الحمد لله عظيم المنة، ناصر الدين بأهل السنة، معز من أطاعه واتقاه، وقاصم من أعرض عنه وعصاه، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي السائرة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهي التي تنجو من عذاب الله تبارك وتعالى وسخطه بخلاف غيرها ممن حرَّف وبدل، وتنكب صراط ربه تبارك وتعالى،
وهذا يوجب على المسلمين أن يجتمعوا على الحق، وأن يردوا ما تنازعوا واختلفوا فيه إلى الله تبارك وتعالى، وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(النساء:59)، وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}(الشورى:10)، وهاتين الآيتين عامتان في أي نزاع أو خلاف يقع بين المسلمين سواء كان في العقائد والأحكام، أو في الأخلاق وغيرها،
وإنما سمي أهل السنة بهذا الاسم لأنهم عظَّموا السنة والآثار، وعملوا بهما،
وسموا بالجماعة لأنهم اجتمعوا على ذلك، فمدار هذا الوصف على اتباع السنة وموافقة ما جاء بها من الاعتقاد، والعبادة والهدي، والسلوك والأخلاق، وملازمة جماعة المسلمين، وبهذا لا يخرج تعريف أهل السنة والجماعة عن تعريف السلف،
والسلف: هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والتابعون، ويلحق بهم العاملون بالكتاب المتمسكون بالسنة، فالسلف هم أهل السنة الذين قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم، وهذا هو المعنى الأخص لأهـل السنة والجماعة؛
فيخـرج من هذا المعنى كل الطوائف المبتدعة، وأهل الأهواء؛ كالخوارج والجهمية، والمرجئة والشيعة، ويلحق بهم الأحزاب العلمانية وغيرهم.
والسنة في هذا الصدد تقابل البدعة، والجماعة تقابل الفرقة، وهو المقصود في الأحـاديث التي أمرت بلـزوم الجماعة، وفيها النهي عن التفرق.
ولهذا جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {يوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}(آل عمران:106)،
قال: "تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة"1، أما المعنى الأعم لأهل السنة والجماعة؛ فيدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام عدا الرافضة، ويطلق أحياناً على بعض أهل البدع والأهواء بأنهم من أهل السنة والجماعة؛ لموافقتهم لأهل السنة في بعض المسـائل العقائدية مقابل الفرق الضالة، وهذا المعنى أقل استعمالاً عند علماء أهل السنة والجماعة؛ لتقيده في بعض المسائل الاعتقادية، ومقابل بعض الطوائف المعينة كالروافض، والخوارج، والمرجئة، والقدرية، وغيره2.
وأهل السنة والجماعة يتميزون على غيرهم من الفرق؛ بصفات وخصائص وميزات نذكر بعضاً منها:
1- أنهـم أهل الوسط والاعتدال؛ بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء؛ سواءٌ كـان في باب العقيدة أو الأحكام أو السلوك فهم وسط بين فرق الأمة؛ كما أن الأمة وسط بين الملل قال الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(البقرة:143) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فهم (أي أهل السنة) في باب أسماء الله وآياته وصفاته وسط بين أهل التعطيل الذين يلحدون في أسماء الله وآياته، ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه حتى يشبهوه بالعدم والموات، وبين أهل التمثيل الذين يضربون له الأمثال، ويشبهونه بالمخلوقات، فيؤمن أهل السنة والجماعة بما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف وتمثيل
"3، وقال رحمه الله: "أهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع الأمور، فهم في علي وسط بين الخوارج والروافض، وكذلك في عثمان وسط بين المروانية وبين الزيدية، وكذلك في سائر الصحابة وسط بين الغلاة فيهم والطاعنين عليهم، وهم في الوعيد وسط بين الخوارج والمعتزلة وبين المرجئة، وهم في القدر وسط بين القدرية من المعتزلة ونحوهم وبين القدرية المجبرة من الجهمية ونحوهم، وهم في الصفات وسط بين المعطلة وبين الممثلة"4، وقال رحمه الله تعالى في بيان عقيدتهم في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأنهم فيهم وسط بين الغالي والجافي: "وهم أيضاً في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وسط بين الغالية الذين يغالون في علي رضي الله عنه فيفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما، وأن الصحابة ظلموا وفسقوا وكفروا الأمة بعدهم كذلك، وربما جعلوه نبياً أو إلهاً، وبين الجافية الذين يعتقدون كفره وكفر عثمان رضي الله عنهما، ويستحلون دماءهما ودماء من تولاهما، ويستحبون سب علي وعثمان ونحوهما، ويقدحون في خلافة علي رضي الله عنه وإمامته، وكذلك في سائر أبواب السنة هم وسط لأنه متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين، والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان"5.
2- اقتصارهم في التلقي على الكتاب والسنة، والاهتمام بهما، والتسليم لنصوصهما، وفهمـهما على مقتضى منهج السلف قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرحه الطحاوي: "وطريق أهل السنة أن لا يعدلون عن النص الصحيح، ولا يعارضوه بمعقول، ولا قول فلان، كما أشار إليه الشيخ رحمه الله: "سمعت الحميدي يقول: كنا عند الشافعي رحمه الله فأتاه رجل فسأله عن مسألة فقال: قضى الله رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال رجل للشافعي: ما تقول أنت؟ فقال: سبحان الله أتراني في كنيسة، أتراني في بيعة، أتراني على وسطي زنار؟ أقول لك: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقول ما تقول أنت؟! ونظائر ذلك في كلام السلف كثير قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً}(الأحزاب:36)، وقال شيخ الإسلام – رحمه الله -: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة: اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))6، ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل أحد، وبهذا سموا: أهل الكتاب والسنة، وسمو أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين، والإجماع هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين؛ وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما تعلق بالدين"7، وهم كما قال ابن تيمية رحمه الله: "فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون؛ فإنه الصرط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين"8.
3- ليس لهم إمام معظَّم يأخذون كلامه كله ويدعون ما خالـفه إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أعلم الناس بأحواله، وأقواله، وأفعاله؛ وذلك لأنهم يعلمون أن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل يأخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فهم أشد الناس حـبّاً للسنة، وأحرصهم على اتباعها، وأكثرهم موالاة لأهلها، وكذلك تركهم الخصومات في الدين، ومجانبـة أهلها، وترك الجدال والمراء في مسائل الحـلال والحرام، ودخولهم في الدين كله، وفي ذلك يقول الإمام الصابوني رحمه الله: "ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات"9.
4- تعظيمهم للسلـف الصـالح من الصحابة والتابعين، ومن سار على منهجهم، واعتقادهم بأن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، قال الصابوني رحمه الله تعالى: "ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين، والحق المبين"10.
5- ويأمرون بالمعروف ويحثون الناس على الخير، ويدلونهم عليه، وذلك لأنه يقربهم إلى الله تبارك وتعالى، وينهون عن المنكر، ويحذرون الناس من مقاربته وذلك لأنه يغضب الرب تبارك وتعالى، ولذلك جعل الله تبارك وتعالى الخيرية في هذه الأمة بسبب أمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله تبارك وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(آل عمران:110) قال الإمام الصابوني رحمه الله تعالى: "ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب، والملبس والمنكح، والمصرف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع"11.
6- أنهم قدوة الصالحين: الذين يهدون إلى الحق، ويرشدون إلى الصراط المستقيم؛ بثباتهم على الحق، وعدم تقلبهم، واتفاقهم على أمور العقيدة، وجمعهم بين العلم والعبادة، وبين التوكل على الله، والأخذ بالأسباب، وبين التوسع في الدنيا والزهد فيها، وبين الخوف والرجاء، والحب والبغض، وبين الرحمة واللين، والشدة والغلظة، وعدم اختلافهم مع اختلاف الزمان والمكان.
7- أنهم لا يتسمون بغير الإسلام والسنة والجماعة قال العلامة ابن قدامة رحمه الله: "وكل متسم بغير الإسلام مبتدع كالرافضة والجهمية، والخوارج والقدرية، والمرجئة والمعتزلة، والكرامية والكلابية، والسالمة ونظائرهم فهذه فرق الضلال وطوائف البدع أعاذنا الله منها"12، وقال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله: "لا طائفية ولا حزبية يعقد الولاء والبراء عليها؛ أهل الإسلام ليس لهم سمة سوى الإسلام والسلام، فيا طالب العلم بارك الله فيك وفي علمك: اطلب العلم، واطلب العمل، وادع إلى الله تعالى على طريقة السلف، ولا تكن خراجاً ولاجاً في الجماعات، فتخرج من السعة إلى القوالب الضيقة، فالإسلام كله لك جادة ومنهجاً، والمسلمون جميعهم هم الجماعة، وإن يد الله مع الجماعة، فلا طائفية ولا حزبية في الإسلام"13، وقال الله تبارك وتعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ …}(الحج:78).
8- حرصهم على الجماعة والألفة، ودعوتهم إليها، وحث الناس عليها، ونبذهم للاختلاف والفرقة، وتحذير الناس منها، عملاً بقول الله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران:103)، وقال: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}(الروم:31-32) قال الطحاوي رحمه الله: "ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، ونحب أهل العدل والأمانة، ونبغض أهل الجور والخيانة"14.
9- عصمهم الله تبارك وتعالى من تكفير بعضهم بعضاً، ويحكمون على غيرهم بعلمٍ وعدل، وذلك لأن شأن التكفير خطير جداً، فلا يكفرون إلا من كفره القرآن والسنة، وأقيمت عليه الحجة قال الإمام الطحاوي رحمه الله: "ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"15.
10- محبة بعضهم لبعض، وترحُّم بعضهم على بعض، وتعاونهم فيما بينهم، وتكميل بعضهم بعضاً، ولا يوالون ولا يعادون إلا على الدين، وبالجملة فهم أحسن الناس أخلاقاً، وأحرصهم على زكاة أنفسهم؛ بطاعة الله تبارك وتعالى، وأوسعهم أفقاً، وأبعدهم نظراً، وأرحبهم بالخلاف صدراً، وأعلمهم بآدابه وأصوله قال الإمام الصابوني رحمه الله: "وإحدى علامات أهل السنة حبهم لأئمة السنة وعلمائها، وأنصارها وأوليائها، وبغضهم لأئمة البدع الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار، وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونورّها بحب علماء السنة، فضلاً منه جل جلاله ومنه"16.
11- ويبغضون كل من تنكب الصراط وزاغ عنه وحاد، فحبهم وبغضهم من أجل الله تبارك وتعالى، وعلى منهج الله عز وجل قال الإمام الصابوني رحمه الله: "ويتحابون في الدين، ويتباغضون فيه، ويتقون الجدال في الله، والخصومات فيه، ويجانبون أهل البدع والضلالات، ويعادون أصحاب الأهواء والجهالات، ويقتدون بالسلف الصالحين من أئمة الدين وعلماء المسلمين، ويتمسكون بما كانوا به متمسكين من الدين المتين والحق المبين"17، وقال رحمه الله: "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرت، وجرت إليها الوساوس والخطرات الفاسدة، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ…} (الأنعام:68)"18، وقال رحمه الله: "واتفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم وإخزائهم، وإبعادهم وإقصائهم، والتباعد منهم ومن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم، قال الأستاذ الإمام رحمه الله: وأنا بفضل الله عز وجل متبع لآثارهم، مستضيء بأنوارهم، ناصح لإخواني وأصحابي ألا يزلقوا عن منارهم، ولا يتبعوا غير أقوالهم، ولا يشتغلوا بهذه المحدثات من البدع التي اشتهرت فيما بين المسلمين، وظهرت وانتشرت، ولو جرت واحدة منها على لسان واحد في عصر أولئك الأئمة لهجروه، وبدعوه، ولكذبوه وأصابوه بكل سوء ومكروه، ولا يغرن إخواني حفظهم الله كثرة أهل البدع، ووفور عددهم؛ فإن ذلك من أمارات اقتراب الساعة"19، بل قد جاء ذم الكثرة في كثير من الآيات منها قول الله تبارك وتعالى:{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}(الأنعام:116)، وقال:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}(يوسف:103.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لطاعته ورضاه، وأن يجنبنا البدع والزلل في كل أعمالنا وأقوالنا وحركاتنا، ونسأله أن يعيننا على سلوك الصراط المستقيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الأطهار، وصحابته الكرام، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
احترامي