التصنيفات
رسول الله و أصحابه الكرام

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أكله وشربه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

وقد جاء الهدي النبوي فوضع لهذا المظهر الإنساني جملةً من الآداب التي ترفع من قيمة المسلم ، وتحقّق له التميّز على بقيّة الشعوب والأمم.

وأول ما يُذكر في هذا الباب ، القاعدة النبويّة العظيمة التي قرّرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ( ما ملأ ابن آدم وعاءً شرا من بطن ، بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه ، فإن كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) أخرجه أحمد و الترمذي ، فالمهم إذاً أن يجد الإنسان ما يحفظ له حياته ، لا أن يكون تناول الطعام وتنويعه هدفاً بحدّ ذاته .

أما عن صفة جلوسه – صلى الله عليه وسلم – على مائدة الطعام فقدكان يجثو على ركبتيه عند الأكل ، أو يَنصِبُ رجله اليمنى ويجلس على اليسرى، فعن أنس رضي الله عنه قال: " رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – جالساً مقعياً يأكل تمراً " رواه مسلم .

ثم إن من هديه – صلى الله عليه وسلم – الأكل باليمين ومما يليه، فقد جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه ، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ) رواه مسلم ،

وثبت عن عمر بن أبي سلمة قال : أكلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( سَمََّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ مما يليك ) متفق عليه.
وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – في تناوله طعامه ، أنه يأكل بأصابعه الثلاثة، وكان يلعقها إذا فرغ من طعامه ، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم-يأكل بثلاث أصابع ، فإن فرغ لعقها ) رواه مسلم ، يقول الإمام ابن القيم في زاد المعاد: " وهو أشرف ما يكون من الأكلة ، فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة ، والجشع الحريص يأكل بالخمس ، ويدفع بالراحة " .

ومن كمال هديه – صلى الله عليه وسلم – في الطعام أنه كان لايرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً ، فما قُرَّب إليه شيء من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " ما عاب النبي- صلى الله عليه وسلم – طعاماً قط ، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه " رواه البخاري و مسلم .

ومن الأطعمة التي ثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكرهها ويعافها ، لحم الضبّ ، ويبيّن سبب ذلك بقوله : ( …ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه ) متفق عليه .

وصحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كراهيّته لأكل الثوم ، وذلك لأجل ريحه ،
فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا أكل طعاماً بعث بفضله إلى أبي أيوب ، فأتى يوماً بقصعة فيها ثوم فبعث بها ، فقال أبو أيوب : يا رسول الله ، أحرام هو ؟ ، فقال له : ( لا ، ولكني أكره ريحه ) رواه أحمد .

ويظهر من سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه لم يكن يأنف من تناول الطعام مع أيّ شخص ، مهما كان عمره أو وضعه الاجتماعي ، تواضعاً منه عليه الصلاة والسلام .

أما عن هديه – صلى الله عليه وسلم – في شرابه فقد كان يشرب باليمين ،كما ورد ذلك في الأكل ، وكان يشرب الماء على ثلاث دفعات ، كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان يتنفس إذا شرب ثلاثاً رواه البخاري و مسلم ، وفي رواية أخرى: كان رسول الله يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول : ( إنه أروى وأبرأ وأمرأ ) ، فهديه – صلى الله عليه وسلم – في شرب الماء أنه يقسم شرابه إلى ثلاثة أجزاء يتنفس بينها، مبعداً الإناء عن فيه وعن نفسه وقاية له من التلوث ، وكان ينهى عن التنفس في الإناء ، كما ثبت ذلك عنه بقوله – صلى الله عليه وسلم – : ( إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ) رواه البخاري .

ومن هديه – صلى الله عليه وسلم – في ذلك ، أنه كان قليلاً ما يشرب قائماً ، حتى قال – صلى الله عليه وسلم- : ( لا يشربن أحدكم قائماً ) رواه مسلم ، وورد عنه أنه شرب قائماً ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " سقيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فشرب وهو قائم" رواه البخاري و مسلم ، وذكر العلماء في الجمع بين أحاديث النهي والإباحه أن النهي محمول على كراهة التنزيه ، وشربه – صلى الله عليه وسلم – قائماً بيان للجواز.

ومن الآداب التي سنّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمتعلّقة بالشرب عند اجتماع الناس – أن يكون ساقي القوم هو آخر من يشرب ، فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( إن ساقي القوم آخرهم شربا ) رواه مسلم ، وأن يكون تقديم الشراب باعتبار الجهة لا السنّ والمكانة ، يوضّح ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن شاةً حُلبت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وكان على يساره عليه الصلاة والسلام أبو بكر ، وعن يمينه أعرابي ، فأمر أنس أن يعطي الأعرابي ، وقال له : ( الأيمن فالأيمن ) متفق عليه .
وأكثر ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحبّ شربه : اللبن ، حتى كان يقول في حقّه : ( ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ) رواه الترمذي ، وكان يخصّص له من الشكر ما ليس لغيره من الأطعمة ، وقد روى ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( من أطعمه الله الطعام فليقل : اللهم بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ) رواه الترمذي .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعجبه شرب الماء العذب البارد ، ويطلب أن يُحضر له من الآبار ، كما ثبت في السنن .
وهكذا تبقى السنة النبوية هي الأكمل أدباً ، والأعظم أجراً ، والأحفظ لمكارم الأخلاق ، إضافةً إلى ما يترتّب عليها من المحافظة على صحّة البدن ونضارته ، فصلوات الله وسلامه على معلّم البشريّة .





لقراءة ردود و اجابات الأعضاء على هذا الموضوع اضغط هنا
سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.