إلاَّ تنصروه فقد نصره الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على النبي المصطفى المبرئ من كل عيب محمد رسول الله إلى الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن الحملة المسعورة التي تستهدف مقام نبينا صلى الله عليه وسلم لن تمسّه بسوء، ولن يلحقه منها أذى، وكيف يلحقه أذىً وقد تكفَّل الله تعالى بحفظه فقال (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)(الحجر95).
وكيف يلحق هذا النبي العظيم شيءٌ من إساءاتهم وقد أثنى الله سبحانه عليه، فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )(القلم4)
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني ** وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ ** كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
نبيٌّ خلَّد الله ذكره بين الناس فقال سبحانه (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)(الشرح2)، فلا يصحُّ نداءٌ للصلاة إلا بذكره، ولا تصلَّى صلاة إلا ويذكر عليه الصلاة والسلام في آخرها، فانظر كيف رفع الله ذكره في الدنيا، وكيف أنه فضَّله عن الخلق كلهم يوم الموقف العظيم فلا يجرؤ أحدٌ على أن يشفع في الناس إلا هو، ولا تفتح أبواب الجنة لأهلها حتى يدخلها، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
صورٌ من التهجُّم الغربي على الإسلام والمسلمين
إن الهجوم المتكرِّر على مقام نبينا صلى الله عليه وسلم ليدلُّ على حقدٍ دفينٍ يكنُّه الغرب اللئيم تجاه المسلمين، بل على خوفٍ عظيمٍ من انتشار الإسلام بين ربوعهم، فتراهم تارة يخرجون بالقوانين التي تحدُّ من ممارسة الشعائر الدينية، كمنعهم للحجاب ( كما في فرنسا )، ومنعهم للمآذن ( كما في سويسرا )، ومنعهم للختان ( كما في ألمانيا ).
وتارةً يخرجون علينا برسوماتٍ تسيء لديننا ولنبينا صلى الله عليه وسلم، كالذي حصل في الدنمارك ويحصل الآن في فرنسا.
وتارةً يقتلون أبناء المسلمين وغيرهم ممن يقف إلى جانبهم بدمٍ باردٍ في مجازر مروِّعة، بدعوى الخوف على الثقافة والهُوية لتلك البلد، وإليك ما حصل في النرويج على يد السفاح ( أندرس بيرينغ بريفيك ) مثالاً، وما يحصل الآن في بورما على أيدي البوذيِّين مثالاً آخر.
وكانت آخر الإساءات الموجهةِ للكيد والنيل من الإسلام والمسلمين تلك المتمثلة في الفيلم سيء الذكر، الذي خرج تحت غطاء حرية التعبير عن الرأي، فأي حرية هذه التي تمسُّ بمقام نبينا؟! وأي حرية هذه التي يعتدي بها صاحبها على أكثر من مليار مسلم؟!
إن ما يحصل بالمسلمين اليوم؛ لم يكن ليحدث لولا الهوان والذِّلة التي ظهرت وتفشَّت بيننا، فنحن نزيد على المليار ولكننا غثاءٌ كغثاء السيل، لذلك فإن من أوجب الواجبات علينا أن نعود لديننا، ونعتزَّ بإسلامنا، ونقيم دولة الإسلام في قلوبنا لتقوم على أرضنا، يقول تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )(النور55) ويقول سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد 17) ويقول تعالى ذكره (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)( الحج 40).
كيف ننصر نبينا صلى الله عليه وسلم؟
إنه لا ينبغي لهذا الحدث الأليم أن يمُرَّ دون نصرةٍ حقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم، نصرة من جميع المسلمين وعلى اختلاف المستويات والصعد:
فعلى كل من أحبَّ نبيه صلى الله عليه وسلم ممن يدين لله بالإسلام أن ينصره، ولا يكون ذلك إلا باتباعه وطاعته والعمل بسنته، وعلامة المحبة الصادقة تكون في حسن الاتباع، يقول الشاعر:
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته — إن المحبَّ لمن يحبُّ مطيع
كما نقول لمن قدَّر الله أن يقفوا بين يديه غداً ليُسألوا عن شعوبهم، إن المحارم قد انتُهكت، أفلا تقومون لنصرة نبيكم؟! لماذا لا تغلق السفارات الأمريكية احتجاجاً على الإساءة ؟! ولماذا لا تُعلَّق المصالح مع أمريكا؟ ولماذا لا يسنُّ قانونٌ دولي لحماية الدين والمقدسات من الاعتداء باسم الحرية؟! ولماذا لا تطالب أمريكا بتجريم المسيئين وتقديمهم للعدالة؟! ولماذا لا يحاسبون حساباً قاسياً يكون عبرة لكل من هم على شاكلتهم؟!، أم أن الأمر لا يستحق كل هذا؟!
إن الإساءة المتكررة من أمريكا لدين الإسلام قد بلغت حداًّ لا يمكن معه السكوت دون حراك، وما إساءاتهم المتكررة للإسلام والقرآن في أفغانستان منَّا ببعيد، ولقد أدانت (هلري كلنتون) الفيلم سيِّء الذكر، ومع ذلك فقد صرَّحت بأن هذا لا يعني المنع من حرية التعبير عن الرأي، فبماذا ستصرِّح (هلري كلنتون) لو أن أحدهم نفى محرقة الهلكوست أو شكَّك فيها، هل ستعمل على حماية حرية التعبير عن الرأي؟!
ومثل ذلك يقال لكل الغربيين الذين يكيلون بمكيالين، فهذه فرنسا تمنع الحجاب، ثم يصرِّح وزير الداخلية الفرنسي أن يهود فرنسا "يستطيعون اعتمارَ القلنسوة بفخر"[1]، لماذا يقوم الغرب بكل هذا ؟
لماذا يحاول الغرب الإساءة للإسلام وأهله؟
إن هذا يعود إلى عدة أمور نبَّه عليها فضيلة الشيخ خباب الحمد في عدَّة أفكار طرحها عبر صفحته في ( الفيس بوك) وكان من أبرزها:
1- الخلفية الذهنية الخاطئة عن المسلمين، والتي تصوِّرهم بالدَّموية، وأن دينهم انتشر بحدِّ السيف.
2- النظرة الفوقية والاستعلاء العِرقي، وانظر مثلاً إلى ما أشار إليه رئيس وزراء الدينمارك منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى أهل الإسلام، ونعْته لهم بحثالة الشعوب في أكثر من مرة [2].
3- الحسد المطبق عليهم لسرعة انتشار الإسلام وتمدُّده في بلادهم (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)(البقرة 109) وتأمل ما قاله منغمري وات: " كان ظهور الإسلام لليهودية والمسيحية نوعاً من التحدي الديني والتاريخي، لقد حطم الإسلام النظام البنيوي-اللاهوتي لأوروبا"[3].
4- الرغبة في اكتساب الشهرة من بعض المسيئين كالرسام الدينماركي، ومُنتج الفيلم اليهودي، وبغية كثير منهم الحصول على بعض المكاسب المالية.
5- جهل كثير منهم بطبيعة دين الإسلام، ومن يعبد أهل الإسلام، يقول المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (نهاد عوض) أن ٣٠مليون امريكي يعتقدون أن المسلمين يعبدون القمر!
إن هذه الأسباب وغيرها كانت ولا تزال تدفع الغرب لمحاولة الإساءة للإسلام وأهله، أضف إلى ذلك ما قلناه في بداية المقال عن حقدهم وعدائهم التاريخي للإسلام، وتأمل قول الباحثة البريطانية (كارين أرمسترونغ) "علينا أن نتذكر أن الاتجاه العدائي ضد الإسلام في الغرب هو جزء من منظومة القيم الغربية"[4]، ولا عجب في قولها، فإن الله سبحانه قد بيَّن عداءهم لنا فقال (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا)(النساء101).
وقفات مع خطاب ( حسن نصر الله ) في نصرته المزعومة لرسول الله !
ثم إن من أعجب العجب ما قام به المدعو (حسن نصر الله ) من نصرةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قام بحشد الجموع الشيعية والمناصرة، وخطب فيهم خطبةً عصماء، هتف فيها قائلاً ( فداك يا رسول الله نفسي ودمي وأبي وأمي وأهلي ووِلْدي وكلَّ مالي وما خوّلني ربي فداء كرامتك وعرضك وشرفك ) وحمّل فيها المسؤولية لكلِّ من شارك في الفيلم، ومن دعمهم ومن حماهم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وإن لنا مع هذا الرجل وقفات:
أولاً: كلُّ هذه التعبئة لحزب الله بدعوى النصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأعداء الأمريكان قاموا بالإساءة إليه، فأين هذه التعبئة وأين الغيرة وأين التأليب على من يسبُّ ربَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في سوريا ؟ ألم يألّه البعث ( بشار الأسد ) ألم يشاهد (حسن نصر إيران ) عشرات المقاطع التي يحاول فيها الجيش البعثي ثني المسلمين عن دينهم والنطق بتأليه ( بشار ) ؟ أم أن هذا لا يعنيه لأن ( بشار ) رفيق السلاح ؟ ولأن بشار شيعيٌ علوي ؟ ولأن بقاءه يعني بقاء النفوذ الشيعي في المنطقة ؟ ولأن الحرب السورية حرب طهران كما صرح بذلك رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية ؟ أليس من الواجب أن تثور ثائرته على هذا الجيش الذي يكفر بالله ويقتل شعبه ويؤلِّه ( بشار )؟!
ثانياً: إن المدعو ( حسن نصر الله ) كما لا يخفى من الشيعة الجعفرية الاثني العشرية التي تعتقد بكفر الصحابة وعلى رأسهم ( أبو بكر وعمر )، والتي تتهم ( عائشة أم المؤمنين ) بما برأها الله منه… بل و يتقربون إلى الله بالطعن في عرض نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي صحب نبينا صلى الله عليه وسلم ثم يخرج على الناس ويهتف وبكل وقاحة (..نفسي ودمي وأبي وأمي وأهلي ووِلْدي وكلَّ مالي وما خوّلني ربي فداء كرامتك وعرضك وشرفك) والله إنه لعجيب؟!
ثالثاً: إن المدعو ( حسن نصر الله ) يكيل بمكيالين ؟ يرضيه قول ( بشار ) بأن الذين يؤلهونه إنما هم أفراد، وأن أعمالهم أعمال فردية، ولا تزر وازرة وزر أخرى!! ثم يهاجم الولايات المتحدة ويحملها كلها مسؤولية فيلمٍ صنعه أفرادٌ منهم أيضاً، ألا ترى أيها القارئ الكريم أنه يكيل بمكيالين؟ فإما أن يُحمِّل ( بشار ) وكلَّ زمرته المجرمة مسؤولية ثني المسلمين عن دينهم وتعذيبهم حتى الموت كما فعل مع الأمريكان، و إما أن يحمِّل الأفراد الذين قاموا بالفيلم وحدهم المسؤولية عنه كما فعل ( بشار ) مع الأفراد الذين ألَّهوه!![5]
رابعاً: إن هذا ( البشار ) عميل من عملاء اليهود، يقول ( روني دانئيل ): المسألة مسألة وقت حتى يصل القتال إلى الجولان، وستتحول حدودنا الشمالية لجحيم بعد هدوء استمر لعقود، بفضل الأمن الذي وفره لنا الأسد![6] ثم نرى المبالغة والاستماتة في الدفاع عن هذا المتألِّه العميل من قِبَلِ المدعو (حسن نصر الله ) ؟! ألا يستحِقُّ هذا المتألِّه ( بشار ) أن تُحشد في وجهه الحشود الثائرة بدلاً من مناصرته لتقاطُعِ المصالح الطائفية المشتركة بينهما؟! ألا تستحق الخدمة الأمنية التي قدَّمها – هو ووالده- لليهود أن تثور ثائرة المدعو ( حسن نصر الله )، وهو الذي يسبِّح ليل نهار بعداوته لليهود، ولكن الله يأبى إلا أن يفضح المنافقين وإن طال خداعهم للناس، يقول تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ، وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد 29 -30).
اللهم عليك ببشار وحاشيته وجيشه ومن عاونه ومن ناصره ومن شاركه، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.
واجب الحكام والعلماء والدعاة
ولا شك لدينا أن الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤوليها ومتنفذيها كلهم مدانون ومسؤولون عن الإساءة للإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم، فهم الراعون والحامون والمشجعون للحريات التي تخرِجُ مثل هذه الأعمال النتنة، ولا يشكُّ عاقلٌ في وجوب الوقوف أمام عربدتهم وغطرستهم وقفةً جريئةً قويةً تكون على قلب رجلٍ واحد، وهذا الواجب منوطٌ بالحكام والمسؤولين الكبار.
أما العلماء والدعاة فإن عليهم حملاً ثقيلاً، فهذه الأحداث ليست إلا مواسماً للتحرك الدعوي الهادف إلى تعريف الناس بالإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، ونشر ذلك على أوسع نطاق ممكن، وإن لنا في دعاة لندن لقدوة حسنة، حيث قاموا بنشر آلاف الكتب التي تعرِّف بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة ، وليس هذا إلا أقلّ القليل في حقِّ نبينا صلى الله عليه وسلم، ومما يُستبشر به في هذا المقام أن هذه المحاولة اليائسة للنيل من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم كانت -كغيرها من المحاولات اليائسة- سبباً في تعريف الكثير من أبناء الغرب بالإسلام، مما دفع الكثير منهم لاعتناقه، ولقد ذكر أحد أصحاب المكتبات في بريطانيا أن مبيعات الكتب الإسلامية قد شهدت ارتفاعاً في المتجر الذي يديره يتراوح بين 20% و30% عن المستوى الذي كان عليه الحال في الشهور الماضية[7]، فلله الحمد أولاً وآخراً.
إن المسؤولية الملقاة على العلماء والدعاة في هذه الأوقات مسؤولية كبيرة، فهم خط الدفاع الأول عن هذا الدين، لذلك فإن ما يُنتظرُ منهم في الأيام القادمة لابد أن يكون له وقعه وثِقله.
وفَّق الله المسلمين لما فيه عزُّهم وفلاحهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.