )
: ( أريد أن تكون مثلكِ .. أريد لها عينيك و إبتسامتك و شعرك و وجهك كلّه . .
والطباع ذاتها والراحة التي ألمسها فيكِ و و … )
قاطعته .. ( علي !
وأنا ؟
ما الفائدة منّي حينها ! )
و علتْ ضحكاتهم . .

[32]

أضاءت " حبيبة " دنياهم . .
كان لها ذات الملامح لـ كليهما . .
و أكملت السنّة الأولى من عمرها . .
لمحت " إيلاف " سعادة " علي " بها . .
و إنشغاله عنها أيضًا . .
إبتعد . . !
و ذبلت زهرة الحب بينهما . .
عزاؤها كان عمله . .
فـ صبرت . .
وكان قوتها : الذكرى . .
كرّرت زياراتها لـ أختها " تراتيل " . .
التي لازالت كما هيَ . .
تخون وتخون وتخون . .
و لازال " سالم " أيضًا . .
يسرق النظرات سرًا منها . .
و علمت أنّه لازال يهوى الخيانة أيضًا . .
إتصلت في هذا اليوم على " علي " أكثر من مرّة ولم يرد . .
تسائلت في داخلها : ( هل من الممكن أن يخونها علي ؟ )
ولم تجد الإجابة أيضًا . .
و بعد أن عادت إلى منزلها مع طفلتها " حبيبة " . .
إتصل " علي " لـ يخبرها بأن الهاتف كان بعيدًا . .
صرخت : ( علي !!
أربع ساعات لم تفقد فيها هاتفك !! )
صمت وإعتذر منها . .
هدأت هي بالمقابل . .
تكرّرت الإتصالات الْ بلا إجابة يومًا بعد يوم . .
و العزاء كان وفائه ..
أخبرها أنّه سـ يسافر . .
وجفّ نهر الوصل بينهم . .
لوّ أنّه كان أخبرها بـ الأمر قبل عام من الآن لـ كانت رفضت !
ولكن الآن !
فلْـ يسافر مادام أنّها رحلة عمل !
أرادت أن تهدّأ من شكوكها . .
إحتضنت طفلتها . .
وبعد أن مرّ أسبوع من الوحدة
عاد " علي " . .
و زفّت إليه خبر حملها . .
إبتسم و إحتضنها و .. رحل !
والعذر كان : عمله !
إنتظرت قليلاً ريثما يصل وقرّرت أن تتحدّث معه !
يجب أن تتحدّث معه !
كلّمته ..
: ( علي ؟
ما الأمر ؟
تغيّرتَ كثيرًا ! )
صمت . .
و أخبرها أنّه عائد الآن إلى المنزل . .
ترك عمله من أجلها . .
ألا يكفيها موقفه هذا من شكوكها !
لو أنّه يخونها ؟
فـ ليس هناك ما يجبره على العودة حين أحسّ أنّها بـ حاجته !
و عاد !

[33]

الفرحة الأخرى كانت " عبدالله " ..
قرّرت " إيلاف " بعد مولودها الثاني أن تتوقّف عن الإنجاب ..
وتكتفي بـ " حبيبه " و " عبدالله "
وبالمقابل وافق " علي " على قرارها . .
لم يناقشها حتّى !
الأمومة لم تشغل " إيلاف " عن التفكير في حبّها . .
لمَ هذا الأبتعاد منه !
لن ترضى بـ رؤية أسطورة عشقها أن تنتهي هكذا !
أينه من وعوده التي قطعها ذات حلم . .!
إتصلت بها لحظة تفكيرها المؤلمة تلك " نور "
مازلت الأقرب لها . .
أخبرتها " إيلاف " عن شكوكها . .
لم ترضى " نور " !
قطعت شكوكها بـ يقين حبّه لها ..
ذكّرتها بـ أيّامه معه وحديثها عنه و إصرارها عليه ..
وإبتعادها عن الجميع من أجله !
صرخت " إيلاف " :
( نووور !
أعلم أعلم !
لن تخبريني من هو علي ..
لم أقل لكِ بأنه لايحبني !
أنا أشكّ فقط في أنّه يخون !
مجرّد شك ! )
صمتت " نور " . .
و إنتهى الحديث . .
تمنّت " إيلاف " أنّها لم تُطلع " نور " على إحساسها ،
ضاعت !
الأجدر أن يخبرها هو !
فلـْ يخبرها عن سر إبتعاده عنها !
مرّت الأيّام ولم تجد لـ حيرتها حل !
وفي أحد الأيّام كانت منشغلة في مكان عملها . .
فجأة سمعت صوت تعرفه !
لم ترفع عيناها لـ ترى . .
إقترب الصوت و إرتبكت هي . .
ما الذي يريده من إقترابه !
لن تسمح له بالعودة إلى حياتها !
ردّد : ( عذرًا أختي هل .. )
وقبل أن يكمل جملته رفعت وجهها و رآها ،
صمت . .
: ( وجهك مألوف !
هل أعرفك أختي ؟ )
تنفسّت الصعداء .. كانت تظّن أنه علم من هي . .
إنّها السنين التي تغيّر . .
أم هو الذي نسي ملامحها
لا !
هي التي أهملت في مظهرها كثيرًا !
الأمومة والعمر والأطفال والسنين والتفكير و و و ..
لم تبتسم هزّت رأسها رافضة معرفته بها . .
وأشاحت بـ وجهها بعيدًا عنه . .
وما إن رحل : عادت ذكراه تنخر في ذاتها و تقتنص نبضاتها . .
أوّل ما قامت به هو الإمساك بـ مرآتها . .
وجهها !
تغيّرت .. !
يااااه !
لـ التوّ فقط علمت أنّها تغيّرت . . !
لـ التوّ فقط !
أمعنت النظر إلى شفتيها وهمست : ( راكان ) !

[34]

عادت " إيلاف " مشغولة التفكير ،
أرادت أن تتغيّر .. !
نعم !
يجب أن تتغيّر .. !
ولاح طيف " راكان " على تفكيرها . .
إبتسمت بـ صمت ..
إتصل " علي " ..
فـ عاتبت نفسها على خيانته بـ التفكير في غيره . .
ألم يكن " علي " هو حبيبها الأوحد والأبقى . .
" راكان " ليس سوى خائن !
حتّى أنّه لم يتذكّرها !
ولكنّها لاتعلم لمَ أرادت أن تعرف أخباره . .
كيف هو الآن ؟
ومع من ؟
هل تزوّج مرّة أخرى ..؟
أم أنّه لا زال منفصل عن زوجته !
و إبنته ؟
ما الإسم الذي أطلقه عليها ؟
أخبرها عن رغبته بـ تسميتها بـ " إيلاف " !
تبًا لـ أفكارها | أين أخذتها !!
قضت " إيلاف " عدّة أيّام تفكّر جديًّا في التغيير . .
لقد إزداد وزنها بعد الطفلين . .
و شحبت ملامح وجهها كثيرًا . .
و بهت لون شعرها !
منذ متى وهي لم تفكّر في التبرّج حتّى !
كان " علي " دومًا يخبرها بعدم رغبته في تبرّجها . .
ولكنّها كانت تلمح سعادته حين تضع القليل من المساحيق كلّما تذكّرت !!
ردّدت بينها وبين ذاتها : ( أهذا التغيير من أجل علي ؟
أم من أجل راكان ؟ )
لاااا !
يجب أن تتغيّر من أجل نفسها فقط !
من أجلها هي !
بدأت في إتّباع حمية غذائية . .
لوّنت شعرها بـ الأشقر . .
و إتصلت على " نور " لـ تخبرها عن رغبتها بـ التسوّق معها . .
لاحظت " نور " التغيير المفاجئ على " إيلاف " و ألحّت عليها لـ تعرف السبب !
صمتت " إيلاف " و أخبرتها أنّها رأت " راكان " !
قالت : ( نور !
أريد أن أعرف عنه أي شيء . .
مجرّد فضول لا تخافي !
لن أخون ! )
ذُهلت " نور " من تصرّفها . .
وقالت لها : ( لم أكن أتوقّع هذا منكِ أبدًا !
أنتِ ؟
أين كلامك عن الخيانة ؟
أين الوفاء !
وعلي ؟
هل سـ تتقبّلين مجرّد تفكيره بـ مخلوقة غيرك ؟
لا لا !
لا أظنّ أنّك إيلاف التي أعرفها ! )
صمتت " إيلاف " . .
و قالت لها بعد لحظات سكوت قاتلة . .
: ( نور . .
أنا لم أخنه !
فقط قلت لكِ عن ما يدور في رأسي !
و من ثم لا تكوني قاسية هكذا بـ حديثك !
أين علي منّي ؟؟؟
أينه !
أين وعوده بالبقاء !
نووور !
أتعلمين متى آآخر مرّة حصلت منه على قبلة ؟
قبل شهر تقريبًا !!
تخيّلي !!!!
كانت قبلة باردة !
سببها كان عودته من السفر !
نور !
علي بات يكره النظر إلى ملامحي !
إنظري تغيّرت الآن !
ولم يكلّف نفسه في قول : جميلة !!
تبًا !! )
تحشرج صوتها ولم تستطع إكمال حديثها . .
غزتها دموعها . .
و .. بكتْ !

[35]

وخلال شهر واحد فقط عادت " إيلاف " كما كانت ،
نحيلة و جميلة . .
شقراء ،
عادت لـ إرتداء الألوان الزاهية ،
بدت أصغر بـ كثير . .
لاحظوا زميلاتها في العمل هذا التغيير الذي طرأ عليها ،
أسعدهم إهتمامها بـ نفسها رغم مسئولية الزواج و الأطفال الصغار . .
وبالمقابل كان هاجس " إيلاف " إيجاد المعاملة التي أعادت " راكان " إلى مقر عملها . .
ربّما فضول !
و وجدت ما أرادت . .
دوّنت رقم هاتفه . .
كان كما هو لم يتغيّر . . وإحتفظت به : مبتسمة !
وما إن عادت إلى منزلها وجدت " علي " في إنتظارها . .
كان مختلفًا هذه المرّة . .
أغرقها بـ كلامه و حبّه . .
وحينها أنّبها ضميرها على ما قامت به . .
ولكن لمَ هذا الإهتمام المفاجئ من " علي " . .
سألت نفسها : ( لمَ الآن ! )
نام " علي " وبقيت هي مستيقظة . .
وضعت يدها على رأسه و تمتمت بـ همس : ( علي ؟
هل أنت سعيد ؟ )
لم يسمعها " علي " ولكنّه إبتسم . .
إحترقت ذاتها . .
تفكيرها يخونه !
طيف " راكان " ما فارقها منذ عودته تلك !
و بينما هي ساهرة . .
رنّ هاتف " علي " . .
إستغربت !
من سـ يتصل به الآن !
الساعة الثانية بعد منتصف الليل !
حين مسكت هاتفه كان قد توقّف عن الرنين . .
فتحته خائفة !
لا تريد أن تتعبّث به فـ هي تثق فيه . .
ولكن غيرتها كانت أكبر . .
بحثت عن الرقم المتصل . .
كان رقمًا بدون إسم . .
وضع له رمزًا فقط . .
لمَ هذا التصرّف ؟
بحثت في الرسائل و وجدت أنّ أكثرها من ذات الرمز . .
أغمضت عينيها لـ لحظة وعادت تبحث في رسائله . .
و أثناء بحثها وصلت رسالة من الرقم . .
فتحتها . .
كانت : ( حبيبي ؟
أعتذر عن ما قلته لك !
ولـْ تعلم بأنّي أحبّك )
طفرت من عين " إيلاف " دمعة دون أن تشعر . .
مسحت الرسالة . .
دون أن تقرأ الباقي من رسائله . .
كانت هذه كفيلة بـ وضع النقاط على الحروف . .
وقالت لـ نفسها : ( إذن حين غضب هو منها عاد إلي
و أعاد معه كلامه الذي نسي منذ زمن كيف يقوله
سـ أخونه !
سـ أخونه !
سـ . . )
وتذكّرت كلامها لـ أختها " تراتيل " أن الخيانة لا تردّ بالخيانة !
( لا !
لا يستحق الوفاء منّي !!
لن أقضي عمري أصون رجلاً يستكثر وجوده معي من أجل أخرى . .
ويعود إلى أحضاني التي دومًا يجدها مشرّعة له . .
ومتى يعود !
حين يختلف معها !
لا ! لا !
لستُ مغفّلة إلى هذا الحد !
قسمًا بالله أنّني سـ أخونه !
في الغد سـ أتصل بـ " راكان "
نعم !
لا !
ولمَ الغد !
سـ أبعث له رسالة الآآآآن ! )
مسكت هاتفها . .
يدها كانت ترتعش : حسرة على ما حدث . .
ولكنّها كانت مصرّة على الجنون . .
و أرسلت : ( راكان ؟ )

[36]

لم يرسل " راكان " رد على رسالة " إيلاف " . .
نامت ليلتها تلك بـ صعوبة . .
وأوّل من حدّثها في صباح اليوم التالي كانت " نور " . .
سألتها : ( إيلاف كيف أنتِ ؟ )
صمتت " إيلاف " فـ أكملت " نور " . .
( إيلاف ؟
هل حدث شيء ؟
أتخفين شيء ؟ )
ردّت " إيلاف " :
( لا يا نور !
فقط إكتشفت البارحة أن علي يخونني !
تخـ . .
وقبل أن تكمل حديثها قاطعتها " نور " . .
وصرخت : ( مــع مــن !!!
كيف علمتِ ؟؟
كيـــف ؟؟ )
أخبرتها " إيلاف " عن الرسالة و عن الرمز الذي يخفي وراءه حكاية خيانته . .
سألتها " نور " . .
( إيلاف !!
هل علمتِ من هي ؟
هل سجّلتِ الرقم ؟ )
وأجابت " إيلاف " بالرفض . .
( لا يا نور لم أفكّر بـ رؤية الرقم . .
أمرها لا يعنيني . .
وما الجدوى من الإحتفاظ بالرقم . .
أتظنّين أنّني سـ أتصّل بها !! )
صمتت " نور " وهدأت نبرتها . .
( إيلاف لا لا عليكِ . .
قد تكونين مخطئة . .
علي أكبر من القيام بهذه الأمور !
تذكّري وعوده لكِ يا إيلاف
لا لا إنسي أمر خيانته )
ضحكت " إيلاف " . .
( نووور !
حسنًا حسنًا لا أريد المناقشة . . ! )
و أغلقت " نور " الهاتف . .
عاد " علي " ومازال ممتلئ بالحب . .
يظنّ أنّها لم تعرف أمره . .
إذن لازال مختلف معها . .
والدليل كلامه وإسلوبه وحنانه !
هه !
و بعد أن نام " علي "
وناموا أطفالها " حبيبه " و " عبدالله " . .
مسكت هاتفها . .
أرادت أن تحدّث " راكان "
حسنًا لن تخبره أنّها " إيلاف " . .
أترسل رسالة أخرى ؟
أم تتراجع عن جنونها !
و حين همّت بـ كتابة رسالة له . .
وصلتها رسالة من " نور " . .
قالت فيها : ( إيلاف لا تفكّري بالأمر . .
أنتِ مخطئة صدّقيني . .! )
ضحكت " إيلاف " . .
وأرسلت لها :
( نور يا حبيبتي أعلم أنّني دومًا أجعلك تشاركيني همومي . .
صدّقي يا نور أن الأمر بـ أكمله لا يهمّني الآن !
فلْـ يخون . .
ما دام هذا ما يريده . . )
و أرسلت رسالة أخرى لـ " راكان " . .
كتبت فيها :
( أينك ؟ )
وجلست وحيدة تقتلها أفكارها و يهلك قواها التردّد . .
كانت تعدّ الثواني منتظره الرد من " راكان " . . !

[37]

لم يردّ " راكان " على رسائل " إيلاف " . .
و زادت رغبتها في الحديث معه . .
أهذا تجاهل منه !
أم أنّه لم يرى رسائلها . .
إنتظرت . .
و سـ تبقى تنتظره . .
ولم يمنحها إجابة . .
في اليوم التالي أخبرها " علي " بـِ نيّة سفره معها . .
: ( حبيبتي ما رأيك أن نسافر معًا ؟ )
ردّدت داخلها . .
حبيبتي !
آآه الآن أصبحت حبيبتك !
و أجابته بـ الرفض . .
: ( لا يا عزيزي لا أريد السفر الآن . .
لا أستطيع الحصول على إجازة من العمل )
( إذن نسافر يومان فقط في عطلة نهاية الإسبوع . . ما رأيكِ ؟ )
صرخت : ( لااا ! )
رمقها " علي " بـ نظرة إستغراب . .
فـ إبتسمت و هدّأت من نفسها . .
و أجابته : ( لمَ تريد أن نسافر الآن ؟ )
أجابها : ( لأنّني أحتاج أن أجدّد حبّنا . .
أريد أن نكون معًا . .
يا حبيبتي . . مضى زمن لم نقضيه معًا . . )
: ( علي ؟
تحبّني ؟
وحدي ؟ )
إبتسم " علي " و قبّلها على رأسها . .
إذن !
لا إجابة !!
صمتت . .
و قالت بـِ هدوء ( لن أسافر . . )
رحل " علي " وبقيت هي وحيدة . .
و إبتعد عنها كثيرًا . . كثيرًا . .
و علمت أنّه عاد إليها . .
ونسيَ موضوع السفر . .
وتجديد الحب . .
و أحبّكِ . .
و حبيبتي . .
و وقتنا معًا . .
كانت تحتاج أن تحدّث " نور " عن مشاعرها الآن . .
وحدها سـ تتفّهم . .
إتصلت بها ولم تجد إجابة . .
وعاودت الإتصال لـِ تجد صوتها مرتبك . .
( إيلاف !
ماذا بكِ ؟ )
: ( أنتِ يا نور ؟
ما بال صوتك ؟
أعرفك !
هناك أمر ما حدث لكِ ؟ )
: ( لا لا لا !
أنتِ !
أنا لستُ مختلفة !
ما بالك يا إيلاف ! )
( نووور ! )
و أغلقت " إيلاف " الهاتف . .
حسنًا . .
هي هكذا . .
حين تضيق : تضيق من كلّ الجهاتْ . .
ما بالها نور !
لمَ تتحدّث هكذا !
و همست : ( راكان راكان !
وحدك أحتاجك ! )
و قرّرت أن تتصل به . .
إتصلت به بلا تفكير . .
و تحدّثت معه . .
قال لها : ( هذا الصوت أعرفه ! )
إبتسمت . .
و أكملت حديثها معه . .
سألته عن كلّ ما أرادت معرفته عنه . .
إبنته / زوجته / حياته / عمله / يومه / قلبه . .
و علمت أنّه منفصل و إبنته تعيش مع والدتها . .
عمله لم يختلف و يومه بلا قيمة . .
و القلب : فارغ . . !

[38]

أرادت " إيلاف " أن تخبر " نور " عن ما إرتكبته من جنون . .
عن " راكان " و عن " علي " أيضًا . .
ولكن هناك شيء منعها من الشروع في إخبارها . .
تغيّرت " نور " كثيرًا !
تمتمت " إيلاف " : ( نور نور ! )
و أثناء ذلك إقترب " علي " منها . .
و إلتفتت تراه . .
همس : ( لمَ قلتِ نور ؟ )
و ردّت : ( طرأت علي فـ ردّدت إسمها ! )
إرتبك صوت " علي " لحظتها . .
و علقت في شفتيه شبه إبتسامة . .
و حين قرّر " علي " النوم . .
مرّ على " إيلاف " إحساس غريب
ألحّ عليها أن تبحث عن أمر ما . .
أوّل ما فكّرت به هاتفه !
نعم !
الرمز !
الرقم !
صاحبة الرمز !
أرادت أن تعرف رقمها !
أرادت أن تخمد نيران شكوكها !
مسكت الهاتف . .
و فتحت قائمة الرسائل . .
كانت كلّها من ذات الرمز !
تبًا تبًا !
لم يكن يحتفظ بـ أيّة رسالة من " إيلاف " . .
أحضرت هاتفها لـ تسجّل الرقم فيه . .
فـ ذاكرتها دومًا تخونها في الحفظ . .
سجّلت الرقم . .
الأول و الثاني والثالث . .
الخامس . . السادس . .السابع . .
وحين دوّنت آخر رقم . .
حفظته في هاتفها . .
و قرّرت أن تتصل بها غدًا . .
وبين الْ نعم والْ لا . .!
قرّرت أن تتصل حالاً . . !
ضغطت زر الإتصال على الرقم الذي حفظته . .
و ظهر لها على شاشة هاتفها إسم !!
لماذا !
هي فقط سجّلت الرقم الذي أخفاه " علي " وراء ذلك الرمز . .!
" نور " !
ظهر لها إسم " نور " !
سحقًا !
لمَ يظهر " نور " في الشاشة . . !
قد تكون تتصل هي الآن . .
أغلقت الهاتف وأعادت تشغليه . .
و عاودت الإتصال بـ الرقم . .
لـ يعود لها إسم " نور " . . !
الرقم محفوظ لديها بـ إسم " نور " !
صرخت : ( نووووووور !!!!!!!!!!!! )
وإبتلعت ريق صدمتها . .
أمِنَ المعقول أن تكون " نور " !!
تبًا نور !!!!!!!
لا !!!!!!
ليست " نورر " !!
حبست نفسها في غرفة أطفالها و إحتضنت صغيرها " عبدالله " وبكت . .
وبكت . .
وبكت : بلا توقّف !!
( نور تعرفني أكثر منّي . .
نور قريبتي وصديقتي و أكثر وأقرب من أختي . .
نور تعرف تفاصيلي كلّها !
نور !
قرأت آخر رسالة لها في هاتف " علي " دوّنت بها : ( أحبّك ) !!!!
تحبّه !!!!!!!!!!
تحبّ من !!!!!!!!!
علي ؟؟؟؟
زوجي ؟؟
وهو ؟؟؟؟
لم يجد من نساء الكون الأحمق هذا إلاّ نوووووور !!!!
لـ يخونني معها !!!
لـ يبتعد عنّي لأجلها !!!!
لا لا لا يا الله !!!
ما عدت أقوى هذا كلّه !!!!!
ليتني متّ قبل هذا كلّه !!!
ليتني !!!!!!! )

و بكت !

للكـآتبه (وجـدآن آلآحـمد)

للقصه بقيه لتكتمل

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.