التصنيفات
مواضيع الرجل ( آدم)

هل يدخل الزواج في إطار المنطق الثقافي؟

هل يدخل الزواج في إطار المنطق الثقافي؟

ايمانويل دي بويسون

أن عدد الذين يعيشون وحيدين، في عصرنا الحالي يزداد مع الوقت، سواء أخيروا في ذلك أم أجبروا عليه. كما لا يؤدي عيش حالة من الغرام

بالضرورة إلى رغبة في عيش الحبيبين معا. وبما أن سن الارتباط أصبحت تتأخر أكثر فأكثر، أصبحنا نؤسس حياتنا الزوجية بعد نسج شبكة واسعة

من الروابط الاجتماعية، تتمثل في الأصدقاء والمحيط المهني والنشاطات الرياضية والسياسية والحركات الترابطية والحالات العلاجية… لكل منا

قصته وحالات من الفشل العاطفي وخشية من فقدان الحرية. أيكون هذا سبب توقينا الحذر من الحياة الزوجية اليومية إلى هذا الحد؟ تبين

هذه النزعة الغربية، أننا نفضل الوحدة الحرة، كأن الأمر أشبه بإيجار قابل للتجديد.

يفضل الكثيرون الحافظ على "هامش" لهم، يتيح لهم التفت من أي التزام، أي على إمكانية دائمة لفسخ العلاقة.

إننا نعيش في مجتمع لا تشكل فيه العائلة والحياة المهنية مصدر اطمئنان، وبالتالي فإننا ننتظر الكثير من شريكنا: المتعة والمشاركة

والسعادة واللحظات النادرة التي تتطابق فيها أفكارنا عن الحياة وما نعيشه في الواقع. فنحن نبحث عن شخص يوافقنا من دون أن نكف عن

القلق؛ عن شخص يعكس حقيقتنا وأكثر؛ عن شخص يشهد كل مرحلة من مراحل تقدمنا في الحياة.

أيكون الحل في المرور في حالات حب تتكيف وأنماط حيواتنا المختلفة؟ من الناحية البيولوجية، تمت برمجتنا لنتواءم وأربعة أنواع من

الوحدة، وأربع حالات حب كمالية، هي:

"الحب الذي نكنه لمرحلة تعلمنا معنى الحياة الزوجية والنضوج الجنسي؛ والحب الذي يولد فينا حس الأبوة، ويتبدد عندما يكبر الأولاد؛

والحب الذي يسمح لكل من الشريكين بالتمحور أكثر حول تحقيق ذاته؛ وحب مرحلة تحقق المساواة الفعلية والمشاركة الروحية".

علاوة على ذلك، راح ابتذال حالات الطلاق يفرض على الأجيال الشابة صورة بيانية للوحدة الزوجية. غالبا ما يتصرف أبناء هذا الجيل بتخلقية،

لذا نفهم أن كل العوامل تردعهم عن الارتباط. كما تغمرهم وسائل الإعلام والكتب والسينما بالانفعالات الجارفة والمأساوية. خلاصة الأمر،

بما أن توزيع الأدوار قد تغير تماما.

يحل الشريكان المفعمان بالطاقة الخلافات من دون الانتظار أن يرهق أحدهما من فكرة ضرورة تسوية الأمور، إلى درجة تفضيل فسخ العلاقة.

هو لا يبدد الطاقة التي يزودها به الآخر، فهو يعي وجود هذه الطاقة ويبعثها مجددا بنفسه. خلاصة الأمر، تسير الطاقة بحرية. وكلما سارت

أكثر، ازدادت. يمكننا تشبيه هذه الطاقة بحاجة ما، وشهية ما: كلما أكلنا، زادت رغبتنا في تناول المزيد من الطعام (ليس بالضرورة أي

نوع من الطعام!)؛ وكلما مارسنا الحب، زادت رغبتنا في إعادة الكره. لسوء الحظ، العكس صحيح أيضا. بمعنى آخر، كلما أعطينا أقل، تقل

رغبتنا في العطاء، فنبتعد وتغيب. وفي يوم من الأيام، لا نعود أبدا… إن كان وراء هذا الأمر سر، فهو في تصور ما للوقت، وفي حدة ما، وفي

قابلية للانفعال لا تنفك تتجدد. من الخارج، يبدو الثنائي كأي ثنائي آخر، بيد أن حياتهما الحميمة والسرية متجددة ومليئة بالمغامرات إلى

ما لا نهاية. فالعديدون منهم لا يكتفون بالتعاون، بل يعلمون بعضهم.

فلا تكون محادثتهم ثمرة اجتماع حوارين فرديين، بل حوار حقيقي، لكل فيه حقه. باختصار، يعيش الشريكان المساواة يوما بيوم، فهما لا

يتكاملان بل يتصلان؛ وهما لا يعيشان، بل يتوقعان باستمرار خطر الانفصال الذي لم يحدث بعد. كما أنهما يجهدان كي لا يقعا في خيبة الأمل. وهما

لا يفرضان الوفاء على أنه مبدأ صارم؛ وفي النهاية، هما يعيشان طوعا، وبكامل إرادتيهما، بكل بساطة.

من السهل جدا أن نعطي تحديدا للوفاء بقيمه الحقيقية، لكن كيف لنا أن نرسخ القيم التي نتشاركها مع الآخر؟ يكمن مفتاح الحل في التفكير

مع الآخر في الأمور التي اعتدنا أن نفكر فيها وحدنا. يتعلق الأمر بفهم الفكرة التي يكونها الآخر عن الحب، لا الوفاء للفكرة التي

نكونها بأنفسنا. ومن دون الأخذ والعطاء الدائمين، هذين، لا تتحرك العلاقة وتتضاعف مخاطر عدم الاتفاق والتناسب. في المطلق، ما من أمر

يجبر الشريكين اليوم على الاستمرار في رحلة الحياة معا، البقاء على العهد رغما عنهما. أصبح الشريكان محط البحث المشترك عن الهوية

بامتياز. فيجب أن تدعونا العلاقة بين أي اثنين، إلى مضاعفة قدرة الجاذبية عشرات المرات، وتجديدها تكييفها على الدوام.

خلال بحثي عن سر صمود الأزواج برغم مرور الوقت، اكتشف أشخاصا مفعمين بطاقة لا تستنفد أبدا، إلى درجة أنهم ينقولنها إلى الغير. لقد قابلت

جيدا الأقدار. ليست أسباب كل منا عادة تلك التي نعتقدها. من خلال مطالعاتي والخبرات التي صادفتها، بدا لي أن تبادل الطاقة بين

الشخصين يكفل استقرار العلاقة. هل نعتبر أن العيش معا لمدة طويلة جدا، انتصار على العدو والعدوان، أم أنه طريقة للاقتناع بضعف الذات

وضعف الآخر، والاستفادة من حالة روتينية؟

مهما يكن الأمر، فهذه الحياة أشبه برحلة طويلة محفوفة بالمخاطر. في الواقع، ما الذي يمكننا اعتباره طبيعيا أقل من الحياة بين رجل

وامرأة؟ قد يجب جميع الرجال بأن الأبسط هو العيش مع صديق. سوف نبحث معا، أنا وأنتم، عن مصدر بحثنا عن الحب المجنون في الأساطير والكتب.

هل يكون أي شريكين "ناجحين"، فكرة عن الحب تسمح لهما بالوقوف في وجه العواصف والرياح؟ كتب دجيونو: "الأمر يساوي بالنسبة إلينا أن

نستطيع، في حال كانت البحار في مدى أنظارنا، وهطلت الأمطار على مدار الساعة، تحمل المصاعب كافة، وألا نرى سوى العباب يشق طريقة في

المياه من كل جانب، وأن نشاء، بشكل خاص، أن نقود، لأن ذلك يؤكد لنا أننا ننبض بالحياة شأن المطر والبحر(…). تفتح كافة الآفاق ونحن

ندخلها؛ نفعل ذلك للهدف الذي كتب لنا أن نولد من أجله.

فنحن نقود للوصول إلى غرض ما".

المصدر: أسرار دوام العلاقات.


تحياتي

لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.