بسم الله ، والحمد لله ، الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا .
أحبتي في الله …
اتفقنا على أن واجب الوقت هو قرار التغيير ، وقلنا أن هناك اختبارات لابد منها في هذا الوقت لنتبين من نحن ، ونعرف كيف نتعامل بطريقة صحيحة مع مثل هذه الأحداث الدامية التي تجتاح الأمة ، ويئن لها قلب كل مسلم ، ويذوق مرارتها هؤلاء المستضعفون المظلومون .
أخي …
ذكرنا أن في قصة طالوت وجالوت كان التمحيص الإلهي للفئة المؤمنة من خلال ثلاثة اختبارات أريدك أن تقوم بتجربة نفسك فيها .
الاختبار الأول : الادعاء
قال تعالى : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِين " [ البقرة :246 ]
هل أنت مخلص في عهودك مع الله تعالى ؟
هل التزامك التزام أجوف ، فأنت صاحب أعمال ظاهرة لا وزن لها في القلب ؟
هل أنت من أصحاب الشعارات والعبارات الرنانة التي سريعا ما تنطفئ جذوتها أمام الشهوات والعادات ؟
هذا الاختبار تعداه كثرة كاثرة بلغت (80 ألف ) رجل خرجوا مع طالوت في معركته ضد جالوت ، وكم من الأمة الآن يمكن أن يكونوا مخلصين بحق ، صادقين في نياتهم ورغباتهم وأفعالهم تصدق أقوالهم ، أليس المرض مزمنا أننا صرنا كما قال القائل : أسمع جعجعة ولا أرى طحناً .
أليس المرض واضحا أنَّ الناس انقسموا ما بين متكلم ومستمع ، ثم لا هذا ولا ذاك في ميدان تطبيق ما ألقاه أو تلقاه ، وأن الفرق بين جيلنا وجيل الصحابة يتلخص في هذا ، أنهم يسمعون ليطبقوا ، ونحن نتعلم لنعلم ، وإذا قست المسافة الشاسعة بين الأقوال والأفعال عرفت من أين نؤتى ، ومن أين نبدأ في التغيير ؟
قم بدراسة هذا فيك ، واكتب مشاهد ومواقف في حياتك تجسد فيها هذا الداء ، وعاهد الله على التوبة منه ، واستثمر النقاط الإيجابية التي كانت في حياتك ، من قرارات بالفعل قمت بها ، واستغفر الله من تلك الصفة فيك من الآن فصاعدًا .
الاختبار الثاني : اختبار الدنيا
قال تعالى : " فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ " [ البقرة : 249 ]
أين محلها ؟؟ نعم الدنيا ما وزنها في قلبك ؟؟
هل أنت مهموم بالمسكن والمشرب والمأكل والزوجة والأولاد ؟؟ نعم طبعا ولا بأس ، لكن هل هذا هو أكبر همك ؟؟ هل هذا هو أكثر ما تهتم به ؟؟؟
ما شأن فتنة هذه الأمة فيك ؟ أعني فتنة المال ؟؟؟
سل نفسك :ما الذي يعطلك في الطريق إلى الله ؟ ما الذي يشدك ويثقل قدمك ؟؟
هل تعيش لرسالة ولهدف إيماني تكرس كل شيء في حياتك من أجل تحقيقه ؟
اكتب بصدق وإخلاص قائمة بأهدافك الأخروية ، وارتق الدرجات الإيمانية ، وخلص قلبك من الالتفات لشهوات الدنيا وتذكر هذه الثمانية الكاشفة لأحوالك .
قال تعالى :" قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " [ التوبة :24]
فتنة الأهل والأولاد والإخوة والزوجة والعشيرة والأموال والتجارة والمسكن المريح ما شأنها عندك ؟ ( أجب بصدق إن كنت تريد شيئا عمليا ) .
الاختبار الثالث : ضعف اليقين .
قال تعالى :" فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ " [ البقرة : 249-250 ]
عندما آن أوان الجد ، وكانت لحظة التطبيق ، جاءت الرواسب الفاسدة بداخلهم ، فأتت الموازين المادية ، ونسوا أنهم مسلحون بالإيمان واليقين .
من الذي ثبت هنا ؟؟ الذين يوقنون بأنهم سيلاقون الله تعالى فهل أنت منهم ؟
هل تتذكر لقاء ربك ؟ وحساب ربك ؟ وهل تعد له العدة ؟
قل لي بربك : كم تسأل ربك الفردوس الأعلى في يومك وليلتك ؟
قل لي بربك : هل تحلم بالجنة ؟ هل تذكر نفسك بمتاع الآخرة وتتصبر على بلاء الدنيا ؟
هل هذه الأحداث تفت في عضد يقينك بربك أم زادتك رسوخا بأن النصر آت وأنَّ انبعاث الفجر يكون عند أشد لحظة من ظلمات الليل ؟
اختبر يقينك هنا :
(1) يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "و الروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا و ما عليها "[ رواه البخاري ]
(2) وقال صلى الله عليه وسلم : " ركعتا الفجر خير من الدنيا و ما فيها " [ رواه الترمذي وصححه الألباني ]
فهل ذهابك للمسجد ورجوعك منه أحب إليك من مليون جنيه تربحها في يومك هذا ؟
أو هل سنة الفجر القبلية كذلك ؟
هذه تمحيصات ثلاثة لمن شاء منكم أن يكون مبرئا ساحته أمام الله عليه أن يجيب عليها ، ليعرف كيف يوجه زاوية الرؤية حيث الضبابية والغوغائية والفوضى ، فلنبدأ بها رحلة التغيير
ألا قد بلغت … اللهم فاشهد .