[BACKGROUND="100 #CCCCCC"]
خديجة بنت خويلد.. الزوجة والأم
كانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها من نعم الله العظيمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد عاشت معه ربع قرن في رحلة اشتملت على الكثير من لحظات الشدة والسعادة معا.
فكانت تحن عليه ساعة قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته، وتشاركه في لحظات الجهاد المرة، وتواسيه بنفسها ومالها.
وعنها يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرم ولد غيرها)حسنه بعض أهل العلم.
وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: "أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله.
هـذه خديجة قـد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقـرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ".
مولدها:
ولدت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عام 566 ميلادية، أي وقبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بـ 68 عاما.
وهي سيدة من سيدات قريش الشريفات، اسمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي القرشية الأسدية من بني أسد.
كانت خديجة رضي الله عنها من أوائل الناس الذين ساندوا الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية حياته، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه، إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنمًا.
وفي الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجرًا إلى الشام في مال خديجة رضي الله عنها.
قال ابن إسحاق: كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه.
وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم:
ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، ورأت خديجة منه الأمانة ورأت في مالها من البركة ما لم تر من قبل، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأي فيه صلى الله عليه وسلم من سلوكيات عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة.
وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبي عليهم ذلك؛ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، فذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه.
وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة.
وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة (وقيل 35سنة، وقيل أقل من ذلك)، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم، فقد ولدت له: أولا القاسم ـ وبه كان يكنى ـ ثم زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبد الله . وكان عبد الله يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم.
أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى الله عليه وسلم سوى فاطمة رضي الله عنها، فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.
نزول الوحي:
ولما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء وبلغ منه الجهد، وعاد إلى خديجة خائفا يرتجف وهو يقول: (زَمِّلُونى زملونى)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ولما حكى لها ما حدث، وقال لها:
(لقد خشيت على نفسي)، فقالت خديجة: كلا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عمها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي.
فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجيّ هم؟) قال:نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن توفي، وفَتَر الوحى. و هذا الحديث رواه البخاري.
وفي أثناء الحصار الظالم الذي ضربه المشركون على المسلمين في شعب أبي طالب؛ كانت خديجة رضي الله عنها إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم تواسيه، وكان بعض أقاربها من المشركين يتحايل على الحصار ويهرب لهم المؤن، فكان حكيم بن حزام يحمل قمحًا إلى عمته خديجة، وقـد تعـرض لـه مرة أبو جهل وحاول منه، فتدخل بينهما أبو البخترى، ومكنه من حمل القمح إلى عمته.
وفاتها:
وفي عام 620 ميلادية وقبل الهجرة بثلاثة أعوام توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بعد وفاة أبي طالب بنحو ثلاثة أيام، وكانت وفاتها في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، وكان عمرها خمس وستون سنة.
وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه؛ حيث تجرأوا عليه وكاشفوه بالأذى بعد موت أبي طالب، فازداد غمًا على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجـاء أن يستجيبوا لدعوتـه، أو يؤووه وينصـروه على قومــه، فلم يـر مـن يؤوى ولم يـر ناصرًا، بل آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله قومـه.
وقد توفيت أم المؤمنين خديجة قبل أن تنزل الفرائض، وقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل نساء الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون"رواه أحمد وصححه الشيخ شاكر، والألباني.
الكاتب: عبد العزيز بكر
المصدر: موقع لها أون لاين
[/BACKGROUND]